08 مارس 2017

د. محمد محفوظ يكتب : الشيخ محمد عبد الله نصر وإبراهيم عيسى .. بين فقه مقيد وقضاء لا يتقيد

د. محمد محفوظ يكتب : الشيخ محمد عبد الله نصر وإبراهيم عيسى .. بين فقه مقيد وقضاء لا يتقيد
من حماقات الواقع السفيه ، أن يتم الزج بذلك الأزهري المجدد في السجن . عقاباً له على عدم تسليم عقله لكتب التراث الصفراء بعلومها الزائفة ومناهجها المنقرضة . وتنكيلاً به لأنه أراد التدبر في كتاب الله بمنهج العقل لا النقل ، ومنطق الإبداع لا الاتباع .
ومن سفاهات الواقع الأحمق ، أن يتم إحالة ذاك الصحفي الأديب المثقف واسع الاطلاع ناصع البيان إلى المحاكمة . لأنه أراد أن تكون الكلمة لوجه الله والوطن والشعب ، وليس للرئيس أو حكومته أو مجلس النواب . ولأنه أدرك بأن هناك انحرافا فادحا جارحا في المسار ، يعود بنا إلى ذات الماضي الذي خرج عليه الشعب وثار .
نعم .. تم حبس الشيخ / محمد عبد الله نصر في غيابات السجون بتهمة ازدراء الأديان ، بدعوى إنكاره حداً من حدود الله هو " حد قطع يد السارق " . بينما غلاة السلفيين الظلاميين المتدعوشين قلباً وقالباً ينعمون برعاية الدولة وغضها الطرف عن دروسهم ومحاضراتهم وكتبهم وتمويلاتهم .
وتم إحالة الأستاذ / إبراهيم عيسى إلى المحاكمة - بعد الإفراج عنه بكفالة - بتهمة إهانة مجلس النواب من خلال نشر جريدة " المقال " لقفشة ساخرة تصف المجلس بفيلم الكارتون ، وبتهمة نشر أخبار كاذبة تدور حول عدم فاعلية خطط مواجهة سرطان الإرهاب في سيناء بما أدى لنزوح أقباطها ونفاذ صبر باقي سكانها .
ولا عجب في كل ذلك .. فالرئيس الذي كان قد نادى بالثورة الدينية أصبح الآن يجاهر بأن " تجديد الخطاب الديني حياخد وقت " . وذات الرئيس الذي كان قد أقسم على احترام الدستور لم يتردد في وصفه بعد ذلك بأنه " دستور كُتب بنوايا حسنة " .
وبالتالي ، أصبح مفهوماً الآن أن الدولة التي سلمت قيادها للأجهزة الأمنية لتحميها من براثن المؤامرة الكونية ، لا ولن يعنيها أن تفك سلاسل وأساور الفقه المقيد ، ولا ولن يشغلها أن يصبح جانب الحقوق والحريات في الدستور مهجوراً على يد فرع في مؤسسة القضاء لا يتقيد .
وبين ذلك الفقه المقيد بسلاسل الأقدمين فيتهم المجددين بازدراء الدين ، وذاك الفرع من القضاء الذي لا يتقيد بمبادئ الحقوق والحريات فيجعل المعارضين كالمجرمين .
بين " المقيد " والذي " لا يتقيد " .. نجد أنفسنا في حاجة لاجترار البديهيات حول كل من : ضوابط من المفترض أن لا تغيب عن الفقه ، وأصول لا يجوز أن يتجاهلها فرع من مؤسسة القضاء والعدل .
أولاً - ضوابط تغيب عن الفقه المقيد :
يكشف التدبر العقلي في القرآن الكريم عن ورود لفظ " القطع " بآياته في سياقات متعددة بمعان مختلفة ، تتراوح بين الجرح أو المنع أو البتر أو المباعدة أو التقسيم .
ولعل هذا الاختلاف في معنى الكلمة الواحدة بتعدد سياقاتها ، يشير إلى مقصد إلهي ينبغي التسليم به ، مفاده : أن الاستخدام الإلهي لذات الكلمة بمعان متعددة لا يشير والعياذ بالله إلى عجز عن استخدام  كلمات أخرى تفيد المعنى المقصود ، وإنما ينم عن مقصد إلهي يفتح مساحة رحبة لنسبية مفهوم عقوبة القطع باختلاف الزمان والمكان وشدة الفعل المحرم . وبذلك يسمح هذا المنحى بالانتقال بالعقوبة من السياق المطلق للتشريع الإلهي إلى السياق النسبي للتشريع البشري .
وهذا المنحى القرآني يفتح الباب لضرورة التفرقة بين عدة مستويات عند التعامل مع الأحكام الشرعية ؛ سواء أكانت فى القرآن الكريم أم السنة النبوية .
فالأحكام الشرعية إما قطعية أو ظنية فيما يتعلق بمصدر ثبوتها ؛ وإما قطعية أو نسبية فيما يتعلق بمقاصدها ودلالاتها ؛ وذلك وفقا للترتيب الآتي :
- أحكام قطعية الثبوت ؛ قطعية الدلالة .
- أحكام قطعية الثبوت ؛ نسبية الدلالة .
- أحكام ظنية الثبوت ؛ قطعية الدلالة .
- أحكام ظنية الثبوت ؛ نسبية الدلالة .
ويقتصر شرع الله فقط على الطائفة الأولى من هذه الأحكام ؛ أي الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة . بينما يخرج من دائرة شرع الله ويدخل إلى دائرة شرع البشر كل حكم شابته الظنية فى الثبوت أو النسبية فى الدلالة .
فالأحكام " ظنية الثبوت " مهما تدخل البشر بعلمهم المحدود ليقدموا الأسانيد على صحتها ، باعتبارها واردة بالروايات والأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فإن تلك الأسانيد تظل تنتمي إلى علم البشر الذى قال الله تعالى عنه : .. وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا . سورة الإسراء - الآية ٨٥ . وبالتالي تظل تلك الروايات والأحاديث مشوبة بالظنية من حيث الثبوت ؛ مهما اجتهد المجتهدون فى تأكيد ثبوتها ؛ ومهما أقاموا من علوم مثل علم الجرح والتعديل - علم الرجال - لمنهجة هذا الثبوت ، مصداقاً لقوله تعالى : .. إن الظن لا يُغني من الحق شيئا ..  . سورة يونس - الآية ٣٦ .
وكذلك الأحكام " نسبية الدلالة " ، فمهما تدخل البشر بعلمهم المحدود ليقدموا أدلتهم البشرية على صحة تأويلاتهم لها ؛ فإن هذه التأويلات تظل محصورة فى إطارها النسبي المحكوم بسياق الزمان والمكان ؛ ودرجة الرقي فى السلم العلمي والمعرفي والحضاري ؛ بل ومسكونة برغبات وأهواء ومصالح وتفضيلات وهفوات وأخطاء من قام بتأويلها .
ولقد أشار الله سبحانه وتعالى لهذا في قوله تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات .. . سورة آل عمران - الآية ٧ .
فالآيات المحكمات هي التى تتضمن الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة ؛ فهى قاطعة فى ثبوت مرجعيتها إلى الله تعالى ؛ وقاطعة فى وضوح وجلاء مقصد دلالتها .
أما الآيات المتشابهات فهي التى تتضمن الأحكام قطعية الثبوت نسبية الدلالة ؛ الثابتة فى مرجعيتها إلى الله تعالى ؛ ولكنها نسبية فى دلالة معانيها لتعدد مقاصد تأويلها ؛ بما يعني أنها حمالة أوجه .
وبهذا ؛ تشير نسبية الدلالة إلى معنى هام جداً ؛ وهو أن الحكم المستنبط من الآيات المتشابهة لا يمكن رده إلى الله تعالى ؛ وإنما ينبغي التعامل معه باعتباره حكماً بشرياً لا يمكن القطع بأنه يدخل فى مراد الله ؛ وإنما ينتمي إلى بواعث وتوجهات ومقاصد البشر .
فشبهة الظنية فى الثبوت أو النسبية فى الدلالة ؛ تنزع عن الحكم مرجعيته الإلهية ومقاصده الربانية ؛ وتحيله الى مرجعية البشر ومقاصدهم .
ولذلك لا تثريب على أي مجتهد ، سواء أكان الشيخ / محمد عبد الله نصر أو غيره في أن ينكر ما يراه تأويلًًا بشرياًً ، ويستبدله بتأويل بشري آخر .
بل إن الذين ينكرون على المجددين تأويلاتهم البشرية المعاصرة تمسكاً بتأويلات بشرية تراثية قديمة ، هم الذين يقعون في هاوية ازدراء الأديان ، لأنهم يرفضون مراد الله في نسبية بعض الأحكام ويجعلونها مطلقة في مقاصدها وعقوباتها .
إذن .. وبكل لغات العالم .. الشيخ / محمد عبد الله نصر .. بريء مما يفترون .
ثانياً - أصول تغيب عن قضاء لا يتقيد :
ربما يكون السؤال العبثي الذي ما كان له أن يكون مطروحاً هو : هل الاستناد إلى حرفية النصوص القانونية ؛ دون ربطها بنصوص الدستور أو بأحكام المحاكم العليا ؛ يمكن أن يكون مبرراً لمحاصرة حرية الأفراد فى التعبير ؟ بل ورميهم في السجون مع المجرمين ؟
قطعاً هذا هو السؤال الذي يجب أن يوضع داخل رأس كل قاض أو وكيل نيابة ، يتبوأ مكانه في السلطة القضائية التي ينبغي عليها أن تحكم بالقانون بشرط عرضه على الدستور ، فإن كانت تشوبه مخالفة دستورية أصبح لزاماً تعطيل الحكم بهذا القانون لحين تطهيره مما يعتريه من عوار عدم الدستورية .
والواقع أن الغابة التشريعية المصرية مسكونة بالعديد والعديد من الشراك والأفخاخ القانونية ؛ التي تجعل السجن أو الحبس هما العقوبة التلقائية في مواجهة أية ممارسة لحرية التعبير تخرج عن نطاق العرف ، أو تتصادم مع المألوف ، أو تتعارض مع الفكر المحافظ ، أو تحمل أي نوع من التجديد .
ولذلك فقد انتصر الدستور لحرية التعبير وأسبغ عليها حماية تحصن صاحبها من أية عقوبة سالبة للحرية ، وذلك بموجب المادة رقم ٦٧ التي تنص على الآتي : ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الفكري أو الأدبي . وبموجب المادة رقم ٧١ التي نصت على الآتي : ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية .
وللأسف ، فإنه رغم تخاذل البرلمان عن تطهير القوانين من النصوص غير الدستورية ، فإن هناك طائفة من رجال القضاء لا ينشغلون بالبحث الدستوري والقانوني ؛ ويتغافلون عن التصدي للنصوص القانونية التي تحمل شبهة عدم الدستورية فلا يحيلونها للمحكمة الدستورية للفصل فيها . فضلاً عن عدم متابعتهم لأحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا وقرارات النيابة العامة المصرية ؛ التي انتصرت فى دعاوي معلومة ومشهورة لحرية الأفراد فى التعبير ، تلك الأحكام والقرارات التي ينبغي التعامل معها باعتبارها مبادئ وتفسيرات دستورية وقواعد قانونية وسوابق قضائية ؛ ينبغي الاستناد إليها فى الانتصار لحرية النشر والكلام والنقاش والإبداع والتفكير والاعتقاد ؛ وباعتبارها تمثل خلاصة تجربة مؤسسة العدالة فى مصر فى أزهى صورها .
وفيما يلي جواهر منتقاة من أحكام المحكمة الدستورية العليا فى عهد رئيسها الراحل المستشار الدكتور / عوض المُر .
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ٣٧ لسنة ١١ قضائية دستورية بتاريخ ٢ فبراير ١٩٩٣ :
” إن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوماً رصد كل عبارة احتواها مطبوع وتقييمها – منفصلة عن سياقها – بمقاييس صارمة . ذلك أن ما قد يراه إنسان صواباً فى جزئية بذاتها ، قد يكون الخطأ بعينه عند آخرين ، ولا شبهة فى أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيراً ما يلجأون إلى المغالاة ، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه ، فإن قدراً من التجاوز يتعين التسامح فيه ، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجباً إعاقة تداولها “.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ٧٧ لسنة ١٩ قضائية دستورية بتاريخ  ٧ فبراير ١٩٩٨:
” وحيث أن المشرع وكلما تدخل بلا ضرورة لتقييد عرض آراء بذواتها بقصد طمسها أو التجهيل بها بالنظر إلى مضمونها ، كان ذلك إصماتاً مفروضاً بقوة القانون فى شأن موضوع محدد انتقاه المشرع انحيازاً ، مائلاً بالقيم التي تحتضنها حرية التعبير عن متطلباتها التى تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر عن مصدرها أو محتواها ، … وإن الحمل على اعتناق بعض الآراء أو إقماع غيرها ، سوءتان تناقضان مفهوم حوار يقوم على عرض الأفكار وتبادلها والإقناع بها . كذلك فإن موضوعية الحوار شرطها شفافية العناصر التى يدور الجدل حولها ، بما يحول دون حجبها أو تشويهها أو تزييفها “.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ٣٧ لسنة ١١ قضائية دستورية بتاريخ ٢ فبراير ١٩٩٣ :
” إن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها ، وإن الطريق إلى السلامة القومية إنما يكمن فى ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح …. إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون . ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ، ولحرية الإبداع والأمل والخيال ، وهو فى كل حال يولّد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة فى قمعها ، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها ، مما يهدد فى النهاية أمن الوطن واستقراره “.

والواقع أن مضمون هذه الأحكام يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ؛ بأن المحكمة الدستورية العليا تنظر إلى كافة القوانين التي تقيد حرية الأفراد فى التعبير باعتبارها قوانين غير دستورية . ونظرا لأن الدستور المصري أصبح يقيد العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية ، فإنه كان ينبغي على أي قاض يحترم مقعد العدالة الذى يجلس عليه ؛ أن يحيل أية دعوى تستند إلى نصوص قانونية تقيد حرية التعبير أو تعاقب صاحبها بالحبس إلى المحكمة الدستورية العليا لإبداء الرأى فيها ؛ قبل أن يلوث يديه بإصدار حكم يصادر به حرية الأفراد فى التعبير ويزج بهم خلف القضبان.
ولعل تجارب الأمم المتحضرة والمتقدمة تثبت بأن التمكين لحرية التعبير هو السبيل الى السلامة المجتمعية ، بينما القمع لها هو السبيل إلى الغليان ثم الانفجار .
ولعل المنطق الذي يحكم هذا التوجه مفاده : أن المسئول العام أو المؤسسات العامة ينبغي أن يكونوا دوماً عرضة لسهام النقد مهما كان لاذعاً أو حتى مهيناً ، وذلك لأن السياسات أو التشريعات التي يقرها ذلك المسئول العام أو تلك المؤسسات العامة هي سياسات أو تشريعات تمس الملايين من المواطنين ، ومن الطبيعي أن هناك منهم من سيتقبلها ومن سيعارضها . ونظراً لوجود اختلافات فردية بين هؤلاء المواطنين في التربية والثقافة والكياسة والحماقة والتأني ونفاذ الصبر ، ومن ثم تتباين أساليبهم في التعبير ورد الفعل . فإن قدراً كبيراً من ضبط النفس ينبغي أن يتسلح به أهل الحكم ، ليس من باب المهانة والضعف ، ولكن من باب الترفع عن الصغائر وتمكين الناس من التعبير عن آرائهم في شئون الحكم ، مهما تجاوز هذا الرأي أو اشتط . وبهذا تكتسب الدولة هيبتها من منطلق الترفع والتسامح ، وليس من منطلق الترهيب والبطش .
ولعل الإعلام الغربي يفيض بكم هادر من السخرية اللاذعة البذيئة التي تمس رؤوس أهل الحكم بسلطتيه التنفيذية والتشريعية ، ولعل " مايكل مور " المخرج الأمريكي الشهير يمثل نموذجاً بتعليقاته المهينة البذيئة تجاه الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش . كما يمثل الإعلام البريطاني نموذجاً في تشبيهه لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بالكلب الذي يقوده الرئيس الأمريكي .
السلطات الديمقراطية تبلع لمواطنيها الزلط .
بينما السلطات الديكتاتورية تتمنى لمواطنيها الغلط .
السلطات الحاكمة تفتح لمواطنيها كل القنوات فيصيبها ما تستحقه أو لا تستحقه من النقد .
بينما العصابات الحاكمة تترصد مواطنيها في كل كلمة وحرف ، لينالهم ما يستحقون أو لا يستحقون من التجريس والبهدلة والحبس .
إذن .. وبكل لغات العالم .. إبراهيم عيسى بريء مما يفجرون .
............
وأخيراً .. وليس آخراً .. كسر الأقلام وقطع الألسنة .. لا يفتح الطريق إلا للرقاصين والطبالين والشمشرجية .
ومن الآخر .. اللي متغطي بيهم عريان .. واسألوا من سبقكم على الدرب .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com