13 أغسطس 2014

د. محمد محفوظ يكتب : بعد مرور عام على فض رابعة والنهضة ( أسئلة وملاحظات )


تاريخ النشر : 13 أغسطس 2014
لينك المقال :
http://www.masrawy.com/News/Writers/General/2014/august/13/5959888.aspx

بالطبع يمكن أن أتناول بالتحليل عمليتي فض اعتصامي رابعة والنهضة من خلف شاشة الكمبيوتر ومن داخل حجرة مكيفة.
ولكن المزايدة على زملائي من ضباط وأفراد الشرطة الذين يغادر كل منهم منزله ولا يعلم إن كان سيعود له مرة أخرى أم لا ؛ لأنه يمكن أن ينضم إلى طابور طويل وممتد من الشهداء لا يعلم إلا الله نهايته.. هذه المزايدة ليس هذا زمانها ولا أوانها .
ولكن بمناسبة مرور عام على فض الاعتصامين ؛ يحق لي أن أوجه عدد من الأسئلة إلى الذين كانوا يدعون كذبا بأن اعتصامي رابعة والنهضة سلميين .
ـ من الذي قتل ما يزيد عن 50 ضابط وفرد شرطة خلال عمليتي فض الاعتصامين؟
ـ من المسئول عن العمليات الإرهابية التي تستهدف ضباط وأفراد الشرطة والجيش والمنشآت والأهداف الحيوية؛ وعن السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وعمليات الاغتيال التي يتم ارتكابها منذ فض الاعتصامين وحتى الآن؟
ـ وهل يمكن للسلميين أن يتحولوا في يوم وليلة إلى إرهابيين؟
ـ وهل المفرقعات والأسلحة التي تستخدم في العمليات الإرهابية ظهرت فجأة وبين ليلة وضحاها في يد من يستخدمونها؛ أم أن تلك المفرقعات والأسلحة كان يتم تخزينها منذ فترة لاستخدامها فيما بعد ضد المعارضين لنظام الإخوان وضد كل افراد الشعب؟
وبالتالي فإن المنطق السليم يقرر بأن فض الاعتصامين كان لازماً ؛ لأنهما كانا يمثلان بروفة لبؤر إرهابية متعددة ومتمددة ؛ تمولها وترعاها جماعات إرهابية؛ من أجل ترويع الشعب وتمزيق الدولة.
تقرير ''ابن خلدون''
ولكن إذا أردنا تقييم عمليتي فض الاعتصامين من وجهة نظر منظمة حقوقية؛ فإنه يمكن الاستناد إلى تقرير مركز ابن خلدون برئاسة الدكتور سعد الدين إبراهيم؛ خصوصا وأن المركز ورئيسه يتمتعان بسمعة دولية كبيرة.
التقرير صدر بتاريخ 22 أغسطس 2013 ؛ وكان بعنوان: تقرير مراقبة فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة وأحداث العنف التي تلتهما، وقد انتهى التقرير إلى أن الشرطة التزمت بعدد 6 إجراءات في عمليتي فض الاعتصامين؛ تتمثل في الآتي: التفاوض ـ صدور قرار الفض من النيابة ـ التحذير الصوتي ـ توفير ممر أمن للخروج ـ تكسير حواجز الاعتصام ـ التعامل بالقوة تدريجياً .
ولكن بعيداً عن هذا التقرير؛ فإن الحكم الأخير على أي تجاوزات ربما تكون قد حدثت أثناء فض الاعتصام؛ سينتظر لحين صدور تقرير لجنة تقصى حقائق أحداث 30 يونيو وما بعدها التي شكلها الرئيس عدلي منصور بتاريخ 21 ديسمبر 2013؛ والتي من المقرر أن تنتهي من تقريرها خلال الشهر القادم سبتمبر 2014 .
ولكن في تقديري؛ فإن أهم النتائج المترتبة على فض اعتصامي رابعة والنهضة؛ تتمثل في أنه بتاريخ 24 نوفمبر 2013م؛ أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور؛ القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013م ؛ الخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية.
فلقد أدى الاعتصامين بتداعياتهما الخطيرة وأعمال العنف والتظاهرات التي تلت فضهما؛ إلى ضرورة إصدار قانون جديد لتنظيم التجمعات؛ ورغم اعتراض معظم المنظمات الحقوقية على القانون؛ وإحالته مؤخرا إلى المحكمة الدستورية العليا للطعن بعدم دستورية مادته رقم 8؛ إلا أن القانون الجديد في تقديري قد انطوى في مادتيه رقم (12) ورقم (13) على قواعد جديدة للاشتباك أثناء فض التظاهر؛ مما استتبع تعطيل البند رقم (3) في المادة رقم ( 102 ) من قانون الشرطة ؛ هذه المادة سيئة السمعة التي كانت تنادي كل المنظمات الحقوقية بضرورة إلغائها؛ والتي كانت تنص على جواز فض التظاهر الذى يعرض الأمن العام للخطر باستعمال السلاح دون ضوابط واضحة للكافة ؛ وإنما وفقا لضوابط يحددها فقط وزير الداخلية بقرار منه يحدد فيه الإجراءات التي تتبع لفض التظاهرات وكيفية توجيه الإنذار وإطلاق النار.
ولهذا تبرز أهمية قانون التظاهر الجديد؛ الذي كان أحد توابع فض الاعتصامين؛ لما نص عليه من ضرورة اتباع عدد من الخطوات المتدرجة لتفريق التظاهرات غير القانونية تتمثل في الآتي: توجيه إنذارات شفهية بالتفرق ـ استخدام خراطيم المياه - استخدام الغازات المسيلة للدموع - استخدام الهراوات - استخدام الطلقات التحذيرية - استخدام قنابل الصوت أو قنابل الدخان - استخدام طلقات الخرطوش المطاطي ـ استخدام طلقات الخرطوش غير المطاطي.
وبالتالي فإن الإضافة التي ترتبت على صدور ذلك القانون تتمثل في وضع قواعد واضحة ومتدرجة للاشتباك؛ بخلاف القواعد العامة لحالات استعمال السلاح التي كان منصوصاً عليها في المادة رقم (102) من قانون الشرطة؛ والتي كانت تعطى لوزير الداخلية حق تنظيم إجراءاتها بقرار وزاري. كما أن القانون اعترف بحق هام جداً ؛ وهو الحق في (المنبر العام) في مادته رقم 15؛ من خلال النص على إصدار كل محافظ قرار يتم فيه تحديد منطقة تباح فيها الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات السلمية للتعبير فيها عن الرأي دون تقديم إخطار مسبق للسلطات .
وبالتالي فإن السؤال الذى يثور بعد مرور ما يقارب من 9 أشهر على صدور قانون التظاهر؛ ومرور عام على فض الاعتصامين ؛ يتمثل في الآتي:
أين هي المنابر العامة التي نص عليها قانون التظاهر والتي يتاح فيها الحق في التعبير السلمى دون إخطار مسبق؟؟؟؟؟
وأرجو من ''مصراوي'' أن يتبنى هذا الموضوع ويطرح السؤال على رئيس الوزراء وعلى المحافظين؛ لأن هذه القرارات لو كانت صدرت؛ فإننا حتى الآن كمواطنين لا نعرف أين تلك المناطق المخصصة كمنابر عامة للتعبير السلمى عن الرأي دون إخطار مسبق في كل محافظة من محافظات الجمهورية.
عمليات إرهابية
 ونظرا لأنه من المتوقع أن تقوم جماعة الإخوان الإرهابية في الذكرى الأولى لفض الاعتصامين بتنظيم مسيرات وتظاهرات غير سلمية؛ بالإضافة إلى عدد من العمليات الإرهابية من خلال السيارات المفخخة او العبوات الناسفة. فإن هذا يعيد إلى الأذهان السؤال الملح : لماذا لم يتم إصدار قانون لمكافحة الارهاب حتى الآن؟؟
فالمادة رقم 86 من قانون العقوبات الخاصة بتعريف الجريمة الإرهابية وما يرتبط بها من مواد تنشئ إطاراً عقابياً لجريمة خاصة؛ لا تقابله بقانون الاجراءات الجنائية الحالي إجراءات استدلال وتحقيق تتناسب مع الطبيعة الخاصة لتلك الجريمة؛ بما يجعل السياسة التي تحكم مواجهة الإرهاب تقوم على رد الفعل تجاه الجرائم التي تقع؛ وليس المواجهة الاستباقية لمنع الجرائم الإرهابية قبل وقوعها.
وبالتالي لابد من النص في قانون الاجراءات على إجراءات استثنائية للمواجهة الاستباقية للجرائم الإرهابية؛ وينبغي الانطلاق في فهم هذه الاجراءات الاستثنائية من مبدأ هام مفاده: أن أعداء الديمقراطية لا يجب أن يستفيدوا من أدوات الديمقراطية وآلياتها فيستخدموها في تدمير الديمقراطية.
والواقع أن كل التنظيمات الإرهابية دون استثناء هي كيانات تنتمي لأيدولوجيات مناهضة للديمقراطية ومفعمة بثقافة التعصب والكراهية؛ وبالتالي فإن التعامل مع تلك الكيانات غير الطبيعية بالأساليب الطبيعية هو أمر يدخل في باب المثالية الديمقراطية التي تمهد الطريق لألد أعداء الديمقراطية لكي يقضوا عليها.
لهذا؛ حان الوقت في مصر الثورة؛ التي أصبحت بحكم الواقع في مواجهة آنية ومستقبلية مع الإرهاب؛ حان الوقت لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب؛ سوف يحميه ظهير دستوري يتمثل في المادة رقم (237) من دستور 2014 الخاصة بمواجهة الإرهاب؛ والتي نصت على تنظيم القانون لأحكام وإجراءات مكافحة الإرهاب. الأمر الذى يوفر ظهيراً دستورياً يتيح إصدار هذا القانون دون مخالفة الدستور؛ بما يوازن ما بين الضمانات العالمية المقررة لحقوق الإنسان؛ والإجراءات والعقوبات الدولية المقررة لمكافحة الإرهاب. وإلا فإن أي تأخير في ذلك؛ رغم إلغاء المحكمة الدستورية لسلطات الاعتقال والقبض والتفتيش من قانون الطوارئ؛ سيؤدى إلى إعادة ضخ الدماء في جسد الدولة البوليسية؛ من خلال توريط جهاز الشرطة في عمليات ضبط بناء على تحريات غير دقيقة؛ وتوريط النيابة العامة في إصدار أذون قبض وتفتيش تستند لهذه التحريات ؛ وتوريط القضاء في تجديد مدد الحبس الاحتياطي دون مقتضى؛ الأمر الذى يجعل الشرطة والنيابة أداة في يد النظام ؛ ويجعل القضاء يستجيب للدواعي الأمنية دون سند من القانون.
*****

dr.mmahfouz64@gmail.com

أخطاء الماضى القريب وخطوات المستقبل الصحيحة

أخطاء الماضى القريب وخطوات المستقبل الصحيحة

تاريخ النشر : 15 يونيو 2012
دكتور / محمد محفوظ

( نحتاج جميعاً ـ أحياناً ـ إلى البدء من جديد )
قول مأثور

بصدور حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب ؛ تنفتح مساحة زمنية جديدة أمام الثورة لكى تحقق أهدافها .
فقد زال ـ ولو مؤقتاً ـ الخطر الداهم الذى كان يمكن أن يؤدى إلى تسليم كل مفاصل الدولة لجماعة الإخوان المسلمين فى حال فوز مرشح الجماعة بمنصب الرئاسة .
وبزوال هذا الخطر مؤقتاً ؛ بعد حل مجلس الشعب ؛ فإنه سواء جاء إلى منصب الرئاسة الدكتور محمد مرسى أو الفريق أحمد شفيق ؛ فإن الفرصة ستصبح متاحة لإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بما يحقق الحماية للدولة المدنية من الأهداف الظلامية غير المعلنة للتيار الاسلامى .
كما أن الفرصة ستصبح متاحة لإعادة ترتيب موازين القوى داخل مجلس الشعب ؛ بما يُعبِّر بحق عن هوية مصر المدنية التى تلتزم بالدين كجوهر ينعكس على ممارسات الحياة ؛ ولا تتاجر بالدين كشعار لتكميم وتكبيل هذه الحياة .
والواقع أن الفرصة أصبحت مواتية ؛ لكى تعترف كل القوى الثورية المدنية بأخطائها الفادحة ؛ التى أدت إلى توفير الفرصة لكل المتربصين للالتفاف على الثورة أو القفز عليها .
وتتمثل هذه الأخطاء الفادحة فى الآتى :
ـ غياب الكيان السياسى الموحد الجامع لكل القوى الثورية المدنية .
ـ غياب البرنامج السياسى المترجم لأهداف الثورة .
ـ غياب الرؤية السياسية الجازمة ؛ المانعة لأى تنسيق أو تقارب مع القوى المعادية للدولة المدنية الديموقراطية .
وفى تقديرى فإن هذه الأخطاء الفادحة كانت هى السبب الرئيسى فى الوضع الحرج الذى آلت إليه الثورة بعد عام ونصف .
لذلك ؛ فإن الفرصة المواتية لإعادة قوة الدفع للثورة لكى تحقق أهدافها من جديد ـ فى ظل المساحة الزمنية المتاحة لإعادة إجراء انتخابات مجلس الشعب ـ تتمثل فى ضرورة امتلاك كل القوى الثورية المدنية للإرادة السياسية التى تدفع إلى التوحد تحت مظلة واحدة فقط دون أى تشرذم ؛ بحيث تنضم كل تلك القوى إلى تحالف انتخابى موحد يتبنى مشروع مصر المدنية الديموقراطية ؛ فى مواجهة المشروع الظلامى للتيار الدينى أو المشروع النفعى لفلول النظام السابق .
وحتى يستطيع هذا التحالف الانتخابى الموحد امتلاك القدرة على المنافسة الحقيقية فى الانتخابات البرلمانية القادمة ؛ فإنه لابد من توفير المساندة المالية الضخمة له من عدد من رجال الأعمال الداعمين لفكرة الدولة المدنية الديموقراطية ؛ لأن الاعتماد على الجهود الذاتية أو التبرعات الفردية البسيطة ؛ هو أمر لن يساعد على الصمود فى مواجهة الانفاق المالى الخرافى الذى تصبه التيارات الدينية أو دوائر الفلول التى تريد العودة إلى المشهد . 
وفى حال حصول هذا التحالف الانتخابى الموحد على حصة مناسبة فى مقاعد مجلس الشعب ؛ فإن هذا سيمنحه الفرصة لكى يتواجد بكوادره داخل الحكومة القادمة بما يساعد على ضمان تحقيق بعض أهداف الثورة ويكبح من ممارسات الفساد والاستبداد . كما أن وجود هذا التحالف داخل مجلس الشعب سيساعد على ترجمة بعض مطالب الثورة إلى تشريعات ؛ وسيوفر الفرصة لتحقيق رقابة برلمانية فاعلة تساعد على تصويب خطوات السلطة التنفيذية أو تقييدها .
إذن ؛ فإن الكيان السياسى الجامع لكل القوى الثورية المدنية هو العامل الحاسم الذى سيمكن من خلاله صياغة البرنامج السياسى الموحد القادر على مخاطبة أكبر قطاع من المواطنين لنيل أصواتهم فى الانتخابات البرلمانية القريبة القادمة .
ومن المهم التأكيد على ضرورة عدم التورط مرة أخرى فى التنسيق مع القوى المعادية للدولة المدنية الديموقراطية أو الاطمئنان إلى تلك القوى أوالتقارب معها . فقد كشفت الفترة التى بدأت منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011م وحتى الآن ؛ كشفت عن مدى الانتهازية والخسة والدناءة السياسية التى تعامل بها التيار الدينى مع كل القوى الثورية المدنية ؛ كما كشفت عن الغباء والعته السياسى الذى يعانى منه هذا التيار ؛ عندما ظن أنه يتواطأ على الثورة مع المجلس العسكرى ؛ وتغافل عن حقيقة أن العسكر استخدموه للالتفاف على الثورة ثم إذا بهم ينقضون عليه بعد أن ظنوا أنه قد تحقق مرادهم .
لذلك ؛ ينبغى عدم الثقة أو التعاون مع التيار الدينى بكل أطيافه ؛ باعتباره تيار معادى للديموقراطية تتناقض أهدافه مع كل أهداف الثورة المصرية ؛ ويتلوث وعيه بالحلم العبثي لإنشاء دولة الخلافة الاسلامية ؛ الأمر الذى يتصادم مع الهوية الوطنية للدولة المصرية والمصالح الحقيقة المباشرة لشعبها .
إذن ؛ نحن أمام لحظة الحقيقة ؛ التى تمنحنا الفرصة مرة أخرى لكى تعرض الثورة نفسها بكيانها السياسى وبرنامجها السياسى على الناخب المصرى فى انتخابات البرلمان القادمة .
لذلك على كل من يراهنون على التيار الوطنى الثورى الذى تجلى فى نسب التصويت التى فاز بها التيار المدنى فى المرحلة الأولى من انتخابات الرئاسة ؛ أونسب التصويت التى خسرها التيار الدينى ؛ أن يعلموا بأن هذا التيار الوطنى الثورى ينتظر الكيان السياسى الجامع الموحد الذى يستطيع جذب كل تلك الأصوات المؤيدة لمصر المدنية الديموقراطية فى الانتخابات البرلمانية القادمة.
وبالتالى ؛ فإن استعادة أجواء التشرذم والغفلة والعته والغباء السياسى ؛ والجرى وراء المصالح الحزبية الضيقة أو التحالف مع التيارات المعادية للديموقراطية ؛ كل ذلك  سيكون هو المسمار الأخير فى نعش هذه الثورة التى لم يصبح أمامها إلا فرصة وحيدة واحدة .
وفى تقديرى ؛ فقد آن الأوان للدكتور محمد البرادعى لكى يظهر فى المشهد السياسى المصرى وبقوة ؛ باعتباره الوجه القادر على تجسيم أحلام هذه الثورة ؛ وبوصفه السياسى الذى أثبت خلال الفترة الماضية على أنه الأكثر قدرة على عدم التورط فى الخيارات السياسية الفاشلة أوالخاطئة .
.. أخطاء الماضى القريب لن تمنعنا ـ لو أحسنا التقدير ـ من البدء فى خطوات المستقبل الصحيحة .. لأننا نحتاج جميعاً ـ أحياناً ـ إلى البدء من جديد .

*****
دكتور/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

    



تعالى على حِجر عمو

تعالى على حِجر عمو

تاريخ النشر : 3 يونيو 2012 

دكتور/  محمد محفوظ

الغباء هو أن تكرر عملاً فاشلاً بنفس الخطوات وتنتظر نتيجة مغايرة
( أينشتاين )

إذا كان " الفشل السياسى " هو العنوان الأبرز لكل ممارسات القوى السياسية الثورية فى مصر ؛ منذ 11 فبراير 2011م وحتى الآن . إلا أن " الغباء السياسى " ربما يكون هو التطور الطبيعى للحاجة الفاشلة ؛ مع الاعتذار لشويبس .
فسلسلة الفشل المتصاعدة لم تعد قاصرة فقط على تكبيل الاقدام ؛ بل بدأت تلتف حول العقول . وأصبح المنطق البسيط الذى قد يحتكم إليه رجل الشارع العادى ؛ هو المنطق المعتمد لدى طائفة كبيرة من القوى الثورية ؛ التى أعمتها كراهية النظام السابق عن تذكر سبب قيام الثورة أصلاً ؛ فتناست أن الثورة لم تقم فقط لإسقاط مبارك ؛ وإلا لو كان هذا هو سبب قيام الثورة ؛ فقد سقط مبارك وخلاص باى باى . كما أن الثورة لم تقم فقط لإسقاط نظام مبارك ؛ وإلا فإن حلول أى نظام آخر مهما كان أسوأ من النظام السابق يعنى انتصار الثورة .
الثورة ـ يا إخوتى الثوار ـ قامت من أجل بناء نظام ديموقراطى ؛ لذلك ينبغى ألا تعمينا كراهية النظام السابق عن تذكر هذه الحقيقة . وبالطبع لن يمكننا وضع طوبة واحدة فى هذا البناء الديموقراطى لو تم تركيز السلطة فى يد تيار واحد أو فصيل واحد ؛ حتى لو كان يتحدث باسم الدين ؛ لأن حقائق التاريخ تثبت أن أى سلطة ترتكب أخطاء أثناء ممارستها لعملها ؛ وعدم وجود فصيل آخر منافس لها فى أحد أبنية السلطة سيؤدى إلى الطرمخة والتستر على هذه الأخطاء ؛ وكلما تراكمت هذه الأخطاء دون محاسبة أو عقاب أو مراجعة ؛ كلما ارتفعت وأصبحت حاجزاً بين الناس والقائمين على السلطة ؛ وحينئذ يبدأ النظام فى الانفصال عن الشعب .
وهذا هو بالضبط ما حدث مع النظام السابق ؛ الذى لم يكن رموزه ورجاله من الشياطين بالوراثة ؛ وإنما صاروا شياطيناً بالممارسة لغياب الشفافية وانعدام المحاسبة .
وربما يجادل البعض ؛ بأن الكثير من الدول الديموقراطية يتولى مقاليد كل السلطات فيها ـ من حين إلى آخر ـ فصيل سياسى واحد أو حزب واحد ؛ ولا ينتقص هذا من ديموقراطيتها شيئاً .
ونرد على ذلك بأنها دول ديموقراطية أصلاً ؛ ترسخت فيها أسس وقواعد الديموقراطية وحكم المؤسسات واحترام حقوق الأقليات والفصل بين السلطات وسيادة القانون والتدول السلمى للسلطة ؛ ولذلك لم يعد من الخطورة بمكان أن يتولى الحكم فيها تياراً واحداً . ولكن فى حالتنا المصرية فنحن مازلنا لم نضع طوبة واحدة فى بناء الديموقراطية ؛ والتمكين لفصيل واحد لكى يحتكر كل السلطات سيؤدى بالضرورة إلى إعادة إنتاج الاستبداد والدكتاتورية مرة أخرى .
لذلك ؛ فإن حصن الأمان يتمثل فى الاتجاه نحو الطريق الذى يتيح لنا تقسيم السلطة ؛ وتوزيعها بين فصيلين ؛ حتى وإن كان كل منهما أسوأ من الآخر .
وبالتالى ؛ ينبغى علينا طالما تم وضعنا فى خانة اليك ؛ أن نعلم بأن الاختيار الأصوب يتمثل فى قطع الطريق على أى فرصة لإعادة احتكار السلطة فى مصر فى يد فصيل واحد ؛ حتى لا يتم اعادة إنتاج نظام البطش والاستبداد .
وعلينا أيضاً أن نعلم بأن نظام البطش أو الاستبداد لا يحتاج من أجل إقامته لأفراد أو أشخاص أو رموز بعينهاً ؛ وإنما هو " حالة " تقوم فى أساسها على احتكار كل السلطات فى يد واحدة ؛ بما يمنع من أى محاسبة أو مراقبة ؛ فتتراكم الأخطاء حتى تتحول إلى خطايا ؛ ثم يحدث السقوط المريع أو الانفجار المروع ؛ ويدفع الجميع الثمن فادحاً .
الصورة واضحة بالنسبة لى تماماً ؛ وليست ملتبسة ؛ وتستمد هذا الوضوح من عدم تسممها بنوازع الكراهية التى تشوه الإدراك السليم ؛ وتجعل الرؤية عاطفية أكثر منها عقلانية .
يرى البعض من الثوار ؛ أن ثوريتهم تمنعهم من التفكير ـ مجرد التفكير ـ فى التصويت لأحمد شفيق ؛ لأن كراهية النظام السابق ودماء الشهداء تجعل بينهم وبينه ثأراً مطلوبا ودماً مهدوراً . وبالتالى يهديهم تفكيرهم ؛ من أجل الانتقام للدماء التى سالت ومن أجل قطع الطريق على أى عودة للنظام السابق ؛ إلى الجلوس بكل ارتياح على حِجر " عمو : مرسى " .
بينما يضيف البعض الآخر ـ إلى ما سبق ـ المخازى التى ارتكبها " الإخوان " فى حق الثورة ؛ من أجل رغبتهم الشبقية المريضة فى الوصول للسلطة إلى حد التواطؤ مع المجلس العسكرى ؛ ومن ثم يجد هؤلاء أنه من المحرم عليهم ثورياً الجلوس على حِجر " عمو : مرسى " .. أو حِجر " عمو : شفيق " .
والواقع ؛ أن الثوار لتناسيهم للسبب الذى قامت من أجله الثورة ؛ فقد راحوا يبحثون عن الحِجر الذى يجلسون عليه ؛ بينما استذكار السبب الذى قامت من أجله الثورة ؛ هو الذى يجعل حِجرهم هم فقط هو المؤهل لكى يجلس الآخرين عليه .
لذلك ؛ أشعر بالأسى عندما أرى البعض يلهث لإعداد وثائق وضمانات وتعهدات ومبادرات لطرحها على مرسى أو شفيق ؛ تمهيداً للتصويت لمن يتعهد بأكبر قدرٍ منها . وكأن هؤلاء نسوا أن كلا المرشحين لا عهد لهما ؛ فمن قامت الثورة ضد فساد نظامه لا عهد له ؛ ومن أدار ظهره إلى الثورة لانتهازيته لا عهد له أيضاً . فعن أى شئ تتعاهدون إذا كان المتعهد لا عهد له .
ولعل أكثر ما أدهشنى ؛ مبادرة الإخوان لتشكيل حكومة ائتلافية بقيادة الدكتور البرادعى ؛ ياسلام .. البرادعى أصله بيرضع من البزازة ؛ عشان يقبل يتم تعيينه رئيس حكومة ائتلافية فى ظل رئيس إخوانى وبرلمان إسلامى ؛ وبعد شهر ولا اتنين يتم فبركة أزمة تؤدى لإقالة الحكومة ؛ وأهلاً وسهلا بالحكومة غير الائتلافية الإخوانية والهيمنة الكاملة على كل السلطات ؛ وباى باى الحكومة الائتلافية ؛ لأن المُحَلل فى الغالب بيبقى مجرد  كوبرى يتعدى عليه ؛ ويتقال له باى باى بعد استنفاذ الغرض منه .
كفاية بقى هرتلة وتهييس وكلام خايب مدهون بالزبدة اللى حتسيح مع أول طلعة شمس .
الأمر واضح بالنسبة لى ؛ فليس الأمر قائماً على البرامج أو التعهدات أو مدى الابتعاد أو الاقتراب من النظام السابق أو حتى من الثورة ؛ الأمر بالنسبة لى يشبه المثال التالى :
تم أسر شخص والحكم عليه بأن يتم حبسه داخل قفص للحيوانات المفترسة ؛ ولكنهم خيروه بين أن يوضع معه فى القفص حيوان مفترس واحد أو حيوانان مفترسان . فإن اختار هذا الشخص الحيوان المفترس الواحد فهو مأكول لا محالة ؛ أما إذا تأنى وأدار الأمر داخل رأسه ؛ فإنه سيكتشف أن وجوده مع حيوانين مفترسين داخل القفص قد يوفر له فرصة للنجاة ؛ لأن هناك احتمال كبير بأن يحاول كل حيوان القضاء على الآخر حتى يستأثر بمفرده بالفريسة ؛ وهذا الصراع بينهما قد يؤدى إلى إضعاف كليهما ؛ أو يؤدى إلى خروج أحدهما من الصراع واهن القوى بعد قضائه على الآخر فيسهل القضاء عليه ؛ أو أن ينتهى الصراع بموت كليهما .
هكذا أرى الأمر ـ لا سحر ولا شعوذة ـ ولكنه حسابات وموازين قوى ؛ لأنه طالما تم وضع الثورة بين خصمين ـ خصمين لبعضهما البعض وخصمين للثورة ـ فمن الأفضل أن نختار الطريق الذى يسمح بصراعهما ؛ وليس الطريق الذى يسمح بتمكين وهيمنة أحدهما دون الآخر .
وفى تقديرى ؛ أن تقسيم السلطة فى مصر بين خصمين ؛ هو الذى سيعطى الفرصة للثورة لكى تجد مساحة زمنية تمارس فيها فرصة بناء " الكيان السياسى " الجامع للقوى الثورية ؛ وفرصة صياغة " البرنامج السياسى " المترجم لأهداف الثورة ؛ بما يسمح للتيار الثورى بأن يتعامل مع فترة الـ 4 سنوات القادمة باعتبارها الفترة الانتقالية الحقيقية . لأنه وإن كان البعض يعتقد بأن الفترة الانتقالية ستنتهى يوم 30 / 6 / 2012م ؛ إلا أن الواقع سيقرر لو تم تقسيم السلطة فى مصر بين تيارين ـ أحدهما فى الرئاسة والآخر فى الحكومة والبرلمان ـ بأن الفترة الانتقالية الحقيقية ستبدأ يوم 1 / 7 / 2012م .
إذن ؛ ينبغى علينا أن نختار تقسيم السلطة فى مصر ما بعد الثورة ؛ لأن الوقائع والحقائق على الأرض تؤكد بأن الثورة المصرية فقدت جزءً كبيراً من قوة دفعها الهادرة التى بدأت بها ؛ ومن ثم أصبح واضحاً أنه لن يمكنها تحقيق نتائج سريعة وفورية . فحقائق الحاضر تؤكد بأن الثورة المصرية ـ بقوة دفعها الواهنة الحالية ـ لن تحقق نتائجها إلا على المدى الزمنى الطويل وليس القصير ؛ ولكن بشرط أن تتوفر المساحة الزمنية لاستعادة قوة الدفع الثورية ؛ وكل هذا لن يمكن تحقيقه لو هيمن تيار واحد على السلطة فى مصر .
الأمر إذن واضح ؛ لن نجلس على حِجر " عمو : مرسى " ؛ فنعطى السلطة لتيار واحد ليبنى نظاماً أسوأ من النظام السابق . ولن نجلس على حِجر " عمو : شفيق " أو نتفاوض معه أو نحصل منه على التعهدات ؛ لأن دماء الشهداء وأموال المصريين وصحتهم وكرامتهم بيننا وبينه . ولكننا سنقول لكليهما : تعالى على حِجر عمو يا بوز الإخص ؛ فنفتح الطريق لتقاسم السلطة بينهما .
الأمر واضح بالنسبة لى ؛ سأستبعد " مرسى " ؛ لفتح الطريق نحو ما يؤدى إلى تقسيم السلطة لأول مرة فى مصر .
أما من سيقبلون دعوة " مرسى " ويجلسوا على حِجر عمووو ؛ فعليهم أن يتعظوا من كل أخطاءهم السابقة ؛ والا فإنها فى هذه المرة ستتحول إلى خطايا .
فأول أخطاءهم كانت عندما قبلوا الجلوس على حِجر المجلس العسكرى وبدأوا فى ترديد المقولة البائسة : الجيش والشعب إيد واحدة ؛ وعندما بدأ البعض منا يشكك فى نوايا المجلس العسكرى ؛ كالوا لنا الاتهامات بأننا نريد هدم المؤسسة العسكرية .
وهاهم الآن يشرعون فى السير فى طريق آخر أخطاءهم ؛ عندما يروجون للجلوس فى حِجر الإخوان وبدأوا يهتفون : الإخوان والثورة إيد واحدة .
يا إخوانا ؛ اتعلموا من أخطائكم ؛ لأن الغباء كما قال أينشتاين : أن تكرروا نفس العمل الفاشل بنفس الخطوات وتنتظروا نتيجة مغايرة .
وبالتالى ؛ إحنا اللى ناخد الاتنين على حِجرنا ؛ ونخليهم يتخانقوا مع بعض ؛ أو يتفقوا مع بعض فيكتشف الشعب إن ما فيش فرق بينهم ؛ أو يخلّص واحد منهم على التانى ونستفرد باللى فاضل وهو دايخ ونخلّص عليه . أو هما الاتنين يخلّصوا على بعض وربنا يريحنا منهم شيلة واحدة .
حِجر عمووو يا إخوانا سواء كان بدقن أو ببندقية ؛ ما يتقعدش عليه لأن به شئ مدبب ؛ وغير صالح إلا لحاجة واحدة !!!
لذلك .. أفيقوا من نوبة الغباء السياسى ؛ واحشدوا الناس لاستبعاد المرشح الذى سيؤدى استبعاده إلى تقسيم السلطة فى مصر ؛ وعدم هيمنة فصيل واحد عليها .

*****
دكتور/  محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

   
 


    

08 أغسطس 2014

حان الوقت لإسقاط سلطة حماس فى غزة

د. محمد محفوظ .. يكتب : حان الوقت لإسقاط سلطة حماس فى غزة

تاريخ النشر : 26 يوليو 2014

أرى القتلى ينعمون بالموت .. وأسمع الجرحى يتعذبون بالحياة
ومازال القتلة ومشعلو الفتنة يفلتون من العقاب
قول مأثور

من الآخر وبدون لف ودوران .. أو إدعاء لمثاليات زائفة لا تتجاوز قيمتها ثمن الحبر المستهلك لكتابتها أو لطباعتها على الورق .. فإن على الحكومات العربية وفى مقدمتها مصر .. وعلى الأحزاب العربية المدنية يسارية كانت أم قومية أم ليبرالية .. وعلى كل المواطنين العرب الطامحين إلى العيش فى دول ديمقراطية .. على كل هؤلاء أن يواجهوا أنفسهم بشجاعة ويعترفوا أمام ذواتهم قبل أن يعترفوا أمام العالم .. بأن حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) هى بمثابة تنظيم إرهابى ليس له أدنى علاقة بمقاومة الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية .
فالحرب العبثية الأخيرة الدائرة طاحونتها فى غزة ؛ ما هى إلا تكرار للمسلسل العبثى الذى مازال يتكرر كل فترة زمنية طالت أم قصرت منذ انسحاب إسرائيل من غزة فى أغسطس 2005م ؛ وانقلاب حماس على السلطة الفلسطينية ( واحتلالها ) لقطاع غزة فى يونيو 2007م .
نعم ؛ فسلطة حماس فى غزة هى ( سلطة احتلال ) مثلها مثل سلطة الاحتلال الاسرائيلى فى الضفة الغربية . فتنظيم حماس الإرهابى ليس تنظيماً وطنياً فلسطينياً بل هو تنظيم لا يعترف بالهوية الوطنية الفلسطينية نتيجة انتمائه للتنظيم الدولى للإخوان المتأسلمين الذى يتعامل مع كل الدول العربية باعتبارها ولايات تابعة لدولة الخلافة المتأسلمة المزعومة التى يريد هؤلاء وأمثالهم من الموتورين دينياً إقامتها . 
وبالتالى ؛ فإن السذج أو حسنى النية ؛ الذين مازالوا يصفون الحركات المتأسلمة المسلحة على أرض فلسطين بأنها تنظيمات تمارس المقاومة ؛ هؤلاء السذج هم الذين يساهمون فى نجاح مخطط تيار الإسلام السياسى الذى يريد السيطرة على المنطقة ومن بعدها العالم أجمع .
لم تقدم حماس وأمثالها من التنظيمات المتأسلمة الإرهابية الموبوء بها الجسد العربى إلا الخراب والدمار لأى بقعة أرض استقرت فيها . فمنذ احتلال حماس لغزة وقيامها بإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية وحفر الأنفاق تحت الحدود للتسلل لداخل إسرائيل لتنفيذ عمليلت اختطاف للجنود ؛ منذ ذلك الحين بدأت مواجهات عسكرية عبثية بين إسرائيل وحماس اشتعلت عام 2008م ؛ وتكررت عام 2012م ؛ ثم هاهى يتم إعادة إنتاجها عام 2014م .
وما تقوم به حماس يتكرر فى كل دولة عربية تمكنت فيها تلك التنظيمات الإرهابية المتأسلمة من السيطرة على قطعة من الأرض ؛ ولننظر إلى ما يحدث من إرهاب فى أفغانستان والصومال والعراق وسوريا وليبيا واليمن على يد تلك التنظيمات الإرهابية التى ترفع راية التأسلم السنى أو الشيعى ؛ ولننظر إلى ما يحدث فى لبنان على يد مليشيا حزب الله الشيعية الإرهابية المجرمة .
إن هذه التنظيمات الإرهابية المتأسلمة التى ترتبط بأجندات مناقضة تماماً للمصالح الوطنية للدول التى تتوطن فيها ؛ بمثابة فيروس خطير ينهش جسد هذه الدول ويعطل قدرتها على الانطلاق إلى آفاق التقدم والديمقراطية . فلقد ابتلت كل ثورات الربيع العربى بهذا الفيروس الإرهابى المتأسلم الذى قفز على ظهرها وركبها ؛ وكأن الشعوب فى هذه الدول كانت قد انتفضت لإقامة دولة الخلافة المتأسلمة الملعونة وليس لإقامة دولة سيادة القانون والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
وبالتالى ضاعت ـ نتيجة لذلك الفيروس ـ قوة الدفع الثورى الهادرة التى كان يمكن أن تقفز بكل دول الربيع العربى إلى الأمام نتيجة دخول هذه التنظيمات الإرهابية على الخط بأجنداتها المناقضة لأهداف هذه الثورات ؛ وبتنظيماتها المخترقة من / أو المتواطئة مرحلياً مع بعض القوى الإقليمية والدولية .
وبالتالى ؛ حان الوقت لكى تتجه إرادة أكبر عدد من الدول العربية نحو تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية لكى تقوم بإسقاط حكم حركة حماس الإرهابية فى غزة . سواء كان ذلك الإسقاط شعبياً أم عسكرياً . فلا مجال لاستمرار هذا الطاعون الإرهابى فى جسد غزة ؛ لأن بقاءه يعنى استمرار نزيف الدم العبثى من أجل أجندة لا تبحث عن حل لإقامة الدولة الفلسطينية وانما إقامة دولة الخلافة المتأسلمة الملعونة .
فالحقيقة الساطعة التى يتعامى عنها الكثير من السذج أو حسنى النية ؛ تؤكد بأنه ليس من مصلحة تنظيم حماس الإرهابى إقامة الدولة الفلسطينية ؛ لأن إقامتها يعنى انتهاء الابتزار الممنهج للمشاعر الدينية للجماهير العربية والإسلامية الذى تمارسه كل تلك التنظيمات الإرهابية المتأسلمة من خلال الضغط على وتر تحرير بيت المقدس .
فهذه التنظيمات تعلم بأن استمرار بقاء القدس محتلة يمثل الورقة الرابحة للاستمرار فى ابتزار هذه المشاعر الدينية لشعوب الدول العربية والإسلامية ؛ والحفاظ على حالة عدم الاستقرار والغليان داخل هذه الدول ؛ واستمرار انعدام الثقة بين الحكام والمحكومين ؛ نتيجة ما تروجه تلك الجماعات من تفريط هؤلاء الحكام فى حق المسلمين وتخاذلهم عن محاربة إسرائيل لاستعادة المسجد الأقصى .
وهكذا يصبح استمرار احتلال إسرائيل للقدس هو الورقة الرابحة الكبرى التى لا تريد تلك الجماعات الارهابية أن تفقدها إلى أن يحين الوقت لكى تستولى على السلطة فى بعض تلك الدول ؛ وعندئذ تبدأ معركة التحرير المقدسة للقدس والأقصى .
وبالتالى ؛ ستظل تلك التنظيمات ترفع لواء الممانعة والمقاومة المزعومة لكى تعيق أى حلول للقضية الفلسطينية ؛ إلى أن تحين اللحظة الموعودة التى يجلسون فيها على مقاعد السلطة .
إذن ؛ على أهل غزة أن يعلموا بأن عدوهم الأكبر يكمن بين بنى جلدتهم الذين خربوا القضية وعطلوا كل مبادرات السلام ؛ واسترخصوا دماء مواطنيهم للمتاجرة بها فى المحافل الدولية وعلى شاشات الفضائيات العالمية ؛ وكل ذلك من  أجل إقامة دولة الخلافة المتأسلمة المزعومة .
لذلك ؛ على كل الفلسطينيين الأحرار المقيمين داخل غزة تحت حكم الاحتلال الحمساوى أن ينتفضوا وينظموا المسيرات والاعتصامات والعصيان المدنى ؛ بل ويبادروا باحتلال كل مؤسسات الدولة ؛ وطرد هذه العصابة الحمساوية منها إلى غير رجعة .
وعلى الحكومات العربية أن تعلم بأن بعبع الإسلام السياسى الذى كان يمكن لهم استخدامه كفزاعة للغرب لكبح التطور الديقراطى ؛ هذا البعبع قد أمسى مع التحول التكتيكى فى استراتيجية الغرب المستقبلية بمثابة حليف يتم استخدام أجنحته السياسية للجم أجنحته العسكرية .
وعلى كل ساذج أو حسن النية يعتقد بأن سلاح تلك التنظيمات الإرهابية المتأسلمة هو لخدمة قضايا المنطقة ؛ عليه أن يفيق ويقرأ الماضى القريب والحاضر الماثل لكى يعلم بأن ذلك السلاح الملعون هو لخدمة مصالح تلك التنظيمات دون غيرها . فسلاح حزب الله أدى إلى أن تصبح الدولة اللبنانية بجيشها بمثابة نمر من ورق ؛ وسلاح حماس أدى إلى أن تصبح السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية مجرد خيال مآتة .
ولهذا .. على كل عربى يقدس حرمة الدم ؛ أن يعلم بأن المواجهات العسكرية المتتابعة التى تسعى حماس لإشعالها فى غزة ؛ ليس لها دائماً إلا هدفين اثنين لا ثالث لهما :
الهدف الأول : هو تعطيل التقدم نحو أى حل سلمى للقضية الفلسطينية لاستمرار ابتزاز مشاعر شعوب الدول العربية والإسلامية تحت ضغط احتلال المسجد الأقصى ؛ إلى أن يحين الوقت وتقفز تلك التنظيمات إلى السلطة فى عدد من تلك الدول .
والهدف الثانى : هو تحقيق مكاسب سياسية لتيار الإسلام السياسى لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية .
وإذا كان الهدف الأول يمكن بسهولة تقديم الأدلة التاريخية والآنية لتأكيد صحته ؛ فإن الهدف الثانى هو الذى قد يلتبس على الرأى العام ؛ لأن السؤال التلقائى سيكون : وما هى المكاسب السياسية التى يمكن أن تحصل عليها حركة حماس أو تيار الإسلام السياسى ؛ نتيجة إشعال مواجهة عسكرية مع جيش مدجج بالسلاح مثل الجيش الإسرائيلى ؟
والاجابة بكل بساطة تؤكد بأن تلك المكاسب تتمثل فى الآتى :
1ـ إخراج حركة حماس من عزلتها ؛ بعد طردها من سوريا وفقدانها للدعم الإيرانى نتيجة تواطؤها مع المتأسلمين الذين ركبوا الثورة السورية ؛ وبعد انكشافها أمام الشعب المصرى نتيجة تورطها فى اقتحام السجون أثناء ثورة 25 يناير وتواطؤها مع جماعة الإخوان التى كادت تسرق الثورة والدولة المصرية.
2ـ تلميع صورة رئيس الوزراء التركى أردوغان الذى يستعد لخوض انتخابات الرئاسة ؛ لإظهاره بمظهر حامى حمى القضية الفلسطينية ؛ من خلال تقيؤه لعدد من التصريحات النارية والشعارات الجوفاء ؛ بل وربما من خلال دعمه لبعض الافتكاسات العبثية لكسر الحصار حول غزة ؛ والتى قد تنطلى على قطاع عريض من الرأى العام .
3ـ تصدير دويلة قطر إلى المشهد باعتبارها الطرف الإقليمى القادر على التأثير على حماس لكى تقبل بوقف إطلاق النار ؛ ومن ثم سحب البساط من تحت الدور المصرى وتصوير مصر باعتبارها الأسد المنهك العجوز المستنزف فى مشاكله الداخلية .
4ـ فرض الأمر الواقع فى غزة ؛ بما يؤكد بأن السلطة على القطاع مازالت لحماس ؛ وأن أى مصالحة فلسطينية كرتونية لا تعنى لدى حماس إلا الاعتراف بأن غزة إمارة حمساوية .
.. هذه إذن هى أهداف المواجهة العسكرية العبثية بين حماس وإسرائيل . وكما هو واضح فإن دماء الأبرياء من النساء والأطفال والعجائز ؛ هى مجرد صور تليفزيونية ودموع تماسيح يتم تصديرها فى المشهد لحبك المسرحية الهزلية . فدماء الفلسطينيين ليس لها أى قيمة لدى مصاصى الدماء المتأسلمين الذين يتعاملون مع كل الشعوب العربية والإسلامية باعتبارها شعوب جاهلية مشركة كافرة دمائها مستباحة من أجل رفع راية دولة الخلافة المتأسلمة الملعونة .
فـ .. يا أهالى غزة .. الكرة فى ملعبكم .. فابدأوا من الآن فى تجميع أنفسكم لطرد هذه العصابة الإرهابية من بين ظهرانيكم ؛ ولا تصدقوا بأن هذه المقاومة الدنيئة لنصرة القضية الفلسطينية بل هى لنصرة أهداف تيار الإسلام السياسى الشيطانى ؛ وللأسف يتم استنزاف دماءكم ودماء أبناءكم فى هذه المذبحة المزمنة لتجسيد مظلومية هى فى جوهرها حق ولكن للأسف يراد بها باطل .
ويا أجهزة المخابرات العربية .. هناك حاجة ماسة للقيام بعمليات نوعية داخل غزة وخارجها .. ضد قادة تنظيم حماس الإرهابى .. لتفكيك التنظيم وتشريد قادته .. فقد ولى زمن الجلوس والقبول بالمواءمات مع تلك التنظيمات داخل الغرف المغلقة .. وحان وقت الضرب على المكشوف ولكن باحترافية وقوة .
ويا أيها القائمون على السلطة الفلسطينية .. لا حل للقضية الفلسطينية إلى يوم القيامة ؛ فى ظل فصائل متأسلمة إرهابية مسلحة تضرب دائماً الكرسى فى الكلوب لإفشال أى تقدم إلى الأمام ؛ ومن يعتقد منكم بأن تنظيم حماس الإرهابى يمكن أن يستجيب لهدف إقامة الدولة الفلسطينية أو يكون جاداً فى أى مصالحة ؛ من يعتقد منكم ذلك فعليه أن يعتزل العمل السياسى والنضالى ؛ لأنه بالغيبوبة التى يعيش فيها يعطى حماس الفرصة تلو الأخرى لكى تستنزف دماء الشعب الفلسطينى المظلوم .
ويا من مازلتم تصفون حماس بأنها فصيل مقاوم .. أقول لكم :
إن كنتم حسنى النية .. فقد آن الأوان لكى تراجعوا أنفسكم .. لأن حسن النية مع من لا يستحق هو عته وهطل وخبل ونطاعة وعباطة واستهبال .
أما إن كنتم سذجاً .. فاحنوا رؤوسكم إلى الأسفل .. واخفضوا ياقاتكم .. ومدوا قفواتكم .. لكى تتلقوا القفا بعد الآخر .. وياليت الأمر يتوقف على ضرب القفا .. ولا يمتد لمواضع أخرى !!
*****

dr.mmahfouz64@gmail.com

الباعة الجائلون .. مواطنون خارج الدائرة .. وسياسات من داخل الصندوق

د. محمد محفوظ .. يكتب : الباعة الجائلون .. مواطنون خارج الدائرة .. وسياسات من داخل الصندوق

تاريخ النشر : 16 يونيو 2014

بالطبع الشارع المصرى أكثر تحضراً وانصياعاً للقانون فى ظل الحملات الأمنية التى نشهدها هذه الأيام لإزالة إشغالات الباعة الجائلين .

وبالطبع الباعة الجائلون ليسوا مجرد ( سريحة ) على باب الله ؛ بل نسبة ليست بقليلة منهم مهلباتية على باب الشيطان ؛ يمارسون الغش التجارى ويروجون السلع المضروبة ومنتجات مصانع بير السلم .

وبالطبع ليس معظمهم يمارس التجارة فردانى برأس ماله المحدود الخاص ؛ بل أغلبهم مجرد واجهة لاقتصاد موازى يتحكم فيه مجموعة من أباطرة سوق السلع الرخيصة الصينية المصدر ؛ الفقيرة إلى أى التزام بالمواصفات العالمية فى مجالات معايير الجودة أو الاشتراطات الصحية .

ولكن بالطبع أيضاً ؛ فإنهم رغم كل ذلك ؛ مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات على سلم المواطنة. ولئن كانوا من المنظور القانونى لا يلتزمون بواجباتهم ؛ إلا أن السؤال الأجدر بالطرح هو : وهل ينالون بنفس المنطق القدر المقبول من حقوقهم ؟؟؟!!!

الباعة الجائلون وفقاً للتوصيف المجتمعى ؛ مواطنون خارج دائرة رعاية الدولة ؛ وخارج دائرة شبكات الضمان الاجتماعى التى ينبغى أن توفرها أى حكومة لكل أبناءها ؛ لتكفل لهم المعاش المناسب أو إعانة البطالة عندما يعجزون عن العمل أو الكسب .

وهم وفقاً للتوصيف الإنسانى ؛ مواطنون فى مأزق ومحنة ؛ انغلق أمامهم باب الرزق المشروع ؛ فاختاروا أن يتحايلوا ليدخلوا من تحت عقب هذا الباب المغلق المسدود .

وهم وفقاً للتوصيف الاجتماعى ؛ فئة مجتمعية تمثل امتداداً لمنطق العشوائية فى حياتنا اليومية ؛ تلك العشوائية التى نمت وترعرعت فى ظل إهمال الدولة أو فسادها .

ولذلك أتفهم ولا أتفهم فى ذات الوقت ؛ منطق الدولة فى التعامل مع الباعة الجائلين .

أتفهم منطق الدولة فى استعادة هيبتها وهيبة القانون ؛ من خلال تكليف أجهزة الأمن بالقيام بحملات مكبرة بتشكيلات ضخمة من المعدات القادرة والقوات الجرارة ؛ لإزالة الاشغالات وبسط سيادة القانون فى الشارع المصرى الذى طال انفلاته فأصبح عنوان للادولة ؛ من خلال إشغال الأرصفة بل وجزء كبير من أنهُر الطرق بالباعة الجائلين وفاترينات المحلات وقعدات المقاهى .. الخ .

ولكننى بنفس القدر ؛ لا أتفهم منطق الدولة فى استعادة هيبتها بذات الأساليب القديمة ؛ من داخل الصندوق البالى بأفكاره المتعطنة وسياساته المتكلسة وخصوصاً فى مواجهة الباعة الجائلين .

الدولة التى تمارس سلطتها بمنطق ( الوصاية ) ؛ هى التى تفرض على الناس الالتزام بواجباتهم ؛ بينما تتملص هى من الالتزام بمسئولياتها .

بينما الدولة التى تمارس سلطتها بمنطق ( الوكالة ) ؛ هى التى تمارس سلطتها ملتزمة بحدود وضوابط التوكيل الذى منحه الناس لها ؛ والذى مفاده أن تلزمهم بواجباتهم بالتوازى مع ضمانها المتفانى لحقوقهم .

الدولة التى تدير أمور شعبها بمنطق ( الوكالة ) ؛ هى التى تعلم بأن بعض الظواهر المجتمعية فقط هى التى يمكن مواجهتها بالحلول قصيرة الأجل ؛ بينما أغلب هذه الظواهر لا يمكن مواجهتها إلا بالحلول متوسطة الأجل ؛ أو الحلول طويلة الأجل .

الحلول قصيرة الأجل ؛ تنبنى فقط على قوة الآلة الأمنية والتنفيذ الانتقائى لنصوص القانون ؛ وهى حلول تكرس لدراما القط والفأر المزمنة ( توم وجيرى ) ؛ التى قد تغلب عليها الكوميديا فى شخصياتها الكرتونية ؛ ولكن تسكنها التراجيديا المأساوية فى شخصياتها الإنسانية البشرية على أرض الواقع المعاش . فعصا الأمن مهما كانت صلبة ؛ لا يمكن أن تصمد أمام صخرة الواقع الصلدة القاهرة . ومن تنسد أمامهم أبواب الرزق الحلال أو شبه الحلال ؛ ستجرفهم الحاجة نحو السحت والحرام . وبالتالى ستنخفض نسبة الإشغالات فى الطريق العام ؛ بينما سترتفع نسبة الجرائم فى المجتمع ككل !!!!

أما الحلول المتوسطة الأجل ؛ فهى التى تقوم على نسف صندوقك البالى القديم ؛ واستبداله بالأفكار المبتكرة المتألقة ؛ التى تتعامل مع الواقع بمنطق : ( الحاجة أم الاختراع ) .

وفى نقاش بينى وبين شقيقى / حسام محفوظ ( المحامى بالنقض ) ؛ قال لى : إذا كانت الدولة لا تريد الباعة الجائلين فوق الأرض وبالذات فى وسط البلد ؛ وهم لا يريدون أن يذهبوا إلى أسواق متطرفة حتى وإن كانت فوق الأرض ؛ فلماذا لا نوفر لهم أسواقاً بوسط المدن والمحافظات ( تحت الأرض ) ؟ نعم لماذا لا توفر كل مدينة فى المنطقة التجارية بها ؛ نفقاً واسعاً مجهزاً تحت الأرض ؛ لكى يشغله الباعة الجائلون بموجب ترخيص . نفق خالى من أى محلات يضع به الباعة الجائلون فاتريناتهم وبضائعهم ويرتاده المواطنون للشراء . 

أليس هذا أوفق لحفظ أرزاق البسطاء من الناس ؛ وأكرم لهم من البهدلة فى برد الشتاء وحر الصيف ؛ وأصوب لتوفير منافذ شراء لمحدودى الدخل ؛ وأكثر نفعاً لخزينة الدولة بالرسوم المدفوعة لاستخراج وتجديد التراخيص ؛ وأفضل لضمان ممارسة الدولة لهيبتها دون بطش أو وصاية ؛ بل بحكمة وانصياع لواجباتها فى عقد الوكالة الممنوح لها من الشعب ؛ والذى مفاده : طالما وفرت الدولة الموقع والمكان الشرعى للباعة الجائلين ؛ فمن ذا الذى سيتضرر عندما تمارس الدولة دورها فى الحفاظ على سيادة القانون ؛ ومن ذا الذى سيبكى على قاطع رصيف أو طريق ؛ بينما يوجد متسع له فى مكان محدد ومشروع .

بل زد على ذلك ؛ فى مجال الأفكار المبتكرة المتعلقة بالحلول المتوسطة الأجل ؛ التى يمكن أن تساهم فى حل مشكلة الباعة الجائلين ؛ من خلال الأخذ بنظام : ( أسواق الأيام ) ؛ بما يعنى تحديد يوم واحد أو أكثر فى الأسبوع لكل منطقة تجارية ؛ يتم السماح فيه للباعة الجائلين بإشغال الطرق والأرصفة ؛ الأمر الذى يتيح لهم نقل سلعهم من منطقة تجارية لأخرى على مدار أيام الأسبوع ؛ من سوق الأحد إلى سوق الجمعة إلى سوق الأربعاء .. وهكذا ؛ وبموجب ترخيص .

الحلول المبتكرة لا نهاية لها فى أى مجتمع رشيد ؛ يلجأ إلى أصحاب العقول اللامعة لحل مشاكله المزمنة ؛ ولا يعتمد على العاطلين عن الموهبة والخيال أصحاب العقول الممسوحة والبصيرة الخامدة .

أما الحلول طويلة الأجل ؛ فهى الحلول المرتبطة ببرامج التنمية الشاملة ؛ التى تؤدى إلى دوران عجلة الاقتصاد الصناعى والزراعى والمعلوماتى والاتصالاتى والثقافى والإعلامى والفنى .. الخ ؛ فيتسع سوق العمل وتتوفر فرصه ؛ ومن ثم تتقلص فقاعات الأسواق العشوائية والتجارة الجائلة .

بالطبع أتأفف وأتعصب ويركبنى ألف عفريت أزرق ؛ وأنا أجد الأرصفة محتلة ؛ والطرق شبه مسدودة ؛ والفوضى تدمر النظام ؛ والعشوائية تسد الأفق .

ولكننى ؛ لن أنام على فراشى قرير العين مرتاح البال ؛ وأنا أعلم بأن أبواباً للرزق ولو شبه الحلال قد انسدت ؛ وعائلات قد جاعت وتشردت ؛ ومهاوى ومزالق للجريمة والحرام قد تمددت .

لا يمكن أن نتعامل مع المواطنين الذين شاء لهم حظهم العاثر أن يوجدوا خارج دائرة رعاية الدولة نتيجة فشلها أو فسادها ؛ لا يمكن أن نظل نتعامل معهم فى زمن الثورة بسياسات من داخل الصندوق البائس العقيم .

انسفوا الصندوق القديم أو القوه فى البحر ؛ لتتسع دائرة الرزق الحلال لكافة درجات الهرم الاجتماعى . وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا الناس ؛ وإلا فإن حساب الناس ومن قبله حساب الله ؛ عسير .

قال عمر بن الخطاب ؛ لعمرو ابن العاص عندما عينه والياً على مصر : لو جاءك سارق فماذا تفعل به ؟ فرد عمرو بن العاص، قائلاً : أقطع يده . فرد عليه عمر بن الخطاب : ولو جاءني فقير من مصر لقطعت يدك .

*****

dr.mmahfouz64@gmail.com

الرئيس والقصور الرئاسية

د. محمد محفوظ .. يكتب : الرئيس والقصور الرئاسية

تاريخ النشر : 7 يونيو 2014

وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال
سورة إبراهيم ـ الآية 45

على الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يبادر إلى سرعة فتح ملف القصور والاستراحات الرئاسية .
ففى بلد يعانى من ضائقة اقتصادية ؛ ومن ضعف  الثقة فى المؤسسات الرسمية ؛ يجب على مؤسسة الرئاسة أن تضرب المثل والقدوة ؛ فتتخفف من أحمالها وتقترب من شعبها .
وفى تقديرى فإن ملف القصور والاستراحات الرئاسية ؛ ينبغى معالجته من خلال 3 محاور ؛ تتمثل فى : الجدوى .. والفجوة .. والتوثيق .
أولاً ـ الجدوى :
فينبغى أن يتم تعظيم الجدوى الاقتصادية والتاريخية والثقافية لسلسلة القصور والاستراحات التابعة لمؤسسة الرئاسة ؛ لأن استمرار تلك القصور والاستراحات بوضعها الحالى الذى يجعل معظمها مغلقة على مقتنايتها ؛ يمثل بالوعة لإهدار المال العام ؛ وإغراء للتعامل مع المال السايب بمنطق النهب والسرقة ؛ كما يشكل نوع من الحجر على حق الشعب فى التعرف على جزء مهم من تاريخه .
ولنا أن نتخيل كم الأموال المهدرة للصرف على أعمال الصيانة والنظافة ؛ للأثاثات والحوائط والأرضيات ووصلات السباكة والكهرباء والاتصالات ؛ والعناية بالحدائق ؛ بالإضافة إلى فواتير المياه والكهرباء والتليفونات ؛ وأجور العمالة ؛ والخدمات الأمنية على مدار الساعة من ضباط وأفراد الحرس الجمهورى والادارة العامة لشرطة رئاسة الجمهورية ؛ بتسليحهم ووسائل انتقالهم ومخصصاتهم ... الخ .
وبالتالى فقد حان الوقت ؛ لوقف هذا النزيف المالى المستمر ؛ من خلال التعامل مع تلك القصور والاستراحات بمنطق الجدوى الاقتصادية والتاريخية والثقافية النابعة من قيمتها الحضارية الكبرى .
وفى تقديرى فإن هذا المنطق ينطلق من بديهية عالمية تعتنقها معظم الدول المتحضرة ؛ وتتمثل فى تخصيص مقر دائم لرئاسة الجمهورية سواء كان قصرا أم فيلا بمواصفات خاصة ؛ ونقل تبعية باقى القصور والاستراحات إلى وزارة الآثار ووزارة الثقافة وفقا للغرض الذى سيتم من خلاله التعامل مع تلك القصور أو الاستراحات .
فبعض تلك القصور هى متاحف عالمية بامتياز نتيجة طرازاتها المعمارية الخلابة ومقتنياتها الحصرية الفريدة وقيمتها التاريخية والأثرية ؛ ولا تحتاج إلا إلى تزويدها ببعض التجهيزات المتحفية لكى تنضم إلى خريطة المتاحف المصرية وخريطة السياحة الداخلية والأجنبية .
وبعضها الآخر ؛ الذى يقل فى مرتبة القيمة التاريخية أو الأثرية ؛ فيمكن تحويله إلى فنادق عالمية ذات طابع خاص مثل فندق قصر السلاملك فى الإسكندرية بحدائق قصر المنتزه ؛ بحيث يتوجه إليها النزلاء المصريين والأجانب ؛ الراغبين فى الإقامة فى أجواء تاريخية وبأسعار تزيد عن أسعار الفنادق الاعتيادية .
بينما يمكن عرض بعضها الآخر ـ الذى لا يصلح للإقامة الفندقية ـ للبيع فى مزادات ؛ بعد جرد مقتنياتها الفريدة وضمها للمتاحف المتخصصة ؛ أو تحويلها إلى مراكز فنية وثقافية عامة . 
.. وبالتالى فان تعظيم الجدوى الاقتصادية والتاريخية والثقافية من القصور والاستراحات الرئاسية المغلقة ؛ لتحويلها إلى متاحف أو فنادق أو مراكز ثقافية وفنية أو التصرف فيها بالبيع ؛ هو أمر لازم لكى يتم سد حنفيات إهدار واستنزاف المال العام . كما إنه أمر حاسم لنقل الانطباع لجموع الشعب المصرى ؛ بأن مؤسسة الرئاسة عندما تبادر وتنحو منحى الإدارة الرشيدة لأصولها التى هى أصول الشعب ؛ بعيداً عن منطق التكويش والإهدار ؛ فإن ذلك بلا أدنى شك ؛ سيرسم الطريق لكى يكون هذا هو منهجهها فى إدارة باقى أصول الدولة ومواردها ؛ وفى تقليص نفقاتها وتضييق دائرة مخصصاتها .
ثانياً ـ الفجوة :
تمثل القصور الرئاسية بخلفيتها التاريخية الملكية ؛ ومظاهر البذخ والهيلمان والفخامة المتوطنة فيها ؛ أحد أهم التقاليد التى كان ينبنى عليها نظام الحكم الملكى ؛ الذى كان يقوم على ضرورة أن توجد فجوة مادية ومعنوية بين الأسرة الملكية الحاكمة وبين الشعب ؛ باعتبار أن ذلك أمر لازم لخلق هالة من الجلال والتوقير والمهابة والعلو التى تحوط الذات الملكية ؛ فتغرس فى نفوس المحكومين نوع من الثقة العمياء والرضى والقبول بتوجهات مؤسسة الحكم ؛ بما يؤدى إلى كبح نوازع النقد أو المحاسبة والمراجعة أوالرغبة فى التغيير التى تتناقض مع طبيعة الحكم الوراثى وقواعد استمراريته .
ورغم أن النظم الملكية أو الإمبراطورية الحاكمة مازالت قائمة فى بعض الديمقراطيات الغربية وفى اليابان ؛ إلا أن القاعدة الدستورية الضامنة لوضعية الملك أو الإمبراطور الذى يملك ولا يحكم ؛ قد جعلت الفجوة المادية أو المعنوية التى تفصل الأسر الحاكمة عن الشعب ؛ غير ذات أثر على طبيعة نظام الحكم الذى يخضع للانتخاب من الشعب والرقابة والمحاسبة من ممثليه .
ولكن ؛ يبدو بأن وراثة نظم الحكم الجمهورية لقصور الأسر الملكية ؛ قد نقل العدوى إلى الرؤساء الذين لا يجرى فى عروقهم الدم الملكى الأزرق ؛ فاقتبسوا مظاهر الجلال والتوقير والمهابة والعلو ؛ بما حافظ على استمرار الفجوة المادية والمعنوية بين مؤسسة الرئاسة والشعب ؛ فأصبحت كل القصور الرئاسية ( الملكية سابقاً ) بأسوارها الشاهقة ؛ بمثابة عوازل مادية ومعنوية تعزل الرئيس عن الجماهير ؛ وسرعان ما تتحول إلى دوائر للنفوذ يحافظ عليها الانتهازيون والمنتفعون ؛ ويدافعوا عن استمرارها لكى ينفردوا بالرئيس ويضمنوا دوام استمراره ومن ثم استمرارهم معه فى دائرة الحكم والسلطة .
ومن ثم فإن الضامن الأكبر لعدم حدوث فجوة بين الرئيس وبين الشعب ؛ لا يتوقف فقط على الشعبية الكبيرة والاختيار الحر من الجماهير ؛ وإنما لابد لذلك من إجراءات على الأرض تمنع نمو تلك الفجوة ؛ ومن أهمها تحديد مقر رئاسى واحد للرئيس ؛ يكون متاحاً للجماهير وفقا لترتيبات أمنية زيارته والتجول ببعض أجنحته ؛ ويكون غير محاط بالأسوار العالية التى تحجبه عن الناس ؛ بالإضافة إلى عدم الاحتفاظ بأى قصور أو استراحات أو مقرات مغلقة فى حوزة مؤسسة الرئاسة ؛ لأن استنزاف المال العام هو العامل الأكبر الذى يؤدى إلى تحويل الـ ( فجوة ) بين الرئيس والشعب إلى ( جفوة ) .
ثالثاً : التوثيق :
لا تكتسب مؤسسة الرئاسة احترامها لدى الشعب من مجرد سهرها فقط على حماية حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية وحماية حدود الوطن وسواحله وأجوائه ؛ وإنما لابد من أن يترافق مع ذلك القدرة على توثيق التسلسل التاريخى لحكام هذا الشعب وتلك الدولة ؛ بما يساهم فى تقديم صورة مجسمة لتداول الحكم عبر العصور والتطور السياسى للنظم الحاكمة ؛ ويغرس فى نفوس المواطنين قيمة الارتباط بالماضى البعيد والقريب اللذين لا غنى عنهما للانتماء للحاضر المقيم والاستعداد للمستقبل المنشود .
وربما يبدو هذا الحديث للبعض بمثابة فذلكة وتلاعب نظرى بالكلمات والعبارات ؛ إلا أنه فى الواقع يمثل حجر الزاوية لتقديم مؤسسة الحكم باعتبارها مؤسسة لها تاريخ وجذور ؛ يمنحانها العراقة والخبرة ويعكسان منها العبرة والعظة .
ولذلك أقترح على الرئيس عبد الفتاح السيسى ؛ أن يخصص جناحاً فى القصر أو المقر الرئاسى ؛ لتحويله إلى : ( بانوراما حكام مصر ) . بحيث تضم تلك البانوراما بين جنباتها توثيقاً تاريخياً متسلسلاً لأسماء وصور حكام مصر عبر العصور ومنذ فجر التاريخ ؛ من الفراعين والأباطرة والقياصرة والخلفاء والولاة والخديوية والسلاطين والملوك والرؤساء .
وذلك وفقاً للترتيب التالى :
1ـ حكام الدولة الفرعونية التي حكمت مصر لمدة تزيد عن 3000سنة , من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثلاثين .
2ـ حكام دولة البطالمة .
3ـ حكام الدولة الرومانية .
4ـ حكام الدولة البيزنطية .
5ـ حكام دولة الخلافة الإسلامية العربية ( الراشدة ) .
6ـ حكام الدولة الأموية .
7ـ حكام الدولة العباسية .
8ـ حكام الدولة الطولونية .
9ـ حكام الدولة الإخشيدية
10ـ حكام الدولة الفاطمية .
11ـ حكام الدولة الأيوبية .
12ـ حكام دولة المماليك ( البحرية , والبرجية ) .
13ـ حكام الدولة العثمانية .
14ـ حكام الدولة العلوية ( أسرة محمد على ) .
15ـ حكام الدولة الجمهورية .
.. وفى تقديرى فإن وجود بانوراما حكام مصر داخل مقر الرئاسة ؛ كمتحف توثيقى لتاريخ حكام مصر ؛ هو أمر يربط مؤسسة الرئاسة بالشعب الذى سيتردد كباره وصغاره على البانوراما للتعرف على تاريخ الحكم فى مصر . كما إنه سيوثق للتنوع الذى استندت إليه الحضارة المصرية فى تفاعلها رضاءً أم قسراً مع الحضارات الأخرى خلال كل مراحل نموها ؛ وهو الأمر الذى سيوطد من دعائم الترابط بين مصر والمترددين عليها من السائحين والزوار المنتمين لتلك الحضارات الأخرى التى تواجدت على أرض مصر عبر التاريخ .
....................
ومن هنا .. فإن التعامل مع القصور الرئاسية ( الملكية سابقاً ) بمنطق ؛ تعظيم الجدوى الاقتصادية والتاريخية والثقافية ؛ وردم الفجوة المادية والمعنوية ؛ وتوثيق التسلسل التاريخى لحكام مصر ؛ هو أمر يضع أقدامنا على طريق الدولة التى هى ملك لشعبها بقصورها وأكواخها ؛ ومغرم لا مغنم لحكامها بسلطاتها ومسئولياتها .
قال تعالى : فكأين من قرية أهلكناها وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئرٍ معطلة وقصرٍ مشيد
سورة الحج ـ الآية 45
*****

dr.mmahfouz64@gmail.com