12 أكتوبر 2013

اللاحزب .. اللاوطنى .. اللاديمقراطى
( مستودع الانتهازية )
 نشر : نوفمبر 2010

بقلم دكتور / محمد محفوظ

( عندما تصبح سلطة الدولة غاية وليست وسيلة ؛ فإن كل طغيان يصبح مقدساً ).
[ أدولف هتلر – من كتاب كفاحى ]

ربما تبدو مفارقة صادمة أن يصدر مثل هذا الكلام عن ( هتلر ) .
ولكن المفارقة الأكبر أن أفعال هتلر ومصيره ؛ حققا - معاً - الخلود لهذه الكلمات .
فالسلطة عندما تصبح غاية , فإن الشعوب تصبح هى الوقود الذى يتم حرقه للاحتفاظ بها ؛ وبالتالى يصبح كل طغيان مقدساً .
ولكن ما علاقة هذه الكلمات بموضوع المقال ؟؟؟
فى اعتقادى أن العلاقة وطيدة , لأن التعريف الشائع للحزب فى شارعنا السياسى مفاده بأن الحزب هو جماعة ذات توجه أيدلوجى معين تسعى للوصول إلى السلطة , فالوصول للسطة هو الغاية !!!!
وهذا التعريف الشائع ؛ يتناقض مع التعريف القانونى للحزب ؛ الوارد فى  المادة رقم ( 2 ) من قانون الأحزاب السياسية ؛ التى تنص على الآتى : ( يُقصد بالحزب السياسى كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة فى مسئوليات الحكم ) .
فالمفترض إذن أن الحزب - أى حزب - يسعى لتحقيق برامج محددة , وبالتالى فالبرامج هى الغاية , والوصول للسلطة هو الوسيلة لتحقيق هذه الغاية . وأى تعريف للحزب يتصادم مع هذه الحقيقة يفتح الباب واسعاً أمام حكم الطغيان .
وإذا نظرنا للحزب الحاكم فى مصر ؛ المسمى بالحزب الوطنى الديمقراطى , فإننا سنجد أنه - فى هذا العام - سيكمل عامه رقم 32 فى السلطة , من خلال الحصول على الأغلبية الساحقة الماحقة طوال هذه المدة - 32 سنة - فى كافة مقاعد المجالس النيابية فى مصر ( مجلس الشعب – مجلس الشورى – المجالس المحلية).
فهل سعى - ويسعى وسيسعى - الحزب الحاكم فى مصر لتحقيق أية برامج , ومن ثم فالسلطة هى مجرد وسيلته لتحقيق تلك البرامج التى هى غايته الأصيلة , بحيث يصبح الحزب الحاكم يحمل من الصفة الحزبية فى اسمه الكثير , بما يجعلنا نقرر وبكل ثقة بأنه بالفعل ( حزب سياسى ) ؟؟؟؟
ربما يجيب عن هذا السؤال السيد / صفوت الشريف ؛ الأمين العام للحزب الحاكم , فى حواره مع رئيس تحرير مجلة المصور / حمدى رزق ؛ المنشور على الموقع الإلكترونى للحزب , حيث يقول الشريف ما نصه : ( .... الحزب الوطنى الديمقراطى بدأ مسيرته الحقيقية فى عام 2002م , وعندما نقول الحزب الوطنى بكيانه الحزبى وهياكله الحزبية وتنظيمه الحزبى . كانت الناس تقول أين الحزب الوطنى الديمقراطى ؟ وأين الوحدات الحزبية  ،  وأين عضوية الحزب , لكن الفكر الجديد الذى  يتعامل مع التطور الديمقراطى الحقيقى بدأ فى العام 2002م ) .
إذن السيد / صفوت الشريف ؛ يرى أن 24 عاماً من عمر الحزب قبل 2002م, كانت سراباً , لأنه - من وجهة نظره - نتيجة غياب الفكر الجديد لم يكن الحزب حزباً , ولكن بالفكر الجديد اعتباراً من 2002م ؛ صار الحزب حزباً حقيقياً يمتلك الهياكل والتنظيم .
ونحن نتفق معه بلا أدنى جدال فى أن الحزب قبل عام 2002م لم يكن حزباً , ولكننا نختلف معه فى محاولته لإلصاق صفة الحزبية بالحزب خلال الـ 8 سنوات الأخيرة .
فالصفة الحزبية كانت ومازالت غائبة عن الحزب منذ نشأته وحتى الآن . وذلك لأن الفكر الجديد ( الأيدلوجيا ) ؛ والهياكل والتنظيمات ( المقرات الحزبية والمؤتمرات الحزبية والمجمعات الانتخابية الحزبية وقواعد البيانات الخاصة بالعضوية وعدد الأعضاء الذى يقارب الـ 3 مليون ) , كل ذلك لا يصنع حزباً, طالما كان الاحتفاظ بالسلطة هو الغاية ؛ وليس الوسيلة لتحقيق البرامج التنموية التى تحقق مصالح المواطنين .
الحزب الشيوعى فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق كان نموذجاً فى الهيكلية والتنظيم وعدد الأعضاء , والحزب الشيوعى فى الصين مازال نموذجاً فى الهيكلية والتنظيم . ولكن العامل الحاكم : أن تكون البرامج التنموية هى الغاية , وأن يكون الاحتفاظ بالسلطة هو الوسيلة .
ولعل 32 عاماً من حكم الحزب الحاكم فى مصر ؛ تثبت بكل الأرقام والوقائع والأحداث ؛ بأن الرغبة فى الاحتفاظ بالسلطة ؛ كانت دائماً أكبر كثيراً من الرغبة فى رعاية مصالح الناس . 
إذ أن كل خطوة على أرض مصر ؛ صارت تنطق - بل وتصرخ - بمعدلات الفشل والتراجع والإهمال والقصور التى وصل إليها الحال ؛ على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية والعلمية والثقافية .. الخ .
نحن إذن أمام تنظيم فاقد لصفة الحزبية , وهو أقرب إلى مستودع للإنتهازية والوصولية والجشع والأنانية والاستحواذ والتكويش والهبش والكبش .
مستودع للنفايات الأخلاقية المشعة .
ولا نستطيع أن نعمم تلك الصفات على أعضاء هذا التنظيم , لأننا لا نستطيع شق الصدور وتفتيش الجيوب لمعرفة مكنونها . وإنما نعمم تلك الصفات على ذلك التنظيم كمؤسسة ؛ صار كل طغيان لديها مقدساً ؛ من أجل التشبث بالسلطة لمدة 32 سنة ( حتى الآن ) .
ولكن إذا كان هذا التنظيم لا يمتلك من اسمه صفة ( الحزب ), فهل يمتلك صفة ( الوطنى ) ؟؟؟؟
ولعل صفة الوطنية تعنى فى المجال السياسى ؛ تحقيق مصالح الوطن وليس مصالح أعداءه . إذ أن تحقيق مصالح الأعداء يضع أى قوة سياسية فى نفس خانة القوى الاستعمارية ؛ التى تحكم الأوطان وفقاً لأجندة غير وطنية ؛ تقدم مصلحة الخارج على الداخل .
فهل يمتلك اللاحزب الحاكم من الوطنية أى نصيب ؟؟؟؟
سنترك القوى السياسية المتعددة تجيب على ذلك السؤال :
- تيار الإسلام السياسى سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح الغرب المسيحى والكيان اليهودى ( وفقا لمصطلحاتهم ) .
- تيار اليسار والقوميين العرب سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح الغرب الإمبريالى والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ( وفقا لمصطلحاتهم ).
- تيار الليبراليين سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح دوائر الفساد والاستبداد .
- المواطن غير المسيس سيجيب بأن النظام يحقق مصالح أعوانه فقط .
فأى نصيب من الوطنية يمكن أن يتم إلصاقه بتنظيم يحقق ما كان يمكن لأى نظام غير وطنى ( أجنبى ) أن يحققه .
أى قدر من الوطنية يمكن أن يوصف به تنظيم أهدر خلال سنوات حكمه ؛ ما كان يمكن لأى قوة احتلال أن تهدره خلال سنوات احتلالها, بل ربما أكثر .
إذن ليس لصفة ( الوطنى ) من نصيب فى اسم اللاحزب الحاكم .
لا يتبقى إذن ؛ إلا صفة ( الديمقراطى ) التى يلصقها اللاحزب الحاكم باسمه , فهل له فيها من نصيب ؟؟؟؟؟؟
من المؤكد أنها - بدون أدنى شك - صفة لا يمكن بأى حال أن تتواءم مع حزب قابع فى الحكم بأغلبية ساحقة منذ 32 سنة ؛ فى ظل معدلات متزايدة من الانحدار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والتعليمى .. الخ . فأى أغلبية يحققها صُـناع الانحدار , وكيف يحققونها ؟!!!!
وأى وصف ديمقراطى يمكن أن يلحق بنظام يجلس فيه الوزراء لمدد تزيد عن 20 سنة فى مقاعدهم .
ويجلس فيه رئيس الجمهورية لمدة 30 سنة فى منصبه دون حد أقصى لمدد الرئاسة .
ويخلو فيه منصب نائب رئيس الجمهورية لمدة 30 سنة . 
ويستمر فيه إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 سنة .
ويتم إنشاء الأحزاب فيه بناءً على موافقة لجنة يرأسها الأمين العام للاحزب الحاكم.
ويتم فيه فرض الحراسة على النقابات المهنية .
وتتواجد فيه قوات الشرطة داخل حرم الجامعات .
ويتم فيه تعيين عمداء الكليات وعمد القرى .
وترفض فيه وزارة الداخلية الطلبات التى تقدمها إليها الأحزاب الشرعية لتنظيم أى مسيرة أو وقفة احتجاجية أو مظاهرة سلمية .
وتحاصر فيه الآلاف من قوات الأمن المركزى ؛ أى تجمع سلمى يضم عشرات الأفراد .
وتهيمن فيه وزارة الداخلية على القيد بجداول الناخبين .
ويتوجه فيه الراغبين فى الترشح للمجالس النيابية إلى مقرات مديريات الأمن لتقديم طلبات ترشيحهم .. و .. و .. الخ .
أى ديمقراطية تلك التى تبدأ بحرفى الدال والياء ؛ ثم نكتشف إنها تكتمل بالحروف التالية ( كتاتورية ) .
لا يحمل اللاحزب الحاكم من اسمه ( الديمقراطى ) أى قدر أو فتفوتة من فتافيت الديمقراطية , بل هى أضغاث أحلام ؛ وماهم بتأويل الأحلام بعالمين .
وبالطبع ؛ ربما لا ينفرد اللاحزب الحاكم بفقدانه لتلك الصفات اللاصقة زوراً باسمه , بل ربما تشاركه فى ذلك أحزاب مصرية أخرى ؛ يزيد عددها عن عدد أصابع اليدين والقدمين . ولكن يبقى اللاحزب الحاكم بمفرده المستحوذ على السلطة ؛ وبالتالى فقد تم اختباره , أما باقى الأحزاب فهى لم تـُختبر بعد !!!!
---------------------------
إذن ؛ لا هو حزب ؛ ولا هو وطنى ؛ ولا هو ديمقراطى ؛ ولا يحزنون .
وبالتالى ينبغى أن نسمى الأسماء بمسمياتها, ونقر بأن النظام الحاكم فى مصر يمثله فى الحكومة والبرلمان تنظيم اسمه ( اللاحزب اللاوطنى اللاديمقراطى ) .
*****
                                                      دكتور / محمد محفوظ






بعد مرور29 عاماً دراسة فى شخصية الرئيس

بعد مرور 29 عاماً
 ( دراسة فى شخصية الرئيس )
--------
تاريخ النشر : أكتوبر 2010

بقلم دكتور / محمد محفوظ

( إذا طالت مدة بقاءك فى السلطة , فأنت تخاطر بأن ترى معظم منجزاتك , وهى تنهار واحدة بعد الأخرى بين يديك ) .
وهذا ما حدث للرئيس مبارك , لأن كل ما كان يمكن لمبارك أن يفاخر به باعتباره انجاز -  بعد مرور 29 سنة - أصبح الآن منهاراً أو فى طريقه إلى الانهيار .
لذلك ينبغى علينا أن نفتح ملف ( شخصية الرئيس ), ليس بمنهج شخصى ؛ وإنما بمنهج علمى يسعى لتحليل الشخصية دون تجريحها, لأن مقام الرئاسة ينبغى أن يظل له كل التوقير والاحترام, ليس من أجل ذات الرئيس كشخص , وإنما من أجل مصلحة الوطن, إذ أن التوقير والاحترام هما جزء من المقومات التى تعين أى رئيس على مباشرة مهامه الدستورية .
وإذا كان الكاتب الكبير أنيس منصور , قد ابتكر فى الستينات مصطلح ( اعرف عدوك ), فإننا نجد أنفسنا فى عام 2010م وبعد مرور 29 عاماً على حكم الرئيس مبارك, مضطرين إلى صك مصطلح ( اعرف رئيسك ), لأن شخصية الرئيس فى أنظمة الحكم غير الديمقراطية, تعتبر جزءً أصيلاً من بنية الحكم, بل ربما تكون أحد أعمدته الرئيسية .
وربما لا يمكن الاقتراب بشكل صحيح من فهم شخصية الرئيس ؛ إلا من خلال فهم الأسباب الحقيقية التى استند إليها الرئيس الراحل السادات عند اختياره للرئيس مبارك كنائب له . ولعل كل الكتابات التى تحدثت عن تلك الأسباب دارت حول الكفاءة الإدارية والقيادية ؛ والشخصية الانضباطية والسمعة الممتازة التى كان يتمتع بها جميعاً الرئيس مبارك , بالإضافة إلى دوره الحاسم فى قيادة الضربة الجوية فى نصر أكتوبر .
ولا شك بأن الرئيس السادات باعتباره داهية عسكرية وسياسية , قد تيقن بعد انتصار أكتوبر بأن القوات المسلحة كان ينبغى أن تكون شريكاً له فى الحكم . لذلك كان لابد من اختيار أحد قادة نصر أكتوبر ليكون نائباً للرئيس, ولكن دهاء الرئيس السادات جعله يستبعد القادة الذين لهم شعبية كبيرة فى القوات المسلحة , وبالطبع كان قائد القوات الجوية هو الذى تتوافر فيه الصفتان ؛ فهو صاحب الإنجاز العسكرى غير المسبوق ( الضربة الجوية ), وهو من القادة قليلى الشعبية فى القوات المسلحة . فالقوات الجوية بعدد ضباطها وأفرادها تمثل نسبة محدودة من إجمالى تعداد الجيش المصرى, وبالتالى ليس لقائدها شعبية كبيرة على مستوى القوات المسلحة ككل.
إذن اختار الرئيس السادات؛ الفريق مبارك ؛ لأنه قائد منتصر ولكن قليل الشعبية . وبالتالى أتاح للقوات المسلحة أن تشاركه فى الحكم ؛ ولكن بدون إحساس بالخطر من شعبية من يمثل هذا الشريك .
أيضاً .. فإن ما يجعلنا نقترب أكثر من شخصية الرئيس, هو استرجاع أكثر التصريحات تلقائية التى صرح بها الرئيس فور توليه الرئاسة , وتمثلت  فى الواقعة الشهيرة التى سأله فيها أحد المراسلين الأجانب حول ما إذا كان سيسير فى طريق الرئيس جمال عبد الناصر أم طريق الرئيس السادات, فأجاب الرئيس مبارك بتلقائية وسرعة بديهة بإجابة لامعة متألقة قائلاً :  ماى نيم إذ حسنى مبارك ( أى اسمى حسنى مبارك ) .. وربما تكون تلك الإجابة بسرعتها وتلقائيتها تمثل بقعة ضوء ساطعة تضئ لنا الجانب الأكبر من شخصية الرئيس, لأنه لو تم توجيه ذات السؤال لأى رئيس فى دولة ديمقراطية , لكانت الإجابة التلقائية ستكون: ( سأسير فى الطريق الذى يحقق مصلحة الشعب ومصلحة البلاد ) , ولكن أن يرد الرئيس : بأن اسمه كذا, فان ذلك يوضح بأن السلطة فى ذهن الرئيس ما هى إلا ظل لذات الرئيس , بعكس ما ينبغى أن يكون فى أى نظام رشيد للحكم , وهو أن يكون الرئيس أحد ظلال السلطة وليس العكس .
والآن دعونا نسلط الضوء مباشرة على النقاط الـ ( 6 ) الحاسمة فى شخصية الرئيس :
1- الحكمة والتأنى  :
أثناء استمرار أجواء التوتر بين مصر وليبيا فى بدايات الثمانينات , علق الرئيس مبارك على الذين فاض بهم الكيل من ممارسات وتصريحات العقيد القذافى قائلاً: ( لو كنت ماشى فى الشارع وعيل صغير رمى عليك طوبة حتعمله إيه ). وبالفعل ربما يكون عدم الانجرار خلف الصغار وصغائر الأمور من أهم مقتضيات الحكمة , ولذلك يشتهر الرئيس بين مؤيديه - بل وبين عامة الناس - بالحكمة والتأنى فى اتخاذ القرار وعدم التسرع والابتعاد عن العصبية المفرطة.
ولكن الحكمة تكون عنوان لرجاحة العقل عندما تنتج سياسات ناجحة , ولكن عندما تنتج سياسات غير ناجحة , فإنها لا تكون إلا قناع يخفى خلفه الميل للعناد واللامبالاة والتجاهل. ولعل سوء الأداء الحكومى الذى وصل إلى مداه الآن ؛ يثبت أن ما يحسبه البعض حكمة وتأنى , ما هو إلا لامبالاة وبطء فادح فى اتخاذ القرار . وكما يقول جان جاك روسو ( إن ثمار التروى تضيع إذا زاد التروى عن الحد ) ... لأنه عندئذ سيكون أى شئ آخر غير التروى.
2- الاستقرار :
يذكر الكثيرون للرئيس مبارك أنه جنبنا  - وسط منطقة ملتهبة من العالم - التورط فى حروب متعددة , كانت ستدمر البلد وتأكل الأخضر واليابس. وبالتالى فنحن مدينون للرئيس مبارك بالاستقرار الذى حققه لمصر طوال 29 عاماً .
وبالفعل ربما يكون الاستقرار محموداً عندما يصبح سياسة لمصلحة الوطن , ولكنه يصبح مشكوكاً فيه عندما يصبح وسيلة للحفاظ على السلطة واستمرارها . وبالطبع يحق لنا أن نشك فى هذا الاستقرار الناتج عن تجنب الحروب ؛ طالما كانت النتيجة المتحققة منه مساوية لذات نتائج الحروب. بما يعنى أن هذا الاستقرار كان مكرساً لاستمرار الجلوس على الكرسى ؛ وليس مكرساً لمصلحة الناس والوطن .
 وبالتالى .. فإن تجنب الدخول فى الحروب – رغم إنه ميزة كبيرة – إلا أن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى , ونية الرئيس تؤكدها الممارسات , فتعيين نائب للرئيس أمر بلا شك يرعى الاستقرار , وتعزيز التطور الديمقراطى فى مصر أمر يدعم الاستقرار , وفك الارتباط ما بين السلطة والثروة أمر يرعى الاستقرار , والتقريب بين الدخول أمر يرعى الاستقرار .. الخ .
ولكن لأن كل هذا - وبعد 29 سنة - لم يحدث , فإنه يصبح من حقنا أن نشكك فى النوايا الكامنة خلف هذا الاستقرار . 
3- الديمقراطية فى ذهن الرئيس :
هناك مقولة شهيرة للرئيس الكوبى فيدل كاسترو ؛ قالها تعليقا على معارضيه الذين كانوا يوجهون له سهام النقد لعدم إجراء انتخابات للرئاسة , فرد عليهم  قائلاً :  )أتعجب من الذين يريدون إجراء انتخابات للرئاسة ؛ لقد سبق للشعب وأن اختار كاسترو ) . فالشعب في ذهن كاسترو كيان جامد لا يتغير ويكفيه أن يختار مرة واحدة . وربما يقترب منطق الرئيس مبارك الديمقراطى من ذلك المنطق الكوبى . فالرئيس مبارك يرى بأن الشخص طالما ظل قادراً على العطاء فليبق فى مكانه مهما طالت المدة . وهو منطق - وبكل الأسف - يتصادم مع المبادئ الديمقراطية ، لأن الفكر الديمقراطى يرى أن تداول السلطة مثلما يتم باختيار الجماهير , فإن البقاء فى السلطة أيضاً ينتهى بالتشريعات التى أقرتها الجماهير والتى تضع سقفاً لا ينبغى تجاوزه لمدة البقاء فى السلطة , بما يمنع من  تكوّن دوائر من الفساد حول مركز السلطة.
الديمقراطية – إذن - فى ذهن الرئيس مبارك ليس لها مكان إلا بالقدر الذى يجمِّل صورة النظام, وما يثبت ذلك هو أن الواقع فى مصر أكد ويؤكد أن ممارسات الفساد الفجة التصقت برجال الوزراء الأكثر بقاءً فى السلطة , مثل : رجال وزير الإعلام ( الأسبق ), ووزير الزراعة (الأسبق ), ووزير الثقافة ( الحالى ) . مما يؤكد بأن طول البقاء فى السلطة يؤدى إلى تراكم دوائر من النفوذ التى يتنامى بداخلها الفساد . إلا أن الرئيس مبارك - رغم كل ذلك - ظل أميناً لمبدأه  الديمقراطى , بأن البقاء فى السلطة متاح بدون حد أقصى طالما توافرت القدرة على العطاء!!!  وبالتالى يكفل الرئيس هذا المبدأ لمنصب الوزير كما يكفله لمنصب رئيس الجمهورية.
4- الخلفية العسكرية :
ربما تمثل الخلفية العسكرية جانب هام فى شخصية الرئيس, لأنها تنعكس على رؤيته لكيفية التعامل مع المثقفين والسياسيين . ولعل العفو عن الكاتب الصحفى المتألق إبراهيم عيسى( رئيس تحرير الدستور ), فى مقابل التسويف لمدة طويلة فى الإفراج الصحى عن الدكتور/ أيمن نور ( رئيس حزب الغد ) يشير إلى عدم الاهتمام بالكلمة والمثقفين, فى مقابل القلق الزائد عن الحد من السياسيين . فسياسة الرئيس مبارك القائد العسكرى أن )السيف أصدق إنباء من الكتب ( , وبالتالى لا توجد مشكلة فى أن يتكلم الناس, ولكن المشكلة أن يبدأ الكلام فى التحول إلى فعل . وهذا يوضح بأن كل ما يتم الترويج له باعتباره حرية غير مسبوقة للتعبير , ناتج عن عدم قلق من الكلمة ( سيبوا الناس تتكلم ) طالما لم تتحول إلى فعل قد يصب فى مصلحة أى تيار سياسى معارض.
5- الخبث السياسى :
يُنسب إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة  كونداليزا رايس ؛ تصريح شهير قالت فيه الآتى : ( منطقة الشرق الأوسط موبوءة بالخبث والاستبداد والتعصب والكراهية ). ولعل هذا التصريح يكفى لكى تنال كونداليزا رايس بموجبه جائزة نوبل فى السياسة لو كانت توجد مثل هذه الجائزة. لأنها بذلك الوصف العبقرى لخصت واقع المنطقة . فالخبث والاستبداد هما أمراض حكام المنطقة, والتعصب والكراهية هما أمراض شعوبها.
وربما يشرح لنا تصريح شهير للرئيس مبارك المغزى الذى نقصده من الخبث السياسى. فقد علق الرئيس مبارك على شكوى البعض من قيام المرشحين لانتخابات مجلسى الشعب والشورى بتقديم رشاوى مالية للمواطنين , بأن قال : ( ياخدوا فلوسهم وينتخبوا غيرهم ) .
وبالتالى ؛ فإن ميراث الخبث السياسى فى المنطقة ؛ قد علم الرئيس مبارك بأن الشعب المصرى عاطفى؛ تجمعه صفارة وتفرقه عصاية . وبالتالى هو شعب ضعيف الذاكرة, مما يتيح القدرة لأى رئيس على قول الشئ وفعل عكسه على طول الخط . ربما تؤكد كثير من الممارسات فى عهد الرئيس مبارك هذا الخط , لأن الرئيس وبعد 29 سنة فعل كل ما أكد انه لن يفعله , ولم يفعل حتى الآن كل ما كنا نحلم بأن يفعله . ( ربما يكفى مثال واحد لتنشيط ذاكرة الشعب الضعيفة يتعلق بتصريح الرئيس مبارك في بداية فترته الأولى , بأنه لن يجلس في الحكم لأكثر من فترتين ).
6- التشبث بالسلطة :
يعتبر التشبث بالسلطة مرض عضال يعانى منه كافة الحكام فى أغلب دول منطقة الشرق الأوسط, باستثناء لبنان وإسرائيل. وبالتالى فعندما تراجع الرئيس مبارك عن وعده بعدم الاستمرار فى الرئاسة لأكثر من فترتين, كان يفتح الباب لمرض التشبث بالسلطة لكى يتقاسم معه الحكم .
فلماذا أصبح الرئيس مبارك لا يستطيع أن يرى نفسه بعيدا عن السلطة. البعض يقول : لأنه صار يحب مجده الشخصى أكثر مما يحب وطنه , وبالتالى لم يعد يرى المجد فى الحرية والديمقراطية  مثلما فعل زعيم مثل مهاتير محمد فى ماليزيا , وإنما يراه فقط فى التشبث بالسلطة .
والبعض الآخر يقول : بأن الرئيس مبارك يريد بأن يحتكر كل الشرف لنفسه, ولا يرى أى مصرى آخر جديراً بأن ينال مثل هذا الشرف , المتمثل فى حكم مصر وتحقيق الرفاهية والتنمية والعدالة والديمقراطية لشعبها .
هذا ما يقوله البعض, ولكن ترى ماذا يقول الرئيس مبارك لنفسه بعد 29 عاماً من حكم مصر بدون شريك.
---------------
إذن .. بعد كل ما فصلناه عن شخصية الرئيس مبارك , هل يصح لنا أن نصف الرئيس بأنه ديكتاتور ( وفقاً للمصطلحات السياسية السائدة منذ عصر الإمبراطورية الرومانية ).
للأسف ؛ وبكل المرارة .. الرئيس مبارك ديكتاتور , ولكن هناك نوعين لشخصية الديكتاتور , هناك ( الهارد ديكتاتور ) , وهناك ( السوفت ديكتاتور ) .
الطراز الأول ( الهارد ) يمثله زعماء مثل صدام حسين وحافظ الأسد وموسولينى وهتلر وستالين والحجاج بن يوسف الثقفى .. إلخ .
ولكن الرئيس مبارك من النوع الثانى , الديكتاتور الناعم البسيط المبتسم التلقائى ابن النكتة, المتشبث بالسلطة بأقل درجة من العنف الكافى للاحتفاظ بها .
ولكن .. الخوف – كل الخوف - أن يتحول الرئيس مبارك مع تعاظم حركات الاحتجاج إلى هارد ديكتاتور , لأن النتائج وقتها ستكون كارثية, والثمن الذى سيدفعه الشعب سيكون باهظاً .
ولكن ربما تكون هذه النتائج الكارثية والثمن الباهظ ؛ هما بداية النهاية لحكم الرئيس مبارك . ولكن بعد كم وثلاثين سنة .. الله وحده أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
( أَو َلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ )  صدق الله العظيم
****
دكتور / محمد محفوظ


بعد مرور 37 عاماً هل ضاع نصر أكتوبر هباءً ؟؟؟؟

بعد مرور 37 عاماً
هل ضاع نصر أكتوبر هباءً ؟؟؟؟
---------------
نشر : أكتوبر 2010
بقلم دكتور / محمد محفوظ

« أن تطرح أسئلة كبيرة فأنت تخاطر بالحصول على نتائج مغلوطة.
ولكن عدم طرحها على الإطلاق, هو تقييد لإمكانية الفهم وكبح لها ».
( جورج شتاينر )

بعد مرور 37 عاماً على نصر أكتوبر, يحق لنا أن نتساءل : هل ضاع نصر أكتوبر هباء ؟
وذلك, لأن الحروب ليس الهدف منها فقط , الكيد للعدو, أو إذلاله, أو استعادة الأرض, أو الانتقام للقتلى والجرحى. فكل هذه أهداف مرحلية, ولكن الهدف الإستراتيجى من الحرب, هو تحقيق السلام. فإذا لم يتحقق السلام, فإن الانتصارات لا تلبث أن تذهب أدراج الرياح.
.. فهل تحقق السلام ؟؟
 لقد كان الرئيس السادات واعياً لذلك الهدف الإستراتيجى, ولذلك لم يشعر بالنشوة أمام هذا النصر الكبير , وإنما كان يرنو بعينيه إلى الهدف الأسمى .. وهو .. الســـــــلام.
فهل تحقق السلام, أم ضللنا الطريق إليه, وبالتالى ضاع نصر أكتوبر هباء ؟؟؟؟
ولعل هذا السؤال الكبير يعود بنا إلى قول ( جورج شتاينر ), الذى يتصدر المقال, فالأسئلة الكبيرة قد تجعلنا نخاطر بالحصول على إجابات خاطئة, ولكن عدم طرحها على الإطلاق هو الخطأ الأكبر . فالأمم تبنى نفسها من مكابدة الخطأ ومعاينة الصواب, ولا سبيل للتعلم إلا من خلال طرح الأسئلة الموجعة, وتركها لكى تنال حظها من الإجابات الخاطئة أو الصحيحة.
فما هى الأسئلة الموجعة التى تدور فى هذا السياق:
- هل أخطأت كل من: مصر والأردن, عندما وقعتا معاهدة السلام مع إسرائيل ؟
- أم هل أخطا العرب والفلسطينيون عندما رفضوا الانصياع لمصر , والمضى معها فى طريق السلام, مستغلين قوة الدفع التى قدمها نصر أكتوبر فى هذا المجال ؟
- هل أخلت إسرائيل بأى بند من بنود معاهدتها للسلام مع مصر أو الأردن ؟
- هل ينبغى أن نسأل أنفسنا: أنكره أم نحب إسرائيل ؟ ... أم ينبغى أن نسأل أنفسنا: هل من المصلحة كراهية إسرائيل, حتى لو لم نحبها ؟
- هل أدت ( فوبيا ) كراهية إسرائيل إلى تسميم وعى الأجيال الجديدة, وبالتالى تضاءلت كراهية الفساد والاستبداد والحكم الديكتاتورى, أمام كراهية ذلك العدو الذى تربطنا به معاهدة للسلام ؟
- هل مصر تتحمل مسئولية عدم تحرير فلسطين حتى الآن , أم تتحمله الدول التى دفعت الفلسطينيين إلى التخلف عن الحضور إلى مفاوضات السلام ؟
- هل أدت الرغبة فى الكيد إلى إسرائيل, إلى التمادى فى تدليل منظمات المقاومة المسلحة وإمدادها بالسلاح والتأييد, حتى استدارت بالسلاح إلى الداخل العربى, لتفرض مشروعها بقوة ذلك السلاح ( غرة حماس وجنوب لبنان حزب الله مثال لذلك ) ؟
- لماذا استطاعت إسرائيل تحقيق الحكم الديمقراطى, رغم وجودها فى حالة حرب دائمة, بينما عجزنا نحن عن تحقيق تلك الديمقراطية, رغم خروجنا نحن المصريين على الأقل من حالة الحرب ؟
- هل المسجد الأقصى يحتل أى موقع من شعائر الديانة الإسلامية, بعدما قال الله لرسوله الكريم فى كتابه الأكرم : ( فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) ؟
- هل سيسمح لنا العالم المسيحى, بأن نمارس الهيمنة على البلدة المقدسة ( البلدة الصغيرة التى تضم الآثار اليهودية والمسيحية والإسلامية المقدسة فى مدينة القدس ) ؟
- هل من المصلحة - التى تتفق مع حقن الدماء - أن نقبل بأن تكون البلدة المقدسة, تحت الإدارة الدولية, مثلما نص قرار التقسيم عام 47م , على أن يتمتع أتباع كل ديانة بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية, فكلنا نعبد الله ؟
- هل الصراع مع إسرائيل هو صراع عربى إسرائيلى, أم صراع إسلامى يهودى ؟
- هل تمادينا فى تدليل الفلسطينيين, حتى باتوا يعيروننا بأنهم يواجهون عدونا الأكبر بالنيابة عنا جميعاً, رغم أنهم فى الحقيقة لا يقاتلون إلا بعضهم البعض ( فتح فى مواجهة حماس ) ؟
- هل سيقبل العرب من سوريا, التى عجزت عن استعادة مجرد هضبة اسمها الجولان, ولم تستطع أن تنظم فيها أى مقاومة شعبية, أن تدعى بأنها زعيمة جبهة الصمود والتصدى والممانعة ؟
- متى سينتهى الصراع العربى - الإسرائيلى ؟
- ومتى سينتهى الصراع الفلسطينى - الفلسطينى ؟
- ومتى سيعم السلام المنطقة العربية ؟
- بل, ومتى سيعم الحكم الديمقراطى الدول العربية ؟
وأخيراً .... وبعد 37 عاماً ... من نصر أكتوبر ...
- لماذا لا نشعر بالنصر , لأن من يشعر بالنصر لا يقبل أبداً بالقهر والاستبداد ؟
- ولماذا لا نشعر بالسلام, لأن من يشعر به, لا يملأ قلبه بالكراهية والتعصب والغل الأسود ؟
- ولماذا أصبح من جلبوا لنا النصر, هم من جلبوا لنا الفقر والتخلف والفساد والاستبداد ؟ 
.. إنها أسئلة لم نعتد طرحها,
 ولكن يبدو بأنه قد آن الأوان,
لكى نبحث لها عن إجابات,
قد تكون خاطئة, وقد تكون صحيحة,
ولكن عدم طرحها على الإطلاق,
هو تقييد لإمكانية الفهم ؛ وكبح لها.
---------------------------------                 

                دكتور/ محمد محفوظ