27 فبراير 2016

إلى الرئيس .. هذا فراق بيني وبينك

د. محمد محفوظ .. يكتب : إلى الرئيس .. هذا فراق بيني وبينك

" .. هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا "
سورة الكهف / الآية ٧٨

يشهد من قرأ لي .. إنني أيدتك من أجل مصر .
ويشهد من سيقرأ لي .. إنني أنفض يدي الآن من تأييدي لك ، أيضا من أجل مصر .
هذا فراق بيني وبينك ..
فلا خير فينا .. إن لم نقلها ..
سمعتها .. أم لم تسمعها .
فالغصة تملأ القلب .
والمرارة تكوي الحلق .
وملايين علامات الاستفهام والتعجب تعصف بالعقل .
فما هكذا تدار الدول !!
وما هكذا يتكلم المسئول الكبير .. أو حتى الصغير !!
وما هكذا يتم تجاهل كل العبر والعظات ، فإذا بك تكرر كلمات وممارسات مَن سبقوا على الدرب الأسود لتاريخ الشطحات والزلّات. 
وكأننا من ماضينا ومخازينا ومآسينا .. لم نتعلم شيئا .
أصبحنا ننتظر من كل تصربح أو خطاب - بلسان الأب الروحي لا ببيان القائد السياسي - مشكلة .
فمن فاجعة : " الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط " .
إلى نائبة : " ما يصحش كده " .. و "خليك في حالك " .
وأصبحنا نتألم من الممارسات التي تؤكد الانفصال عن الواقع ، والاستسلام لهواجس وهلاوس الأجهزة ، والاستهانة بمشاعر الناس وصبرهم . 
فمن فضيحة السجادة الحمرا بطول ٤ كيلو متر .
إلى استفزاز طابور الموتوسيكلات والبهرجة الزائدة عن أى معنى وكل حد . 
.. كنا لا نلتفت إلى حقد ونفسنة الإخوان الذين يحرفون كلامك عن مواضعه ، لعلمنا بإفكهم وضلالهم .
ولكننا الآن أصبحنا نخجل من التظاهر باللامبالاة ، ونحن نرى صلفا وكبرا وعنادا ..  سواء كلاما كان ، أم فعلا وممارسة .
ما كنا ننتظر في أشد كوابيسنا سوادا ، أن نسمعك تردد جملة القذافي الشهيرة : من أنتم .. من أنتم . 
ولكن تحقق الكابوس وإذا بك تقول : انتوا مين .. انتوا مين .. ها .
فمن كنت تخاطب ، الشعب ، أم معارضيك ومنتقديك ، أم أعدائك وكارهيك .
يقولون بأن الرئيس ينبغي أن يكون رئيسا لكل المصريين .. فمَن مِن بين المصريين الذي كان ينبغي عليه أن يتلقى بصدره لكمة وشلوط : أنتوا مين .. أنتوا مين .. ها .
وما كنا ننتظر في أشد كوابيسنا سوادا ، أن نسمعك تردد جملة فرعون : ما أريكم إلا ما أرى ، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .
ولكن تحقق الكابوس وإذا بك تقول : ما تسمعوش كلام حد غيري ، أنا راجل لا بكدب ولا بلف وأدور ولا ليا مصلحة غير بلدي .
وكأن مصر بملايينها قد خلت من الصادقين المخلصين المتجردين . 
وما كنا ننتظر في أشد كوابيسنا سوادا ، أن نسمعك تردد جملة مرسي : اللي حيحط صباعه جوه مصر حقطعه .
ولكن تحقق الكابوس وإذا بك تقول : قسما بالله اللي حيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض .
وما كنا ننتظر في أشد كوابيسنا سوادا ، أن نسمعك تردد جملة الحاكمين بالحق الإلهي من الخلفاء والملالي : لااا .. دوول تسعين مليون وأنا مسئول أدام ربنا إن أنا أقف أدامه يوم القيامة وأقول له أنا خليت بالي منهم .
ولكن تحقق الكابوس وقلتها ، فكان واجب علينا أن نصحح لك : لااا .. أنت مسئول أمام الشعب ، ومن أجل هذا اختارك الشعب . أما مسئوليتك أمام الله سبحانه وتعالى فهي لا تخص الشعب .
فقد سبق للشعب أن اختار من كان يعتقد بأنهم " بتوع ربنا " ، فعصوا الرب وخانوا الشعب وأخرجونا عن صحيح الدرب . 
فلماذا تجعلوا الله سبحانه وتعالى عُرضة لمسئولياتكم ، بينما لا تذكروه في كل سلطاتكم ؟!
فلا قضاء طورت ، ولا شرطة أصلحت .
ولا خطابا دينيا جددت ، ولا فكرا دعمت ، ولا إبداعا حميت .
ولا تعليما او صحة بهما نهضت ، أو حتى بدأت .
ولا جهازا إداريا نظمت ، ولا محليات طهرت .. ولا .. ولا .. 
ورغم ذلك تنكر على الناس غضبهم وحنقهم !
وترى أن من ينتقدونك ، هم سبب يأس الناس وإحباطهم وتدني معنوياتهم .
ولكن أليس الصياح في وجه الكاميرات والانفعال المتفجر بلا زمام ، هو الذي يعطي للناس الانطباع ، بأن غضب المسئول الكبير دليل يشير إلى دخول البلاد في مأزق خطير .. فمن إذن الذي يحطم للناس معنوياتهم!!
وهل تظن أن سيل الكلمات وفيض العبارات في الخطب المطولات مع بضع دمعات ، ستجعل الناس يرون ما غاب وتاه عن حياتهم !
كيف تريد أن تريهم ما ترى ، بينما هم مطحونون فيما لا ترى !
فقل ما تشاء في ألف خطاب وخطاب ، ولكن لن يرى الناس إلا ما يملأ جيوبهم وييسر حياتهم ، وسط كل هذه المسخرة .
أتكرر ما أتحفنا به المعزول مرسي في خطاباته المطولة !
كان لا يرص للناس إلا كلاما ، بينما يوطد لجماعته من خلف الستار النفوذ والسيطرة .
أم تكرر ما أورثنا إياه المخلوع مبارك ، من مئات الطرق والكباري وآلاف الشقق والمساكن وعوائد الاستثمار !
ورغم ذلك حوصرنا في عهده ومازلنا محاصرين في عهدك ، بنفس فوضى المرور الطاحنة وأزمة الإسكان المزمنة وبالونات الاستثمار المتبخرة .
قالوا قديما : كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة . 
ونقول حاليا : كلما غابت الرؤية ، تكدست العبارات وتوحشت ، وأفسدت أكثر مما أصلحت .
وبالتالي .. ألم يحن الوقت لاعتزال الميكروفونات ، إلا من أجل خطب قصيرة ومكتوبة ، لا مساحة فيها للانفعال والارتجال ؟!
فإغراء الارتجال ، قد ينال من منازل الرجال . 
لأن اللسان إذا انفتح له المجال ، جواد بلا لجام .
وألم يحن الوقت لهجرة المطارات ورحلات الطائرات للدوران على دول الست قارات ؟!
فالاتصال ، أصبح بديلا عن الانتقال والزيارات والسفريات ، في عصر الاتصالات وشبكات المعلومات .
أم ربما فات الوقت ..
ربما فات الوقت ، لتعلم وتعرف ، بأنه قد أهلك الذين من قبلك ، أنهم إذا اشتكى الشعب أم بكى لم يسمعوه ، وإذا وسوس فصيل الإفك والضلال صدقوه .
وربما فات الوقت ، لتدرك ، بأن الفشل يتحصن بمظاهر الكبرياء ، ويتجمل بمساحيق الإنكار والصلف والعناد .
نعم .. ربما فات الوقت .. وها أنت قد خذلت فيك رجاءنا ..
فلماذا مازلت تظن إذن .. أنه سيظل لك رجاء عندنا !!
*****
هامش : نص بعض العبارات التي تضمنها خطاب الرئيس بتاريخ ٢٤ فبراير ٢٠١٦ :
شوفوا أنا عارف مصر زي ما أنا شايفكم أدامي كده
وعارف علاجها زي ما أنا شايفكم أدامي كده
وأنا بقول الكلام ده لكل اللي بيسمعني في مصر
لو سمحتم ما تسمعوش كلام حد غيري
أنا بتكلم بمنتهي الجدية
ما تسمعوش كلام حد غيري
أنا راجل لا بكدب ولا بلف وأدور ولا ليا مصلحة غير بلدي .. بلدي بس
مش بس ليا مصلحة غيرها
وفاهم أنا بقول إيه
فاهم أنا بقول إيه .............
لكن إحنا النهارده حنقطع مصر ولا إيه
أنا مش حسمح بكده
خلي بالكم .. خلي بالكم أنا مش حسمح بكده
محدش يفكر إن طولة بالي وخلقي الحسن معناه إن البلد دي تقع
قسما بالله اللي حيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض
أنا بقولكم كلكم لكل مصري بيسمعني
أنتوا فاكرين الحكاية إيه
أنتوا عايزين تـــ .. أنتوا
أنتوا مين .. أنتوا مين .. ها
لا .. دوول تسعين مليون وأنا مسئول أدام ربنا إن أنا أقف أدامه يوم القيامة وأقول له أنا خليت بالي منهم
عايزين تخلي بالكم منهم معايا .. أهلا
مش عايزين لو سمحتم .. أسكتوا .. أسكتوا
أنا بكلمكم عشان مصر برقبتنا كلنا
وأنا لما بقولكم كده ما بشككش في حد .. بس خلي بالك .. خلي بالك 
خلي بالك أنت بتتكلم مع كل المصريبن بكل ظروفهم
أنت بتفقدهم معنوياتهم ........
أنا لو كان عليا والله .. حقول تعبير صعب جدا جدا
والله العظيم أنا لو ينفع أتباع .. لتباع .. 
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

07 فبراير 2016

دولة السيسي

د. محمد محفوظ .. يكتب : دولة السيسي

النظام زائل لا محالة ، بينما الدولة أكثر منه باقية .
ولكن يبدو النظام مثل الدماء التي تسري في شرايين الدولة ، فتنضح عليها وترسب فيها أمراضها وعللها ، بفيروساتها وباقي ميكروباتها .
ولذلك يصيب النظام المتخلف الدولة بالعته والسفه .
ويصيب النظام الأكتع أو الأعرج أو الكسيح الدولة بالإعاقة أو الشلل .
ويصيب النظام المستبد المارق الأخرق الدولة بالانحراف والبطش والعوج .
ولقد ورث السيسي دولة مصابة بكل أدران وأوساخ وسوءات النظام السابق .
ولكنه حتى الآن يحافظ على هذا الميراث ، ويحفظ له نموه وترعرعه وثباته وتمكُنه .
شعار السيسي في دولته هو : " لاقيني ولا تغديني " . فالرئيس لين الجانب خلوق التعامل عف اللسان في معظم تعاملاته وتصريحاته وخطبه وجولاته . إلا بالطبع ما يتعلق بـتصريحين : تصريح " مايصحش كده " ، وتصريح " الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط " .
وبالتالي يتبع الرئيس تكتيك : لاقيني ولا تغديني . وهو تكتيك ينال رضا الناس واستحسانهم ، بل ويلحس عقول عامتهم وبسطائهم . ولكن السؤال : إذا ظللت تلاقيني ولا تغديني .. تلاقيني ولا تغديني ، ففي النهاية سأفطس من الجوع .
أما إستراتيجية السيسي في دولته ، فهي : تثبيت الدولة والحفاظ على عدم انهيارها . ولكن إذا كان تثبيت الأشياء المادية دوما ما يكون من خلال ربطها أو تقييدها أو ضمها لبعضها البعض بالغراء أو الأسمنت أو المسامير ، فإن الدولة ككيان اعتباري قانوني سياسي اجتماعي اقتصادي إنساني ؛ لا يمكن تثبيتها إلا من خلال الفصل بين سلطاتها ومن خلال إطلاق حرياتها وضمان التعدد والتنوع والاختلاف بين أفرادها . فالدول يتم تثبيت أركانها بالحرية والديمقراطية وليس بالأسمنت والمسامير والخوازيق ، وبتحقيق السيولة والمرونة في التعامل مع مشكلات مؤسساتها وليس بتجميدها وتصنيمها .
وما بين إستراتيجية الرئيس لتثبيت الدولة مؤسسيا ، وتكتيكاته لتثبيت الجماهير عاطفيا .
فإن دولة السيسي ، هي الدولة التي تدعي الإيمان بثورة ٢٥ يناير بينما لا تحقق أهدافها ، وإنما تحتفي بأعداءها ، ولا تستعين برموزها بل تحبس بعضهم داخل سجونها ، وتعزل بعضهم الآخر عن وسائل الإعلام التابعة أو الموالية لها . ولهذا يقبع أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وغيرهم من نشطاء الثورة في سجونها ، ولا يرى أحمد حرارة إلا ظلامها ، بينما يتمتع عبد الرحيم علي وتوفيق عكاشة ومصطفى بكري ولميس جابر بحصانة مجلس نوابها .
دولة السيسي ، هي دولة العدالة المؤجلة .. المؤجلة إلى ما شاء دولاب العمل المترهل المتضعضع في مؤسسة القضاء . وبالطبع فإن القاعدة العريضة من القضاة ووكلاء النيابة غير مسئولين عن تخويلهم سلطة بلا أدنى مسئولية ، وغير مسئولين عن بيروقراطية الأوراق العاجزة وروتين الإجراءات العقيمة وغابة القوانين المتضاربة المتراكبة . وإنما المسئولية تقع على عاتق الدولة التي لم تكلف نفسها عناء تطوير مؤسسة العدالة ، وإنما اكتفى رئيسها بمطالبة مجلس القضاء الأعلى للقيام بذلك ، ورغم أن هذا المجلس لم يقم حتى الآن بواجبه الذي طولب به ، إلا أن دولة السيسي حتى الآن أيضا لم تبد تبرما أو عتابا أو اندهاشا ، وإنما صمت عمييييق .. وتخاذل مريييب .
ولعل مبعث ذلك الصمت وذاك التخاذل ، أن دولة السيسي لا تتعاطى مع سيادة القانون باعتبارها أمر يشغل بالها . ولا مع الأحكام القضائية بوصفها عنوان للحقيقة في مواجهتها . ولذلك لا يبدو الانصياع لسلطة القضاء مسلمة تجد لها مكانا داخل أروقة مؤسساتها مهما تباينت مجالات عملها .
فمؤسسات دولة السيسي المدنية والنظامية تبدو مترفعة على الخضوع للقانون مجترأة على ضوابطه ونواهيه غير عابئة بأحكام قضائه ومحاكمه ومستشاريه. ولذلك تعطي لنفسها الحق في أن تتعامل مع أحكام القضاء باعتبارها نصوص انتقائية ، يمكن أن تختار منها ما تشاء وتتغافل عما تشاء وتهدر ما تشاء وتؤول ما تشاء . ومن ثم لا تتورع عن أن تسلب باليسار ما أعاده القضاء لصاحب الحق باليمين . فلا ينال المحكوم له إلا جزاء " سيزيف " فيعاود الصعود بصخرة الحق المسلوب مرة تلو الأخرى ، بينما ترمح مؤسسات الدولة بمخالفتها للقانون ولأحكام القضاء ، ويشقى المحكوم له من الالتزام بهما . 
ولهذا تبدو شعارات تطوير مرفق العدالة في دولة السيسي شعارات مؤجلة ، طالما أن ما آل إليه القضاء من مآل يضمن لمؤسسات الدولة استمرار سطوتها وانفلاتها . كما تبدو شعارات احترام حقوق الإنسان في دولة السيسي شعارات معطلة ، طالما ظلت سيادة القانون مكبلة داخل الغرف المنسية المهملة .
دولة السيسي ، دولة المشروعات العملاااااااااقة .. والإنجازات الضئييييييييلة المتقازمة . دولة الشعارات البراقة .. والخطوات المرتبكة الكليلة المتعثرة . 
ولهذا تتجاهل دولة السيسي الأولويات الملحة والمشاكل المزمنة ، وتغرز قدميها وتلغوص يديها وتغوص حتى رقبتها في افتكاسات غير ملزمة ، فينشغل مسئولوها بما لم يطالبهم به الناس ، بينما يتغافلون عما طالبوهم ويطالبوهم به حتى جف ريقهم وبحت أصواتهم وتدلدلت ألسنتهم منذ عقود وأزمنة . 
دولة السيسي ، هي الدولة التي يرتفع فيها سعر الدولار ويرتفع ويرتفع ولا ينخفض . وتنحسر فيها الاستثمارات وتنكمش ولا تنتشر . بينما يدعي مسئولوها بأن الاقتصاد يتعافى وتتسارع عجلته وتتعزز قوته .
دولة السيسي ، استلمت مصر ومتوسط سعر البترول يساوي ٩٦ دولار للبرميل ، ثم أصبح سعره خلال عام ٢٠١٥ يساوي في المتوسط ٤٩ دولار للبرميل ، بينما وصل سعره الآن إلى ما دون ٣٠ دولار للبرميل . ولكن رغم ذلك لم تنخفض أسعار السلع والخدمات ، وكأنها دولة خارج قواعد وبديهيات نظام الاقتصاد العالمي بقواعده ونظرياته وآلياته الحاكمة . 
دولة السيسي ، لا تتحرج من تدخل بعض الأجهزة المسماة بالسيادية في العملية السياسية ، من خلال دفع البعض لتشكيل بعض الأحزاب ، أو تقديم الدعم المستتر لبعض الائتلافات أو بعض المرشحين للانتخابات . فيفسد الأمن وتتخرب السياسة ، وتبوء السلطة التشريعية بعملاء من المخبرين والمنافقين والانتهازيين والأفاقين والقوادين والرقاصين والمطبلاتية .
دولة السيسي ، كلما مر الوقت زاد مقدار تبرمها من النقد ، وانخفض سقف تقبلها للتوجهات المعارضة والرأي الضد . فالفشل يتخفى بالكبرياء ، والميكروبات عندما تغزو الجسد ترفع درجة حرارته فتبدأ العصبية ، يعقبها نفاذ الصبر .. ثم الهذيان .
دولة السيسي ، تشكو دائما أبدا من ضعف الموارد والإمكانيات وعجز الموازنة ، بينما لا تتحرج من التكاليف الباهظة للعناية والرعاية بالقصور والاستراحات والمخصصات  الرئاسية ، وأساطيل سيارات المرسيدس والبي أم دبليو والدفع الرباعي الفارهة المخصصة لوزرائها ورؤساء هيئاتها وجنرالاتها ، فضلا عن مشتملات مكاتبهم واستراحاتهم بأثاثاتها ومكيفاتها وتجهيزاتها . ولا تتأذى من العدد المهول على مستوى العالم لسفاراتها وقنصلياتها ، والمخصصات المالية والعينية لطوابير سفرائها وقناصلها وملاحقها وموظفيهم وخدمهم وحشمهم .
دولة السيسي ، لا يتحرج كل مسئوليها وقياداتها من السفر للعلاج في الخارج على نفقة الدولة أو بالأحرى على حساب الشعب الغلبان ، ولا يطمئنون للعلاج في مستشفيات مصر العامة أو الخاصة ، باعتبارها مخصصة فقط لطبقة الرعايا وليس للصفوة الحاكمة المتحكمة . فقد كذب المثل ، فطباخ " السم " .. لا يذوقه .
دولة السيسي ، لا تتبنى الابتكار وتسد في وجهه كل طريق ومسار ، ولذلك تسلم ثرواتها للأجانب يحصدون نصف إيراداتها ، ولا تكلف نفسها عناء التساؤل : ماذا تفعل كل جامعات مصر ومعاهدها ومراكز بحوثها بكل خريجيها وباحثيها وأعضاء هيئات تدريسها ، إذا كان من المستحيل حتى الآن أن ننشئ محطة كهرباء ، أو نستكشف ونستخرج برميلا من البترول أو مترا مكعبا من الغاز ، أو نصنع سيارة أو أتوبيسا أو قطارا ، أو نصنع دواء .. أو .. أو .
دولة السيسي ، تدعو الشباب والألتراس إلى الحوار ، وتدعو جموع المصريين إلى التنازل " شوية " . ولكن السؤال : حوار حول ماذا ؟ وتنازل عن ماذا ؟ 
ما يعرفه المصريون شبابا وشيوخا ، أن الثورة قامت لبناء الديمقراطية وترسيخ العدالة الاجتماعية وضمان الكرامة الانسانية ، وليس للتفاوض على أي منهم . فعن ماذا إذن سيكون التنازل أو الحوار ؟ هل للتفاوض على الديموكتاتورية أم الدكتوقراطية ، أم عدالة ليست اجتماعية ، أم كرامة غير إنسانية . المعروف لا يُعرف ، والأوليات والأولويات ليست محلا للحوار أو التنازل أو التفاوض . والسياسة ليست مصاطب كلامية وإنما أهداف وإنجازات محسوسة وواقعية .
دولة السيسي ، هي التي يدعو رئيسها لتجديد الخطاب الديني ، بينما لا تزيد هذه الدعوة الخطاب الديني إلا تحنطا وركودا ، ولا تزيد الأزهر إلا تصلبا وجمودا .
ولذلك فهي الدولة التي يُسجن فيها إسلام بحيري ، ويُحكم فيها بالحبس على فاطمة ناعوت ، ويُستهزأ فيها بالشيخ محمد عبد الله نصر ، بينما ينتظر الدكتور سيد القمني مصيره المحتوم من التجريس أو الحبس . في حين يتمتع فيها ياسر برهامي وغيره من ذقون الدعوة السلفية بحرية بث الكراهية والتعصب والفتنة الطائفية . فدولة السيسي منشغلة بثمار الإرهاب لكنها مُهادنة لجذوره الفكرية ، وبالتالي ستظل شجرة الإرهاب ثابتة الأصل وفروعها تشق سماء مصر الإسلامية.
دولة السيسي ، هي دولة مبارك .. إلا " قليلا " .
وهي ، دولة مرسي .. إلا  " إخوانية خائنة ولحية كاذبة " .
وهي دولة لم تنف حتى الآن خَبَثَها ، ولم يستقم حتى الآن اعوجاجها ، طالما تمتد لمئات الأمتار السجاجيد الحمراء على أسفلتها ، لتدوس عليها العجلات الشريفة والأحذية الرهيفة لسيارات وأقدام حكامها .
ولذلك ، هي دولة لم تتعلم أو تتعظ من التاريخ ، فكان لزاما عليها أن تكرر في الحاضر أخطاءه ومآسيه ومخازيه  ، ومن ثم ستنهزم لا محالة وبكل حسرة وغصة أمام المستقبل .
ولكن السؤال : من الذي سيدفع الثمن ....... ؟؟؟
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com