20 نوفمبر 2016

وصمة عار .. عندما أصبح يوم ميلاد الرئيس .. موافقاً لذكرى الحكم بحبس قيادات نقابة الصحفيين

د. محمد محفوظ يكتب : وصمة عار .. عندما أصبح يوم ميلاد الرئيس .. موافقاً لذكرى الحكم بحبس قيادات نقابة الصحفيين

لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون
سورة الحشر - الآية ١٣


في يوم ميلاده الميمون ، صدر الحكم من محكمة جنح قصر النيل بحبس ثلاثة من قيادات نقابة الصحفيين . 

بينما قبلها بيومين تم إصدار قرار بالعفو الرئاسي عن ٨٢ من المسجونين على ذمة قضايا تتعلق بقانون التظاهر وحرية التعبير .
عبثاً ظننا سجون السيسي تفتح أبوابها أخيراً للخارجين ، فإذا بها تفتحها دوماً للداخلين .

أما صاحب يوم الميلاد الميمون وصاحب السجون ، فهو رئيس الجمهورية عبد " الفتاح " السيسي ، مواليد ١٩ نوفمبر ١٩٥٤ ، صاحب السجادة الحمرا بطول ٤ كيلومترات ، وصاحب الثلاجة المهجورة إلا من زجاجات المياه لمدة عشر سنوات ، وصاحب مقولة أننا في " أشباه دولة " , ومقولة أن الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة ، ومقولة أن مصر حتبقي " أد الدنيا " ، وأخيراً وليس آخراً صاحب مقولة : تحيا مصر ٣ مرات .

وأما قيادات نقابة الصحفيين الصادر بتاريخ ١٩ نوفمبر ٢٠١٦ حكماً بحبسهم - حتى لو تم إيقاف تنفيذه إلى حين - فهم :
- يحيى قلاش " نقيب الصحفيين "
- خالد البلشي " وكيل النقابة للحريات "
- جمال عبد الرحيم " سكرتير عام النقابة "

لكن المُلفت في الأمر ،  أن الرئيس الذي صدر يوم ذكرى ميلاده حكم بحبس قيادات نقابة الصحفيين في سابقة قضائية لم تشهدها كل عصور الرؤساء السابقين .

هو ذات الرئيس الذي تم اقتحام نقابة الصحفيين في عهده بتاربخ ١ مايو ٢٠١٦ ، قبل يوم واحد من الاحتفال السنوي باليوم العالمي لحرية الصحافة في ٣مايو ٢٠١٦ . والمصيبة الكبرى أن عام ٢٠١٦ بالذات هو العام الذي يوافق احتفال نقابة الصحفيين بيوبيلها الماسي بمناسبة مرور ٧٥ عاماً على إنشائها .

أما الحكم الذي صدر على قيادات نقابة الصحفيين بالحبس سنتين أو دفع غرامة 10 آلاف جنيهاً لوقف التنفيذ ، فتهمته المريعة الجسيمة الشنيعة الفظيعة هي : إيواء متهمين مطلوب ضبطهم وإحضارهم لدعوتهم للتظاهر من أجل مصرية تيران وصنافير .

في دولتنا المصونة ، يعلم كل من شاء له قدره أن يعمل في مؤسسات تنفيذ القانون - أمنية كانت أم قضائية - أن كثيراً من الأحكام النهائية التي تصدرها المحاكم المصرية وكثيراً من أوامر الضبط والإحضار التي تصدرها النيابة العامة ، لم تُنفذ في الماضي ولن تُنفذ في الحاضر المقيم أو المستقبل القريب ، ولن تُنفذ إلى يوم يبعثون .

كثيراً وكثيراً من الأحكام وأوامر الضبط والإحضار صدرت وظلت ومازالت حبراً علي الورق ، ولم ولن تغادر أحكامها أوراقها .

سيقول البعض : أنه من العار محاولة القفز فوق القانون والدعوة لإفلات البعض منه لمجرد أنهم ذوي حيثية في الأوساط العامة أو الإعلامية ، أو بالمفتشر يعني .. صحفيين .

وردنا عليهم : أن الموضوع كله من غير لف ودوران أو تحسيس على ديل الحصان متعلق بتيران وصنافير ، مش حنضحك على نفسنا ، لا سيادة قانون ، ولا دياولو ، ولا يحزنون .

كانت النقابة بسلالمها والمنطقة المواجهة لها هي الساحة البواحة الفواحة التي ضمت آلاف المتظاهرين من أجل مصرية تيران وصنافير .

وبالتالي ، فدولة ملتزمة بسعودة تيران وصنافير ، ودولة لا تتحرى تنفيذ القانون من أجل مصالح شعبها المسكين وإنما من أجل المكايدة والتنكيل بالمخالفين والمعارضين ، هي دولة غير قانونية بامتياز وباشمئزاز ، تحدف الناس بالطوب بينما بيتها كله من أرخص أنواع " الإزاز " .

فمن ذا الذي يتبجح ويخلع برقع الحيا ليتحدث إذن عن سيادة الآنوون ؛ في دولة لم تُطهر حتى الآن قوانينها من عوار مخالفة الدستور ، فيصبح الذين أقسموا على احترامه هم أول من جمدوه وهجروه وأهانوه .

ولذلك ليس غريباً على هذه الدولة أن تمُن علينا يوم ١٧ نوفمبر بالعفو الرئاسي عن ٨٢ من المسجونين ، ثم يصدر الحكم صباح يوم ١٩ نوفمبر بحبس ثلاثة من قيادات نقابة الصحفيين ، لم تكن تُهمتهم فتح النقابة لإيواء المدمنين أو السفاحين أو البلطجبة أو ناهبي المال العام أو الإرهابيبن ، وإنما لمساندة اثنين دعوا للتظاهر من أجل مصرية تيران وصنافير ، أحدهما صحفي نقابي وظيفته هي نشر المعلومات ، والآخر مراسل مجتهد لم يأتيه الدور بعد للقيد بنقابة الصحفيين .

لذلك ثمة أسئلة فاضحة وفادحة ، ينبغي طرحها لنتلمس من إجاباتها أبعاد النفق الذي سقطنا فيه .. وهي :

- هل هناك من سيفهم رسائل السماء ، عندما ستتلاقى في كل عام ذكرى الحكم بحبس قيادات نقابة الصحفيين مع ذكرى ميلاد الرئيس ؟

- وهل هناك من سيتجاهل اشمئزاز العالم عندما تتعاصر في كل سنة ذكرى اقتحام نقابة الصحفيين مع ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة ؟

- وإلى متى ستظل سجون السيسي مثل جهنم .. كلما قلنا لها : هل امتلأتي .. تقول : هل من مزيد ؟

- وكم من الشرفاء والمناضلين ، من الصحفيين والمحامين والحقوقيين والأدباء والمفكرين والشباب والحالمين ، كم من الآلاف منهم يسد جوع هذه السجون ، ويملأ زنازينها ، ويجعل رب السجون يطمئن إلى أن تيران وصنافير سترتدي العباءة السعودية ؟

- وكم من الألسنة ستُقطع وتُحبس أصواتها ، وكم من الأقلام ستنكسر ويجف مدادها ، طالما لم تلهج وتصدح بحمد وفضل حُكامنا سبب كربنا وموطن بلاءنا .

- وهل لا يعلم من يتغاضى عن اقتحام نقابة الصحفيين وتلفيق التهم لقياداتها ، بأن مد الخط على استقامته سيؤدي يوماً إلى اقتحام نادي القضاة وتلفيق التهم لقضاته ... ؟!!!

كثيرة هي الاسئلة .. ولكن ربما تكون الإجابات مقموعة أو مؤجلة ....

*****

#حداد_على_حرية_الصحافة
#لا_لكسر_الأقلام_وقطع_الألسنة
#تيران_وصنافير_مصرية

*****

08 نوفمبر 2016

د. محمد محفوظ يكتب : قرض الصندوق واقتصاد " السوء " .. بالدولة " الديكتوقراطية "




.. وكذلك زُين لفرعون سوء عمله وصُد عن السبيل ..
سورة غافر - الآية ٣٧

النظرية الليبرالية متكاملة .
جناحها السياسي هو : الديمقراطية . 
وجناحها الاقتصادي هو : اقتصاد السوق . 
وذيلها المحقق لتوازنها هو : الحرية ، في كافة المجالات " ثقاقية - إعلامية - آكاديمية -  عقائدية .. إلخ " . 

وبالطبع سياق عملها هو : المجتمع ، الحامل لهذه الثلاثية لينطلق باكتمالها في أجواء التقدم والتحضر ، أو لينكفئ بغيابها في أنفاق التخلف والتأخر .

أما ما نكابده في مصر فهو نظام مشوه ، اقتصاد يتم الادعاء بأنه اقتصاد سوق ، لا تقابله ديمقراطية سياسية حقيقية ، مع انخفاض شديد في منسوب الحرية باعتبارها قيمة مجتمعية غير حيوية أو أساسية .

وتعني " الديمقراطية " باعتبارها الجناح السياسي لليبرالية ، أن يصل للسلطة من يعبِّر عن أغلبية الشعب بموجب انتخابات نزيهة .

نزيهة بمعنى : أن لا يتم تصميم قوانينها لضمان نتائج بعينها .

ونزيهة بمعنى : أن لا يُسمح بتدخل الأجهزة الأمنية لتوجيهها من خلال الدفع بعناصر بذاتها تم برمجة ولاءها .

ونزيهة بمعنى : أن لا تُخصص النسبة الأكبر من حصصها للمستقلين ، فيتكالبوا على عتبات أبوابها ليفوزوا بالمقاعد النيابية ، وتصبح الساحة السياسية منزوعة الحزبية ولا طعم ولا لون لها . 

علاوة على ذلك ، تعني الديمقراطية كجناح سياسي لليبرالية : الفصل بين السلطات ، لتحقيق الرقابة من كل سلطة على الأخرى - وليس التواطؤ بينها لتتحول من سُلطات الى سلاطات وتتحور من مؤسسات إلى عزب وتكيات - بما يحقق متابعة ومراقبة السياسات لضمان تنفيذها ، ومن ثم السهر على مصلحة الأغلبية ومطالبها وأحلامها . 

أما " الحرية " كقيمة ليبرالية ، فهي تعني احترام حرية التعبير  ليستفيد المجتمع من مجموع أفكار وإبداعات علمائه ومفكريه ومثقفيه والنابغين فيه .

كما تعني - الحرية - احترام الفردية والتعددية والتنوع ، لاسيما وأن المجتمعات التي ينسحق أفرادها في المجموع تتحول إلى مجتمعات أصفار ، وبمنطق الحساب : صفر + صفر + صفر = صفر . بينما المجتمعات التي تحترم فردية مواطنيها لكي يمثل كل فرد وزناً حسابياً ما ، تتحول إلى مجتمعات قيم وقامات وابتكارات وإبداعات ، وبمنطق الحساب : ربع + نص + تلت= رقم ما ، دائماً يكون أكبر من الصفر .

إذن ، فالحرية هي السياق الذي تتحرك فيه السياسة فتترسخ الدبمقراطية ، وهي السياق الذي يتحرك فيه الاقتصاد فيتأسس اقتصاد السوق .

ولهذا ، فإن اقتصاد السوق هو انعكاس للحرية على المجال الاقتصادي ، بحيث يتحرك السوق ويتفاعل وفقاً لآلياته وقوانينه الطببعية ، ولا تتدخل الدولة إلا لتضمن عدم الانحراف بهذه الآليات والقوانين . 
فالسوق يفقد حريته في ظل تفشي الاحتكار وتضارب المصالح والفساد وتجاهل المعايير والمواصفات .. إلخ . 
فكل تلك الانحرافات تقيد السوق وتجعل السوس ينخر في قواعد حريته فتتجمد آلياته .

من هذا المنطلق .. فحيثما تغيب الحرية أو تخفت أضواؤها ، فإن الديمقراطية تتحول إلى مسخ مشوه ، يمكن أن نطلق عليه لفظ : الديكتوقراطية أو الديموكتاتورية ، مزيج وخليط من الديكتاتورية المقنعة بالديمقراطية الصورية الشكلية ، أو الديمقراطية المبطنة بالديكتاتورية السلوفانية المخملية . 

وأينما تضمر الحرية وتتصلب شرايينها ، يتحول اقتصاد السوق إلى مسخ معوق ، يمكن أن نطلق عليه لفظ : اقتصاد السوء ، سوء القصد والمآل ، وسوء العمل ومن قبله النية . 
وبالتالي هو مزيج وخليط من حرية السوق الراعية لفوضى الهبش والكبش والتهليب والنصب ، المتزينة بمؤشرات البورصة وفرص الاستثمار ونسب النمو غير التنموية  . 

ففي ظل الديكتوقراطية أو الديموكتاتورية ، يعمل اقتصاد السوء كالشفاط الذي يمتص الجانب الأكبر والأعظم من عوائد أي نمو ، فلا تذهب إلى القاعدة العريضة من الشعب ، وإنما يستأثر بها طبقة رجال المال والأعمال المحيطة بالسلطة من أجل مصالحها واستمرار بقائها .

اقتصاد السوء باعتباره المقابل الموضوعي للديكتوقراطية أو الديموكتاتورية ، هو في معناه ومبناه سحق ومحق للطبقات العريضة من الشعب ، وتراكم مهول للثروة في يد أقلية فاسدة مفسدة تتواطأ مع الحاكم - أي حاكم - ولا تخشى الرب  .

وهذا ما سبق أن كابده الشعب المصري مع نظام مبارك وذاق مرارته واكتوى بلظاه ، حيث تم السير في طريق الإصلاح الاقتصادي من خلال : تبني الخصخصة منذ عام ١٩٩٣ ، والتعويم الكامل للجنيه عام ٢٠٠٣ ، وإطلاق حوافز الاستثمار لجذب الدولار . 
الأمر الذي أسفر عن معدلات نمو واعدة ، إلا أنها لم تنعكس على مجموع الشعب لترحم أحيائه وتترفق بقتلاه . فقد كان اقتصاد السوء هو المسيطر المتمكن ، بينما اقتصاد السوق مقيدة آلياته ومستنزفة قواه .

ولهذا ، تبدو ترهات وسخافات الإصلاح الاقتصادي في دول تتلبد سماؤها بالغيوم التي تحجب شمس الحرية ، بمثابة مسرحية هزلية قد تفتح الباب بالفعل للاستثمارات الأجنبية والعوائد الدولارية - فالعالم يبحث عن مصالحه وفرص جديدة لزيادة إيراداته وموارده - ولكنها لا تفتح الباب حتماً للرخاء والرفاهية .

فبرامج الإصلاح الاقتصادي في ظل اقتصاد السوء تغيب عنها عناصر حيوية أساسية مثل :

- تكلفة الفساد المستشري المتنطع المتمكن ، المتفلت من أية رقابة حاسمة ومحاسبة قضائية .

- تكلفة إهدار المال العام في بالوعات الإهمال والإسراف ، وانحطاط الكفاءة والفشل ، وأوجه الإنفاق الاستفزازية .

- تكلفة الإنقاق الحكومي الباهظة التي تؤسس لثنائية هزلية : الشعب الفقير / الحكومة الغنية .

- تكلفة المشروعات العملاقة ، المتعملقة تكلفة وإنفاقاً ، المتقازمة عوائداً وإيراداً . 

- تكلفة تهميش التنظيمات النقابية ومحاصرة دورها في توازن العلاقة بين : أرباب الأعمال ، والشرائح العمالية والتخصصات المهنية والمستويات الوظيفية .

- تكلفة زواج المال بالسلطة بكل تبعاته غير الأخلاقية الإجرامية.

- تكلفة تضارب المصالح الناتجة عن إنشاء كل من المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية لمنظومتها الاستثمارية الاقتصادية ، فيختلط الأمن بالدفاع بالتجارة بالاستثمار في دائرة مصمتة مستغلقة ، تفتقر إلى تكافؤ الفرص والرقابة والمحاسبة والشفافية  .

من هذا المنطلق ، فإن أي برامج للإصلاح الاقتصادي تغيب عنها كل هذه التكاليف ، مصيرها المحتوم : نزيف داخلي في الموارد والأصول بما يضاعف المعاناة وضيق العيش على القاعدة الشعبية العريضة ، ونتاجها المعلوم : عوائد تصب في جيوب وكروش الدائرة المحيطة بالسلطة من رجال المال والأعمال .

بالخلاصة ، هي برامج تستنسخ تجربة مبارك في الإصلاح الاقتصادي ، إصلاح لا ينفي الثورة .. ولا يحقق الرخاء .
بالإضافة إلى أن هذه التكاليف الكارثية تتناقض كلياً مع برامج الإصلاح الاقتصادي في ظل اقتصاد السوق ، والتي تترافق معها ضرائب تصاعدية على الأغنياء ، وشبكات ضمان اجتماعي قوية لدعم الفقراء ، ومنع للاحتكارات التي تتحكم بقطاعات بعينها من الاقتصاد ، ومواجهة لتضارب المصالح وخلط الأدوار والأوراق ، وترتيب للأولويات الوطنية لترسيخ التنمية الصحية والتعليمية والبحثية والصناعية والزراعية .. إلخ .

لذلك ، فإن الاسئلة الأجدر بالطرح في مواجهة من يروج أو يطبل أو يزمر لقرض صندوق النقد ، وما يرافقه من إجراءات اقتصادية إصلاحية باعتبارها الدواء المُر الذي يجب على الشعب تجرعه بالرضى أو بالغصب ، للانطلاق بالاقتصاد وأحوال العباد إلى النمو والرخاء والرفاهية ، هذه الاسئلة هي :

- ماذا تغير في مصر على مستوى كل مؤسسات الدولة الموبوءة بالبيروقراطية العفنة ، والإدارة العشوائية ، والفساد والوساطة والمحسوبية ؟

- وهل يمكن لدولة تفشل في جمع القمامة وتنظيم المرور ووقف مخالفات البناء ، أن تنجح في حل ازمتها الاقتصادية والتطلع لآفاقها التنموية ؟

- وهل الدولة التي أهدرت عشرات المنح والقروض في بالوعات المشروعات التي ليس لها أولوية ، يمكن ائتمانها على المزيد من القروض ليكون مصيرها رقم يضاف إلى قائمة الديون التي تغتال أحلام الأجيال الحاضرة والمستقبلية ؟

الإجابة بكل سرعة وفورية : لا شيء .. لا شيء تغير . 

فمؤسسات دولة مبارك قائمة ثابتة مستقرة ، وجبال القمامة متراكمة متعفنة وبائية ، 

وبالوعات المشروعات مفتوحة مفشوخة على مصراعيها .. إلخ .

وبالتالي ، يمكن بالفعل لدولة مبارك التي يرأسها السيسي أن تحقق معدلات مرتفعة للنمو بالمعايير الدفترية ، والمعادلات الحسابية التي تتضمن قسمة عوائد النمو على مجموع أفراد الشعب ، فتكون النتيجة أرقام وهمية ، لا علاقة لها بمعدلات التوزيع الحقيقية التي لا تصب معظمها في خزينة الشعب ، وإنما في خزائن الطبقة المالكة النافذة المتحلقة حول دوائر السلطة في دولتنا الدكتوقراطية أو الديموكتاتورية .

وبالفعل ، لا يمكن إنكار أن تراكم الثروة في يد الأقلية النافذة الثرية يمثل أحد نقائص الراسمالية . لكن الديمقراطية السياسية تمارس رد الفعل ؛ الذي إن كان غير مساويٍ في المقدار ؛ فإنه مضاد في الاتجاه ، بما يضمن مستويات أجور مرتفعة ، وخدمات اجتماعية راقية ومنتظمة . بينما تتكفل الحرية المجتمعية بإسباغ حالة من الرضا العام .

لذلك ، حيثما غابت الحرية يتبخر الرخاء وتستحيل الرفاهية ، ويصبح النمو المستدام في مقام النمو المستباح للأفاقين والنصابين والمرتزقة والقوادين والحرامية .

الاستثناء الوحيد لإمكانية تأسيس الرخاء والرفاهية في ظل غياب الحرية والديمقراطية ، يتواجد في الدول التي تمتلك نتيجة صدفة جيولجية موارد طبيعية مهولة وحيوية . فيتم تعويض الانسداد في قنوات الديمقراطية وسياقات الحرية ، بالإغداق على الشعب في مجال الأجور والخدمات الاجتماعية . دول الخليج في أغلبها نموذجاً : للوفرة الاقتصادية ، والندرة الديمقراطية ، وكبت الحرية . 

والمحصلة ، أن قروض صندوق النقد غير قابلة للتحويل أو الصرف ، أو لإصلاح ما انكفأ والتوى واعوج في ظل اقتصاد السوء بالبلاد الديكتوقراطية أو الديموكتاتورية .
مثلها مثل " الفياجرا " .. غير صالحة لصلب ونفخ .. ما ارتخى بفعل السكر والكوليسترول والضغط .. والعاهات السياسية .

*****
dr.mmahfouz64@gmail.com


13 أكتوبر 2016

د. محمد محفوظ يكتب : منقوع السياسة .. لمنزوعي السياسة

.. ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا ..
سورة آل عمران - الآية ١٨٨

رغم أن السياسة  قد تبدو كلمة مألوفة ودارجة في إشارتها إلى السلطة والحكم .
إلا أنها تبدو مستغلقة وغامضة وحمالة أوجه وأقنعة .. عند إشارتها لكل من :
- مهام السلطة والحكم .
- كيفية ممارسة مهام السلطة والحكم .
- الأخلاقيات المُساندة لممارسة مهام السلطة والحكم .

فالمهام السياسية ، والممارسات السياسية ، والأخلاقيات السياسية ، هي العناوين العريضة في كتاب السياسة ؛ التي تتفرع من تحتها عناوين فرعية لازمة وواجبة .

ولكن البعض يتعامل مع السياسة باعتبارها : نجاسة وخباثة ، أتامة وغلاسة ، مرقعة في بعض الأحيان ومياصة ، بلطجة ونخاسة ، قراقوشية ميكافيلية هتلرية موسولينية ستالينية دستورها الأسود الترخص والتدني والشراسة .

وأولئك البعض والعياذ بالله هم : منزوعو السياسة .

ويعاني منزوعو السياسة من مرض نزع السياسة المكتسب ، فيما يمكن الاصطلاح عليه تجاوزاً بـ : الأيدز السياسي . ولذلك هم ينشرون العدوى في أي مجتمع يشاء له حظه العاثر أن يتسلطوا عليه أو يحكموه ، فيتولوا تجريف تربته وتبوير أرضه من لازمة ينبغي أن تكون ماثلة وشاخصة هي :  السياسية .

ومنزوعو السياسة فئة يتناسب وجودها عكسياً في أي مجتمع مع درجة التطور الديمقراطي ، حيث تزداد نسبتهم كلما بغت الدولة واستبدت وتجبرت ، بينما يندر وجودهم كلما دمقرطت الدولة وعدلت وترشدت .

ويرى منزوعو السياسة أن السياسة ليست مهنة تحتاج إلى موهبة واستعداد أولاً ، ثم إعداد وتأهيل وتدريب ثانياً ،  وإنما هي مجرد نشاط جانبي يضاف للمهنة الأصلية والوظيفة الأساسية . 

ولذلك ، بينما تبدو " المهام السياسية " بالنسبة لمنزوعي السياسة مجرد مسالة تسيير أعمال وتوقيع أوراق ، أو مراسم وبروتوكولات ، أو افتتاحات وقص شرائط وتشريفات ، أو افتكاسات وشطحات لإثبات الذات والتكويش على كل السلطات.

فإن " الممارسات السياسية " هي - وفقاً لمنطق منزوعي السياسة - مجرد تفتيح مخ وفهلوة ، وحيل شيطانية ، ومقصات حرامية .

في حين يتعامل منزوعو السياسة مع " الأخلاقيات السياسية " باعتبارها سذاجة ومثالية ، يمكن استخدامها كشعارات لاتغادر الميكروفونات أو اللافتات ، ولا مجال لتطبيقها في الساحة العملية .

ولذلك يتشرف منزوعو السياسة بالمناصب السياسية ومخصصاتها وامتيازاتها ، بينما تشقى وتتجرس بهم هذه المناصب لغياب أعباءها ومسئولياتها عن عقولهم وأذهانهم وأدمغتهم .

فالمناصب السياسية بالنسبة لمنزوعي السياسة أشبه بمكافأة نهاية الخدمة في المسيرة الوظيفية ، أو مثل الوسام أو النيشان يتم تعليق أي منهما على الجدار أو الجاكت كمسوغ لنيل التوقير والاحترام ، أو وسيلة لكسب النفوذ والقوة والسيطرة ، بل وربما البلطجة ولكن من تحت أردية الدولة وبموجب مستنداتها الرسمية .

وتُعتبر الأحزاب هي مصانع إنتاج السياسة ، ومراكز إعداد وتأهيل وتجريب السياسيين ودفعهم للحياة العامة .

وأينما توجد الأحزاب الراسخة أو الأحزاب البازغة بقوة الأصوات الانتخابية وليس بمؤامرات واختراقات الأجهزة السرية ؛ فإن السياسة لا تغيب شمسها ولا تنطفئ نيرانها.

وحيثما تغيب الأحزاب أو تحاصرها قيود الاستبداد والديكتاتورية ، أو تعبث بمقدراتها ألاعيب الديمقراطية الصورية الشكلية ، فإن السياسة تفقد قوتها وتأثيرها وتفسد رائحتها ويتغير طعمها .

ويترعرع منزوعو السياسة كحشائش ضارة أو نباتات متسلقة أو آفات مهلكة في أرض المجتمع الذي غيبوا عنه الساسة والسياسة . فيتحدثون تحت لافتة السياسة وهم لا يعرفون لغتها ، ويمارسون صلاحياتها وسلطاتها بينما تغيب عنهم أعباؤها ومسئولياتها .

ولكن ، إذا كان ما سبق هو وصف وكسم ورسم منزوعي السياسة .

فما هي إذن .. مهام وممارسات وأخلاقيات السياسة ؟؟

تتلخص " المهام السياسية " في رباعية خالدة تتمثل في : 
- " الإدارة " .
- " التنظيم " .
- " الرعاية " .
- " الحماية " .

بينما تتوزع " الممارسات السياسية " في صورة ثنائية شائكة تتمثل في : 
- " الرؤية " .
- " البرنامج " .

في حين تنقسم " الأخلاقيات السياسية " إلى مزدوجين مربكين يتمثلا في :
- " المصلحة في مقابل الولاء " . 
- " المسئولية في مقابل الانتهازية " .

ولنستعرض ذلك بشيء من التفصيل غير الممل ، وقدر من التلخيص غير المخل .

أولاً - المهام السياسية : 
رغم أن " المهام السياسية " تبدو كأركان ثابتة ومستقرة في جسد الدولة سواء أكانت قديمة أم معاصرة ، إلا أن تعقد المجتمعات الحديثة وزيادة درجة التشابك وسهولة الاتصال والتواصل بين مناطقها وسكانها ؛ كل ذلك قد جسم هذه المهام وأكد على ضرورة التكامل والتوازن فيما بينها ، والتزام أقصى درجات الكفاءة المتاحة في القيام بسلطاتها ومسئولياتها . 

وتتلخص " المهام السياسية " في الآتي :

- إدارة الأصول والموارد الوطنية : 
حيث تعني الأصول والموارد الموجودات التي تمتلكها الدولة نيابة عن الشعب . وبينما تشير الأصول إلى الثروات المتولدة عن الأنشطة الإنسانية ، فإن الموارد تشير إلى الثروات المكتسبة من الخصائص الجغرافية والجيولوجية والبيولوجية .. إلخ  .

- تنظيم المجتمعات المحلية : 
يبدو التنظيم صفة ملازمة للمجتمعات الإنسانية . لذلك يحتاج المجتمع إلى إمدادات المياه والطاقة والغذاء ، والقانون والنظم ، والأمن والعدالة ، والصحة والتعليم ، والاتصالات والطرق والنقل البري والبحري والجوي ، والأسواق ، ودور العبادة ، والتراخيص والضرائب والرسوم .. إلخ .

- رعاية المصالح على المستويات الإقليمية والدولية : 
بينما تقف سيادة الدولة عند حدودها البرية ومياهها الإقليمية والاقتصادية ومجالها الجوي . فإن مصالحها تمتد لكل نطاق الكرة الأرضية . بما يقتضي ضرورة رعاية هذه المصالح من خلال البعثات الدبلوماسية بالقنصليات والسفارات والمكاتب التجارية .. إلخ .

- حماية الأمن القومي والأجواء والحدود والسواحل والمياه الإقليمية : 
وذلك من خلال القوات المسلحة أو أجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات . وكل هذه القوات والأجهزة - عسكرية كانت أم أمنية - تخضع للساسة باعتبار مجال عملها من مهام السياسة ، بحسبان أن السياسة هي التي تمتلك زمام توجيهها والتحكم في قوتها وبأسها .

ثانياً - ممارسة المهام السياسية :

تتم ممارسة المهام السياسية من خلال " الرؤية السياسية " التي تفضي إلى " البرنامج السياسي " ، فالعمل السياسي لا ينطلق لأرض الواقع إلا من خلال رؤية سياسية ينتج عنها برنامج سياسي . 

وبينما تعني الرؤية السياسية : إدراك الحقائق الكائنة على الأرض ؛ فإن البرنامج السياسى يعني : تطوير هذه الحقائق الكائنة على الأرض أو إنشاء حقائق جديدة على ذات الأرض . 

وبالتالي ؛ فحيثما تغيب الرؤية السياسية نتيجة عدم القدرة على أو الرغبة في إدراك الحقائق ، فإن البرنامج السياسي يصبح نبتاً شيطانياً مفارقاً للواقع ومعاكساً للمستقبل .

ثالثاً - الأخلاقيات المُساندة لممارسة المهام السياسية :

المزدوج الأخلاقي الأول - المصلحة السياسية في مقابل الولاء السياسي : فالواقع يثبت بأنه لا توجد فى دائرة الفعل السياسي صداقات دائمة أو عداءات دائمة ؛ وإنما صداقات مرحلية وعداءات مرحلية . فحيثما تكون المصلحة الوطنية وليس الشخصية أو الحزبية يكون الولاء ؛ فالمصلحة فى المنظور السياسي هي الإستراتيجية ؛ بينما الولاء هو التكتيك . 
ولهذا ، فإن الإدارة السياسية للمصالح الوطنية تقرر بأن : عدو الأمس يمكن أن يكون صديق اليوم ، وصديق اليوم يمكن أن يكون عدو الغد .

المزدوج الأخلاقي الثاني - المسئولية السياسية في مقابل الانتهازية السياسية : 
فبينما تعني المسئولية السياسية القدرة على تعطيل أو تفعيل البرنامج السياسي بما يلبي المصالح الوطنية أو الإقليمية أو العالمية في فترة تاريخية معينة . 
فإن الانتهازية السياسية تعني القدرة على تعطيل أو تفعيل البرنامج السياسي بما يلبي المصالح الحزبية أو الأيدلوجية الضيقة . 
ولذلك ، كلما لم يتفاعل البرنامج السياسي مع المصلحة الوطنية في ظل المراحل التاريخية الدقيقة ؛ فإنه يفتقر إلى " المسئولية السياسية " ويسقط في خطيئة " الانتهازية السياسية " .

..........

ولعل ما سبق عرضه من : مهام السياسة ، وكيفية ممارستها ، والأخلاقيات المساندة لها ، يوضح بأن الفشل الملازم لمنزوعي السياسة في القيام بالمهام السياسية ؛ هو نتيجة طبيعية مترتبة على عدم امتلاكهم الاستعداد لكيفية ممارسة هذه المهام ، ناهيك عن افتقارهم إلى الأخلاقيات المساندة لهذه الممارسة .

فغياب الرؤية السياسية ينفي إمكانية وجود برنامج سياسي بما يجعل المهام السياسية مفرغة من مضمونها وتضل الطريق إلى كفائتها وانضباطها . 

ففي الدول التي يحكمها منزوعو السياسة تتحول الإدارة إلى إهدار وتبديد ، والتنظيم إلى فوضوية وعشوائية ، والرعاية إلى تهاون وتفريط ، والحماية إلى وصاية واستعراض للقوة لحراسة النظام ليس إلا .

ولعل .. إهدار الموارد وتبديد الأصول الوطنية .

وعشوائية وفوضوية المجتمعات المحلية .

والتفريط في أو التهاون بشأن المصالح الوطنية بكافة مستوياتها الإقليمية والدولية .

والوصاية على الأمن القومي وتوظيفه لحماية النظام ومصالحه الذاتية .

لعل كل ماسبق من انحراف بالمهام السياسية عن مقاصدها الطبيعية ، يصبح هو العنوان الأوحد لسيطرة منزوعي السياسة على دوائر ومقاعد السلطة والمسئولية. 

وفي ظل هذا الانحراف ، تصبح الأخلاقيات المساندة لممارسة المهام السياسية معطلة . 

فمع غياب أي منظور واضح للمصلحة الوطنية تصبح العداءات أو الولاءات منقادة للانحيازات الشخصية أو الذاتية أو الحزبية الضيقة ، ومن ثم يتوارى الالتزام بالمسئولية السياسية ويتصدر المشهد اللاسياسي دناءات الانتهازية السياسية .

ولعل ما سبق بيانه من مآل تؤول إليه السياسة عندما يتقلد منزوعو السياسة مقاليد الأمور والأحوال . لعل ذلك يؤشر على ضرورة أن يكون منزوعو السياسية من ضمن المخاطبين بهذا المقال . 

ولكن نظراً لأن منزوعي السياسة لا يقرأون ، وإذا قرأوا أو حتى سمعوا لا يفهمون ، وإذا فهموا لا يلتزمون . فلا مهرب إذن من التضحية بالمقال والسماح بالتعاطي مع مضمونه عن طريق " النقع " .

نعم النقع في لتر ماء ، واستخدامه عقب ذلك كدواء ، يمكن التداوي به على جرعات ، لترسيب جزيئات السياسة في أدمغة وعقول منزوعي السياسة ، عسى أن يتعافوا من مرض نزع السياسة المكتسب " الأيدز السياسي " .

علماً بأن منقوع السياسة ؛ محظور تداوله في صورة لبوس أو أقراص أو كبسولات أو بخاخات أو حقن في العضل والوريد .

منقوع السياسة متوفر فقط كمحلول في العبوات الآتية :  
غرغرة أو مضمضة للفم .
قطرة للعينين أو الأنف أو الأذنين .
كمادات لجميع أجزاء الجسم من الجبهة حتى كعبي القدمين .

وهو مناسب لجميع فئات منزوعي السياسة البالغين ، من نواب الشعب المنتخبين أو المعينين ، ومن الغفير وحتى الوزير ، ورئيس الوزير ، ورئيس رئيس الوزير .

*****

dr.mmahfouz64@gmail.com


07 سبتمبر 2016

د. محمد محفوظ يكتب : لماذا يفشل العسكريون فى إدارة المجتمعات المدنية ؟


لا تحتاج أن تضع شارة على ذراعك ليكون لديك شرف
من فيلم : A Few Good Men

اعتاد العسكريون في الدول غير الديمقراطية على وصف كلياتهم ومعاهدهم ومعسكراتهم بأنها مصانع للرجال . ولعل هذا الوصف يتجاهل إضافة هامة لا ينبغي إغفالها ، وهي أن تلك المؤسسات بالفعل هي : مصانع للرجال الذين ينفذون التعليمات إلى حدها الأقصى ومداها الأقسى .

وبالطبع لا يبدو تنفيذ التعليمات أمراً مستهجناً ، باعتباره صلب ومضمون أي عمل سواء كان مدنياً أم عسكرياً .

ولكن بينما يكون تنفيذ التعليمات مرتبطاً في الحياة المدنية باستخدام القوة المنتجة التنموية التطورية . فإن تنفيذ التعليمات في الحياة العسكرية يكون مرتبطاً باستخدام القوة الساحقة الماحقة المدمرة القتالية .

ولعل هذا يستتبع بالضرورة أن يكون هناك فرق في التأهيل والإعداد ؛ بين الذين ينفذون التعليمات للإنتاج والتنمية ؛ وبين الذين ينفذونها للتدمير والقتال .

ولعله لا يمكن إغفال أن استخدام القوة المدمرة والمميتة ؛ يكون في نسبة من النزاعات مستنداً إلى مظلة الحق التي يحتمي بها أحد الأطراف من عدوان طرف آخر . إلا أن القتال حتى وإن كان فيه خير لطرف ودرء لشر طرف آخر ، فإنه برغم ذلك يظل مكروهاً من الفطرة الإنسانية السوية ، مصداقاً لقوله تعالى : كُتب عليكم القتال وهو كُره لكم .

ولذلك تنحو برامج الإعداد والتأهيل في المؤسسات العسكرية إلى تطويع وتشكيل هذه الفطرة ، لكي تتقبل الضرورات القتالية والأوزار الحربية . وذلك من خلال مسارين :

المسار الأول : يتمثل في البرامج والتدريبات والسياقات العسكرية التي تؤدي إلى : كسر الإرادة لغرس صفات ومسلكيات السمع والطاعة والإذعان والانصياع للأوامر والتعليمات .

المسار الثاني : يتمثل في البرامج والتدريبات والسياقات العسكرية التي تؤدي إلى : العزل والتهميش لغرس صفات الولاء والاستعلاء والكبرياء .

ويتبدى المسار الأول المتعلق بكسر الإرادة في الممارسات التعسفية التعنتية غير الإنسانية التي يتعرض لها الطلاب الجدد بالكليات والمعاهد العسكرية ، والتي تتضمن برامج للتنكيل وإساءة المعاملة والتخويف والضغط بدنياً ونفسياً على الطلاب ، وإخضاعهم لمنظومة يكون فيها رؤساؤهم المباشرون هم طلاب السنة النهائية بذات الكلية أو المعهد . 
وتضمن تلك البرامج من وجهة النظر العسكرية الانتقال بالفرد من الحياة المدنية إلى الحياة العسكرية ، من خلال كسر الإرادة الفردية وتوجيهها نحو الانصياع والإذعان لإرادة فوقية ؛ هي : إرادة القيادة دون نقاش أو جدال أو تردد أو حتى مجرد التفكير .

أما المسار الثاني ؛ فيتبدى في الإقامة الداخلية بالكليات والمعاهد والمعسكرات التي تُدار بأساليب الضبط والربط العسكري ، للانسلاخ بالأفراد من دوائر مجتمعهم المدني ، وعزلهم داخل هوامش عسكرية على أطراف التجمعات المدنية . وتكتسب تلك الهوامش أهمية مادية ومعنوية أكثر من المتن المدني ؛ باعتبارها السياج الحامي لأمن المجتمع من أي عدوان أو تدمير . 
الأمر الذي يؤدي إلى غرس صفة الاستعلاء لدي الأفراد المعزولين باعتبارهم ينتمون لهوامش ذات حيثية استثنائية وأهمية حيوية . 
علاوة على أن ذلك يؤدي إلى تعزيز قيمة الولاء للمؤسسة التي تمتلك تلك الحيثية والأهمية ؛ من خلال مهمتها الرسالية في الدفاع والتضحية من أجل الراية والمصلحة الوطنية .

ولعل هذه الصفات أو المسلكيات في الشخصية العسكرية تُعد أمراً مربكاً من وجهة النظر المدنية ، نظراً لما تحمله من تناقضات يصعب التوفيق بينها .

فمن الصعوبة التوفيق بين متناقضات ؛ تتمثل في سلوكيات الانصياع والإذعان والسمع والطاعة ، وبين تزكية نوازع الاستعلاء والكبرياء .

ومن الصعوبة الجمع بين متعاكسات ؛ تتمثل في موجبات كسر الإرادة ، وبين تنمية نوازع الولاء والانتماء .

ولكن بقدر ما يبدو هذا التناقض في الشخصية العسكرية مربكاً من وجهة النظر المدنية ، إلا أنه لا يبدو كذلك من وجهة النظر العسكرية ، باعتباره عامل توازن يتم من خلاله تعويض ضغوط الانصياع والإذعان المادية والنفسية بمظاهر الكبرياء ، وتعويض منغصات كسر الإرادة بمبررات الولاء والانتماء .

ولذلك تبدو المؤسسة العسكرية نتيجة الإعداد والتأهيل الذي تصبغ به منتسبيها وأفرادها ؛ بمثابة مؤسسة تمارس " القهر الوظيفي " وتبتعد تماما عن مقتضيات " الرضا الوظيفي " التي تتسم بها أغلب المؤسسات المدنية .

ويشير مصطلح " الرضا الوظيفي " إلى علاقة تناسبية ما بين الحقوق الوظيفية والواجبات الوظيفية . بحيث إذا تحقق التوازن ما بين الحقوق والواجبات ؛ يتحقق عندئذ الرضا الوظيفي .

ولكن إذا زادت الحقوق الوظيفية عن الواجبات الوظيفية يترسب عندئذ ما يُسمى بالتسيب الوظيفي .

بينما إذا زادت الواجبات الوظيفية عن الحقوق الوظيفية يترسخ حينئذ ما يُسمى بالقهر الوظيفي .

ولا شك بأن بعض المؤسسات المدنية التي تديرها رئاسات سيكوباتية غالبا ما تتوطن بداخلها ممارسات القهر الوظيفي . مثلما تتوطن بداخل المؤسسات المدنية التي تديرها رئاسات عشوائية ممارسات التسيب الوظيفي .

ولكن موجبات القهر الوظيفي الملازمة للمؤسسة العسكرية لا تفرضها النزعات السيكوباتية - حتي وإن وُجدت - بقدر ما تفرضها الطبيعة الاستثنائية لضرورة الالتزام بالانصياع والإذعان إلى الحد الذي يصل لفقدان الحياة ذاتها . بما يجعل من العلاقة الوظيفية مهما تعاظمت حقوقها لا تتناسب إطلاقاً مع واجباتها القصوى التي قد يكون الموت أو الإعاقة الجسدية ثمناً لها .

ولذلك بينما يتم إدارة المؤسسات المدنية وفقاً لأساليب " إدارة الاختلاف " ، باعتبارها في الغالب الأعم مؤسسات يحكم علاقاتها بموظفيها الرضى الوظيفي . فإن المؤسسة العسكرية يتم إدارتها وفقا لأساليب " إدارة الخلاف " باعتبارها - حتماً - يحكم علاقاتها بعناصرها ومنتسبيها القهر الوظيفي .

وإذا كانت إدارة الاختلاف تسعى لاحتواء التنوع والتعدد والتلون ، من خلال الحوار والتفاوض والمساومة ، ومن ثم التوافق أو التنازل ، بما يجعلها إدارة لا تنفي الآخر وبالمقابل لا تضحي بالذات .

فإن إدارة الخلاف هي إدارة تسعى إلى التنميط والتوحيد والتمترس والاصطفاف ، من خلال تقديس الرأي الواحد والهدف غير المرن الجامد ، بما يجعلها إدارة تأسر الآخر أو تقتله حتى وإن كان الثمن هو التضحية بالذات .

ولهذا بينما تكون إدارة الاختلاف هي إدارة المنافسة السلمية باستخدام قوة القانون الإلزامية والأعراف المجتمعية .
فان إدارة الخلاف وعلى النقيض هي إدارة الصراع المسلح باستخدام قوة النيران التدميرية والعقيدة القتالية .

ومن هذا المنطلق ، تبدو إدارة الخلاف مثل حالة الطوارئ المستديمة . ومثلما تكون حالة الضرورة هي المبرر لتفعيل قانون الطوارئ ، فان إدارة الخلاف تستلهم الظروف الاستثنائية لتصبح هي الظروف المقيمة . 
ولذلك لا يشعر العسكريون بالأمان - باعتبارهم الوكلاء الحصريين لإدارة الخلاف - إلا عند الجلوس على براميل البارود المموهة في صورة المقاعد الوثيرة .

ولهذا يبدو وجود العسكريين في المجتمعات مثل جهاز المناعة في الجسد الإنساني ، وجوده لازم واستمرار نشاطه لحماية صحة الإنسان حاسم . ولكن في المقابل فإن محددات الهيمنة على هذا الوجود لازمة ، وكوابح السيطرة على هذا النشاط ينبغي أن تظل حاسمة . وإلا فإن فرط النشاط وإتاحة كل البساط لجهاز المناعة ؛ سرعان ما يؤدي إلى اعتلال الجسد بمرض فرط المناعة الذاتية ، بحيث لا يكتفي جهاز المناعة بمهاجمة خلايا وأنسجة الجسم المريضة وإنما أيضاً السليمة للقضاء عليها .

وانطلاقاً من كل هذه المناظير ، تبدو الشخصية العسكرية بطبيعة إعدادها وتأهيلها ونظمها الوظيفية وأساليبها الإدارية ، تبدو مناقضة ومعاكسة ومفتقدة ومفتقرة للأسس الجوهرية التي تُدار بها المجتمعات والمؤسسات المدنية .

ولعل بعض الاستثناءات التي حققت بها بعض الشخصيات العسكرية عدداً من النجاحات في إدارة المجتمعات أو المؤسسات المدنية ، هي استثناءات لا تلغي القاعدة إنما تؤكدها وترسخ بنيانها .

فنجاح عدد محدود من القيادات العسكرية في إدارة المجتمعات المدنية ببعض الدول الديمقراطية في فترات استثنائية من تاريخها وعقب حروب دموية ، كان بمثابة " انحناءة إضطرارية " لهذه المجتمعات في فترات انتقالية لتخرج من اقتصاد الحرب وإدارة الخلاف إلى اقتصاد السلم وإدارة الاختلاف . ولهذا يظل هذا الاستثناء مؤكداً للقاعدة الأصلية .

أيضا ، فإن بعض التجارب التي يتم الزعم بأنها ناجحة نتيجة سماح بعض الدول لمؤسساتها العسكرية بالانخراط في الأنشطة الاقتصادية ، هي تجارب تتجاهل المعيار المنصف لقياس النجاح وفقاً لشروطه وقواعده . 
فليس من النجاح إحراز الأهداف في مباراة لكرة القدم باستخدام الأيدي ، أو تسجيل النقاط في مباراة للكرة الطائرة باستخدام الأقدام . 
وبنفس المنطق فإن النجاح في الساحة الاقتصادية المُصاحب للإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية ، والمُسوِّغ لاستخدام أو تسخير العمالة شبه المجانية ، والمُقنِّن لفض التنازع مع الشركات المدنية أمام المحاكم العسكرية .. هذا النجاح يعتمد على معايير غير منصفة وغير متاحة للمؤسسات المدنية المُنافِسة .

ولذلك ، أينما تقلد العسكريون المناصب المدنية بشروطها وقواعدها فإنهم يفشلون . ولعل مئات وآلاف المناصب المدنية التي يشغلها ذوو الخلفية العسكرية في عدد من الدول غير الديمقراطية ؛ بدءاً من رئاسة الدول وتقلّد الوزارات ، مروراً بالولاية على المحافظات ، وصولاً إلى إدارة الشركات والهيئات ورئاسة الأحياء في المحافطات والإدارات في الجهاز الإداري للدولة . لعل أغلب هذه المناصب والرئاسات بمثابة نموذج مجسم صارخ فاضح للفشل والتردي ، بل والفساد والإفساد وهدر الإمكانيات .

الحقيقة المزعجة تقرر بأن ممارسات مثل : كسر الارادة ، والسمع والطاعة ، والإذعان للأوامر والتعليمات ، والعزل والتهميش ، والولاء والاستعلاء والكبرياء ، والقهر الوظيفي وإدارة الخلاف ، كلها ممارسات قابلة للاستهلاك داخل المؤسسة العسكرية ، باعتبارها مؤسسة تتولى مسئولية استثنائية على جبهات القتال والمعسكرات والقواعد العسكرية . ولكنها ممارسات يمكن القول بأنها سامة وغير صالحة للاستهلاك في المجتمعات المدنية .

ولعل سرد عشرات أو مئات التجارب بأسماء بلادها وشخصياتها ، قد تساعد على تقريب ملامح وسمات الشخصية العسكرية للقارئ الذي قد تزدحم في رأسه تفاصيل الحياة اليومية ، بما يجعل الصور تشتبك مع بعضها البعض دون فواصل تتيح إظهار فروقاتها الجوهرية . ولكن قد تبدو الدراما هي البديل الأبسط والمعين الأخصب الذي يمكن اللجوء إليه ، لتجسيم الملامح والسمات وترسيم الحدود بين الصور المشتبكة في غابة التفاصيل الحياتية .

وليسمح لي القارئ الكريم ، بعرض مشهد حواري - يكشف عن كوامن الشخصية العسكرية - من الفيلم الأمريكي : قليل من الرجال الصالحين A Few Good Men

المشهد يدور أمام إحدى دوائر المحكمة العسكرية الأمريكية ويضم كل من :
أولاً  : " جاك نيكلسون " الذي يقوم بدور ضابط مقاتل برتبة عقيد يرأس وحدة عسكرية في خليج جوانتانامو ، ويتم استدعاؤه للشهادة في واقعة مقتل جندي بالوحدة التي يرأسها على يد جنديين آخرين بالوحدة نفسها .
ثانيا : " توم كروز " الذي يقوم بدور ضابط محامي ، يتولى الدفاع عن الجنديين المتهمين ، ويريد إثبات أن الجنديين تلقيا أمراً من ذلك العقيد بعقاب زميلهما ، إلا أنه توفى من جراء هذا العقاب .

يقول جاك نيكلسون بعد أن أثاره توم كروز واستدرجه انفعالياً لكي يجعله يكشف عما هو كامن داخل صدره وعقله .. يقول جاك نيكلسون موجهاً كلامه أو بالأحرى صياحه لتوم كروز :
- لا يمكنك تحمل الحقيقة
يابني نحن نعيش في عالم به " جدران "
وهذه الجدران يجب أن يحميها رجال معهم أسلحة
من سيفعل ذلك ؟ .. أنت !!
لديّ مسئولية أكبر مما تتخيل
لديك رفاهية عدم معرفة ما أعرف
وجودي رغم غرابته لك ينقذ أرواحاً
لا تريد الحقيقة لأنك تعرف أن هناك أماكن غاية في الخطورة
تريدني على هذا الجدار
تحتاجني على هذا الجدار
ليس لدي الوقت ولا الرغبة ، لتوضيح موقفي لرجل يستيقظ وينام تحت غطاء الحرية التي أوفرها ، ثم يشكك في نزاهتي
كان يمكنك فقط أن تشكرني وتذهب في طريقك
أو أقترح أن تمسك سلاحاً وتأخذ مكاناً في الجبهة
وفي الحالتين  " لا يهمني ما حقك القانوني "
أيها " الاوغاد " ليس لديكم أية فكرة عن كيفية الدفاع عن أمة
كل ما فعلته أنت اليوم هو  " إضعاف دولة "
عرَّضت حياة الناس للخطر
أحلاماً سعيدة يابني .........

.. ينتهي هذا المشهد السينمائي الكاشف لجوهر الشخصية العسكرية ، ونظرتها للذات والآخر ، والمجتمع والمعسكر ، والعالم.

ولكن ربما لم ينته هذا المشهد من واقع عدد من الدول ، مازال يسيطر على كراسي الحكم فيها العسكريون ، فيستيقظ وينام مواطنوها تحت غطاء " الحرية " التي يوفرها لهم أولئك العسكريون ؛ في مقابل أن يلهجوا بحمد نزاهتهم وحكمتهم وتضحياتهم وبطولتهم . 
فالأوغاد أي المشاكسين المحتجين المعترضين المدققين الحالمين المثقفين ؛ كل هؤلاء ومَن على شاكلتهم - مدنيون كانوا أم حتى أشباه عسكريين - ليس لديهم أية فكرة عن كيفية الدفاع عن أمة ، وعندما يتدخلون للمعارضة أو المراجعة أو حتى مجرد الاستفسار فإنهم يتسببون في "إضعاف الدولة " ، وتعريض حياة الناس للخطر .

.. بالفعل تلخص الدراما الكثير من التفاصيل المعقدة ، وتنساب بكل سهولة فوق الطرق غير الممهدة .

ولذلك نقول .. بالدراما أو بالمقال .. بالكاميرا أو بالقلم .. بأي لغة يفهمها الكبار وحتى الصغار .. نقول :
لعسكر أن يتعسكر كما شاء في المعسكر .
ولكن في المجتمع المدني ، عليه أن يمتنع عن التعسكر ، لا أكثر .

*****

07 أغسطس 2016

د. محمد محفوظ يكتب : #إنجازات_دوت_بـــِخ


خلي بالكم من التعبير " الإنجاز والتشكيك " .. 
في كل إنجاز حيتعمل حيبقى فيه تشكيك .
من خطاب الرئيس السيسي بتاريخ ٦ أغسطس ٢٠١٦

الإنجازات التي تشبه المعجزات ، أصبحت هي عنوان المرحلة ، وشعار دولتنا الموقرة.

فما كان يمكن لأشد الحاقدين أو الحانقين أو المتربصين ، أو المشككين وفقا لوصف الرئيس ، أن يتخيل هذا الكم من الإنجازات المعجزات التي أتحفنا بها أصحاب الفخامات والبركات ، لنصبح أمة تبني مشروعات بالمليارات ولا يحق لها التساؤل عن الإيرادات .

معجزة قناة السويس الجديدة التي يتم الاحتفال هذه الأيام بذكرى مرور عام على إنشائها . وكان قد تم تقديمها لنا باعتبارها سترفع دخل القناة ، وتم تقديمها للعالم باعتبارها هدية مصر للعالم . فحلت المعجزة نتيجة التباطؤ - الذي لم يكن مفاجئا - في الاقتصاد العالمي ، والانخفاض - الذي كان متوقعاً - في سعر البترول . وأبت القناة أن تحافظ حتى على دخلها ، بل انخفضت به عند حسابه بالدولار ، وارتفعت به ارتفاعا طفيفا عند حسابه بالجنيه ، حتى أصبحت عن حق وبصدق هدية مصر للعالم ، تمر بها سفنه بقدر أقل من الانتظار ، وبرسوم تدخل تحت عنوان : مهرجان التنزيلات في الرسوم والأسعار . وهو أمر معجز يمكن القياس عليه لفهم معجزة المشروعات القومية العملاقة التي تشبه الأشجار الضخمة في عدم تناسب ما تستهلكه من مياه مع ما تنتجه من ثمار . ولعل المقارنة بين لعبة إلكترونية مثل البوكيمون تمثل إيرادتها مليون ضعف تكاليفها ، وبين مشروعاتنا العملاقة ذات الجدوى الاقتصادية المجهلة ، لعل تلك المقارنة تثبت بأن اقتصاد تحيا مصر هو اقتصاد تديره الفهلوة ولا يُدار بالقلم والمسطرة . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة جهاز الكفتة المعروف حكوميا بجهاز علاج فيروس سي والأيدز . والموصوف إعلاميا بوصف الكفتة ، تيمناً بعبارة وردت على لسان مخترعه اللواء المكلف / إبراهيم عبد العاطي . فالجهاز المعجزة الذي تم الزعم بأنه عالج المئات وكان سيعالج الملايين ، اختفى هو ومخترعه والمروجون له والمتعالجون بموجاته الكهرومغناطيسية السحرية . اختفوا جميعا في ثقب أسود محلي يدل على معجزة كونية تم اصطفاءنا بها من دون كل أهل البرية . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة المؤتمر الاقتصادي الذي تمطع مثل الجبل ، وتم الإعلان بأنه نجح في توقيع إتفاقيات ومشروعات والحصول على قروض ومنح ومساعدات ، قيمتها عشرات المليارات ، ثم حدثت المعجزة وتبين أن الجبل - أقصد المؤتمر - أقرب إلى أن يكون عقيماً ولن يلد حتى فأراً . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة الدولار التي هي أم المعجزات . فبينما ينخفض سعر البترول في العالم إلى الحضيض حتي صار برميل البترول أقرب لسعر وجبة كنتاكي العائلية بالدولار . الأمر الذي انعكس عالمياً على كل السلع في صورة انخفاض في الأسعار . إلا أنه في دولتنا فإن المعجزة تأبى إلا أن تبهرنا بآياتها ، ويظل الدولار متعالياً يتجاوز هو وكافة السلع سقف كل الأسعار . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة تيران وصنافير التي ضربت بحجر واحد الدستور والأعراف الدولية وأسس السيادة الوطنية ، واستبدلتها بالوصايا العائلية . وبينما دولتان مثل قطر والبحرين تنتميان لمجلس التعاون الخليجي اختلفتا حول تبعية جزر بينهما فلجأتا لمحكمة العدل الدولية . إلا أن من يحكمونا أبوا إلا الرضوخ - وفقا لمبدأ التنازل والتسليم - لمطالب المملكة السعودية . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة تجديد الخطاب الديني التي جعلت من يستجيب للثورة الدينية التي أطلقها الرئيس ، ومن يتصدى لتطوير الأزهر كي لا يظل جامعة للعلوم الزائفة والمناهج المنقرضة ؛ جعلته يتبوأ زنزانته في غياهب السجون باعتباره من الزنادقة والرافضة والشياطين . بينما الذين صنموا الأزهر وجمدوه وينشرون الفتنة ويزدرون الديانات الاخرى ، مازالوا هم الثقاة المؤتمنون الذين يتربعون على مقاعد الفتوى ويرتدون أقنعة التقوى . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة اعتبار عام ٢٠١٦ عاما للشباب المصري ، تلك المعجزة التي نفخت الروح في جمعية شباب المستقبل لقائدها وراعيها جمال مبارك، بشبابها المدجنين المقولبين المهجنين بكروموسومات السلطة وجينات مصر المملوكية والهتاف بــ : " أوووو ماي جَاد " ، لينضووا بكل إعجاز واعتزاز تحت مظلة " البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة " ، بينما ينسحل وينسحق فرقاؤهم من الشباب الذي تظاهر أو انتقد أو عارض أو تألترس ، تحت بوابير زلط قانون التظاهر ، وتشيخ نضارتهم في متاهات المحاكم والسجون . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة النظام الذي استمد وجوده ثم شرعيته من الثورة على نظام شاخ وفسد وخان . فإذا به بمجرد الوصول للسلطة يعطي ظهره لكل الكوادر الثورية ورموز المعارضة الوطنية بدون استثناء ، بينما يجمع حوله كل كوادر النظام الساقط السابق ؛ من أعضاء وتلاميذ وأتباع ومريدي لجنة السياسات بالحزب الوطني الذي انحل قضاءً وانهدم بناءً ولكن مازالت عفاريته مسكونة بها كل مقرات السلطات . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة الإعلام بفضائياته وصحفه ورأيه العام ، الذي انتقل من خانة رفيق الثورة إلى خانة عدو النظام ، ثم يُراد له من خلال الأذرع الموالية الموجهة وصفقات البيع والشراء الممنهجة أن يكون بوقاً وطبلة وصاجات للنظام . وذلك من خلال قانون للإعلام الموحد ، تنسحب فيه كلمة الموحد من القانون لتمتد إلى الإعلام ، فيصير موحداً في القصد والتوجه والقلم واللسان . ولذلك كانت أولى بشائر المعجزة حصار نقابة الصحفيين ومحاكمة قياداتها ومحاولة شق صفها وضعضعة بنيانها ، لخنق المجال العام ليصير أضيق من ثقب إبرة لا تمرق منه إلا آيات التأييد وأكاليل التمجيد للحاكم والسلطان . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة التجاوزات الفردية في وزارة الداخلية التي تلوث دماء شهداء الواجب الذكية في مواجهة الجماعات الإرهابية . وتعاود حفر الهوة التي تم ردمها في ٣٠ يونيه بين الشعب والأجهزة الأمنية . ورغم أن الوزارة هجرت حصنها القديم وانتقلت من جوار ميدان التحرير إلى تجمعات القاهرة الجديدة ، إلا أن السؤال يظل معلقا في الآفاق : هل السياسات الأمنية العصرية المهنية الاحترافية تبوأت موقعها في مباني الوزارة الجديدة ، أم مازالت تعشش بها السياسات الأمنية العتيقة ؟ ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة السلطة القضائية التي منحها الدستور استقلالا كاملا عن السلطة التنفيذية ، ورغم ذلك لا تؤرقها خطيئة الحبس الاحتياطي الممتد والمتطاول في القضايا السياسية التي تنظرها النيابات والمحاكم المصرية . ولا تستفزها السرعة السلحفائية للفصل في الدعاوى والمنازعات القضائية . وبينما الكثير من هذه المنازعات يمكن الفصل في ملابساتها في جلسة واحدة ، إلا أن الإنجاز الإعجاز يجعلها تخضع لنسبية إينشتاين في تمدد الزمان والتواء " الزمكان " ، فتسقط في بئر النسيان . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة سقوط طائرة الركاب الروسية ومعجزة مقتل جوليو ريجيني المأساوية ، التي أثبتت بأنه يمكن تسويق الوهم للناس باعتباره هدية مجانية ، وشرعنة اللف والدوران والجري في المكان باعتبارهم ثوابت وطنية . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

معجزة البرلمان الذي يرتدي النقاب في مواجهة الإعلام ، ويخاطب  من وراء حجاب الرأي العام ، وأصبح الأصل في جلساته السرية وحظر البث . ويرأسه دكتور في القانون الدستوري نافذ الصبر فاقد الحلم لا يتحمل الجدل السياسي لــ " فمتو ثانية " ، ثم ينفجر في وجه كل من يعارضه أو يعارض السلطة التنفيذية . ولكن لعنة الله على المشككين اللئام أهل المكر والنقد الهدام .

ومعجزة تسريبات الثانوية العامة . ومعجزة الفساد والإهمال في صوامع القمح ونقاط الخبز ومنظومة السلع التموينية . ومعجزة التدهور والانهيار في مؤسساتنا الصحية . ومعجزة أحمد زكي بدر وزير تعليم مبارك والوزير الحالي للتنمية المحلية . ومعجزة أحمد أبو الغيط وزير خارجية مبارك والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية. ومعجزة مشيرة خطاب وزيرة أسرة وسكان مبارك والمرشحة الحالية لرئاسة اليونسكو بتزكية الدولة المصرية . ومعجزات القمامة ، وفساد المحليات ، والزراعة ، والصناعة .. و .. و .

كثيرة إذن هي الإنجازات المعجزات في هذا العصر ، بما يجعل ذكرها على سبيل المثال وليس الحصر ، ويجعلها تحيط برقبة وذراعي وساقي مصر ، كجبال وتلال وهضاب من .. البِخ .. والنعر .. والفشر .

ولكن هل سنظل ننتظر المزيد من المعجزات الافتكاسية اللوزعية لسلطاتنا .. التنفيذية .. والتشريعية .. والقضائية .

بالتاكيد ، يمكن لـ " عصا موسى " عليه السلام ، أن تفضح كل معجزات الفراعين الوهمية بمعجزة حقيقية .
وكان يمكن لعصا ٢٥ يناير و ٣٠ يونيه أن تغرقا في بحرهما كل معجزات الديكتاتورية العسكرية والديكتاتورية الدينية .
ولكن مؤامرات المتعسكرين والمتأسلمين ، وسذاجة الثوريين ، أحرقت سفن الثورة علي شواطئ بحارها الوردية .

لهذا ، ربما نحتاج إلى سفينة نوح عليه السلام ، التي لا تحمل على ظهرها الذين ظلموا وفسقوا وخانوا وتخلوا . وتبحر في أمواج كالجبال وتنجو بركابها من كل العواصف الشيطانية .

ولكن .. حتى يأتي هذا الحين .. فإن منتهى ما نطلبه هو أن تؤسس حكومتنا الإعجازية موقعا إلكترونيا بعنوان : إنجازات دوت بِـخ   www.ingazat.pech
وذلك لتسجيل السبق لدولتنا في مجال إنجازات أشبه بالمعجزات ، كلها في البِـخ ، والفشر والنعر والهمبكة النفخية .

ولكن بشرط ، أن تسمح الحكومة لمنظمات المجتمع المدني العميلة الموجهة وفقا لأجندات الغرب الإمبريالية ، بأن ترد بموقع إلكتروني مضاد ، فتكتمل تجربة دولة البِخ الحديثة الديمقراطية . ويكون هذا الموقع المضاد بعنوان:
معجزات دوت كِـخ   www.mogezat.kech

وما بين الـ " بِـخ " والـ " كِـخ " ، على هذا الشعب أن يصمم ألا " يـنِـخ " .

قال تعالى : " .. أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً .. " . سورة النور / الآية ٣٩

*****

dr.mmahfouz64@gmail.com




17 يوليو 2016

 د. محمد محفوظ يكتب : الانقلاب في تركيا بين الحقيقة والمسرحية ؟!

" ينبغي أن يكون لدينا دستور ديني
ولا مكان للعلمانية في هذا الدستور "
إسماعيل كهرمان - رئيس البرلمان التركي
بتاريخ ٢٥ إبريل ٢٠١٦

ما أحلى الانقلاب لو لم يسفر عن إسقاط النظام ، وانما تسبب في ترسيخ وتثبيت دعائمه !!!
وما أروع الانقلاب لو كانت نتائجه هي : تمرير كل السياسات التي تم الانقلاب عليها ، وتدمير المؤسسات التي كان يسعى الانقلاب للحفاظ على بقائها  !!!
وما ألذ الانقلاب لو كانت تتصدى لدباباته ومدرعاته وضباطه وجنوده ؛ قوات الشرطة بطبنجاتها وبنادقها الآلية ورشاشاتها  !!!
وربما يتحسر الملك / فاروق ، ملك مصر الراحل في قبره . لو كان يعلم بأنه كان يمكن لبضعة مئات أو آلاف - من قوات الشرطة وأنصار الملكية والباشوات والبكوات وملاك الأراضي - أن تقبض على حفنة الضباط الأحرار قبل أن يُسقطوا دولة الأسرة العلوية التي أسسها محمد علي .
ولكن ، هكذا صارت الأحداث في تركيا . وصار الانقلاب أشبه بلعبة البوكيمون الإلكترونية ، يتم مطاردة الذين قاموا به في شوارع السلطنة العثمانية الغابرة والسلطنة الأردوغانية المقبلة .
ولهذا سيستمر أردوغان وحزبه وإعلامه في مضغ اللبانة المروجة لأكذوبة مفادها : أن الشعب التركي هو الذي وقف في وجه الانقلاب العسكري ، الذي بدأ ١٥ يوليو ٢٠١٦ ، وفشل ولم يكتمل ومات رضيعا في مهده !!! وسيتم الإلحاح على تكرار مشاهد حصرية ومحدودة لتصدي مجموعات من المواطنين لبعض الضباط والمجندين المشتركين في الانقلاب ، والتعدي عليهم وعلى دباباتهم وآلياتهم .
ولكن الثابت أن الواقع يشهد بعكس ما يريد أردوغان وحزبه الترويج له . فلم تنقل شاشات الفضائيات أي تحركات لحشود جماهيرية كاسحة تفيض بها الشوارع والميادين في مواجهة القوات الانقلابية . وإنما نقلت هذه الشاشات صورا لمجموعات صغيرة متفرقة ، توضح عصبيتها المفرطة أنها من عناصر وكوادر حزب العدالة والتنمية المسلحين بأسلحة شخصية . ورغم أن هؤلاء جزء بالفعل من الشعب ، الا أن ولاءهم هو حصريا لحزب العدالة والتنمية وليس للأمة التركية .
ولهذا تثير الملابسات الغرائبية لهذا الانقلاب الذي يشبه الزوبعة في الفنجان ، تثير الشكوك والوساوس حول مدى تورط أو عدم تورط اردوغان وحزبه وحكومته في التخطيط والتدبير له ، لإطلاق يد حزب العدالة والتنمية في تغيير الهوية العلمانية للدولة التركية ، واستعادة الأيدلوجية العثمانية ، بعد القضاء علي آخر حصون الأيدلوجية الأتاتوركية المتمثلة في الدستور والجيش .
وهذه الشكوك والوساوس لا تنبع من أهواء نفسية أو شطحات عقلية ، وإنما من مقدمات منطقية تردد صداها في وسائل الإعلام الدولية .
فبتاريخ ٢١ مارس ٢٠١٦ ، نشر مركز أميركان إنتربرايز إنستيتيوت ، مقالا لمايكل روبن ، الكاتب حاليا والمسئول السابق بوزارة الدفاع الأمريكية . وكان المقال تحت عنوان : هل سيكون هناك انقلاب عسكري ضد أردوغان؟
وفي ٣١ مارس ٢٠١٦ نشرت قيادة الأركان التركية بياناً على موقعها الإلكتروني ، تناولت فيه ما قالت أنه : إدعاءات صحفية تطال المؤسسة العسكرية وتتعلق بمحاولة القيام بانقلاب عسكري ، وبوجود أفراد داخل المؤسسة العسكرية يتبعون لـ " الكيان الموازي " في إشارة إلى حركة "فتح الله جولن " . وقد نفى الجيش في البيان بشكل حازم نيته القيام بانقلاب عسكري في البلاد ، مؤكّداً أنّ الجيش التركي ملتزم بدستور البلاد ، ويعمل تحت إطاره في كل الظروف الصعبة في مختلف أنحاء البلاد من أجل حماية الشعب من المخاطر التي يتعرّض لها . كما أكّد البيان على أنّ الانضباط والطاعة غير المشروطة لعناصره وعلى عمله وفق مبدأ التسلسل القيادي ، هو ما يُمكّن الجيش بأن لا يسمح بأن يتم خرق سلسلة القيادة أو أن تتعرض للخطر .
أنظر : http://www.turkpress.co/node/20542
نحن إذن أمام انقلاب تتحدث وسائل الإعلام والمراكز البحثية عن إشاراته وبوادره . ويتحدث رئيس الأركان عن إستحالة وقوعه لانتفاء مسبباته وبواعثه .
ولكن رغم تلك الإشارات ونفيها ، يقع الانقلاب دون تمكن الأجهزة السيادية التركية أمنيا ومخابراتيا من رصده ، أو ضبط واحد أو اثنين من جنوده أو ضباطه .
والأغرب ، أن تلك القدرة الفذة للانقلابيين على الخداع التكتيكي وتأمين الاتصالات والاتفاقات فيما بينهم - وصولا إلى ساعة الصفر - تقابلها خيبة كبرى لذات الانقلابيين فيما يتعلق بمحدودية عددهم وضعف سيطرتهم وقلة إمكانياتهم وسرعة استسلامهم .
ولهذا ، فإن رفع الحقائق من على الأرض يوضح بأن الانقلاب الفاشل ربما لن يخرج عن مسارين افتراضيين :
المسار الافتراضي الأول : أن الانقلاب تم بعلم مسبق لدى أردوغان ناتج عن معلومات استخبارية تم رصدها والتاكد منها ومتابعتها . واختار أردوغان ترك حبل المؤامرة ممدودا وعدم قطعه ، لكي يلفه حول رقاب الانقلابيين بدلا من وأد الانقلاب قبل ميلاده . الأمر الذي يتيح له استخدام فزاعة الانقلاب ، لإطلاق يده ويد حكومته وحزبه في استكمال عملية تحويل ولاء الجيش التركي كله لحزب العدالة والتنمية ، وإنهاء الدور التاريخي للقوات المسلحة في حماية الهوية العلمانية لتركيا .
المسار الافتراضي الثاني : أن الانقلاب تم بإيعاز وتدبير وتخطيط من أردوغان نفسه وقيادات حكومته وحزبه ، من خلال عناصر تم دسها وسط الجيش لكشف البؤر والعناصر الانقلابية بين صفوفه ، ومن ثم تشجيع هذه العناصر على القيام بالانقلاب ، الذي تم الإيهام بتأكيد نجاحه من خلال الادعاء كذبا بوجود دعم غير محدود بين صفوف الجيش للانضمام للانقلاب حال انطلاقه .
.. والمحصلة ، تأسيسا على الفرض الأول أو الفرض الثاني ، أن انقلابا مثل الزوبعة داخل الفنجان ، سيؤدي إلى تقوية أردوغان وليس إضعافه ، وإكمال مخططه الساعي لأسلمة الدستور بعد عقود من علمنته ، ورئاسية النظام السياسي بعد عقود من برلمنته . ومن ثم استكمال سيطرة حزب العدالة والتنمية علي آخر حصون الأتاتوركية التي تمثلت في الجيش التركي بكل تشكيلاته .
ولكن ، إذا كان لا يجب أن نحبذ الانقلابات العسكرية لتغيير النظم السياسية الديمقراطية وإسقاطها . فإنه وبالمقابل ، لا يجب أن نتغافل عن تلاعب النظم الديكتاتورية بالأدوات الانتخابية لإرتداء أقنعة الديمقراطية ، وممارسة الاستبداد تحت شعاراتها .
وإذا كان يجب أن نحترم حق الشعوب في تقرير مصيرها . فإنه بالمقابل ينبغي أن لا نتهاون مع دعم الدول الديمقراطية لنظم استبدادية ، لمجرد تحقيق مصالح مرحلية أو انتخابية ، سياسية كانت أم اقتصادية .
قد يكون أردوغان نجح من خلال " مسرحية " غير مسلية وفاقدة للحبكة الدرامية ، في تثبيت اسمه داخل سجلات الدولة التركية ، وسجلات السياسة الدولية ، بالإضافة لسجلات الدراما التركية .
ولكنه وبنفس القدر ، نجح في حجز خرابة له داخل مزبلة التاريخ الجهنمية . ليشغل مكانه المستحق بجوار العديد من رؤساء وأمراء وملوك وسلاطين من الأوباش الأوغاد المستبدين ، حُماة الفشل والفساد والإجرام واللصوصية .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

13 يوليو 2016

ماما " الدولة " وخالتي " هيبة " وعمتي " مؤسسات" .. والحاج " أزهر " وأنكل " عسكر " والبت " فردية "

د. محمد محفوظ يكتب : ماما " الدولة " وخالتي " هيبة " وعمتي " مؤسسات" .. والحاج " أزهر " وأنكل " عسكر " والبت " فردية "

تلتبس مشاعري نحو " ماما الدولة " . أحبها ، ولكنني لا أجزع من إمكانية رحيلها حنينا إليها أو إشفاقا عليها  ، وإنما خوفا من الفوضى وقلقا على المستقبل .
وهذا الالتباس في المشاعر ليس وليدا لعقدة نفسية . وإنما هو محصلة لممارسات " ماما الدولة " التي أحاطت نفسها بشلة لا أطمئن لها ولا أرضى عنها .
فقد قررت " ماما الدولة " منذ زمن أن لا تفارقها " خالتي هيبة " حتى صارتا كما يقول المثل المصري الأبيح : ..... في لباس . 
ورغم أن ملامح " ماما الدولة " لا تشي بسماحة أو شدة ، بغضب أو فرح . فإن "خالتي هيبة " لا يفارق وجهها المكتنز الأحمر ؛ العبوس والتجهم والامتعاض والاحساس بالقرف المزمن . 
ولعل طول وعرض " خالتي هيبة " وجسدها الممتلئ بلا ترهل ، وشعرها المشدود للخلف ليُظهر جبهتها العريضة المرتفعة وحاجبيها الملتصقين . كل ذلك يجعلها تبدو كبودي جارد أو فتوة يرافق " ماما الدولة " فينضح عبوسه وتجهمه وقوته عليها . ويضفي عليها سطوة ومكانة ومهابة .
ولكن ، إذا كانت العاطفة الأخوية هي التي جمعت بين " ماما الدولة " و" خالتي هيبة " . فإن ضرورات المصاهرة هي التي جمعت بين " ماما الدولة " و" عمتي مؤسسات " . ولئن كانت العلاقة المتوترة التي تجمع ببن الزوجة وأخت زوجها أو بين الأخت وزوجة أخيها هي عنوان التواصل أو التباعد بين الاثنتين . إلا أن كل منهما كانت تعلم بأنها لا يمكن أن تستغني عن الأخرى . 
فماما الدولة تعلم علم اليقين بأن " عمتي مؤسسات " هي رمز سلسال السلطة الذي امتد لها من " بابا الوطن " . وإنها العروة الوثقى للنسب الذي يجمع الأسر والعائلات والقبائل التي تسكن هذه الأرض . وإنها اليد التي تطلقها في الأنحاء والربوع لتمارس الإشراف والتنظيم والإدارة والرعاية . 
باختصار " ماما الدولة " توظف " عمتي مؤسسات " فيما لا تريد أن تتسخ به يديها ، بينما " عمتي مؤسسات " تلبس القفازات فتستمتع بممارسة السلطة بلا مسئولية . 
ولهذا وبمرور الوقت ، لم تعد " ماما الدولة " تهتم بمدى كفاءة وانضباط " عمتي مؤسسات " في القيام بوظائفها ودورها ، قدر اهتمامها باستمرارها وبقاءها وعدم غيابها . ولذلك مهما بدت الفوضوية والعشوائية في ممارسات " عمتي مؤسسات "  ، فإن " ماما الدولة " تصفح عنها وتغفر لها ، ولا تتطلع إلى استبدالها أو إعادة هيكلتها .
ولكن ، إذا كانت العلاقة بين " ماما الدولة " و" خالتي هيبة " و" عمتي مؤسسات " تتخللها كل هذه الالتباسات . إلا أنها تظل مفهومة داخل دائرة العلاقة بين مجموعة من النساء ، تجمعهن نون النسوة ، وتؤلبهن على بعضهن البعض تاء التأنيث . 
ولكن الذي لم يكن مفهوما لي أنا شخصيا ، وكان يجعل الفأر يلعب ويقفز داخل " عبي " ، هو العلاقة بين " ماما الدولة " و" الحاج أزهر " و "أنكل عسكر " . فهي علاقة تتعقد سبل فهمها ، أو سبر أغوارها ، أو تحليل مسارها . أو وصفها بأنها علاقة محترمة أم محرمة . 
والشهادة لله ، فإن " الحاج أزهر " كان بالنسبة لي فوق مستوى الشبهات ، برأسه التي تعلوها العمة ، وجسده الذي تكسوه الجبة تحتها القفطان ، ولحيته التي تغطي ذقنه وخديه . ولكن هذا لا ينفي أنني كنت ألمحه في بعض الأحيان ، يختلس ويختطف في هنّات كلمح البصر ، نظرات والهة ومغرمة نحو " ماما الدولة " ، وخصوصا عندما تنزوي به في أحد الأركان وتهمس له بحديث غير مسموع إلا لكليهما ، فيبادلها هو الآخر الهمس . 
إلا أن الغالب على مقام الحاج أزهر في حضرة " ماما الدولة " ، الاقتضاب في الكلام ، والاحتشام في البيان . 
أما علاقة " ماما الدولة " بــ " أنكل عسكر " . فهي العلاقة التي نغصت عليّ مقامي وأرقتني عن منامي . حيث تجاوزت الهمس في أحد الزوايا أو الممرات ، إلى اللمسات والغمزات والاحتكاكات والمماحكات في الجلسات والوقفات والحوارات . وكلما أعلنت لماما الدولة عن غيرتي وغضبي من هذه الجرأة غير المفهومة من " أنكل عسكر " ، كانت تنظر لي بإشفاق وتمرر يدها على شعري وتقول لي : أنت لسه صغير .. لما تكبر حتفهم كل حاجة .
إلى أن جاء اليوم المشئوم ، عندما عدت إلى البيت في غير موعدي . وفي طريقي لغرفتي وجدت " خالتي هيبة " تقف أمام باب غرفة " ماما الدولة " . واكتسى وجهها الأحمر تجهما واصفرارا عندما فوجئت بي . تكهرب الفأر داخل عبي فانحنيت ومررت بسرعة البرق من تحت ذراعها الذي كانت تمسك به مقبض الباب ، ودفعت الباب بكل قوتي . فانفتح على مصراعيه كاشفا السرير في منتصف الغرفة ، ترقد عليه " ماما الدولة " وفوقها " أنكل عسكر " .
أصابني الذهول ، وإذا بأنكل عسكر وهو مازال فوق " ماما الدولة " يمد ذراعه تحت المخدة ، ليُخرج ورقة ناولها لخالتي هيبة ؛ التي أخذت الورقة وسحبتني معها لخارج الغرفة .
كانت الورقة عقد زواج عرفي بين " ماما الدولة " وبين " أنكل عسكر " . وكان الشهود عليه رجل وامرأتان . " الحاج أزهر " ، و" خالتي هيبة " و" عمتي مؤسسات " .
ساءت حالتي بعد علمي بزواج " ماما الدولة " العرفي من " أنكل عسكر " . فهجرت البيت واستأجرت شقة مفروشة في حي شعبي . وتعرفت خلال تلك الفترة على " البت فردية " التي كانت تسكن فوق السطح بمفردها ، بعدما طفشت من منزل زوج أمها الذي كان يراودها عن نفسها . 
كانت " البت فردية " رقيقة ومسالمة . ولكن أكثر ما كان يميزها هو ذكاءها . ولما حكيت لها حكايتي ، أشارت عليّ بضرورة لجوئي إلى " طنط الثورة " الزوجة الاخرى لــ " بابا الوطن " وضرة " ماما الدولة " ، باعتبارها الوحيدة القادرة على ترسيم حدود وحواجز العلاقة بين " ماما الدولة " و" أنكل عسكر " . 
بفضل الله ، تمكنت من إقناع " طنط الثورة " بالعودة إلى المنزل وتطبيع علاقتها مرحليا  مع " ماما الدولة " لإقصاء " أنكل عسكر " عن المشهد . 
ولكنني لسذاجتي ، لم أهتم بحماية وتأمين " طنط الثورة " بعد عودتها ، وتركت الأبواب الخلفية للمنزل بدون حراسة . فتمكن " أنكل عسكر " من الاستعانة بــ " الواد إخوان " ومهد له الطريق ليتصدر المشهد ويتحدث كذبا باسم " طنط الثورة " ، حتى تمكن من تشويه سمعتها ، ثم في غفلة من الزمن أعلن " الواد إخوان " زواجه من " ماما الدولة " .
استشاط " أنكل عسكر " غضبا وغيظا ، وبدأ في مد جسور التواصل معي ومع " طنط الثورة " ، حتى نتوحد معا ونتمكن من التفريق بين " الواد إخوان " و" ماما الدولة " . 
وبالفعل ، نجح اتفاقنا . وتم طرد " الواد إخوان " من المنزل ، وفسخ عقد زواجه من " ماما الدولة " . 
ولكن سرعان ما نكث " أنكل عسكر " بكل وعوده ، وأظهر للعلن ورقة زواجه العرفي من " ماما الدولة " ، وأمر بطرد " طنط الثورة " من المنزل . 
ولم يكتف بذلك ، بل أوعز للجميع بأن علاقتي غير الشرعية بــ " البت فردية " هي السبب الكامن خلف تمردي ، ورفضي لزواجه من " ماما الدولة " ، وتواطئي مع " طنط الثورة " .
ومنذ ذلك الحين ، صارت كل الكوارث والمصائب والتجاوزات والانتهاكات والرشاوى والاختلاسات معلقة في رقبة " البت فردية " . وصرت أنا منبوذا في بيت " بابا الوطن " ، تحاصرني نظرات العتاب من " ماما الدولة " و" خالتي هيبة " و" عمتي مؤسسات " ، ونظرات الاستخفاف من " أنكل عسكر " ، بينما يتجاهلني " الحاج أزهر " . 
ولكن ، تفجرت الأوضاع عندما نشبت ذات يوم مشادة كلامية نارية بيني وبين " ماما الدولة " ، وأعلنت لها عن اشمئزازي من علاقتها بأنكل عسكر ، فهاجت وماجت وألقت في وجهي بقنبلة بيولوجية مفادها : أن " طنط الثورة " هي أمي الحقيقية التي ولدتني إلا أنهم أوهموها فور ولادتي بوفاتي . ثم سلموني رضيعا لماما الدولة التي نسبتني إليها ، وأوهمت " بابا الوطن " بأنها ولدت طفلين توأم ، أنا و" أختي وطنية " .
أصابني الاكتئاب والاحساس بالهوان والضياع ، وقررت مغادرة البيت إلى غير رجعة . ولكن لم تطاوعني نفسي بأن أغادر قبلما نلتقط معا صورة جماعية ، لأتطلع إليها كلما راودني الحنين لذكرياتي العائلية .
اصطفوا جميعا أمام الحائط المعلقة عليه داخل برواز كبير صورة " بابا الوطن " .  في المنتصف ؛ وقفت " طنط الدولة " وعلى يمينها ملتصقا بها " أنكل عسكر " يجاوره " الحاج أزهر " ، وعلى يسارها " طنط هيبة " تجاورها " عمتي مؤسسات " ، وفي أقصى يسار الحائط " البت فردية " محبوسة في قفص الاتهام . بينما ارتكزت أنا على ركبتي أمام " طنط الدولة " مرتديا تي شيرت مطبوعا عليه صورة " ماما الثورة ". 
ابتسم " الواد إخوان " إبتسامته الصفراء اللزجة وهو يصوب نحونا عدسة الكاميرا . ووجه لي الكلام بشماتة وسخرية قائلا : اضحك عشان الصورة تطلع حلوة .
 *****
dr.mmahfouz64@gmail.com

05 يونيو 2016

كشف حساب السيسي .. ٢٥ + ٣٠ = صفر .. التعلية على أساسات واهية

د. محمد محفوظ يكتب : كشف حساب السيسي .. ٢٥ + ٣٠ = صفر .. التعلية على أساسات واهية 

 " التعليم هياخد مدى زمني كبير للإصلاح
مش قبل ١٢ أو ١٣ سنة نكون حققناه ".
من حوار الرئيس بتاريخ ٣ يونيه ٢٠١٦

في الفيلم التسجيلي الذي أعده المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية بعنوان : مصر في عامين ، وتمت إذاعته بتاريخ ٣ يونيه ٢٠١٦ . 
وفي الحوار الذي امتد لقرابة ساعتين ، وأجراه الرئيس مع الإعلامي أسامة كمال في ذات التاريخ . 
قدم الرئيس السيسي كشف حساب ، عما قام به من إنجازات بمناسبة مرور عامين من فترته الرئاسية ؛ التي تنتهي عقب مرور عامين آخرين في ٨ يونيه ٢٠١٨ .
ولئن كان من حق الرئيس أن يعدد ما يراه قد تحقق من إنجازات في النصف الأول من عهده ، وفي ظل قيادته وعلى يد حكومته . 
فمن حق المعارضين السلميين - فعلا وقولا - الذين لم ترفع سواعدهم يوما سلاح الإرهاب أو تنطق ألسنتهم يوما بالشتائم والسباب ، من حقهم أن يعددوا ما رصدوه من إخفاقات للرئيس وحكومته . باعتبار أن دور المعارضة هو تعرية الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وتسليط الضوء عليه لتكتمل الصورة أمام جماهير المواطنين. 
وذلك انطلاقا مما أثبتته وأكدته التجارب المتواترة للدول الديمقراطية ؛ من أن تصدي المعارضة السلمية لكشف الفشل وفضح الفساد ورصد الإخفاقات ، لم يكن أبدا عامل هدم في مسيرة تلك الدول ، بل كان دوما عامل تقدم ونجاح ، وعامل تصويب مستمر للأداء ، وتنقية للسياسات من الشوائب والآفات . 
وبالطبع لم نكن في حاجة لانتظار فيلم الرئيس أو حواره لنتلمس إنجازاته أو نرصد إخفاقاته . فأرض مصر الواسعة وسواحلها الممتدة وأجواءها المترامية ، تشهد بما حاق بها من خير أو شر ؛ ومن إصلاح أو إفساد . 
ولكن يمكن القول بأن كشف الإنجازات الذي قدمه الرئيس يتضمن الآتي : 
- المشروع القومي لتنمية محور قناة السويس بما تضمنه من حفر تفريعة قناة السويس، وما سيتضمنه من مشروعات أخرى تتعلق بشرق التفريعة وميناء بورسعيد .  
- المشروع القومي لاستزراع ٤ ونص مليون فدان ، تبدأ مرحلتها الأولى بزراعة ١ ونص مليون فدان . 
- المشروع القومي لشبكة الطرق والكباري بطول ٥ آلاف كيلو متر .  
- المشروع القومي لتطوير شبكة الكهرباء وإنشاء محطة الضبعة النووية . 
- المشروع القومي لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة . 
- المشروع القومي للإسكان الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على العشوائيات . 
- المشروع القومي لمنظومة السلع التموينية وصوامع تخزين الحبوب . 
- الحملة القومية لعلاج فيروس سي . 
- البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة . 
- مشروع مدينة دمياط للأثاث ومدينة الروبيكي للجلود . 
- دعم وتقوية العلاقات الخارجية علي مستوى الدوائر الاقليمية والدولية .
- تطوير القدرات التسليحية كميا ونوعيا وإستراتيجيا ، وتنويع مصادر السلاح .  
- مكافحة الإرهاب وما يتم بذله من دماء وتضحيات . 
كانت هذه هي مجمل الصورة الشاملة للإنجازات التي يرى الرئيس وحكومته والمؤيدين لسياسته ، بأنها طفرات غير مسبوقة في تاريخ مصر ، بل كانت تحتاج لعشرين عاما لإنجازها .  
ولذلك علينا أن نبادر بطرح ٤ أسئلة دراماتيكية ، قد تساهم الإجابة عليها في تقييم مدى ثقل كل من الإنجازات والإخفاقات على كفتي ميزان التقديرات .  
والسؤال الدراماتيكي الأول الذي ينبغي أن نسأله يتمثل في الآتي :  
- هل جمال مبارك كان سيقول ويفعل غير ما يفعله ويقوله لنا الرئيس السيسي ، لو تمكن من وراثة الحكم من أبيه ولم تقم ثورة ٢٥ يناير ؟ 
في تقديري ، كان جمال مبارك سيقول نفس ما يقوله الرئيس وسيفعل ذات ما يفعله الرئيس ، ويستعين بنفس الرجال والنساء الذين يستعين بهم الرئيس .  
فجمال مبارك ما كان ليفعل شيئا يختلف عما فعله أبيه ، أكثر من الحفاظ علي ذات النظام ولكن بوجوه جديدة ، وتكرار ذات السياسات ولكن بشعارات مختلفة . 
ولعل نظرة سريعة إلى برنامج الحزب الوطني الديمقراطي لانتخابات مجلس الشعب لعام ٢٠١٠ ، ستوضح بأن منهج السيسي هو ذات منهج جمال مبارك ، ولذلك فكل المشروعات القومية التي افتتحها السيسي كان سيفتتحها جمال مبارك مع اختلاف بسيط ، يتمثل في تغيير اسم الرئيس على لوحة الافتتاح . 
وبالتالي ، فالرئيس السيسي لم يفعل حتى الآن إنجازا ما كان ليفعله جمال مبارك . وإذا كان البعض يرى بأن الرئيس يتفرد بإنجاز جديد يتمثل في : زيارة الكاتدرائية المرقصية، وركوب الدراجات ، والتصوير وسط الشباب ، والحديث العاطغي عن الشعب والمرأة والشهداء والتضحيات . فإن الرد بأن كل ذلك تسويق لذات البضاعة ولكن بغلاف جديد يناسب الأحوال والمقتضيات . 
أما السؤال الثاني الأكثر دراماتيكية فيتمثل في الآتي : 
- هل كان محمد مرسي سيقول ويفعل غير ما يقوله ويفعله الرئيس السيسي ، لو لم تقم ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ ، واستمر في الحكم لنهاية فترته حتي ٣٠ يونيه ٢٠١٦ ؟ 
والإجابة : أليس كل الشباب الثوري - السلمي - كان بالضرورة سيقبع في سجون مرسي، مثلما يقبع الآن في سجون السيسي . 
أليس جزءً من سيناء كان مرشحا للانضمام إلى غزة في عهد مرسي ، مثلما انضمت جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في عهد السيسي . 
أليس قِسماً من وثائق مصر السيادية السرية كان سيظل يتسرب إلى قطر بعلم مرسي ، مثلما تم استخدام جزء من الوثائق المصرية السيادية السرية لتبرير تبعية تيران وصنافير للسعودية بعلم السيسي  . 
أليس مجلس النواب الذي سيطر عليه الإخوان ومن بعده مجلس الشورى لدعم مرسي ، لا يختلف كثيرا عن مجلس النواب الذي يسيطر عليه إئتلاف دعم الدولة لدعم السيسي. 
أليس الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب في نظام السيسي ، هو مجرد نسخة مكررة من الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس النواب في نظام مرسي . 
أليس حصار نقابة الصحفيين وترويع مجلسها في ظل صمت عميق من السيسي ، مثل حصار مدينة الإنتاج الإعلامي في ظل صمت ثقيل من مرسي  . 
أليس استبعاد كتاب ومذيعين نتيجة الضغط علي مؤسساتهم الإعلامية في عهد السيسي ، هو نفس ما كان يحدث في عهد مبارك ، وذات ما كان سيحدث في عهد جمال مبارك لو استقر على الكرسي ، وعين ما حدث وكان سيستمر يحدث في عهد مرسي لو استمر علي ذات الكرسي . 
أليس توريط باقي السلطات لتهجر حضن الدولة وتتأبط ذراع النظام ، من خلال تذويب الفواصل بينها ودفعها إلى التواطؤ مع بعضها . أليس ذلك هو خطيئة مبارك التي استفحلت ، وخطة مرسي التي تحطمت . ورغم ذلك يعيد النظام الحالي بناء جسور التواطؤ التي ظننا عقب ثورتين أنها تهدمت . 
أليس ..  وأليس ..  وأليس ... 
أما السؤال الدراماتيكي الثالث فيتمثل في :    
- هل بمثل تلك الإنجازات تتثبت الأوطان وتعلو في مدارج التحضر والإنسانية ؟ 
والإجابة بكل بساطة ، بأنه لو كانت الإنجازات الحقيقية بعد عامين من حكم السيسي أو بعد ٣٠ عاما من حكم مبارك ، أو الإنجازات الافتراضية بعد ٦ أعوام من حكم جمال مبارك أو بعد ٤ أعوام من حكم مرسي .. لو كانت هذه الإنجازات تتمثل في الطرق والكباري ، والإسكان الاجتماعي ، والرقعة الزراعية ، والكهرباء التقليدية والنووية ، ومنظومة التموين والخبز والسلع الغذائية .. فكل ذلك بدون استثناء فعله مبارك من قبل ، أو وضع أفكار وقواعد فعله جمال مبارك وحوارييه . ولكن كل ذلك لم يحم نظام الأب والابن من السقوط ، لأنهما احتقرا الديمقراطية ، واستخفا بالمعارضة ، واستعانا بعصا الأمن لمواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .  
أقام مبارك بنية طرق وكباري مهولة ، وبنية اتصالات سلكية ولاسلكية متقدمة ، ومشروعات عملاقة في توشكي وشرق العوينات وغرب السويس ، ومنتجعات سياحية عالمية في شرم الشيخ والغردقة . وأنشأ مدنا جديدة وموانئ ومطارات ومحاكم ومدارس وجامعات . وعزز وجود مصر الدولي في دول الست قارات من خلال شبكة عالمية من القنصليات والسفارات . ووقع مئات وآلاف المعاهدات والاتفاقيات . وتحصَّل على مئات مليارات الدولارات واليوروهات من المنح والمساعدات .  
٣٠ عاما من التحديث ؛ المقتصر على البناء والإنشاء ، المتغافل عن تطوير نظم الإدارة بجودة الأداء وكفاءة التشغيل ومكافحة الفساد ، المعادي للعدالة والحريات باعتبارهما مزايدات .  
وبالطبع كل ما فعله مبارك من انجازات ، كان سيكرره جمال مبارك لو مضى قطار التوريث ، وكان سيفعله مرسي لو قضى سيف التمكين . 
 لكن الأوطان لا تتثبت أساساتها إلا بالديمقراطية ، القائمة على العدل والحرية ، واحترام الاختلاف والتعددية .

الحكومة التي تتطلع إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ، تبادر أولا إلى تمهيد الطريق بالديمقراطية ، لتسير عليه قاطرة التحديث التنموية ، بوقود العدالة والحرية . 
أما المجتمعات التي تدير عجلة التحديث التنموية  ، بينما تفرغ عجلة الديمقراطية من هواء العدالة والحرية ، فإنها قد تنجح في بناء المباني والمرافق إلى حين ، ولكنها تفشل في ضمان الاستقرار والأمن وبناء الإنسان . 
يتموضع الاتحاد السوفيتي في التاريخ الحديث ؛ باعتباره القلعة الضخمة التي قادت التحديث بالتصنيع والاستزراع والإنشاء والتسليح التقليدي والنووي ، بل وبأسبقية الدوران حول القمر . ولكنه يتموضع أيضا بوصفه المستنقع الأسود لقمع الحريات واختراق العدالة واحتقار الديمقراطية ، ومن ثم كان مصيره سقطة ساحقة ماحقة مدوية . 
وتتموضع الصين كقوة صناعية تجارية ديموجرافية استثنائية ، ولكنها لو لم تصحح المسار لتلحق بركب الحقوق والحريات وترفع أقواس الديمقراطية ، فسوف يكون مصيرها التفسخ والانحدار في الهاوية السوفيتية . 
ولذلك ، ورغم كل إنجازات مبارك قامت الثورة في ٢٥ يناير ، واستمرت في ٣٠ يونيه ، لبناء الديمقراطية وليس للتحايل عليها ، أو للتفاوض على أي من عناصرها تكون له الأولوية . 
ولذلك أيضا ، تبدو إنجازات السيسي بعد عامين وكأنها استكمال لنفس السطر الذي انتهى عنده مبارك ، مع محو بالأستيكة لكل المطالب الثورية .  
فالواقع يقرر بأن ٩٩ ٪ مما يفعله السيسي لم يطالبه به الشعب . 
بينما ٩٩ ٪  مما لم يفعله السيسي هو الذي يطالبه به الشعب . 
مايفعله السيسي ربما كان سيكون مهضوما - بعلبة فوار - لو كانت رئاسته في ظل ظروف طبيعية . 
ولكن ، عندما تكون رئاسته بعد ثورتين ، فليس عليه إلا أن يتصدي قبل كل شيء لحل مشاكل الناس المزمنة اليومية ، ويغلف كل ذلك باحترام العدل والحرية . 
لم تقم الثورة لأن الكهرباء كانت شحيحة أو تنقطع في عهد مبارك . ولو أنها وللأمانة ما كانت مقطوعة ولا ممنوعة . 
ولم تقم الثورة لأن قناة السويس كانت فرعا واحدا . ولو أنها وللأمانة امتلكت تفريعتها الأولى في عهد الرئيس السادات . 
ولم تقم الثورة لأن المصريين يتحرقون إلى عاصمة إدارية جديدة أو مفاعل نووي أو حاملة طائرات .. أو .. أو .. . 
ولم تقم الثورة لأن مبارك لم يكن يطلق المشروعات العملاقة ، ولم يكن يزرع الصحراء ، ولم يكن يبني عشرات آلاف المساكن ، ولم تكن له علاقات خارجية مستقرة مع معظم دول العالم .  
ولكنها قامت لأن كل ما فعله مبارك كانت تنقصه الكفاءة وتخاصمه الجودة ويسكنه الفساد ، بسبب غياب العدل وكبت الحريات . 
وإلا لو كان الانجاز يعني فقط كل ما يفاخر به الرئيس من إنشاءات ، فليترشح إذن اللواء كامل الوزير في الجولة القادمة للانتخابات الرئاسية .  
ولو كان الإنجاز محوره الانتهاء من حفر تفريعة قناة السويس أمام الاسماعيلية ، أو كان مضمونه ما يتم التسويق له بأنه معجزة الكهرباء الأسطورية ، فلنجري قرعة إذن بين الدكتور محمد شاكر والفريق مهاب ماميش لنختار واحد منهما لرئاسة مجلس الوزراء . 
ولذلك أتحسر على حال المواطن الذي سيشاهد فيديو : مصر في عامين الذي أطلقه المكتب الإعلامي للرئيس في كافة وسائل الاعلام . فبينما سينبهر بالموثرات المرئية والجرافيكية والصوتية والتصوير والمونتاج والإخراج . إلا أنه عقب نهاية الفيديو سيخرج إلى بلكونته أو يطل من شباكه ، فيطالع أكوام الزبالة المتعفنة المتراكمة على جنبات الطريق ، وفوضى المرور الطاحنة في نهر الطريق ، وكم الإشغالات المزمنة على الرصيف ، والعقارات المجاورة التي تم بيعها ثم هدمها لكي تتحول إلى أبراج بدون ترخيص . وسيشرد للحظات فيتذكر .. الدعوى القضائية التي رفعها في المحاكم ومازالت محلك سر منذ سنوات . والمحضر الذي حرره لتعرضه للسرقة ولم يتم ضبط السارق أو المسروقات منذ سنوات .. و .. و .. . 
وسيبحث هذا المواطن أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة في قادم الأيام ، عن خطوة واحدة تمت على طريق إصلاح هذه المؤسسات التي يقول الرئيس بأنه تمت إستعادتها وأنه يجاهد لعدم سقوطها والحفاظ على مقدراتها . ولكنه لن يجد هذه الخطوة قد انطلقت أو حتى أوعزت بالانطلاق . ببنما تنطلق في سماء مصر الرافال ، وتتهادى على مياه بحارها الميسترال .
وبالتالي ، فإن الإنجازات المقتصرة - في غالبيتها على الإنشاءات ، المخاصمة للعدل والحريات ، المتغافلة عن إيجاد حلول - أي حلول - لما تعطن وتعفن من مشكلات . هي إنجازات ستأكلها حتما هذه المشكلات التي تتوالد وتترعرع في كنف غياب العدل . عدالة التوزيع وعدالة التوظيف وعدالة إنهاء المنازعات . عدالة لا تعرف التمييز بسبب الجنس أو الدين أو حزبية الانتماء . وهي أيضا إنجازات ستبتلعها المشكلات التي تتثبت وتتجذر وتترسخ في ظل قمع الحريات . حرية العمل الحزبي والنقابي . حرية المجتمع المدني . حرية الإعلام . حرية النقد والتعبير . حرية الإبداع . حرية البحث الأكاديمي والابتكار . حرية الاعتقاد . 
الحكمة الباقية تقرر ، بأنه لا يمكن إنجاز أي تعلية فوق مبنى أساساته متصدعة متضعضعة واهية ، لأن النتيجة الحتمية ستكون انهيار المبنى وسقوطه بكل ما تم فوقه من تعلية . 
ولكن للأسف ، لا يأبه الرئيس السيسي بالأساسات ، بل ينطلق لسطح المبنى ليباشر التعلية ، وإن حانت منه إلتفاتة للأدوار السفلية والبدروم ، فهي لمجرد ترميم الحوائط وبياضها دون أدنى اهتمام بتقوية الأعمدة .  
ولذلك ، يطل علينا برأسه السؤال الدراماتيكي الرابع والأخير .. وهو : 
- لماذا لا يأبه الرئيس بتصدع الأساسات ويستمر في التعلية ، متجاهلا أهداف ثورة أولى وثورة ثانية ؟  
ولعل الإجابة لا تمثل تفتيشا في النوايا ، ولكنها - وبكل أسف - ناتجة عن تحليل لواقع الحال من عدة زوايا .  
وذلك الواقع يقرر بأن ٢٥ يناير في عرف السلطة الحاكمة ، هي مجرد مؤامرة . 
بينما ٣٠ يونيه في عقل السلطة الحاكمة ، هي مجرد إجهاض للمؤامرة . 
وبالتالي ، الثورة الأولى وضعت دولة ٥٢ في وضع إنسحاق . 
أما الثورة الثانية فكانت لاستعادة السلطة - مرة أخرى - لصالح دولة ٥٢ صاحبة الاستحقاق . 
وهذا يوضح بأن أهداف ٢٥ و ٣٠ لا تدخل ضمن حسابات سلطتنا الحاكمة .
ولذلك ، فإن قاعدة انطلاقها هي ٢٤ يناير ٢٠١١ ، وفزاعتها المنتصبة لتكريس مخاوف الشعب وهواجسه هي ٢٩ يونيه ٢٠١٣ . 
------ 
التساؤلات الدراماتيكية قد تكون مربكة ولكنها لازمة ، لكون إجاباتها تضع النقاط فوق الحروف المظلمة ، وتفصح عما هو مخفي أو مكبوت بين السطور المعتمة .

كشف حساب السيسي إذن ، هو نموذج للتعلية على أدوار واهية . والنتيجة : سقوط البناء كله على رأس السلطة ورؤوسنا .   
ولذلك سواء بعد عامين أو ٤ أو ٨ أو هلم جرا .  
يمكن اختصار كل ما سبق في المعادلات الآتية :  
- كشف حساب السيسي : ٢٥ + ٣٠ = صفر
أو بعبارة أخرى : 
كشف حساب السيسي : ٢٥ يناير + ٣٠ يونيه = ٢٤ يناير + ٢٩ يونيه 
أو بعبارة أخيرة : 
كشف حساب السيسي : التعلية + أساسات واهية = سقطة ساحقة ماحقة مدوية
 *****
dr.mmahfouz64@gmail.com