21 مايو 2016

السيسي .. من جوار " حارة اليهود " بالجمالية .. إلى " شيخ عرب " السلام مع إسرائيل بقصر الاتحادية

د. محمد محفوظ يكتب : السيسي .. من جوار " حارة اليهود " بالجمالية .. إلى " شيخ عرب " السلام مع إسرائيل بقصر الاتحادية

" .. واسجد واقترب  "
سورة العلق - الآية ١٩

تبدو المسافة بحسابات المكان صغيرة جدا بين حارة اليهود ؛ وحارة البرقوقية بحي الخرنفش بمنطقة الجمالية حيث نشأ الرئيس السيسي . 
كما تبدو المسافة بحسابات السياسة قصيرة جدا ؛ بين القدس الغربية وقصر الاتحادية . فمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أسست لتقارب سياسي قد يبدو باردا من وجهة النظر الشعبية ، ولكنه على أقل تقدير متعادل حراريا من وجهة نظر السلطة الحاكمة المصرية .
ولاشك ؛ بأن نشأة الرئيس السيسي بالقرب من حارة اليهود بالجمالية ، وعدم خوضه لحرب ضد إسرائيل لتخرجه عام ١٩٧٧ من الكلية الحربية . لا شك بأن كل ذلك يساهم في توازن نظرته للدولة الإسرائيلية التي يراها الكثير من المفكرين والمثقفين والسياسيين - حقا أم باطلا - بؤرة الصهيونية الماسونية وصنيعة الإمبريالية العالمية .
وحتما ؛ يشعر الرئيس بالامتنان للدولة الإسرائيلية ، عندما يقارن بين حدود مصر المخترقة من جانب حماس الفلسطينية العربية الإسلامية ، وحدود مصر الآمنة المنضبطة من جانب إسرائيل العبرانية اليهودية .
ولكن قريبا من أو بعيدا عن كل ما سبق ، فإن ثمة تحليلات متعددة ينبغي تدارسها ، لإلقاء المزيد من الضوء على مفاجأة الرئيس المدوية بشأن الدعوة لتحريك القضية الفلسطينية . وهي :
١ - فاللافت للنظر ؛ أن مصر مازالت تدار بعد ثورتين بذات الطريقة المثلى الفرعونية . لأنه من الواضح أن الرئيس مثلما فاجأ الرأي العام بالحديث من جنوب مصر عن المشكلة المزمنة على حدودها الشرقية . فقد فاجأ أيضا على الأرجح حكومته برئيسها ووزرائها ، وكأنهم وزراء منتسبين في هذه الدولة لا صوت ولا شورى لهم ، بل مجرد سكرتارية . 
كما فاجأ الرئيس مجلس النواب ؛ الذي سبق وأن انتفض ضد الإعلامي والنائب المعزول توفيق عكاشة لاستضافته في منزله لسفير الدولة الإسرائيلية . إلا أنه بالطبع لن ينتفض ضد مفاجأة الرئيس بحسبانها وفقا لتخريجات الترزجية تدخل ضمن الأعمال الرئاسية لا النيابية . 
وبالتالي ؛ وبذات منهج السياسات الفوقية العلوية الملكية السلطانية  المناقضة لكل مقومات الدولة الجمهورية . فإنه مثلما سقطت مسألة جزيرتي تيران وصنافير على رؤوس الجميع كفزورة : حزر فزر .. مصرية أم سعودية ؟!! فقد قفزت في وجه الجميع مبادرة الرئيس لتحريك المياه الآسنة الراكدة في مستنقع القضية الفلسطينية .
٢ - لا يبدو الوضع الإقليمي الراهن بتدهوراته الكارثية مواتيا لإنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية . ففي ظل التردي العربي في متاهات التخلف أو التطرف ، وفي أتون الحروب الأهلية المشتعلة داخل بعض الدول عقب ثوراتها الشعبية ، وفي ضوء الانقسام الفلسطيني بين غزة الحمساوية الإخوانية ورام الله الفتحاوية ، فإن أي مفاوضات بشأن القضية ستصب في جانب الطرف الأقوى المتماسك بآليات الديمقراطية ، وهو : الدولة الإسرائيلية .
ولكن ؛ قد يبدو مجرد السير في طريق المفاوضات أو حتى على أقل تقدير الترويج لبعض المبادرات لتزييت مفاصل السلام الصدئة . قد يبدو بالنسبة " للبعض " بمثابة بروباجندا إعلامية خاطفة رابحة ؛ أكثر منها مسيرة سياسية مستمرة صادقة . ومن هؤلاء البعض الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند .
فالرئيس الفرنسي يعاني من تدني شعبيته نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية التي انقلبت إلى تظاهرات واحتجاجات صدامية ، ونتيجة هجمات باريس الإرهابية التي وجهت بوصلة الناخبين صوب سياسات الأحزاب اليمينية الحانقة على الفرنسيين من أصول إسلامية . 
ولهذا سعى أولاند لحمل راية تحريك القضية الفلسطينية من خلال إعلانه عن رغبة فرنسا في عقد مؤتمر دولي يضم الأطراف المعنية . وذلك لكي يحقق غرضين : الأول ، مداعبة مشاعر الدول والشعوب العربية ، ومن ثم فتح باب خزائنها للصفقات الاستثمارية الفرنسية فترتفع كفة الاقتصاد الهابطة أمام الناخب الفرنسي . والثاني ، مغازلة الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية بورقة القضية الفلسطينية ، بما يضمن توجيه أصواتهم له في الانتخابات الرئاسية القادمة ولكتلته الاشتراكية . 
ولعل ذلك التوجه للرئيس الفرنسي يفسر خلفيات زيارته الأخيرة لعدد من الدول العربية . ويكشف عن سر الحميمية الزائدة في تعاطيه مع الرئيس السيسي . فصفقة حاملتي الطائرات الميسترال ومن قبلها صفقة الطائرات الرافال ومن بعدها عدد من الصفقات في مجالات النقل والطاقة والقمر الصناعي للاتصالات العسكرية . بالإضافة إلى مفاجأة السيسي - التي هي بالطبع ليست مفاجئة لأولاند - بشأن دعوته لتحريك القضية الفلسطينية . كل ذلك يفسر بأن الشو الانتخابي والبيزنس ، وليس الحل السياسي ، هو المستهدف لدى البعض من فتح باب الزيارة لغرفة العناية المركزة للقضية الفلسطينية ، حتى في ظل الانشغال الأمريكي بسباق الانتخابات الرئاسية .
٣ - تبدو حركة حماس في أضعف حالاتها بعد القطيعة مع النظام السوري وحليفه الإيراني ، وبعد سقوط نظام الإخوان في مصر ، وبعد بدء التقارب التركي الإسرائيلي . ولذلك فإن المنطق البسيط يقرر بأن هذه هي اللحظة المناسبة للضغط علي حماس لرأب صدع الانقسام الفلسطيني ، وأيضا لضمان تنازلها عن منهاج التشدد في أي اتفاق فلسطيني إسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية . 
ولكن هذا المنطق البسيط يجانبه الصواب ؛ لابتعاده عن الفهم الصحيح لذهنية جماعات تيار الإسلام السياسي التي تعوض الضعف السياسي أو العسكري بالعناد الجهادي والهوس المذهبي . بما يجعل هذه الجماعات غير معنية مبدئيا بإيجاد أي حل للقضية الفلسطينية ؛ في ظل حكومات عربية تراها هي بمنظورها الجهادي حكومات كافرة طاغوتية عميلة للدولة اليهودية . 
ولذلك من مصلحة حركة حماس وكل من يقف معها علي خط نار الإسلام السياسي ؛ استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ؛ ومن ثم استمرار إثارة مشاعر الجماهير الإسلامية ضد العدوان على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية . أملا في إسقاط الحكام العرب وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستقود المعركة المقدسة لفك أسر الأرض المباركة من دنس الدولة اليهودية .
وبالتالي ؛ فإن التكهن بأن ضعف حماس السياسي يمكن ترجمته لمنطلقات عملية لحل القضية الفلسطينية هو بمثابة مراهقة سياسية . حيث ستحاول حماس اقتناص كل المكاسب لابتزاز الأطراف الراعية للتفاوض لتجاوز كبوتها المرحلية ، وتحويل المفاوضات إلى متاهة عبثية ، لا تهدف منها إلا إلى الإيعاز بتفريط حركة فتح ومحمود عباس في الثوابت الفلسطينية .
٤ - إن بعض التحليلات* تنحو إلى بدء دوران عجلة الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل ومصر وتركيا والسعودية ، في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية . ولذلك فإن إنجاز حل للقضية الفلسطينية سيكون بمثابة التدشين للـ " نيو ميدل إيست " برعاية غربية ، لكبح جماح طموحات آيات الله العسكرية والتوسعية .
ولذلك ؛ تبدو القضية الفلسطينية - ومعها جزيرتي تيران وصنافير - مجرد بيدق علي رقعة الشطرنج الإقليمية التي تتجهز لترتيبات جديدة وجدية ، يتحالف فيها أحفاد إبراهيم من صلب إسحق وإسماعيل - عليهم جميعا السلام - في مواجهة دولة العجم الفارسية .
ومن ثم ؛ فإن المنطقة تتحضر لكي يحل السلام والوئام بداخلها ، وينتقل الاشتعال إلى حدودها الشرقية الفارسية ، بهدف إضعاف دولة الملالي الشيعية ومن ثم إنجاح جهود تقويض مرجعيتها الدينية ، ليكتمل تأمين حدود الشرق الأوسط الجديد من  الجبهة الشرقية . 
ولهذا ؛ فإن حل القضية الفلسطينية يصبح خطوة من المتوجب إنجازها لتأسيس " النيو شرق أوسطية " . 
......
ولكن مهما تعددت التحليلات واعتدلت أو تطرفت في توقع السيناريوهات ، فإن نجاحها في بعض الأحيان يكون في طرحها للتساؤلات ، أكثر من تقديمها للإجابات .
ولعل القضية الفلسطينية بطبيعتها " الطينية " التي غرزت فيها أو تاجرت بها الكثير من القيادات والزعامات على مدى بات يقترب من السبعين عاما ، هي جاهزة للمزيد من الغرز وربما الطمر ، والمزيد من المتاجرة وربما الهزل . 
وبالتأكيد فإن الدعوة للسلام ليست محل لوم أو سخرية . فالله جل جلاله هو السلام ومنه السلام ، ويدعونا إلى السلام والسعي إليه والعون عليه . ولكن ما يدعونا إلى التشكك أو التحفظ ؛ هو أن بعض الذين يرفعون راية دفع المتخالفين أو المتقاتلين إلى السلام ، لا يلزمون بذلك أنفسهم في مواجهة مخالفيهم ومعارضيهم وخصومهم . فيأمرون الناس بالبر ، بينما ينسون أنفسهم ، وهم يغلقون على معارضيهم .. السجون .
ولهذا لا عجب ؛ في أن رداء مشيخة العرب ؛ دائما ما يمتلك - بالنسبة للبعض - مقومات الإغراء ، لا سعيا إلى السلام ، وإنما توقا إلى السلطة أو الإطراء أو الأضواء . 
فقد سبق أن ارتداه الملك فاروق في العام ١٩٤٨ فكانت نهاية الأسرة العلوية . وسبق أن ارتداه الرئيس جمال عبد الناصر فكانت في العام ١٩٦٧ نكسته القومية . وسبق أن ارتداه الرئيس السادات فكانت في العام ١٩٨١ خاتمة مسيرته الدرامية . وسبق قبل ما يقل عن ثلاثة قرون أن ارتداه شيخ العرب همام فكانت في العام ١٧٦٩ مأساته التاريخية .
مشيخة العرب ، لمن " سجد ولم يقترب " ، نهاياتها سوداوية . 
ولكن البعض يقرأ البدايات وينسى قراءة النهايات ، لظنه بأنها ينبغي أن تكون وردية ، أو علي أسوأ تقدير ... رمادية. 
*****
*  للمزيد حول الشرق الأوسط الجديد .. انظر : عقيد / محمد عبد الرحمن ، إرهاصات الشرق الأوسط الجديد .
http://www.bwabetmsrelmhrosa.com/news2095-إرهاصات-الشرق-الأوسط-الجديد.html
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com


17 مايو 2016

د. محمد محفوظ يكتب : الدولة البوليسية

يتردد مصطلح الدولة البوليسية كثيرا في أوساط المثقفين ، وفي الحوارات والكتابات الإعلامية ، والمؤتمرات والمنتديات والأوراق البحثية .


ويتم تداول المصطلح باعتباره وصفا للدولة القمعية ، إلا أنه في حقيقته يمثل توصيفا علميا لمجموعة من الممارسات السلبية الرديئة الفاسدة في مجال الإدارة السياسية ، لتتحول إلى إدارة أمنوسياسية ( أمنية / سياسية ) .


وبالطبع ، فإن كل دولة بوليسية هي دولة قمعية ، ولكن ليس بالضرورة كل دولة قمعية هي دولة بوليسية ، ما لم تستخدم الأدوات وتنتهج الأساليب والممارسات التي ينبغي توافرها لكي تكتسب الدولة هذا التوصيف ، بحيث يصبح عنوانا لمنهجها في الحكم والإدارة .

وهذه الإدوات والأساليب والممارسات التي تتسم بها الدولة البوليسية .. تتمثل في الآتي :


١ - فالدولة البوليسية ، هي الدولة التي تلتبس فيها العلاقة بين نصوص القانون وبين التجاوزات والانتهاكات التي تمارسها الاجهزة الأمنية في المجتمع ؛ حيث تذوب الحدود الفاصلة بين الاثنين ؛ الأمر الذي يجعل ما تفعله هذه الأجهزة أو ما تريده هو بمثابة القانون ، مهما تعارض أو تصادم معه .


وبالتالي ، يرتبط تنفيذ القانون في الدولة البوليسية بالتعليمات الفوقية التي تسمح أو لا تسمح بتنفيذه ؛ ولا يرتبط بقوة القانون الذاتية المجردة .


ولهذا يصبح القانون أحد أدوات السيطرة والبطش ، وليس المحاسبة وتحقيق العدل . فالقانون قد يصبح نافذا وحاضرا للنيل من الخصوم ، أو غائبا لتلفيق التهم لهم . أو معطلا للتعمية على فشل الدولة وفسادها واستبدادها ، وضمان إفلاتها من العقاب والمساءلة .


الأمر الذي يجعل الدولة البوليسية - وللمفارقة - دولة منفلتة أمنيا ، وفقا لمفهوم الأمن الاجتماعي والاقتصادي . بينما هي دولة متمترسة أمنيا وفقا لمفهوم الأمن السياسي .


ولذلك تسمح الدولة البوليسية بحرية الفوضي الاجتماعية والاقتصادية . 

بينما تترصد أي معارضة سياسية أو مظاهر احتجاجية . ولا يتم ذلك الترصد بالقوات الخاصة وقوات مكافحة الشغب وعناصر الشرطة السرية فقط ، بل تتم الاستعانة بمجموعات من البلطجية لإبعاد شبهة الانتهاكات عن الأجهزة الأمنية ، في مقابل غض الطرف أمنيا عن كل ممارسات الخروج عن القانون التي ترتكبها تلك المجموعات من البلطجية .


ولهذا يبدو القانون وفقا لهذا التوصيف بالدولة البوليسية كخيوط العنكبوت ، تتعثر فيه الحشرات الضعيفة بينما تعصف به الوحوش الكاسرة . والحشرات الضعيفة هنا - وياللعار - هم رعايا الدولة البوليسية ، بينما الوحوش الكاسرة هم حكامها وأجهزتها السيادية ودوائر النفوذ والقوة بها أياً كانت مسمياتها .


٢ - والدولة البوليسية ، هى الدولة التي تترك معظم المشكلات سواء أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية .. إلخ ؛ لكى تتفاقم حتى تتحول إلى مشكلات أمنية ، بما يحتم استدعاء جهاز الأمن للتدخل والتصدي لها ومواجهتها بحلول أمنية ؛ تميل بالطبع نحو أساليب القمع والبطش والتنكيل ؛ وفقا لمنهج إطفاء الحرائق وليس القضاء على مسببات اندلاعها . 


ولذلك تكون الحلول التي تسفر عنها التدخلات الأمنية مرحلية ؛ لأنها قد تخفي مظاهر الاحتجاج المترتبة على هذه المشكلات ؛ ولكنها لا تمنع من تصاعد الغضب حتى يحدث الانفجار مرة أخرى .


فمنهج الدولة البوليسية في علاج المشكلات بالعصا الأمنية يتوقف عند حد مواجهة العرض وليس معالجة المرض ، مجابهة نتائج المشكلات وليس وأد مسبباتها . 

ولذلك هي دولة تطارد البعوض ولا تجفف مستنقعات توالده وتكاثره .


٣ - والدولة البوليسية ، هى الدولة التي تجعل الترشح للمناصب الحكومية الهامة في كافة مؤسساتها باختلاف أنشطتها ؛ مرتبطا بموافقة الأجهزة الأمنية ؛ حتى لو لم يتم النص في القوانين على ذلك .


ونظرا لأن ميزان الأجهزة الأمنية يقيس الأفضلية بمعيار الثقة لا بمؤهلات الجدارة ، فإن أهل الولاء تصبح لهم الأولوية دوما عن الأكفاء .


وبالتالي ، هي دولة معنية دائما بتصنيف مواطنيها ما بين ( الأنصار والأعداء ) ، ( الموالاة والمعارضة ) ، ( أهل الشر وأهل الخير ) . فلا يفوز بمناصبها إلا هؤلاء المحسوبون عليها لا ضدها ، المنغمسون في حبائلها لا المعزولون عن دوائر رضاها واسترضائها .


ولهذا تصبح السيرة المطلوبة لأي منصب هي السيرة الشخصية لا السيرة الوظيفية . فلا القدرات الفنية أو العلمية أو التخصصية هي المحل للتقدير والاعتبار . وإنما يحل محلها السيرة الشخصية المتعلقة بالموالاة السياسية والخضوع الوظيفي ، باعتبارها عنوان الجدارة وموجهات الاختيار .


وللمفارقة ، فجواز المرور الأمني لمناصب الدولة البوليسية لا يتناقض في أغلب الاحوال مع السمات السلبية في السيرة الشخصية ، وخصوصا ما يتعلق منها بنقاط الضعف المسلكية أو الأخلاقية . بل هو متناغم معها باحثا عنها محتفيا بوجودها . باعتبار أن كافة النقائص الأخلاقية والنوازع الدونية هي مفاتيح للتحكم والسيطرة ، يمكن استثمارها لضمان استغلال مواطن الابتزاز لدى أي شخصية في حال تمردها أو خروجها عن القواعد المرعية غير المعلنة .


٤ - والدولة البوليسية ، هى الدولة التي تقوم بتخصيص نسبة كبيرة من المناصب الحكومية على اختلاف تخصصاتها النوعية لرجال الأمن . 


ولذلك يمتد داخل دولاب عملها طابور من رجال الأمن المتقاعدين إسميا ، المجندين عمليا لصالح أجهزتهم الأمنية . الأمر الذي يوفر عينا أمنية راصدة وقبضة بوليسية متنفذة داخل كل المرافق . بما يضمن تكريس موارد الدولة لخدمة مصالح النظام ، وضمان تسكين مؤيدي الدولة أو تابعيها أو مرشديها ومخبريها في كل مستويات اتخاذ القرار .


وللمفارقة ، فإن هذا ( الذراع الأمني ) داخل كافة المرافق الحكومية يكون راعيا وحارسا لكل مظاهر الفساد ، بما يوفر دائرة موثوقة لتجنيد الفاسدين وابتزازهم من أجل استخدامهم كعيون لرصد أي متمردين محتملين داخل بنية مؤسسات الدولة وأجهزتها .


٥ - والدولة البوليسية ، هى الدولة التي تسند الكثير من الأنشطة المجتمعية غير الأمنية إلى الأجهزة الأمنية . 


ولذلك تزدحم وتتضخم الهياكل التنظيمية لوزارة داخليتها وباقي أجهزتها الأمنية ، نتيجة تحميل هذه الهياكل بإدارات ومصالح تمارس أعمالا وتخصصات ليست لها أي صفة أمنية ، كان ينبغي - وفقا للمقتضيات الرشيدة من منظور قواعد التنظيم والإدارة - أن يتم إلحاقها بوزارات أخرى تدخل هذه الأعمال ضمن نطاق اختصاصها .


بل ، ويتطور الأمر في الدولة البوليسية إلى حد السماح للأجهزة الأمنية بإنشاء منظومتها الاستثمارية الخاصة بها والتي تمتد لكافة الأنشطة الاقتصادية وتصب أرباحها داخل موازنتها . بما يجعل من تلك الأجهزة لاعبا في ساحة كعكة الاقتصاد المحلي ، ومن ثم يحتم وقوعها في مصيدة تضارب المصالح بين مسئولياتها الأمنية وطموحاتها الاستثمارية .


علاوة علي ذلك ، فإن الأنشطة المجتمعية التي تفلت من التبعية التنظيمية للمؤسسات الأمنية لا تفلت من التبعية الترخيصية لها . حيث يتم ربط الكثير من هذه الأنشطة بموافقات وجوبية ينبغي صدورها عن الجهات الأمنية للبدء في هذه الأنشطة أو الاستمرار فيها . وذلك دون الاستناد غالبا إلى نصوص من القانون تستوجب ذلك .


الأمر الذي يقسم الكثير من أنشطة المجتمع ؛ إلى الآتي :

- أنشطة غير أمنية تتولاها حصريا الجهات الأمنية . 

- ‏أو أنشطة غير أمنية لا يتم الترخيص لمزاولة نشاطها إلا بموجب موافقات أمنية مسبقة . 

- ‏أو أنشطة غير أمنية تدخل ضمن المنظومة الاستثمارية لأجهزة الأمن .


وبذلك ، يصبح المجتمع بمؤسساته رهن القبضة الأمنية ، تنظيما .. أو ترخيصا .. أو استثمارا .


٦ - والدولة البوليسية ، هي الدولة التي تضع عينا أو قدما أو ذراعا او أصبعا أمنية، داخل التنظيمات الحزبية ، أو النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني ، أو المؤسسات الإعلامية .


ولا يقتصر ذلك على استخدام الوسائل التكنولجية للمراقبة غير القانونية لأنشطة هذه الجهات ولأسرار الحياة الشخصية لأعضائها ؛ لاستغلال ما يتوفر من معلومات لتصفية هذه الجهات وأعضائها معنويا أمام الرأي العام . 


بل يمتد الأمر  إلى تجنيد عناصر يتم انضمامها لتلك الجهات بغرض نقل أخبارها واتجاهات أعضائها ؛ وترتيب سيناريوهات لإحداث وقيعة داخل صفوفها ؛ تمهيدا لحلها أو إرباك نشاطها نتيجة الصراعات بين أجنحتها .


أو من خلال إنشاء الدولة البوليسية لكيانات حزبية أو أهلية أو إعلامية تابعة لها ، أو وضع يدها على كيانات قائمة أصلا ، لتخترق بها ساحة الحياة الحزبية أو ساحة منظمات المجتمع المدني أو الساحة الإعلامية. 


ولقد تطور الأمر في ظل الفضاء الإلكتروني الناجم عن شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ، حيث بدأت الأجهزة الأمنية بالدول البوليسية في إدخال التحديث على أساليبها المتعلقة بإرباك الرأي العام أو تأليبه أو تخديره ؛ من خلال ما يسمى باللجان الإلكترونية التي تدار بمعرفة هذه الأجهزة ، لنشر الشائعات ، والاغتيال المعنوي للشخصيات ، والإرهاب النفسي للمعارضين باستهدافهم بالسباب والتجريس والاستهزاء .

.... .....


كانت هذه هي المظاهر أو الممارسات التي تتسم بها الدولة البوليسية .. 


ولكن ، قد تتعقد وتلتبس ملامح الدولة البوليسية ، عندما تنبثق من داخل دولة تخضع لحكم المؤسسة العسكرية ، فيظهر نمط الإدارة الأمنوعسكروسياسية ( أمنية / عسكرية / سياسية ) . 


حيث تنفتح دائرة المناصب الحكومية لكي تضم قطاعا كبيرا من المتقاعدين ذوي الخلفية العسكرية . بما يقلص كثيرا من الكوادر المدنية داخل بنية الدولة التنظيمية . ويصبغ مؤسساتها بصبغة عسكرية تضاف إلى الصبغة الأمنية بما يجرف طبيعتها المدنية . 


علاوة على اقتطاع جانب أكبر من الكعكة الاقتصادية لبناء المنظومة الاستثمارية للمؤسسة العسكرية التي تؤمن بقاءها في الحكم من خلال ترسيخ قاعدتها الاقتصادية .


إلا أن المأزق العسير الذي تواجهه الدولة البوليسية حتى لو كانت تقودها المؤسسة العسكرية ، يتمثل في أن نفاذ الأجهزة الأمنية بالدولة البوليسية للكثير من الأنشطة والمؤسسات ؛ يؤدي إلى تجرؤ هذه الأجهزة واستقوائها بصلاحياتها الأمنية ، وانفلاتها وارتكابها لحماقات كارثية ؛ تؤلب عليها باقي مؤسسات الدولة بما فيها حتى المؤسسة العسكرية . 


بما يؤدي بمرور الوقت إلى اططفاف هذه المؤسسات في جانب ؛ وأجهزة الأمن المنفلتة المتجرئة في جانب آخر .


علاوة على أن تجنيد الأجهزة الأمنية لخدمة أهداف النظام مع تخليها عن دورها في تحقيق الأمن بالمجتمع ؛ يخلق فجوة واسعة بينها وبين غالبية مكونات المجتمع ، بما يرسخ النظرة لها باعتبارها العصا الغليظة للسلطة المستبدة الفاشلة ، والعين المتغافلة عن حماية أموال الناس وممتلكاتهم وأرواحهم وأعراضهم .


الأمر الذي يعمق الشرخ بين الأجهزة الأمنية والمجتمع بغالبية مواطنيه أو مؤسساته . وينذر بحدوث انفجار ، بالطبع لا تصب نتيجته في صالح استمرار الدولة البوليسية .


ولعله من الواضح ، أن بولسة المجتمعات الحديثة أو عسكرتها هو أمر يتناقض مع الطبيعة المنفتحة للحضارة الإنسانية الراهنة ؛ التي تؤدي منجزاتها التكنولجية إلى تجاوز الحدود والأسوار ، وتعدد الآراء والأفكار ، ومن ثم تعميق الحقوق والحريات .


ولذلك ، فإن الدولة البوليسية بكل منطلقاتها ، هي دولة تحمل داخل أحشاءها بذرة فناءها . بوصفها خلطة كريهة تفسدها وتسممها بهارات البولسة . وباعتبارها دولة ضد الحاضر ، ومن ثم لا مكان لها بالقطع في .. المستقبل .


ولكن ، لا يمكن الوصول لذلك المستقبل إلا من خلال تفعيل حزمة متكاملة من الضمانات التي تسمح بتفكيك بنيان الدولة البوليسية ؛ بما يسد الطريق أمام أية محاولات لإعادة إنتاجها حال سقوطها . 


ولكن لهذا حديث آخر ، يمكن مطالعة تفاصيله بدراستي المرفق رابطها بالهامش تحت عنوان :

الضمانات المطلوبة لعدم إعادة إنتاج الدولة البوليسية ( ضمانات : وظيفية - هيكلية - إدارية - تشريعية ) .


دكتور / محمد محفوظ

#الدولة_البوليسية


هامش :

- رابط دراستي :

الضمانات المطلوبة لعدم إعادة إنتاج الدولة البوليسية ( ضمانات : وظيفية - هيكلية - إدارية - تشريعية ) .

https://drmmahfouz.blogspot.com/2011/07/necessary-safeguards-against.html

الدراسة تم عرضها بمؤتمر : 

( تحديات التحول الديمقراطي في مصر خلال المرحلة الانتقالية ) .

المنعقد بالقاهرة بتاريخ ٢٦ - ٢٧ يوليه ٢٠١١ ، بالتعاون بين كل من : 

- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان 

- مركز العلاقات الدولية والحوار الخارجي FRIDE بأسبانيا 

- ‏صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية UNDEF


06 مايو 2016

د. محمد محفوظ يكتب : الرئيس .. بين الرحيل بلمس الأكتاف أو التهميش بالنقاط .. برنامج عمل ) ثو / سياسي (

 اللي وقف يوم ٣/  ٧ مابيخافش
" السيسي "

لم يعد لدي أدنى شك في أن أولويات الرئيس ليست هي أولويات أغلب المصريين . وأن انحيازاته ليست كانحيازات معظم مثقفيها ومفكريها وصحفييها وإعلامييها وشبابها وثوارها . فالأزمات العبثية الهزلية التي تتوالى على رؤوسنا كالصواعق ؛ توضح بأن متخذ القرار منشغلا بأولويات وانحيازات أخرى ليس لها علاقة بما يرجوه أغلبنا من مسار .
كما لم يعد لدي أدنى شك في أن الرئيس ليس طيعا في نزع المُلك أو فتح مساحات للمعارضة ، مثلما هو طيعا في نزع الأرض بموجب اتفاقيات ترسيم الحدود .
ولذلك ، فكما تمسك غير المأسوف عليه محمد مرسي بحبال وخيوط الشرعية الزائفة التي ما دونها الدماء . 
فسوف يتمسك السيسي باعتبار إنه ما " بيخافش " كما قال في خطابه بتاريخ ٥ مايو ٢٠١٦ بالفرافرة ، سوف يتمسك بسلاسل وجنازير حماية مؤسسات الدولة من الهدم جراء " المؤامرة الجهنمية " الداخلية الخارجية التي يقف وراءها " أهل الشر " .
وكما رفع أنصار مرسي بنادق الإرهاب وزرعوا متفجراته ودبروا اغتيالاته . 
فسوف يتقدم أنصار السيسي من " أهل الخير " بالبلاغات لعقد محاكمات الاتهام بالعمالة والخيانة والتمويل ؛ بموجب القضية رقم ٢٥٠ والقضية رقم ٢٥٠ مكرر ؛ وهلم جرا ؛ ليتم الزج بالمعارضين داخل غياهب السجون بموجب قرارات الحبس الاحتياطي أو بالأحرى "الاعتقال القضائي" .
ولهذا .. لا يبدو رحيل الرئيس قبل نهاية فترته بلمس الأكتاف أمرا يكتسب الأفضلية في ميزان تحقيق أهداف الثورة المصرية . نظرا لما يمكن أن يؤدي إليه من شيطنة للتحركات الاحتجاجية ؛ وتفاقم للاستقطاب المجتمعي ؛ ورفع لدرجة حرارة الهستيريا الجماعية الحكومية والشعبية .
ومن هنا .. فإن السبيل الأولى بالاتباع هو التعويل على مباراة سياسية تتوالى أشواطها ؛ يكون المستهدف منها تحقيق أكبر قدر من النقاط لتهميش الرئيس سياسيا وخفوت نجمه شعبيا . بدلا من استنزاف الجهود في شوط واحد أملا في رحيله بلمس الأكتاف ، رغم أنه "مابيخافش" . 
ولعل ذلك التهميش السياسي سيساهم في تحرير الطبقة السياسية المصرية من الدوران في فلك الرئيس باعتباره الفرعون شبه الإله . كما سيساهم أيضا في فتح الطريق لممارسة الصلاحيات السياسية الواسعة التي رسمها الدستور لكل من مجلس النواب ومجلس الوزراء قياسا بالصلاحيات الهامشية التي خصصها للرئيس لضمان عدم تركز السلطات في يده دون غيره . علاوة على أن خفوت النجم الشعبي سيضع الرئيس في موضعه الحقيقي باعتباره قائدا مرحليا ، وليس مصلحا اجتماعيا ، أو مخلصا سماويا ، أو " مابيخافش " .
ولكن السؤال : كيف يمكن إدارة هذه المباراة السياسية التي تتطلع لتهميش الرئيس بالنقاط وتستبعد رحيله بلمس الأكتاف ؟
في تقديري ، فإن تلك المباراة السياسية تحتاج إلى برنامج عمل ثو/سياسي ؛ أي ثوري / سياسي ، يسعى إلى صياغة منهج جديد للاحتجاج يساهم في فضح السياسات الفاشلة والإصلاحات الغائبة والأزمات العبثية المتوالية ، كما يسعى إلى التأكيد على إعداد البديل السياسي الحزبي المؤهل للتداول السلمي للسلطة . 
ويتضمن هذا البرنامج عدد ٦ محاور تتمثل في الآتي :
أولا - الانتقال بالممارسات الاحتجاجية من الدائرة الثورية إلى الدائرة القضائية : بما يعني لف حبل قانون تنظيم التظاهر حول رقبة النظام بدلا من لفه حول رقبة النشطاء أو المعارضة . وذلك من خلال التنسيق مع كافة القوى الاحتجاجية المدنية الديمقراطية بشأن الالتزام بالخطوات القانونية التي حددها القانون للموافقة على الوقفات والمسيرات والتظاهرات . وإعداد إحصاءات دورية بعدد ما لم يحظ منها بموافقة الجهات الرسمية . ورفع الأمر للجهة القضائية المختصة للبت في مدي مشروعية قرارات عدم الموافقة . الأمر الذي سيمثل بمرور الوقت عنوانا قضائيا موثقا يوضح مدى عسف النظام تجاه الحقوق والحريات المقررة بالدستور ، ومدى عدم تقبله للاحتجاج أو المعارضة .
ثانيا - الانتقال بالممارسات الاحتجاجية من الدائرة الميدانية إلى الدائرة الإعلامية : بما يعني التمسك بالحق الوارد في المادة رقم ١٥ من قانون تنظيم التظاهر التي تنص على الآتي : يصدر المحافظ المختص قرارا بتحديد منطقة كافية داخل المحافظة تباح فيها الاجتماعات العامة أو المواكب أو التظاهرات السلمية للتعبير السلمي فيها عن الرأي دون التقيد بإخطار . 
ولعل ذلك سيساهم في عدم قصر الاهتمام فقط على الميدان أو الشارع أو المنطقة التي سيتم في حرمها الاحتجاج ؛ قدر الاهتمام بدائرة الضوء الإعلامية التي ستتركز على المنطقة المخصصة باستمرار للتظاهر دون إخطار مسبق . الأمر الذي سيؤدي إلى التغطية الإعلامية للفاعليات الاحتجاجية بكل سهولة دون الجري في الشوارع خلف التظاهرات . ويضمن توفير حرم آمن يساهم في الدفع بفئات جديدة للتعبير عن احتجاجها أو غضبها أو معارضتها دون خوف من الملاحقة الأمنية . ويوفر ساحة مستديمة تتجاوز عائق رفض السلطات لمنح تراخيص لمعظم المظاهر الاحتجاجية .
ثالثا - الانتقال بالممارسات الاحتجاجية من الدائرة الشعبية الجماهيرية إلى الدائرة السياسية الحزبية : بما يعني مفارقة المقولة الساذجة التي تستحسن التأكيد علي تغييب وإخفاء الصفة الحزبية أو الهوية السياسية عند الاحتجاج على السياسات والإخفاقات والانتهاكات الحكومية الكارثية . والتحول نحو الإمعان في تجسيم الصفة الحزبية والهوية السياسية في الفاعليات الاحتجاجية باعتبار أن ذلك هو الذي سيقدم لجماهير الناخبين البديل السياسي المتطلع لتداول السلطة ، وليس مجرد الناشط الميداني المحرك للسخط الشعبي . علاوة على أن ذلك سيساعد على تكوين كوادر سياسية حزبية تكشف عن بدائلها وبرامجها في الشارع ووسط الجماهير ؛ وليس في الغرف والقاعات المغلقة داخل مقرات الأحزاب . 
رابعا - حتمية الاندماج السياسي للأحزاب المتقاربة أيدلوجيا : بما يعني ضرورة التحلي بالمسئولية الوطنية ؛ وتقدير المرحلة المفصلية التي تمر بها مصر بعد ثورتين للانتقال من الدولة الاستبدادية البوليسية إلى الدولة المدنية الديمقراطية . الأمر الذي يستدعي ضرورة وحتمية الاندماج بين كافة الأحزاب المدنية مهما تمايزت توجهاتها الأيدلوجية بين اليمين واليسار والوسط . وتدشين صيغة اندماجية تذوب فيها تلك الأحزاب في كيان حزبي واحد ؛ مع الاتفاق علي فترة انتقالية يتم فيها تداول منصب رئاسة الحزب الموحد بين رؤساء الأحزاب المندمجة فيه . 
وكما هو متعارف عليه في كل الدول الديمقراطية ، فإن الأحزاب الكبيرة تستوعب بداخلها أجنحة سياسية من اليمين مرورا بالوسط وصولا إلى اليسار . الأمر الذي سيفتح الطريق أمام حياة سياسية حقيقية وليست كرتونية ؛ يبدو فيها ذلك الكيان الحزبي الموحد كلاعب رئيسي في الساحة السياسية ؛ وبديل جاهز دائما لتولي مقاليد السلطة والحكم .
خامسا - الاستعداد المبكر لانتخابات المحليات وضمان عدم تكسير الأصوات : فالمعطيات السياسية تؤكد بأن إمكانية التغيير في منظومة السياسات الحكومية هو أمر بعيد المنال في مواجهة رئيس مابيخافش ، وحكومة بلا رؤية ، ومجلس نواب بلا عزيمة . ولذلك فإن النفاذ من أسفل السلم السياسي بدءا من المحليات بمجالسها المنتخبة ؛ قد يكون هو السبيل المتاح وأول الطريق للتغيير المتدرج ولكن المثابر المستمر .
ولعل الكيان الحزبي الموحد السابق الإشارة إليه لو تم تدشينه سريعا ؛ قد يكون بمثابة رمانة الميزان التي ستضمن عدم تكرار تجربة انتخابات مجلس النواب التي أدت إلى تكسير أصوات الناخببن بين مرشحين متقاربين أيدلوجيا ؛ بما أسفر عن أغلبية نيابية غير سياسية موالية للنظام ومداهنة للناخبين . 
سادسا - التأكيد على إبراز المسئولية التقصيرية للرئيس دستوريا وسياسيا : فلم يعد مقبولا التمسك بالمقولة اللزجة الممجوجة المكررة التي مفادها أن الرئيس حلو وكل اللي حواليه وحشين . فواقع الحال يؤكد بأن المحيطين بالرئيس هم نتاج اختياراته ، واختياراته هي ترجمة لمنهجه في الحكم والإدارة . ومن ثم فهو المسئول الأول عن مواطن القصور وغياب الإصلاح وتردي الأوضاع . 
وبالتالي ، فإن التأكيد على إبراز ذلك سيساهم في خفوت الهالة الشعبية التي أحاطت بالرئيس نتيجة خطابات عاطفية وممارسات استعراضية ؛ تتناقض في واقع الحال مع القرارات والسياسات الرئاسية التي تشير إلى عدم تبني بل ومخاصمة دفينة لكل أهداف الثورة المصرية على الفساد والاستبداد . 
------
إن المثابرة على إحراز النقاط دون الانشغال بلمس الأكتاف ؛ ستؤدي - حتى لو تمكن الرئيس من الفوز بفترة رئاسة ثانية - إلى وضع نقطة في نهاية السطر للرؤساء القادمين من خلفية عسكرية . وتؤسس لسطر جديد في كتاب مسيرة الوطن ؛ عنوانه : 
قيادة سياسية مدنية . 
ومؤسسة عسكرية غير سياسية غير اقتصادية .
وعلاقات مدنية عسكرية تمتثل للمعايير الديمقراطية . 
وسلطات تؤمن بأن الفصل فيما بينها هو جوهر الالتزام بالسيادة الشعبية . 
ونظام سياسي جديد يضع النظام القديم في مكانه المستحق بالمقابر السياسية .
وأخيرا .. رئيس لا يجرؤ على التصريح للشعب بإنه " مابيخافش " .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com