12 أكتوبر 2013

اللاحزب .. اللاوطنى .. اللاديمقراطى
( مستودع الانتهازية )
 نشر : نوفمبر 2010

بقلم دكتور / محمد محفوظ

( عندما تصبح سلطة الدولة غاية وليست وسيلة ؛ فإن كل طغيان يصبح مقدساً ).
[ أدولف هتلر – من كتاب كفاحى ]

ربما تبدو مفارقة صادمة أن يصدر مثل هذا الكلام عن ( هتلر ) .
ولكن المفارقة الأكبر أن أفعال هتلر ومصيره ؛ حققا - معاً - الخلود لهذه الكلمات .
فالسلطة عندما تصبح غاية , فإن الشعوب تصبح هى الوقود الذى يتم حرقه للاحتفاظ بها ؛ وبالتالى يصبح كل طغيان مقدساً .
ولكن ما علاقة هذه الكلمات بموضوع المقال ؟؟؟
فى اعتقادى أن العلاقة وطيدة , لأن التعريف الشائع للحزب فى شارعنا السياسى مفاده بأن الحزب هو جماعة ذات توجه أيدلوجى معين تسعى للوصول إلى السلطة , فالوصول للسطة هو الغاية !!!!
وهذا التعريف الشائع ؛ يتناقض مع التعريف القانونى للحزب ؛ الوارد فى  المادة رقم ( 2 ) من قانون الأحزاب السياسية ؛ التى تنص على الآتى : ( يُقصد بالحزب السياسى كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة فى مسئوليات الحكم ) .
فالمفترض إذن أن الحزب - أى حزب - يسعى لتحقيق برامج محددة , وبالتالى فالبرامج هى الغاية , والوصول للسلطة هو الوسيلة لتحقيق هذه الغاية . وأى تعريف للحزب يتصادم مع هذه الحقيقة يفتح الباب واسعاً أمام حكم الطغيان .
وإذا نظرنا للحزب الحاكم فى مصر ؛ المسمى بالحزب الوطنى الديمقراطى , فإننا سنجد أنه - فى هذا العام - سيكمل عامه رقم 32 فى السلطة , من خلال الحصول على الأغلبية الساحقة الماحقة طوال هذه المدة - 32 سنة - فى كافة مقاعد المجالس النيابية فى مصر ( مجلس الشعب – مجلس الشورى – المجالس المحلية).
فهل سعى - ويسعى وسيسعى - الحزب الحاكم فى مصر لتحقيق أية برامج , ومن ثم فالسلطة هى مجرد وسيلته لتحقيق تلك البرامج التى هى غايته الأصيلة , بحيث يصبح الحزب الحاكم يحمل من الصفة الحزبية فى اسمه الكثير , بما يجعلنا نقرر وبكل ثقة بأنه بالفعل ( حزب سياسى ) ؟؟؟؟
ربما يجيب عن هذا السؤال السيد / صفوت الشريف ؛ الأمين العام للحزب الحاكم , فى حواره مع رئيس تحرير مجلة المصور / حمدى رزق ؛ المنشور على الموقع الإلكترونى للحزب , حيث يقول الشريف ما نصه : ( .... الحزب الوطنى الديمقراطى بدأ مسيرته الحقيقية فى عام 2002م , وعندما نقول الحزب الوطنى بكيانه الحزبى وهياكله الحزبية وتنظيمه الحزبى . كانت الناس تقول أين الحزب الوطنى الديمقراطى ؟ وأين الوحدات الحزبية  ،  وأين عضوية الحزب , لكن الفكر الجديد الذى  يتعامل مع التطور الديمقراطى الحقيقى بدأ فى العام 2002م ) .
إذن السيد / صفوت الشريف ؛ يرى أن 24 عاماً من عمر الحزب قبل 2002م, كانت سراباً , لأنه - من وجهة نظره - نتيجة غياب الفكر الجديد لم يكن الحزب حزباً , ولكن بالفكر الجديد اعتباراً من 2002م ؛ صار الحزب حزباً حقيقياً يمتلك الهياكل والتنظيم .
ونحن نتفق معه بلا أدنى جدال فى أن الحزب قبل عام 2002م لم يكن حزباً , ولكننا نختلف معه فى محاولته لإلصاق صفة الحزبية بالحزب خلال الـ 8 سنوات الأخيرة .
فالصفة الحزبية كانت ومازالت غائبة عن الحزب منذ نشأته وحتى الآن . وذلك لأن الفكر الجديد ( الأيدلوجيا ) ؛ والهياكل والتنظيمات ( المقرات الحزبية والمؤتمرات الحزبية والمجمعات الانتخابية الحزبية وقواعد البيانات الخاصة بالعضوية وعدد الأعضاء الذى يقارب الـ 3 مليون ) , كل ذلك لا يصنع حزباً, طالما كان الاحتفاظ بالسلطة هو الغاية ؛ وليس الوسيلة لتحقيق البرامج التنموية التى تحقق مصالح المواطنين .
الحزب الشيوعى فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق كان نموذجاً فى الهيكلية والتنظيم وعدد الأعضاء , والحزب الشيوعى فى الصين مازال نموذجاً فى الهيكلية والتنظيم . ولكن العامل الحاكم : أن تكون البرامج التنموية هى الغاية , وأن يكون الاحتفاظ بالسلطة هو الوسيلة .
ولعل 32 عاماً من حكم الحزب الحاكم فى مصر ؛ تثبت بكل الأرقام والوقائع والأحداث ؛ بأن الرغبة فى الاحتفاظ بالسلطة ؛ كانت دائماً أكبر كثيراً من الرغبة فى رعاية مصالح الناس . 
إذ أن كل خطوة على أرض مصر ؛ صارت تنطق - بل وتصرخ - بمعدلات الفشل والتراجع والإهمال والقصور التى وصل إليها الحال ؛ على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية والعلمية والثقافية .. الخ .
نحن إذن أمام تنظيم فاقد لصفة الحزبية , وهو أقرب إلى مستودع للإنتهازية والوصولية والجشع والأنانية والاستحواذ والتكويش والهبش والكبش .
مستودع للنفايات الأخلاقية المشعة .
ولا نستطيع أن نعمم تلك الصفات على أعضاء هذا التنظيم , لأننا لا نستطيع شق الصدور وتفتيش الجيوب لمعرفة مكنونها . وإنما نعمم تلك الصفات على ذلك التنظيم كمؤسسة ؛ صار كل طغيان لديها مقدساً ؛ من أجل التشبث بالسلطة لمدة 32 سنة ( حتى الآن ) .
ولكن إذا كان هذا التنظيم لا يمتلك من اسمه صفة ( الحزب ), فهل يمتلك صفة ( الوطنى ) ؟؟؟؟
ولعل صفة الوطنية تعنى فى المجال السياسى ؛ تحقيق مصالح الوطن وليس مصالح أعداءه . إذ أن تحقيق مصالح الأعداء يضع أى قوة سياسية فى نفس خانة القوى الاستعمارية ؛ التى تحكم الأوطان وفقاً لأجندة غير وطنية ؛ تقدم مصلحة الخارج على الداخل .
فهل يمتلك اللاحزب الحاكم من الوطنية أى نصيب ؟؟؟؟
سنترك القوى السياسية المتعددة تجيب على ذلك السؤال :
- تيار الإسلام السياسى سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح الغرب المسيحى والكيان اليهودى ( وفقا لمصطلحاتهم ) .
- تيار اليسار والقوميين العرب سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح الغرب الإمبريالى والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية ( وفقا لمصطلحاتهم ).
- تيار الليبراليين سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح دوائر الفساد والاستبداد .
- المواطن غير المسيس سيجيب بأن النظام يحقق مصالح أعوانه فقط .
فأى نصيب من الوطنية يمكن أن يتم إلصاقه بتنظيم يحقق ما كان يمكن لأى نظام غير وطنى ( أجنبى ) أن يحققه .
أى قدر من الوطنية يمكن أن يوصف به تنظيم أهدر خلال سنوات حكمه ؛ ما كان يمكن لأى قوة احتلال أن تهدره خلال سنوات احتلالها, بل ربما أكثر .
إذن ليس لصفة ( الوطنى ) من نصيب فى اسم اللاحزب الحاكم .
لا يتبقى إذن ؛ إلا صفة ( الديمقراطى ) التى يلصقها اللاحزب الحاكم باسمه , فهل له فيها من نصيب ؟؟؟؟؟؟
من المؤكد أنها - بدون أدنى شك - صفة لا يمكن بأى حال أن تتواءم مع حزب قابع فى الحكم بأغلبية ساحقة منذ 32 سنة ؛ فى ظل معدلات متزايدة من الانحدار السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والتعليمى .. الخ . فأى أغلبية يحققها صُـناع الانحدار , وكيف يحققونها ؟!!!!
وأى وصف ديمقراطى يمكن أن يلحق بنظام يجلس فيه الوزراء لمدد تزيد عن 20 سنة فى مقاعدهم .
ويجلس فيه رئيس الجمهورية لمدة 30 سنة فى منصبه دون حد أقصى لمدد الرئاسة .
ويخلو فيه منصب نائب رئيس الجمهورية لمدة 30 سنة . 
ويستمر فيه إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 سنة .
ويتم إنشاء الأحزاب فيه بناءً على موافقة لجنة يرأسها الأمين العام للاحزب الحاكم.
ويتم فيه فرض الحراسة على النقابات المهنية .
وتتواجد فيه قوات الشرطة داخل حرم الجامعات .
ويتم فيه تعيين عمداء الكليات وعمد القرى .
وترفض فيه وزارة الداخلية الطلبات التى تقدمها إليها الأحزاب الشرعية لتنظيم أى مسيرة أو وقفة احتجاجية أو مظاهرة سلمية .
وتحاصر فيه الآلاف من قوات الأمن المركزى ؛ أى تجمع سلمى يضم عشرات الأفراد .
وتهيمن فيه وزارة الداخلية على القيد بجداول الناخبين .
ويتوجه فيه الراغبين فى الترشح للمجالس النيابية إلى مقرات مديريات الأمن لتقديم طلبات ترشيحهم .. و .. و .. الخ .
أى ديمقراطية تلك التى تبدأ بحرفى الدال والياء ؛ ثم نكتشف إنها تكتمل بالحروف التالية ( كتاتورية ) .
لا يحمل اللاحزب الحاكم من اسمه ( الديمقراطى ) أى قدر أو فتفوتة من فتافيت الديمقراطية , بل هى أضغاث أحلام ؛ وماهم بتأويل الأحلام بعالمين .
وبالطبع ؛ ربما لا ينفرد اللاحزب الحاكم بفقدانه لتلك الصفات اللاصقة زوراً باسمه , بل ربما تشاركه فى ذلك أحزاب مصرية أخرى ؛ يزيد عددها عن عدد أصابع اليدين والقدمين . ولكن يبقى اللاحزب الحاكم بمفرده المستحوذ على السلطة ؛ وبالتالى فقد تم اختباره , أما باقى الأحزاب فهى لم تـُختبر بعد !!!!
---------------------------
إذن ؛ لا هو حزب ؛ ولا هو وطنى ؛ ولا هو ديمقراطى ؛ ولا يحزنون .
وبالتالى ينبغى أن نسمى الأسماء بمسمياتها, ونقر بأن النظام الحاكم فى مصر يمثله فى الحكومة والبرلمان تنظيم اسمه ( اللاحزب اللاوطنى اللاديمقراطى ) .
*****
                                                      دكتور / محمد محفوظ






بعد مرور29 عاماً دراسة فى شخصية الرئيس

بعد مرور 29 عاماً
 ( دراسة فى شخصية الرئيس )
--------
تاريخ النشر : أكتوبر 2010

بقلم دكتور / محمد محفوظ

( إذا طالت مدة بقاءك فى السلطة , فأنت تخاطر بأن ترى معظم منجزاتك , وهى تنهار واحدة بعد الأخرى بين يديك ) .
وهذا ما حدث للرئيس مبارك , لأن كل ما كان يمكن لمبارك أن يفاخر به باعتباره انجاز -  بعد مرور 29 سنة - أصبح الآن منهاراً أو فى طريقه إلى الانهيار .
لذلك ينبغى علينا أن نفتح ملف ( شخصية الرئيس ), ليس بمنهج شخصى ؛ وإنما بمنهج علمى يسعى لتحليل الشخصية دون تجريحها, لأن مقام الرئاسة ينبغى أن يظل له كل التوقير والاحترام, ليس من أجل ذات الرئيس كشخص , وإنما من أجل مصلحة الوطن, إذ أن التوقير والاحترام هما جزء من المقومات التى تعين أى رئيس على مباشرة مهامه الدستورية .
وإذا كان الكاتب الكبير أنيس منصور , قد ابتكر فى الستينات مصطلح ( اعرف عدوك ), فإننا نجد أنفسنا فى عام 2010م وبعد مرور 29 عاماً على حكم الرئيس مبارك, مضطرين إلى صك مصطلح ( اعرف رئيسك ), لأن شخصية الرئيس فى أنظمة الحكم غير الديمقراطية, تعتبر جزءً أصيلاً من بنية الحكم, بل ربما تكون أحد أعمدته الرئيسية .
وربما لا يمكن الاقتراب بشكل صحيح من فهم شخصية الرئيس ؛ إلا من خلال فهم الأسباب الحقيقية التى استند إليها الرئيس الراحل السادات عند اختياره للرئيس مبارك كنائب له . ولعل كل الكتابات التى تحدثت عن تلك الأسباب دارت حول الكفاءة الإدارية والقيادية ؛ والشخصية الانضباطية والسمعة الممتازة التى كان يتمتع بها جميعاً الرئيس مبارك , بالإضافة إلى دوره الحاسم فى قيادة الضربة الجوية فى نصر أكتوبر .
ولا شك بأن الرئيس السادات باعتباره داهية عسكرية وسياسية , قد تيقن بعد انتصار أكتوبر بأن القوات المسلحة كان ينبغى أن تكون شريكاً له فى الحكم . لذلك كان لابد من اختيار أحد قادة نصر أكتوبر ليكون نائباً للرئيس, ولكن دهاء الرئيس السادات جعله يستبعد القادة الذين لهم شعبية كبيرة فى القوات المسلحة , وبالطبع كان قائد القوات الجوية هو الذى تتوافر فيه الصفتان ؛ فهو صاحب الإنجاز العسكرى غير المسبوق ( الضربة الجوية ), وهو من القادة قليلى الشعبية فى القوات المسلحة . فالقوات الجوية بعدد ضباطها وأفرادها تمثل نسبة محدودة من إجمالى تعداد الجيش المصرى, وبالتالى ليس لقائدها شعبية كبيرة على مستوى القوات المسلحة ككل.
إذن اختار الرئيس السادات؛ الفريق مبارك ؛ لأنه قائد منتصر ولكن قليل الشعبية . وبالتالى أتاح للقوات المسلحة أن تشاركه فى الحكم ؛ ولكن بدون إحساس بالخطر من شعبية من يمثل هذا الشريك .
أيضاً .. فإن ما يجعلنا نقترب أكثر من شخصية الرئيس, هو استرجاع أكثر التصريحات تلقائية التى صرح بها الرئيس فور توليه الرئاسة , وتمثلت  فى الواقعة الشهيرة التى سأله فيها أحد المراسلين الأجانب حول ما إذا كان سيسير فى طريق الرئيس جمال عبد الناصر أم طريق الرئيس السادات, فأجاب الرئيس مبارك بتلقائية وسرعة بديهة بإجابة لامعة متألقة قائلاً :  ماى نيم إذ حسنى مبارك ( أى اسمى حسنى مبارك ) .. وربما تكون تلك الإجابة بسرعتها وتلقائيتها تمثل بقعة ضوء ساطعة تضئ لنا الجانب الأكبر من شخصية الرئيس, لأنه لو تم توجيه ذات السؤال لأى رئيس فى دولة ديمقراطية , لكانت الإجابة التلقائية ستكون: ( سأسير فى الطريق الذى يحقق مصلحة الشعب ومصلحة البلاد ) , ولكن أن يرد الرئيس : بأن اسمه كذا, فان ذلك يوضح بأن السلطة فى ذهن الرئيس ما هى إلا ظل لذات الرئيس , بعكس ما ينبغى أن يكون فى أى نظام رشيد للحكم , وهو أن يكون الرئيس أحد ظلال السلطة وليس العكس .
والآن دعونا نسلط الضوء مباشرة على النقاط الـ ( 6 ) الحاسمة فى شخصية الرئيس :
1- الحكمة والتأنى  :
أثناء استمرار أجواء التوتر بين مصر وليبيا فى بدايات الثمانينات , علق الرئيس مبارك على الذين فاض بهم الكيل من ممارسات وتصريحات العقيد القذافى قائلاً: ( لو كنت ماشى فى الشارع وعيل صغير رمى عليك طوبة حتعمله إيه ). وبالفعل ربما يكون عدم الانجرار خلف الصغار وصغائر الأمور من أهم مقتضيات الحكمة , ولذلك يشتهر الرئيس بين مؤيديه - بل وبين عامة الناس - بالحكمة والتأنى فى اتخاذ القرار وعدم التسرع والابتعاد عن العصبية المفرطة.
ولكن الحكمة تكون عنوان لرجاحة العقل عندما تنتج سياسات ناجحة , ولكن عندما تنتج سياسات غير ناجحة , فإنها لا تكون إلا قناع يخفى خلفه الميل للعناد واللامبالاة والتجاهل. ولعل سوء الأداء الحكومى الذى وصل إلى مداه الآن ؛ يثبت أن ما يحسبه البعض حكمة وتأنى , ما هو إلا لامبالاة وبطء فادح فى اتخاذ القرار . وكما يقول جان جاك روسو ( إن ثمار التروى تضيع إذا زاد التروى عن الحد ) ... لأنه عندئذ سيكون أى شئ آخر غير التروى.
2- الاستقرار :
يذكر الكثيرون للرئيس مبارك أنه جنبنا  - وسط منطقة ملتهبة من العالم - التورط فى حروب متعددة , كانت ستدمر البلد وتأكل الأخضر واليابس. وبالتالى فنحن مدينون للرئيس مبارك بالاستقرار الذى حققه لمصر طوال 29 عاماً .
وبالفعل ربما يكون الاستقرار محموداً عندما يصبح سياسة لمصلحة الوطن , ولكنه يصبح مشكوكاً فيه عندما يصبح وسيلة للحفاظ على السلطة واستمرارها . وبالطبع يحق لنا أن نشك فى هذا الاستقرار الناتج عن تجنب الحروب ؛ طالما كانت النتيجة المتحققة منه مساوية لذات نتائج الحروب. بما يعنى أن هذا الاستقرار كان مكرساً لاستمرار الجلوس على الكرسى ؛ وليس مكرساً لمصلحة الناس والوطن .
 وبالتالى .. فإن تجنب الدخول فى الحروب – رغم إنه ميزة كبيرة – إلا أن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى , ونية الرئيس تؤكدها الممارسات , فتعيين نائب للرئيس أمر بلا شك يرعى الاستقرار , وتعزيز التطور الديمقراطى فى مصر أمر يدعم الاستقرار , وفك الارتباط ما بين السلطة والثروة أمر يرعى الاستقرار , والتقريب بين الدخول أمر يرعى الاستقرار .. الخ .
ولكن لأن كل هذا - وبعد 29 سنة - لم يحدث , فإنه يصبح من حقنا أن نشكك فى النوايا الكامنة خلف هذا الاستقرار . 
3- الديمقراطية فى ذهن الرئيس :
هناك مقولة شهيرة للرئيس الكوبى فيدل كاسترو ؛ قالها تعليقا على معارضيه الذين كانوا يوجهون له سهام النقد لعدم إجراء انتخابات للرئاسة , فرد عليهم  قائلاً :  )أتعجب من الذين يريدون إجراء انتخابات للرئاسة ؛ لقد سبق للشعب وأن اختار كاسترو ) . فالشعب في ذهن كاسترو كيان جامد لا يتغير ويكفيه أن يختار مرة واحدة . وربما يقترب منطق الرئيس مبارك الديمقراطى من ذلك المنطق الكوبى . فالرئيس مبارك يرى بأن الشخص طالما ظل قادراً على العطاء فليبق فى مكانه مهما طالت المدة . وهو منطق - وبكل الأسف - يتصادم مع المبادئ الديمقراطية ، لأن الفكر الديمقراطى يرى أن تداول السلطة مثلما يتم باختيار الجماهير , فإن البقاء فى السلطة أيضاً ينتهى بالتشريعات التى أقرتها الجماهير والتى تضع سقفاً لا ينبغى تجاوزه لمدة البقاء فى السلطة , بما يمنع من  تكوّن دوائر من الفساد حول مركز السلطة.
الديمقراطية – إذن - فى ذهن الرئيس مبارك ليس لها مكان إلا بالقدر الذى يجمِّل صورة النظام, وما يثبت ذلك هو أن الواقع فى مصر أكد ويؤكد أن ممارسات الفساد الفجة التصقت برجال الوزراء الأكثر بقاءً فى السلطة , مثل : رجال وزير الإعلام ( الأسبق ), ووزير الزراعة (الأسبق ), ووزير الثقافة ( الحالى ) . مما يؤكد بأن طول البقاء فى السلطة يؤدى إلى تراكم دوائر من النفوذ التى يتنامى بداخلها الفساد . إلا أن الرئيس مبارك - رغم كل ذلك - ظل أميناً لمبدأه  الديمقراطى , بأن البقاء فى السلطة متاح بدون حد أقصى طالما توافرت القدرة على العطاء!!!  وبالتالى يكفل الرئيس هذا المبدأ لمنصب الوزير كما يكفله لمنصب رئيس الجمهورية.
4- الخلفية العسكرية :
ربما تمثل الخلفية العسكرية جانب هام فى شخصية الرئيس, لأنها تنعكس على رؤيته لكيفية التعامل مع المثقفين والسياسيين . ولعل العفو عن الكاتب الصحفى المتألق إبراهيم عيسى( رئيس تحرير الدستور ), فى مقابل التسويف لمدة طويلة فى الإفراج الصحى عن الدكتور/ أيمن نور ( رئيس حزب الغد ) يشير إلى عدم الاهتمام بالكلمة والمثقفين, فى مقابل القلق الزائد عن الحد من السياسيين . فسياسة الرئيس مبارك القائد العسكرى أن )السيف أصدق إنباء من الكتب ( , وبالتالى لا توجد مشكلة فى أن يتكلم الناس, ولكن المشكلة أن يبدأ الكلام فى التحول إلى فعل . وهذا يوضح بأن كل ما يتم الترويج له باعتباره حرية غير مسبوقة للتعبير , ناتج عن عدم قلق من الكلمة ( سيبوا الناس تتكلم ) طالما لم تتحول إلى فعل قد يصب فى مصلحة أى تيار سياسى معارض.
5- الخبث السياسى :
يُنسب إلى وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة  كونداليزا رايس ؛ تصريح شهير قالت فيه الآتى : ( منطقة الشرق الأوسط موبوءة بالخبث والاستبداد والتعصب والكراهية ). ولعل هذا التصريح يكفى لكى تنال كونداليزا رايس بموجبه جائزة نوبل فى السياسة لو كانت توجد مثل هذه الجائزة. لأنها بذلك الوصف العبقرى لخصت واقع المنطقة . فالخبث والاستبداد هما أمراض حكام المنطقة, والتعصب والكراهية هما أمراض شعوبها.
وربما يشرح لنا تصريح شهير للرئيس مبارك المغزى الذى نقصده من الخبث السياسى. فقد علق الرئيس مبارك على شكوى البعض من قيام المرشحين لانتخابات مجلسى الشعب والشورى بتقديم رشاوى مالية للمواطنين , بأن قال : ( ياخدوا فلوسهم وينتخبوا غيرهم ) .
وبالتالى ؛ فإن ميراث الخبث السياسى فى المنطقة ؛ قد علم الرئيس مبارك بأن الشعب المصرى عاطفى؛ تجمعه صفارة وتفرقه عصاية . وبالتالى هو شعب ضعيف الذاكرة, مما يتيح القدرة لأى رئيس على قول الشئ وفعل عكسه على طول الخط . ربما تؤكد كثير من الممارسات فى عهد الرئيس مبارك هذا الخط , لأن الرئيس وبعد 29 سنة فعل كل ما أكد انه لن يفعله , ولم يفعل حتى الآن كل ما كنا نحلم بأن يفعله . ( ربما يكفى مثال واحد لتنشيط ذاكرة الشعب الضعيفة يتعلق بتصريح الرئيس مبارك في بداية فترته الأولى , بأنه لن يجلس في الحكم لأكثر من فترتين ).
6- التشبث بالسلطة :
يعتبر التشبث بالسلطة مرض عضال يعانى منه كافة الحكام فى أغلب دول منطقة الشرق الأوسط, باستثناء لبنان وإسرائيل. وبالتالى فعندما تراجع الرئيس مبارك عن وعده بعدم الاستمرار فى الرئاسة لأكثر من فترتين, كان يفتح الباب لمرض التشبث بالسلطة لكى يتقاسم معه الحكم .
فلماذا أصبح الرئيس مبارك لا يستطيع أن يرى نفسه بعيدا عن السلطة. البعض يقول : لأنه صار يحب مجده الشخصى أكثر مما يحب وطنه , وبالتالى لم يعد يرى المجد فى الحرية والديمقراطية  مثلما فعل زعيم مثل مهاتير محمد فى ماليزيا , وإنما يراه فقط فى التشبث بالسلطة .
والبعض الآخر يقول : بأن الرئيس مبارك يريد بأن يحتكر كل الشرف لنفسه, ولا يرى أى مصرى آخر جديراً بأن ينال مثل هذا الشرف , المتمثل فى حكم مصر وتحقيق الرفاهية والتنمية والعدالة والديمقراطية لشعبها .
هذا ما يقوله البعض, ولكن ترى ماذا يقول الرئيس مبارك لنفسه بعد 29 عاماً من حكم مصر بدون شريك.
---------------
إذن .. بعد كل ما فصلناه عن شخصية الرئيس مبارك , هل يصح لنا أن نصف الرئيس بأنه ديكتاتور ( وفقاً للمصطلحات السياسية السائدة منذ عصر الإمبراطورية الرومانية ).
للأسف ؛ وبكل المرارة .. الرئيس مبارك ديكتاتور , ولكن هناك نوعين لشخصية الديكتاتور , هناك ( الهارد ديكتاتور ) , وهناك ( السوفت ديكتاتور ) .
الطراز الأول ( الهارد ) يمثله زعماء مثل صدام حسين وحافظ الأسد وموسولينى وهتلر وستالين والحجاج بن يوسف الثقفى .. إلخ .
ولكن الرئيس مبارك من النوع الثانى , الديكتاتور الناعم البسيط المبتسم التلقائى ابن النكتة, المتشبث بالسلطة بأقل درجة من العنف الكافى للاحتفاظ بها .
ولكن .. الخوف – كل الخوف - أن يتحول الرئيس مبارك مع تعاظم حركات الاحتجاج إلى هارد ديكتاتور , لأن النتائج وقتها ستكون كارثية, والثمن الذى سيدفعه الشعب سيكون باهظاً .
ولكن ربما تكون هذه النتائج الكارثية والثمن الباهظ ؛ هما بداية النهاية لحكم الرئيس مبارك . ولكن بعد كم وثلاثين سنة .. الله وحده أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
( أَو َلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ )  صدق الله العظيم
****
دكتور / محمد محفوظ


بعد مرور 37 عاماً هل ضاع نصر أكتوبر هباءً ؟؟؟؟

بعد مرور 37 عاماً
هل ضاع نصر أكتوبر هباءً ؟؟؟؟
---------------
نشر : أكتوبر 2010
بقلم دكتور / محمد محفوظ

« أن تطرح أسئلة كبيرة فأنت تخاطر بالحصول على نتائج مغلوطة.
ولكن عدم طرحها على الإطلاق, هو تقييد لإمكانية الفهم وكبح لها ».
( جورج شتاينر )

بعد مرور 37 عاماً على نصر أكتوبر, يحق لنا أن نتساءل : هل ضاع نصر أكتوبر هباء ؟
وذلك, لأن الحروب ليس الهدف منها فقط , الكيد للعدو, أو إذلاله, أو استعادة الأرض, أو الانتقام للقتلى والجرحى. فكل هذه أهداف مرحلية, ولكن الهدف الإستراتيجى من الحرب, هو تحقيق السلام. فإذا لم يتحقق السلام, فإن الانتصارات لا تلبث أن تذهب أدراج الرياح.
.. فهل تحقق السلام ؟؟
 لقد كان الرئيس السادات واعياً لذلك الهدف الإستراتيجى, ولذلك لم يشعر بالنشوة أمام هذا النصر الكبير , وإنما كان يرنو بعينيه إلى الهدف الأسمى .. وهو .. الســـــــلام.
فهل تحقق السلام, أم ضللنا الطريق إليه, وبالتالى ضاع نصر أكتوبر هباء ؟؟؟؟
ولعل هذا السؤال الكبير يعود بنا إلى قول ( جورج شتاينر ), الذى يتصدر المقال, فالأسئلة الكبيرة قد تجعلنا نخاطر بالحصول على إجابات خاطئة, ولكن عدم طرحها على الإطلاق هو الخطأ الأكبر . فالأمم تبنى نفسها من مكابدة الخطأ ومعاينة الصواب, ولا سبيل للتعلم إلا من خلال طرح الأسئلة الموجعة, وتركها لكى تنال حظها من الإجابات الخاطئة أو الصحيحة.
فما هى الأسئلة الموجعة التى تدور فى هذا السياق:
- هل أخطأت كل من: مصر والأردن, عندما وقعتا معاهدة السلام مع إسرائيل ؟
- أم هل أخطا العرب والفلسطينيون عندما رفضوا الانصياع لمصر , والمضى معها فى طريق السلام, مستغلين قوة الدفع التى قدمها نصر أكتوبر فى هذا المجال ؟
- هل أخلت إسرائيل بأى بند من بنود معاهدتها للسلام مع مصر أو الأردن ؟
- هل ينبغى أن نسأل أنفسنا: أنكره أم نحب إسرائيل ؟ ... أم ينبغى أن نسأل أنفسنا: هل من المصلحة كراهية إسرائيل, حتى لو لم نحبها ؟
- هل أدت ( فوبيا ) كراهية إسرائيل إلى تسميم وعى الأجيال الجديدة, وبالتالى تضاءلت كراهية الفساد والاستبداد والحكم الديكتاتورى, أمام كراهية ذلك العدو الذى تربطنا به معاهدة للسلام ؟
- هل مصر تتحمل مسئولية عدم تحرير فلسطين حتى الآن , أم تتحمله الدول التى دفعت الفلسطينيين إلى التخلف عن الحضور إلى مفاوضات السلام ؟
- هل أدت الرغبة فى الكيد إلى إسرائيل, إلى التمادى فى تدليل منظمات المقاومة المسلحة وإمدادها بالسلاح والتأييد, حتى استدارت بالسلاح إلى الداخل العربى, لتفرض مشروعها بقوة ذلك السلاح ( غرة حماس وجنوب لبنان حزب الله مثال لذلك ) ؟
- لماذا استطاعت إسرائيل تحقيق الحكم الديمقراطى, رغم وجودها فى حالة حرب دائمة, بينما عجزنا نحن عن تحقيق تلك الديمقراطية, رغم خروجنا نحن المصريين على الأقل من حالة الحرب ؟
- هل المسجد الأقصى يحتل أى موقع من شعائر الديانة الإسلامية, بعدما قال الله لرسوله الكريم فى كتابه الأكرم : ( فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) ؟
- هل سيسمح لنا العالم المسيحى, بأن نمارس الهيمنة على البلدة المقدسة ( البلدة الصغيرة التى تضم الآثار اليهودية والمسيحية والإسلامية المقدسة فى مدينة القدس ) ؟
- هل من المصلحة - التى تتفق مع حقن الدماء - أن نقبل بأن تكون البلدة المقدسة, تحت الإدارة الدولية, مثلما نص قرار التقسيم عام 47م , على أن يتمتع أتباع كل ديانة بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية, فكلنا نعبد الله ؟
- هل الصراع مع إسرائيل هو صراع عربى إسرائيلى, أم صراع إسلامى يهودى ؟
- هل تمادينا فى تدليل الفلسطينيين, حتى باتوا يعيروننا بأنهم يواجهون عدونا الأكبر بالنيابة عنا جميعاً, رغم أنهم فى الحقيقة لا يقاتلون إلا بعضهم البعض ( فتح فى مواجهة حماس ) ؟
- هل سيقبل العرب من سوريا, التى عجزت عن استعادة مجرد هضبة اسمها الجولان, ولم تستطع أن تنظم فيها أى مقاومة شعبية, أن تدعى بأنها زعيمة جبهة الصمود والتصدى والممانعة ؟
- متى سينتهى الصراع العربى - الإسرائيلى ؟
- ومتى سينتهى الصراع الفلسطينى - الفلسطينى ؟
- ومتى سيعم السلام المنطقة العربية ؟
- بل, ومتى سيعم الحكم الديمقراطى الدول العربية ؟
وأخيراً .... وبعد 37 عاماً ... من نصر أكتوبر ...
- لماذا لا نشعر بالنصر , لأن من يشعر بالنصر لا يقبل أبداً بالقهر والاستبداد ؟
- ولماذا لا نشعر بالسلام, لأن من يشعر به, لا يملأ قلبه بالكراهية والتعصب والغل الأسود ؟
- ولماذا أصبح من جلبوا لنا النصر, هم من جلبوا لنا الفقر والتخلف والفساد والاستبداد ؟ 
.. إنها أسئلة لم نعتد طرحها,
 ولكن يبدو بأنه قد آن الأوان,
لكى نبحث لها عن إجابات,
قد تكون خاطئة, وقد تكون صحيحة,
ولكن عدم طرحها على الإطلاق,
هو تقييد لإمكانية الفهم ؛ وكبح لها.
---------------------------------                 

                دكتور/ محمد محفوظ       

15 سبتمبر 2013

استدعاء الأشباح لمقاومة التغيير

 استدعاء الأشباح لمقاومة التغيير

              دكتور / محمد محفوظ 

نشر : نوفمبر 2008

( الهيمنة – الأطماع الخارجية – السيطرة على ثروات الأمة – التبعية للخارج – التدخل الخارجى – الهجمة الاستعمارية – الاستعمار الجديد – الإمبراطورية الأمريكية – الحرب على الإسلام والمسلمين – تحقيق التفوق لدولة إسرائيل ..... إلخ ) .

هذه هى الأشباح الجديدة القديمة التى تروج لها بدون كلل ثلاثة اتجاهات سياسية متباينة ومتعارضة ومتصادمة ومتقاتلة , و لكن العجيب أنها تتضامن مع بعضها البعض فى استدعائها لهذه الأشباح , انطلاقا من اتفاقها جميعا فى شيء واحد فقط هو : العداء للحرية والديمقراطية .
وهذه الاتجاهات هى  :
-       أبواق و أقلام وأتباع نظم الحكم القائمة فى المنطقة العربية .
-       الأصوليون الإسلاميون .
-       اليساريون (  القوميون العرب  –  الناصريون  ) .

وللأسف فان كراهية هذه الاتجاهات للحرية والديمقراطية تؤكدها وقائع التاريخ ومجريات الحاضر ,  وهذه النتيجة تتأسس على مبدأ هام ينص على أن ( أفضل أسلوب للحكم على أى اتجاه سياسى يتمثل فى معاينة النتائج التى أسفرت عنها سياسات هذا الاتجاه عندما تم تطبيقها  على  أرض الواقع ) .
وعند تطبيق هذا المبدأ على حصيلة ممارسات هذه الاتجاهات الثلاثة عند توليها لمقاليد الحكم فى أى بلد , فإننا سنجد بالفعل أن هذه الاتجاهات معادية للحرية ومناوئة للديمقراطية .
فالوقائع الراهنة والتاريخية تؤكد بأن هذه الاتجاهات الثلاثة أذاقت الشعوب التى شاء لها حظها العاثر أن تقع تحت قبضة حكمها الذل والمهانة والقهر والاستبداد , بالإضافة إلى تبديدها  لثروات هذه الشعوب إما فى مغامرات عنترية غير محسوبة لمعاداة القوى الكبرى , أو فى تمكينها اللصوص والمرتزقة من نهب المال العام .

وإذا بدأنا بنظم الحكم الراهنة القائمة فى المنطقة , فان الأمر لن يحتاج إلى كتابة أية كلمات لتوضيح النتائج التى ترتبت على استئثار هذه النظم بالسلطة وتخريبها للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتعليمية والعلمية  ... إلخ . و ذلك لأن أرض الواقع المعاش تصرخ بما هو أبلغ من كل الكلمات التى يمكن أن تعجز عن وصف هذا الواقع الكئيب المعادى للحرية والديمقراطية .
أما الاتجاه اليسارى ( القومى أو الناصرى ) فان نظام ناصر 67 الذى أضاع فى 6 ساعات أراضى من 4 دول عربية , ونظام الأسد 73 الذى عجز فى ظل زلزال نصر أكتوبر عن تحرير رقعة محدودة من الأرض ( مرتفعات الجولان ) ولم يجرؤ على تنظيم أى مقاومة مسلحة بداخلها أو تسريب المقاتلين من حدوده إلى حدود هذه الرقعة المحتلة , بينما يتغاضى عن ضبط الحدود مع العراق لتمكين عناصــــــر الإرهاب من اختراقها لتخريب التجربة الديمقراطية الوليدة هناك . ونظام القذافى الذى بدد الثروة البترولية الليبية فى مغامرات إرهابية ويسدد الآن أضعافها لدفع تعويضات لضحايا هذه المغامرات . ونظام صدام الدموى الذى أحال العراق إلى معتقل كبير يسكنه الخوف والطغيان والقتل الجماعى والتنكيل وابتزاز دول الجوار .... إن كافة هذه النظم القومية المزعومة لا تمتلك أية إنجازات للحرية والديمقراطية على أرض الواقع المعاش , إلا حرية الفوضى والدمار والاستبداد والقهر والتصادم مع العالم أجمع من أجل شعارات رنانة صارخة يكذبها كل شئ على الأرض .
أما الاتجاه الأصولى فنتائج حكمه بدءاً من الدولة الإسلامية القديمة ( الدولة الأموية – العباسية – العثمانية ) وصولا الى حكم آيات الله فى إيران وحكم الإسلاميين فى السودان وحكم طالبان فى أفغانستان .. توضح بأن الحياة فى ظل نظم الحكم الحالية أو نظم الحكم القومية هى بمثابة جنة سماوية قياسا بجحيم التعصب الدينى وفتاوى الحاكمين بأمر الله التى لا تقبل الجدل أو الاستئناف أو النقض , فاتهامات الكفر والزندقة والخروج على صحيح الدين وإجماع الأمة وولى الأمر , كلها اتهامات نهائية تبيح القتل مباشرة , وكل ذلك تحت اسم الشريعة الغراء والحكم بما أنزل الله .

وبالتالى ..  ينبغى علينا فى ضوء النتائج التى يصرخ بها أرض الواقع أو حقائق التاريخ , أن نرفض كمواطنين نمتلك الوعى السياسى والحس الوطنى تسليم عقولنا للخديعة مرة أخرى , لكى يتبول بداخلها المستبدون الطغاة أعداء الحرية والديمقراطية , فليس مكتوبا علينا أن نظل فى غفلة مدى الحياة , وبالتالى نوفر الفرصة تلو الأخرى لأسوأ من فينا لكى يستغفلوننا ويحكموننا بالحديد والنار .
ينبغى علينا جميعا كمواطنين نعشق الحرية , أن ننقل رسالة واضحة للمستبدين , بأن استدعاء أشباح التدخل الخارجى المزعوم  لم تعد تهز  فينا  شــــــــــعرة , فى ظل حقائق التاريخ التى توضح لنا بأن الديمقراطية اليابانية والألمانية نشأتا نتيجة التدخل الخارجى , ورغم ذلك أصبحت الدولتان من أكبر القوى الاقتصادية فى العالم , ولم تنهب الإمبريالية المزعومة أو الاستعمار الوهمى ثرواتهم ولا يحزنون .
 ولا تحدثوننا عن دعم أمريكا أو الغرب لنظم حكمنا الاستبدادية فى الماضى القريب , لأننا نعلم أن ظروف الحرب الباردة فرضت على المعسكر الغربى التعاون ولو مع الشيطان من أجل تدمير إمبراطورية الطغيان الســـــــــوفيتية , وبالتالى فما تروجون له أصبح خدعة قديمة لن نشربها كما شربنا غيرها بالماضى .

أيها الدجالون .. تحضير الأشباح والعفاريت لمقاومة وإجهاض التغيير لم يعد يخيل علينا أو يرهبنا أو يخدعنا . وإذا كان ( اللى بيخاف من العفريت بيـــــــــــطلع له ) , فإننا نقول لكم بأن الشعوب العربية بلغت سن الرشد السياسى , وينبغى عليها كى يحترمها العالم ألا تخاف من أشــــــــباحكم وعفاريتكم بعد اليوم .

*****
                                                        دكتور / محمد محفوظ


  

حسابات النصر و الهزيمة فى الحرب الإسرائيلية اللبنانية

حسابات النصر و الهزيمة فى الحرب الإسرائيلية اللبنانية

                                  دكتور / محمد محفوظ

نشر : أغسطس 2006

لا تنكشف نتائج الحروب إلا بنهايتها .. ولا يمكن التعرف على هذه النتائج  إلا من خلال استخدام المنهج المقارن لمقارنة الوضع القائم قبل الحرب بالوضع الجديد الناشئ بعدها . إذ إن الحرب ليست مشاجرة صبيانية تتحدد نتائجها بناءاً على قدرة أحد الأطرف على إغاظة الطرف الآخر أو استفزازه أو تمزيق ملابسه  .
 وبالتالى .. وحتى يمكن تقييم حسابات النصر وحسابات الهزيمة فى الحرب الإسرائيلية اللبنانية , فإنه لا بد من تطبيق هذا ( المنهج المقارن ) على ضوء ( القاعدة المعيارية ) التى توضح بأن : ( المنتصر هو الذى يصبح وضعه بعد الحرب أفضل من قبلها , والمهزوم هو الذى يصبح وضعه بعد الحرب أسوأ من قبلها ) .
ومن خلال استخدام ذلك المنهج و تطبيق تلك القاعدة المعيارية - على الأوضاع قبل الحرب و الأوضاع بعدها - يمكن أن نقرر بأسلوب علمى  أى الطرفين يقف فى خانة النصر وأيهما يقبع فى خانة الهزيمة .
فما هى إذن الأوضاع التى كانت قائمة ومستقرة قبل الحرب لكل طرف من الطرفين ؟؟

الأوضاع القائمة قبل الحرب بالنسبة لحزب الله :
-   الانتشار العسكرى فى مناطق الجنوب اللبنانى حتى الحدود اللبنانية الإسرائيلية ( الخط الأزرق ).
-      الدعم التمويلى و التسليحى من إيران و سوريا .
-      القدرات التسليحية المتمثلة فى الصواريخ التكتيكية القادرة على الوصول إلى شمال إسرائيل .
-   النفوذ الاجتماعى بمناطق الجنوب اللبنانى من خلال انتشار المؤسسات الاجتماعية والخيرية ( الصحية والتعليمية والإعلامية والتثقيفية والدينية ) .
-   التأييد الشعبى فى الداخل اللبنانى الناشئ عن الاحتفاء الدائم بحزب الله باعتباره (على حد قول اللبنانيين ) صاحب الفضل فى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان حتى تمام الانسحاب عام 2000 .
-   المناورة السياسية المتمثلة فى إمكانية استثمار النتائج العسكرية لتحقيق مكاسب سياسية ( مثل عمليات تبادل الأسرى بين حزب الله و الجانب الإسرائيلي ) .

الأوضاع القائمة قبل الحرب بالنسبة لإسرائيل :
-   احتلال مزارع شبعا , و عدم التواجد العسكرى بباقى مناطق الجنوب اللبنانى بسبب الانسحاب عام 2000 .
-   التوجس من القدرات الصاروخية لحزب الله والتى يمكن أن تصل إلى مدن شمال إسرائيل .
-      التفوق العسكرى الإسرائيلي جوياً وبحرياً وبرياً .
-      ضعف الدعم الأوربي للسياسات الإسرائيلية بمنطقة الشرق الأوسط .

كانت هذه إذن الأوضاع القائمة قبل الحرب بالنسبة للطرفين , ولكن بوقوع الحرب واستمرارها لمدة شهر وصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 , فإن ثمة أوضاعاً جديدة ستنشأ  لترسم مجموعة من التحولات تعزز من حسابات النصر أو  تفضح حسابات الهزيمة . فما هى إذن الأوضاع الجديدة التى ترتبت على هذه الحرب ؟؟؟

الأوضاع الناشئة بعد الحرب بالنسبة لحزب الله :
      -  عدم تحرير مزارع شبعا .
-   انتشار الجيش اللبنانى و قوات الطوارئ الدولية فى جنوب لبنان حتى الحدود مع إسرائيل وسوريا .
-   فرض طوق من الحصار على الدعم التسليحى المتسرب لحزب الله من سوريا وإيران أو أية أطراف أخرى واقتصار التسليح على الجيش اللبنانى .
-   تدمير نسبة كبيرة من القدرات الصاروخية لحزب الله خلال القصف الجوى الإسرائيلي والتوغلات البرية .
-   صياغة رسالة شديدة الوضوح من إسرائيل إلى حزب الله مفادها بأن الرعب الصاروخى وإن أدى إلى تعطيل الحياة فى إسرائيل , فإنه أدي إلى تدمير البنية التحتية للحياة المدنية فى لبنان , وبالتالى فإن هذا الثمن الفادح يمسخ شعار توازن الرعب لكى يتحول إلى تفاوت الرعب .
-   تدمير البنية المؤسسية لحزب الله فى المجتمع اللبنانى من خلال قصف معظم المقرات والمؤسسات الاجتماعية والخيرية والصحية والاجتماعية .. إلخ .
-   موت المناورة السياسية بالسكتة العسكرية , والتى تمثلت فى القراءة السياسية الخاطئة لحدود الرد الاسرائيلى على عملية خطف الأسرى الإسرائيليين , وبدلا  من جنى ثمار هذه العملية لتحقيق نتائج سياسية كالمرات السابقة , فقد أدت النتائج العسكرية إلى نتائج عسكرية مضادة وكارثية .
-      اتساع التأييد الجماهيرى لحزب الله ليمتد من الداخل اللبنانى إلى الخارج العربى والإسلامي.

الأوضاع الناشئة  بعد الحرب بالنسبة لإسرائيل :
-   استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا , وإعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لمناطق من جنوب لبنان . ولعل المفارقة هنا تتمثل فى أن المقاومة التى يتم التعامل معها باعتبارها أخرجت إسرائيل من الجنوب عام 2000  , هى نفسها التى أعادت الاحتلال مرة أخرى .
-   استمرار التفوق العسكرى الجوى والبحرى لإسرائيل , وتراجع التفوق العسكرى البرى فى مواجهة القوات غير النظامية لحزب الله التى تمارس أساليب حرب العصابات .
-   إحراج قوى السلام فى إسرائيل وقوى اليمين المعتدل , وإتاحة الفرصة لصعود حجج المتشددين و قوى اليمين المتطرف الرافضة للإنسحابات الأحادية الجانب للقوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة والتى ما إن تخرج منها إسرائيل حتى يسيطر عليها المتشددون الإسلاميون ( حماس فى غزة و حزب الله فى جنوب لبنان ) .
-      تراجع سمعة الجيش الإسرائيلي انطلاقاً من مأزقه فى مواجهة قوات غير نظامية .
-   تصاعد الدعم الأوربي للسياسات الإسرائيلية فى مواجهة حزب الله , مما انعكس على المقررات التى نص عليها القرار 1701 وتوافقها مع معظم الأهداف الإسرائيلية من الحرب مع حزب الله.

وبناءاً على ما سبق .. فإن مقارنة أوضاع ما قبل الحرب بالأوضاع الجديدة الناشئة بعدها - على ضوء القاعدة المعيارية السابق توضيحها – ستوضح بأنه  إذا كان معظم ما  أرادته إسرائيل قبل الحرب قد تحقق بعدها , وإذا  كان معظم ما رفضه حزب الله قبل الحرب قد وافق عليه أو اضطر إلى الموافقة عليه بعدها . فإن إسرائيل بهذا المعنى تكون قد انتصرت مادياً و لكنها انهزمت معنوياً , فى حين أن حزب الله قد انهزم مادياً  ولكنه انتصر معنوياً .

فلقد انتصرت إسرائيل مادياً لأنها ما زالت تحتل مزارع شبعا وأصبحت تحتل مناطق من الجنوب اللبنانى ودمرت المؤسسات الاجتماعية لحزب الله و نسبة كبيرة من قدراته الصاروخية و العسكرية . وأجبرت الدولة اللبنانية على استخدام ورقة الجيش اللبنانى ونشره فى الجنوب معززاً بقوات الطوارئ الدولية لإضعاف سيطرة حزب الله . ولعل ما حققته إسرائيل سياسياً بالقرار 1701 كان بسبب التدخل العسكرى وبعده ومترتباً عليه . وبالتالى أكملت النتائج السياسة العملية العسكرية كما فعلت مصر فى حرب أكتوبر عام 1973 , عندما أكمل السادات الهجوم العسكرى بالمبادرة السياسية فاكتمل بذلك النصر العسكرى . إذ إن السياسة دائماً هى الأصل والحرب ما هى إلا حلقة من العنف داخل سلسلة العملية السياسية الدبلوماسية .
ولكن إسرائيل انهزمت معنوياً لأن سمعة جيشها وسطوة نفوذه قد ضُربت فى الصميم عندما لم يحقق الهدفين الكبيرين عسكرياً وهما الإفراج عن الجنديين الأسيرين ووقف إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل . ولعل أى خبير عسكرى يستطيع أن يتفهم بأن القادة العسكريين الإسرائيليين لم يكونوا بالسذاجة التى يتوقعون من خلالها إمكانية تحقيق هذين الهدفين عسكرياً  , ولكنهم اعتقدوا أنه من خلال شدة وطأة القصف على لبنان - نتيجة تداخل المقاومة بمؤسساتها فى بنية المجتمع المدنى اللبنانى – فإن حزب الله سيرضخ ويوقف إطلاق الصواريخ ويفرج عن الأسيرين من أجل حماية المدنيين اللبنانيين . ولعل تقدير إسرائيل هنا للحسابات الإنسانية للحركات الإسلامية المسلحة كان خاطئاً , مما أدى إلى هزيمتها المعنوية  . ولكن هذه الهزيمة ما هى إلا هزيمة مؤقتة تتعلق بمرحلة عسكرية انتقالية تمر بها كافة الجيوش النظامية فى الوقت الراهن , وتتمثل فى أن التكنولوجيا العسكرية الراهنة تعجز عن إلحاق الهزيمة الساحقة بأية قوات غير نظامية . ويؤكد ذلك مأزق الجيش الأمريكي فى مواجهاته مع الجماعات المسلحة فى العراق ومن قبله الجيش السوفيتى فى أفغانستان . وهذا يوضح بأن الكرة الآن أصبحت فى ملعب مراكز أبحاث التكنولوجيا العسكرية التى ستعكف على ابتكار تكنولوجيا جديدة يمكنها إلحاق الهزيمة الساحقة بأية قوة غير نظامية بأقل الخسائر الممكنة . ولعل العقد القادم لن يمر قبل ظهور هذه التكنولوجيا فى ظل الاستنفار العالمى لمواجهة المنظمات الإرهابية  .
أما حزب الله .. فقد انهزم مادياً لأن إسرائيل مازالت تحتل مزارع شبعا بل وزادت عليها بمناطق من جنوب لبنان . ولأن الجيش اللبنانى بدأ انتشاره فى مناطق الجنوب معززاً بقوات الطوارئ الدولية الأمر الذى سينتقص بلا شك من انفراد حزب الله بالسيطرة على هذه المناطق . ولا شك بأن الدولة اللبنانية ستعد برنامجاً طموحاً لإعادة إعمار مناطق الجنوب لكى تقلص من النفوذ الاجتماعى لحزب الله وتفوت عليه الفرصة للانفراد بإعادة الإعمار .
كما انهزم حزب الله مادياً لأنه كان السبب فى تدمير البنية التحتية للدولة اللبنانية وإحراجها وإظهارها بمظهر الدولة ناقصة السيادة , بل وأدت الحرب إلى أن يظهر الجندى الإسرائيلي وهو  يموت دفاعاً عن شعبه , بينما كان الشعب اللبنانى يموت بسبب اندماج المظاهر العسكرية للمقاومة داخل البنية المدنية اللبنانية .
ولكن فى المقابل فقد انتصر حزب الله معنوياً , لأن دائرة مؤيديه اتسعت لتشمل الجماهير العربية والإسلامية . و لكنه نصر مؤقت فرضته حالة المراهقة السياسية التى تعيشها الجماهير العربية , تلك الحالة الناتجة عن أساليب التضليل الإعلامي التى مارستها لسنوات وسنوات  المؤسسات الإعلامية العربية التابعة لأنظمة الحكم الاستبدادية , مما أدى إلى تشويه البنية الفكرية لدى الجماهير . فالاستبداد لا يشوه فقط البنية السياسية والاقتصادية والتركيبة الاجتماعية , وإنما يشوه أيضاً البنية الفكرية لدى الجماهير ويشوه الصور فى رؤوسها , ويجعلها  تتخذ مواقفها السياسية وفقاً لمحددات عاطفية تتغذى بمشاعر التعصب و الكراهية , وهكذا تتورط هذه الجماهير دائماً لكى ترفع على أعناقها أسوأ أبناءها  .
وبالتالى فإن الجماهير العربية ستكتوى بنيران زعمائها المقاومين الجدد , كما اكتوت بنيران قادتها المستبدين الراحلين أو الجاثمين . ولعل هذه الجماهير فى مراهقتها السياسية تشبه المراهق الذى أحب فتاة ساقطة ولم يعرف حقيقتها لقلة خبرته بأمور النساء , وعندما هجرته فجأة لتذهب لغيره , انكسر قلبه وظل الجرح متوارياً داخله , حتى مرت الأعوام وأصبح عقله أكثر نضجاً  فتخلص من ذلك الجرح وعرف حقيقة الفتاة التى أحبها , وإذا به يتعجب من حبه لها فى يوم من الأيام , ويتساءل دائماً : كيف أحببت يوماً ما هذه الساقطة ؟!!
ولعل أحفاد الجماهير الألمانية التى عاصرت هتلر وهللت له عندما غزا أوربا وشن حرباً على العالم , يتساءلون اليوم نفس السؤال : كيف أيد أجدادنا هذا الدكتاتور المهووس ؟!!  و لعل أحفاد الجماهير العربية فى المستقبل البعيد سيتساءلون السؤال ذاته : كيف أيد أجدادنا يوماً ما هؤلاء المتشددين الفاشلين صُناع الموت والدمار والانتصارات الوهمية ؟!!

*****

دكتور / محمد محفوظ