14 أكتوبر 2017

د. محمد محفوظ يكتب: الكاب والجلباب " كماشة مصرية " .. دولة يوليه ٥٢ وحيثيات الرحيل

 د. محمد محفوظ يكتب : 
الكاب والجلباب " كماشة مصرية "  
دولة يوليه ٥٢ وحيثيات الرحيل


لن تخرج مصر من أزمتها وكبوتها ولعنتها لو ظلت رهينة المحبسين .
ورضخت لأن تكون كالكرة ، تتأرجح وتتلقى الضربات بين طرفين يبدو أنهما متصارعان ، بينما هما في الحقيقة متواطئان . 

طرفان يدل تاريخهما على أن الشعب لا يدخل في حساباتهما ، وإنما غايتهما الوحيدة هي السلطة ، ومعركتهما التليدة تتمثل في أي منهما الأحق بهذه السلطة .

تبحث مصر عن خلطة الحكم الديمقراطي التي تؤسس لقواعد العدالة الاجتماعية ومبادئ الحقوق والحريات وضوابط المحاسبة والشفافية .

ولكن منذ يوليه ٥٢ كانت كل خلطات الحكم التي كابدها المصريون عديمة الصلاحية .

كان الاعتقاد السائد لدى غير المتخصصين حتى انطلاق ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ بأن دولة يوليه ٥٢ هي دولة المتعسكرين .

ولكن ثورة ٢٥ يناير رفعت الحجاب وأسقطت القناع ، وتبين من تحليل التحالفات والتفاهمات والمؤامرات والدسائس والخداعات التي تم صرفها في ماء النهر على مدى الأسابيع والشهور التالية للثورة ؛ وربطها بما تم قبلها على مدى ٥٩ عاماً .. تبين من كل ذلك أن دولة يوليه ٥٢ لها جناحان : جناح المتعسكرين ، وجناح المتأسلمين .

بدأت إرهاصات دولة يوليه ٥٢ مع انطلاق حرب العرب مع إسرائيل بفلسطين عام ٤٨ .

فقد بدأ التحالف " العملي " بين جناح المتعسكرين وجناح المتأسلمين خلال تلك الحرب ، وتلقيا معاً صفعة ومرارة الهزيمة القاسية . وكرد فعل دفاعي لعدم الاستسلام لمرارة الهزيمة ، كان ينبغي تحميل أوزارها للسلطة " الملكية " القائمة والإعداد للانقضاض عليها وإقصائها .

ومنذ ذلك الوقت ، استقرت بذرة دولة يوليه ٥٢ في التربة المصرية . وكان كل طرف من طرفيها في حاجة للآخر . 
فالمتعسكرون يمتلكون البندقية والدبابة وخطة احتلال الإذاعة ، والمتأسلمون يمتلكون الشوارع والمقاهي وقدرة اعتلاء منابر المساجد . 

كان إقصاء السلطة الملكية يحتاج لقوة عسكرية بيد المتعسكرين واحتشاد شعبي بيد المتأسلمين .. وهكذا مدت البذرة جذورها واخترقت التراب بساقها وأوراقها في صبيحة يوم ٢٣ يوليه ١٩٥٢ .

ظهرت دولة يوليه ٥٢ إلى الوجود بجناح ظاهر في العلن هو : جناح المتعسكرين ، وجناح قابع في الظل هو : جناح المتأسلمين .

ومنذ ذلك الحين ، يحاول جناح الظل الخروج للعلن بالعمل الدعوي كستار للتغلغل السياسي ، أو بالعمل المسلح لنسف الانسداد والقمع السياسي . 
بينما يداوم جناح العلن على احتواء جناح الظل أو محاصرته أو مطاردته . 
وكانت دائماً أدوات الطرفين في هذا الصراع هي : الصفقات أو التفاهمات أو المساومات أو المؤامرات أو التصادمات الدموية ، تنكيلاً وإعداماً .. أو اغتيالاً وإرهاباً . 

توضح العهود المتتالية لدولة يوليه ٥٢ تلك الديمومة لهذا التحالف الصراعي بين الكاب والجلباب .. عهد نجيب ثم ناصر ثم السادات ثم مبارك ثم المجلس العسكري ثم مرسي ثم السيسي .

ولذلك .. لم تعد هناك جدوى من تعداد البراهين التي تثبت العلاقة بين تنظيم الضباط الأحرار وجماعة الإخوان . فلقد أصبح الأمر مكشوفاً للعيان وامتد خارج المذكرات والمراجع التاريخية والسياسية ليصل إلى المسلسلات الدارمية على القنوات الفضائية .

ولعل الجزء الثاني من مسلسل الجماعة يؤرخ لتلك العلاقة ، رغم كل التحفظات التاريخية من المتأسلمين والمتعسكرين على حدٍ سواء .

لا نفتأت على دولة يوليه ٥٢ عندما نؤكد بأن جناحها القابع في الظل هو جناح المتأسلمين ، لأن واقع حالها يؤكد بأنها لم تفتح الطريق لأي جناح مدني لكي  يحل محل جناح المتأسلمين ، بل كانت دوماً تمارس الإضعاف والتشتيت لأي فصيل مدني يبرز على الساحة ، وما كانت أي مبادرة - لنظام يوليه ٥٢ - لفتح حارات هامشية ضيقة للتيار المدني ، إلا من أجل التحايل على الضغوط الخارجية التي تطالب بالمزيد من التحولات الديمقراطية . ورغم ذلك ما كانت تخلو هذه الحارات الضيقة من العيون والأذرع الأمنية لزرع الفتن وشق الصفوف .

فقد دأبت دولة يوليه ٥٢ على استخدام جناح المتأسلمين لضرب التيار المدني اليساري منه أو الليبرالي . ولكنها لم تستخدم أبداً التيار المدني بيساره أو يمينه لضرب فصيل من فصائل المتأسلمين ؛ إلا وهي تضع يدها في الخفاء مع فصيل متأسلم منافس لتظل فزاعة المتأسلمين حاضرة ؛ من خلال سياسة خبيثة تجسمت بالخصوص في عهد مبارك ؛ وتمثلت في ضرب فصائل المتأسلمين بعضهم ببعض .

وجدت دولة يوليه ٥٢ في التيار السلفي غايتها المنشودة ، ففتحت له المساجد والزوايا ، وغضت الطرف عن جمعياته الخيرية أو الدعوية ، وكل ذلك كي لا يتم ترك الساحة المجتمعية الدعوية لفصيل الإخوان منفرداً . 

ولعل الأيام السابقة لاستفتاء ١٩ مارس ٢٠١١ عقب ثورة يناير توضح بأن ذلك البروز المفاجئ لتيار السلفيين على الساحة السياسية كان مستنداً على قاعدة متراكمة ومستقرة ، لذلك سرعان ما امتلأت جدران الشوارع المصرية بلافتات على غرار : الشريعة خط أحمر ، والمادة الثانية في الدستور خط أحمر . 

فقد تم إعطاء الضوء الأخضر للسلفيين من رعاتهم ومروضيهم في الدوائر السلطوية للنزول للساحة وعدم تركها خالية للإخوان المسلمين .

ولهذا لم تكن علاقات المجلس العسكري بائتلاف شباب الثورة في غضون أحداث ثورة ٢٥ يناير إلا من باب إرضاء عواطف الجماهير ، وخلق الانطباع بوقوف المجلس مع أهداف الثورة . بينما في الغرف المغلقة كانت تتم التسويات والمفاوضات والمساومات بين الطرفين : طرف المتعسكرين وطرف المتأسلمين .

كان المتعسكرون يقدمون البسمة والتحية العسكرية لشباب الثورة وشهدائها ، بينما يدهم اليمنى في يد الإخوان ويدهم اليسرى في يد السلفيين.

ولكن السؤال الاستفهامي الاستنكاري الذي يطرح نفسه هو : كيف يمكن لدولة أن تستمد وجودها من طرفين متصارعين متباغضين ؟!!!

والإجابة وبكل بساطة تتمثل في العلاقة بين المرض والدواء ، فكل منهما نقيض للآخر ، ولكن لو غاب أحدهما فلا مجال لوجود الآخر . 

الطرفان يتصارعان في ظل علاقة تكاملية تضمن الحفاظ على كليهما بما يكفل دوام هذا الصراع . فلو تم القضاء على المرض لانتفى الغرض من وجود الدواء ، ولو اختفى الدواء لماتت كل الموجودات التي يستهدفها المرض .

وهكذا هي العلاقة بين المتعسكرين والمتأسلمين ؛ فكل طرف منهما يرى نفسه الدواء بينما يرى الطرف الآخر باعتباره المرض . ولذلك كل منهما يريد فقط إضعاف الآخر دون القضاء عليه لاستخدامه كفزاعة مزمنة .

ولكن ، لعل مصطلح دولة يوليه ٥٢ قد لا يبدو دقيقاً من الناحية الاصطلاحية ، باعتبار أن ما أفرزته ٢٣ يوليه هو مجرد نظام للحكم ، يمثل جزءاً فقط من الدولة التي هي بحكم التعريف السياسي تتكون من : شعب ، وأرض ، ونظام .

ولكن رغم عدم دقة المصطلح من الناحية النظرية ، إلا أنه يبدو صائباً ودقيقاً من الناحية العملية ، وذلك لأن الحدود الفاصلة بين الدولة والنظام تذوب في ظل النظم الاستبدادية التي تتضخم وتتغول لتبتلع بداخلها كل السلطات والأركان التي تتكون منها الدولة ، لتنطبق عليها المقولة الأشهر لملك فرنسا لويس الرابع عشر : أنا الدولة والدولة أنا .

فشلت دولة يوليه ٥٢ في كل تحدياتها .. عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً وصناعياً وزراعياً وإقليمياً ودولياً ، وبالطبع فشلت قبل كل ذلك .. ديمقراطياً .

٦٦ عاماً من الفشل المستمر ، وقمع الحريات ، ووأد الحقوق ، وتبديد الموارد واهدار الثروات ، والتفريط في الأرض ، وإفقار الناس ، وإفساد الذمم والأخلاق .

ولكن الاعتراف بهذا الفشل تقيده سلاسل من النكران تفتقر إلى البرهان ، نتيجة عاطفة الربط بين جمال عبد الناصر ودولة يوليه ٥٢ باعتباره حامل لوائها والنجم الساطع بين رموزها .

ولكن سواء كان هذا الربط منطقياً أو حتى عاطفياً .
فإن مصر تظل حجة على عبد الناصر .
ولا ينبغي أبداً لعبد الناصر أن يكون حجة على مصر .

من كان يحب عبد الناصر ، فإن عبد الناصر قد مات سياسياً عام ١٩٦٧ وشيعت جنازته جماهيرياً عام ١٩٧٠  .

ومن كان يحب مصر ، فإنها مازالت حية ولازلنا نجاهد كي لا تموت .

أرجوكم اخلعوا أرديتكم الأيدلوجية البالية ، واسمحوا لمصر أن ترتدي ثوباً جديداً يليق بموقعها وتاريخها وشعبها .

فلقد استنفذت دولة يوليه ٥٢ كل قدراتها ، ونالت كل فرصها . ويبدو حكم السيسي النقطة الأخيرة في منحنى صعودها ، والنقطة الأولى في منحنى هبوطها إيذاناً بسقوطها . 

لذلك لن تظل مصر بأرضها وشعبها أسيرة لنظام حكم المتعسكرين المدجج بالبندقية والدبابة . أو رهينة لفزاعة نظام حكم المتأسلمين الملغم بالحزام الناسف والمولوتوف .

فشل الكاب في القيام حتى بوظيفته الحصرية وهي : الحماية ، حماية الأرض. 

وفشل الجلباب في الحفاظ على رسالته الدعوية وهي : حفظ الدين . 

ذلك أن تداخُل الحكم مع الحماية يعسكر الحكم ويشتت جهود الحماية . 

واختلاط الدين بالسياسة يؤلِّه الساسة ويدنس طهارة الدين .

لذلك ينبغي على المصريبن أن يمتلكوا الوعي بضرورة رحيل دولة يوليه ٥٢ بجناحيها : الكاب والجلباب . 
فقد امتلك المصريون في ٢٥ يناير الإرادة لإسقاط نظام مبارك ، ولكنهم لم يمتلكوا الوعي بأن مبارك - وكل من كان قبله وكل من أتى بعده - مجرد ظل لدولة يوليه ٥٢ . 
لذلك ما أن سقطت كرة السلطة حتى بدأ الصراع عليها بين الكاب والجلباب ، فاستلمها الكاب انتقالياً ، ليحوزها الجلباب انتخابياً ، ليستردها الكاب في انقلاباً شعبياً ، لتستمر دولة يوليه ٥٢ قائمة على طرفيها ، ومنتجها الوحيد : الضجيج بلا طحين .

لذلك آن الأوان لدولة يوليه ٥٢ أن ترحل بجناحيها غير مأسوف عليها . فمن حق مصر وشعبها الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية التي تهجر منهج الصراع والاقتتال على السلطة ، وتؤسس لمنهج المنافسة على ثقة الشعب واختياراته ومطالبه وطموحاته .

قانون الكماشة الأول يؤكد بأن طرفيها يدوران في اتجاهين متعاكسين حول محورها . 

وقانونها الثاني يحتم بأن يتباعد طرفاها ثم يتقاربان لإحكام القبضة حول الضحية . 

محور الكماشة المصرية هو السلطة . وطرفاها أحدهما الكاب والآخر الجلباب . أما الشعب المصري فهو .. الضحية !!

المباراة بين الكاب والجلباب لا معنى للنتيجة فيها لأنها مباراة مستمرة ، يتصارع فيها الفريقان بالعمائم والبيادات على كرة السلطة ، والشعب محصور في المدرجات إما بقوة الأسلحة النارية أو بأس السلطة الروحية ؛ ليتابع الهجمات والهجمات المرتدة وضربات الجزاء والضربات الركنية في المباراة الهزلية بين كل من : الديكتاتورية العسكرية ، والديكتاتورية الدينية .
*****

- موقع إضاءات : معتز ممدوح : الضباط الأحرار والإخوان المسلمون ( القصة كما لم ترو من قبل )
https://www.ida2at.com/free-officers-muslim-brotherhood-story/


- لينك : هدى عبد الناصر : أبويا كان صديق حسن البنا وكان بيدرب الإخوان على الأعمال الفدائية ضد الإنجليز
https://youtu.be/C5XgXJrvfcs

- هدى عبد الناصر : والدي زار حسن البنا في قبره
https://www.dostor.org/394654

- لينك : جمال عبد الناصر أثناء زيارته لقبر حسن البنا
https://youtu.be/ezvgxXoMeik

- لينك : فاتحة عبد الناصر على قبر الإخوان 
http://www.elyomnew.com/news/inside/2015/09/28/34618

- لينك : شريط نادر يجمع نجيب وناصر والسادات على قبر حسن البنا .. عبدالناصر : " أشهد الله على تنفيذ مبادئه والجهاد في سبيلها " .
ملحوظة : أصبح هذا اللينك غير متاح على موقع العربية نت .
https://www.alarabiya.net/articles/2008/12/04/61396.html
- لينك بديل منسوخ من لينك العربية نت قبل حذفه :
http://www.coptichistory.org/new_page_6901.htm

*****
dr.mmahfouz64@gmail.com






25 سبتمبر 2017

فخ حماس لتوريط السيسي .. وخطة السيسي لاستخدام حماس

د. محمد محفوظ يكتب : فخ حماس لتوريط السيسي .. وخطة السيسي لاستخدام حماس

يبدو بيان حماس الذي أعلنت فيه بتاريخ ١٧ سبتمبر ٢٠١٧ عن حل لجنتها الإدارية في غزة ، ودعوتها حكومة الوفاق الوطني للقدوم فوراً إلى غزة لتولي الإدارة ، وموافقتها على إجراء الانتخابات . يبدو كل ذلك مفاجئاً ومحيراً ، وخصوصاً ما تضمنه ذلك البيان من الإشارة إلى دور المخابرات المصرية في ذلك التوجه الجديد ، وما ترافق مع كل ذلك من تواتر أنباء عن موافقة مصر على فتح مكتب دائم لحماس في القاهرة ، بل وسفر وفد من المخابرات والقوات المسلحة المصرية إلى غزة لتنسيق الأوضاع الجديدة التي ستترتب على بيان حماس .
وبالطبع ووفقاً لكل المعايير ، فإن أي تقارب لحماس الإخوانية مع نظام السيسي الذي تغوص علاقته بالإخوان في مستنقعات دم متبادلة بين الطرفين ؛ هذا التقارب يبدو أمراً مفارقاً لواقع الأيدلوجيات والتحالفات وخارجاً عن مسار التوقعات والترجيحات.
ولذلك يفسر البعض ذلك التراجع أو التنازل الحمساوي ، بأنه ناتج عن وجود حركة حماس في أضعف حالاتها للأسباب الآتية :
- القطيعة مع النظام السوري وحليفه الإيراني .
- سقوط نظام الإخوان في مصر .
- المصالحة التركية الإسرائيلية .
- حصار قطر .
- تقلص وانكماش تجارة الأنفاق بين غزة ورفح ، نتيجة المنطقة العازلة التي أقامتها مصر على الحدود ، ودعمتها حماس بإقامة منطقة عازلة موازية على الجانب الآخر من نفس الحدود .
ولهذا فإن المنطق البسيط يقرر بأن هذه هي اللحظة المناسبة للضغط على حماس لرأب صدع الانقسام الفلسطيني ، وأيضاً لضمان تنازلها عن منهاج التشدد في أي اتفاق فلسطيني إسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية .
ولكن هذا المنطق البسيط يجانبه الصواب ؛ لابتعاده عن الفهم الصحيح لذهنية جماعات تيار الإسلام السياسي التي تعوِّض الضعف السياسي أو العسكري بالعناد الجهادي والهوس المذهبي . بما يجعل هذه الجماعات غير معنية مبدئياً بإيجاد أي حل للقضية الفلسطينية في ظل حكومات عربية تراها هي بمنظورها الجهادي حكومات كافرة طاغوتية عميلة للدولة اليهودية.
ولذلك من مصلحة حركة حماس وكل من يقف معها على خط نار الإسلام السياسي ؛ استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ؛ ومن ثم استمرار إثارة مشاعر الجماهير الإسلامية ضد العدوان على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية . أملاً في اتخاذ ذلك كذريعة لإسقاط الحكام العرب وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستقود المعركة المقدسة لفك أسر الأرض المباركة من دنس الدولة اليهودية .
وبالتالي ؛ فإن التكهن بأن ضعف حماس السياسي يمكن ترجمته لمنطلقات عملية لحل القضية الفلسطينية هو بمثابة مراهقة سياسية . حيث ستحاول حماس اقتناص كل المكاسب لابتزاز الأطراف الراعية للتفاوض لتجاوز كبوتها المرحلية ، وتحويل المفاوضات إلى متاهة عبثية ، لا تهدف منها إلا إلى الإيعاز بتفريط حركة فتح ومحمود عباس في الثوابت الفلسطينية .
وبالتالي يظل السؤال قائماً .. مالذي دفع حماس إلى التراجع خطوات للخلف والقبول بما كانت ترفضه مراراً ؟
لعل هذا السؤال تتوفر له إجابتان :
الإجابة الأولى : إن هذه الخطوات هي خطوات بالفعل للخلف من أجل تغيير الوجهة وخوض غمار طريق جديد .
الإجابة الثانية : إن هذه الخطوات هي مجرد خطوات للخلف من أجل شحذ العزم استعداداً للقفز لمسافة أطول على ذات الطريق القديم .
ولعل الإجابة الثانية هي التي تتوافق مع الواقع الحمساوي على مستوي الفكر والممارسة . وذلك للأسباب الآتية :
أولاً : إن السياق العربي والإقليمي والدولي غير المواتي لحماس جعلها بالطبع تعيد حساباتها وتستعين بالبراجماتية الإخوانية " التقية " ، وتتيقن من أن استمرار سيطرتها على الحكم في غزة لم يعد مناسباً ، لذلك استدعت نموذج حزب الله في جنوب لبنان الذي بامتلاكه للسلاح امتلك السيطرة على الأرض حتى لو كانت حصته في الحكم تمثل الأقلية .
ولذلك سيظل سلاح حماس هو عنوان قوتها ونفوذها على الأرض وعلى القرار السياسي حتي لو تنازلت - إلى حين - عن الحكم والإدارة .
وما يؤكد ذلك أن حماس رغم قبولها بحل لجنتها الإدارية وموافقتها على تسليم الإدارة لحكومة الوفاق الوطني ، فإنها اشترطت بقاء سيطرتها على الأجهزة الأمنية وعدم تحريك المسئولين الحكوميين المحسوبين عليها من مناصبهم .
ثانياً : إن روابط حماس بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين تمثل عقيدة إيمانية ، ولا يمكن الانسياق خلف أي تعديلات أجرتها حماس في مايو ٢٠١٧ على وثيقة مبادئها وسياساتها العامة للخروج بنتائج مفارقة للواقع . فحماس ستظل فصيلا من الجماعة ؛ يلتزم بالبيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره . ولذلك لا يمكن أن يتم أي تقارب بين نظام السيسي وحماس إلا بمباركة قيادة جماعة الإخوان ، ومن أجل استثمار هذا التقارب لتحقيق مصلحة الجماعة ، حتى إن كانت هذه المصلحة تستدعي التمويه والتظاهر بالتخلي عن عقيدة الانتماء للإخوان .
ثالثاً : إن تقديم السيسي لنفسه باعتباره شيخ عرب السلام مع إسرائيل بقصر الاتحادية ، من خلال توجيهه لرسائل السلام للإسرائيليين في خطابه من أسيوط ، ومن خلال الأنباء المسربة عن لقاءاته السرية بنتنياهو ، وإشارته أثناء لقائه بترامب عن صفقة القرن . كل ذلك أوعز لجماعة الإخوان بأن السيسي يشارك في طبخة ما للقضية الفلسطينية بصفة خاصة ، وطبخة مثلها للمنطقة كلها بصفة عامة ، خصوصا بعد تنازله المريب عن تيران وصنافير .
وانطلاقاً من براجماتية الإخوان وتكتيكاتهم التآمرية ، فإن الانخراط في دهاليز صفقة القرن لتعطيلها خير من الوقوف على جانب الطريق لعرقلتها . فمن خلال الآلة الاعلامية الإخوانية وإثارة المشاعر الدينية للشعوب العربية والإسلامية سيتم " تجريس " السيسي ؛ وتقديمه للرأي العام باعتباره " والي عكا " الخارج عن عهد صلاح الدين .
ولعل خير من يقوم بهذا الدور بحكم الانتماء الفلسطيني هو حركة حماس ؛ التي من خلال منهجهها المتشدد في أي مفاوضات مرتقبة ستبدو أمام الشعب الفلسطيني وباقي الشعوب العرببة والإسلامية باعتبارها المدافع الجسور عن الحقوق الإسلامية المقدسة في مقابل حركة فتح التي قد تتساهل لإنجاز التسوية ، وفي مقابل السيسي الذي سيبدو الراعي الرسمي للصفقة الشائكة المشكوك في مراميها وأغراضها .
رابعاً : إن وجود مكتب لحماس في القاهرة ، سيمثل بالنسبة لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي " حصان طروادة " الذي يمكن من خلاله ضمان جمع المعلومات ورصد التحركات عن نظام السيسي ، وتوفير ملاذ آمن ومعاون للعناصر الموالية والحركات المعارضة التي لا تمانع أن تكون متحالفة .
..........
ولكن السؤال المنطقي الذي يطل برأسه يتمثل في الآتي :
- هل نظام السيسي لا يعلم بفخ حماس ودور الإخوان فيه ؟
والإجابة .. بالطبع النظام يعلم ، إن لم يكن بالمعلومات فبالتوقع والتحليل . ولذلك فإن نظام السيسي هو الآخر يستخدم حماس لتحقيق أغراضه في إتمام صفقة القرن ، ومن ثم تقديم نفسه للعالم باعتباره القائد الجديد للمنطقة القادر على حل أزماتها وجمع فرقائها والضامن لأمن إسرائيل .
إذن جماعة الإخوان تعطي الدور لحماس لتوريط السيسي وتجريسه تحت عنوان صفقة القرن .
ونظام السيسي يستخدم حماس لتسليك وتمرير صفقة القرن .
ولعل تلاعب كلا الطرفين بالآخر أو استخدامه له ليس جديداً .
فنظام السيسي هو مجرد امتداد لنظام دولة يوليه ٥٢ بجناحيها العتيدين جناح المتعسكرين وجناح المتأسلمين .
ولا تستطيع دولة يوليه ٥٢ أن تحافظ على وجودها الا باستمرار استخدامها لجناح المتأسلمين باعتباره فزاعة لتبرير استبدادها أو شماعة لتبرير فشلها . وذات الأمر ينتهجه جناح المتأسلمين من خلال استغلاله لاستبداد وفشل جناح المتعسكرين ، للإيعاز للجماهير البائسة بأنه لا خلاص إلا بإقامة الشريعة والتمكين لحكم المتأسلمين .
فخ حماس لتوريط السيسي أو خطة السيسي لاستخدام حماس .. كلاهما مجرد فقرة ساقطة في المسلسل الهزلي المستمر منذ يوليه ٥٢ والذي بسببه علقت المنطقة في مستنقع الفشل والاستبداد .. لتجد نفسها لم تتخلص من الغزاة المحتلين إلا لتستبدلهم بالمحتلين المقيمين الجاثمين .
..........
ملحوظة :
بالطبع فإن ما سبق عرضه .. لا يندرج تحت بند المعلومات .. وإنما يدخل تحت وصف التحليلات .. التي تحاول عرض ما هو راجح من السيناريوهات وفقاً لمبدأ : الإجابات المريحة لا تروي ظمأ التساؤلات الصريحة ...... .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

06 أغسطس 2017

أكذوبة عدم وجود بديل للرئيس

د. محمد محفوظ يكتب : أكذوبة عدم وجود بديل للرئيس بين النصوص المنسية والممارسات السلطانية

الأكذوبة المصرية المزمنة التي تنتقل من عهد إلى عهد ومن حاكم الي حاكم ، مازالت علي صدر مصر جاثمة ومتربعة .
ولذلك يتكرر السؤال الذي يحمل معه إجابته النافية حتي من أشد الناس سخطاً وتبرماً .. وهو : وهل يوجد بديل للرئيس ؟!!
ورغم أن كل التجارب القديمة والحديثة والمعاصرة ؛ أثبتت بأن البديل كان دائماً حاضراً ومتوفراً .
إلا أن البعض مازال للخرافات والأكاذيب منبطحاً ومستسلماً ، ولذلك لا يدرك ولا يفطن .
فالبعض لا يدرك بأن أكذوبة عدم وجود بديل تمثل - والعياذ بالله - مصادرة على قدرة الله تعالىفي خلقه ؛ التي اوجبت أن يتوفر دائماً البديل بالمئات والآلاف ، ليؤكد سبحانه أنه برغم طلاقة قدرته على التمكين لمن يشاء إلا إنه يترك للناس حرية الاختيار من بين كثيرين ليتحملوا مسئولية هذا الاختيار .
والبعض لا يفطن إلى أن هذه الأكذوبة المتبجحة تمثل جريمة مستمرة لسد الأفق أمام الناس ، ومحاصرتهم داخل أسوار وهمية ترهن الحاضر والمستقبل بإرادة فرد من المحتمل أن يحيا أيام أو شهور أو سنوات ، ولكنه حتما في أي لحظة سيموت . 
فقد مات جمال عبد الناصر فجأة وعمره ٥٢ سنة ، وكان الظن المؤكد لدى الناس بأنه لا يوجد بديل . ولكن حل محله السادات وكان بديلاً لم يعجز عن التأثير في الزمان والمكان .
واغتيل السادات فجأة وعمره ٦٣ سنة ، وكان الانطباع المترسب لدى الناس بأن حسني مبارك الذي تهكموا عليه بوصف " البقرة الضاحكة " لا يمكن أن يكون بديلاً للسادات . ولكن مبارك استمر في الحكم لمدة تفوق حكما ناصر والسادات معاً محتلاً للمكان والزمان .
وتم خلع مبارك بعد ١٨ يوماً فقط من اندلاع ثورة ٢٥ يناير ، لتجري في النهر مياه متلاطمة تحمل معها البديل من معسكر الكاب ثم من جماعة الجلباب ، ثم تنغلق الدائرة بالتئام طرفيها مستعيدة البديل من معسكر الكاب .
وهكذا .. ورغم أن البديل الشخصي للرئيس كان وسيظل دائماً حاضراً ومتوفراً ولو كره المضللون .
إلا أن البديل الذي يعنينا ليس هو البديل الشخصي وإنما "البديل المؤسسي".
البديل ليس زيداً أو عبيداً وإنما البديل مؤسسات ، مؤسسات قائمة بمسئولياتها وحاضرة بسلطاتها .
البديل المؤسسي هو أمر تنبه له الدستور ليواجه ميراث سلطات الرئيس المطلقة الكاسحة الجامحة .
ولذلك قلص الدستور الحالي سلطات الرئيس في مقابل سلطات كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء ، لتنتقل السلطة من مستوي القرار الفردي إلى مستوى القرار الجماعي .
ولعل كل ما نراه من ظهور وبروز للرئيس ، واستفراد بالشاشات والميكروفونات ، وإملاء للتوجيهات والتكليفات والتعليمات ، كل ذلك ما كان سيكون إلا لتفريط كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء فيما أفرده الدستور لهما من سلطات ، واستسلامهما للقيام بدور المستخدم المطيع والتابع الأليف الذي ينتظر النداء والاستدعاء فيلبي بالهرولة والاستجابة .
البديل المؤسسي الغائب المتغيب المُـغيب هو الذي يغلق الأفق أمامنا فلا نبحث إلا عن البديل الشخصي . والنتيجة تكون دائماً في صالح من يجلس على كرسي السلطة ، لأنه يوظف كل قدرات هذه السلطة الإعلامية والدعائية والتضليلية ليرسخ القناعة بأن البديل منقطع ومنعدم .
سلطات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي مقيدة في أغلب الأحوال بموافقة مجلس النواب ، وموافقة مجلس الوزراء أو التشاور معه .
فسلطات رئيس الجمهورية في الاعتراض علي القوانين ، وفي تشكيل الحكومة أو إقالتها ، وفي إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة في مهام قتالية خارج الحدود ، وفي اعلان حالة الطوارئ ، وفي العفو عن العقوبة أو تخفيفها أو العفو الشامل ، وفي التصديق على المعاهدات ، وفي تعيين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية ، وفي طلب تعديل الدستور .. كل هذه السلطات مقيدة بموافقة مجلس النواب ، بالإضافة إلى أن بعضها مقيد أيضاً بأخذ رأي مجلس الوزراء أو موافقته .
أنظر مواد الدستور أرقام : ١٢٣ - ١٣٧ - ١٣٩- ١٤٦- ١٤٧- ١٥١- ١٥٢- ١٥٤- ١٥٥- ٢١٦- ٢٢٦
كما أن سلطة رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة وتنفيذها ، مرهونة بمشاركة مجلس الوزراء ، أنظر مادة ١٥٠ من الدستور .
بالإضافة إلى أن الدستور يمنع رئيس الجمهورية من تولي أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة . أنظر مادة ١٤٠ من الدستور .
كل هذه النصوص التي نقلت كثيراً من السلطات إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب في تقليص واضح لسلطات رئيس الجمهورية ، هي للأسف بمثابة نصوص منسية مخفية تحت ركام من الممارسات الرئاسية السلطانية ، التي تم تكريسها بسبب قيام مجلس النواب ومجلس الوزراء بتسليم قيادهما للرئيس ، ومنحه تفويضاً على بياض وتعهداً بالموافقة الآنية والمستقبلية على أي سياسات وقرارات .
إذن البدبل المؤسسي فرضته نصوص الدستور ولكن غيبته تنازلات وتواطؤات الواقع ، ليظل الاعتبار الشخصي هو المهيمن على مفهوم البديل ، وفي ذات الوقت نافياً لأي إمكانية لتواجد مقومات هذا البديل خارج دائرة قبضة الفرد الذي تم شخصنة السلطة وفقاً لمعايير صفاته وقدراته .
ولكن لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما جدوى التأكيد إذن على مفهوم البديل المؤسسي في ظل مؤسسات تنازلت عن كل سلطاتها وأصبحت أقماراً تابعة للرئيس وتدور في فلكه ؟؟؟
والإجابة تتمثل في الآتي :
أولاً : لعدم تكرار خطيئة الابتهاج بخلع أو تخلي " مبارك " عن السلطة ، والتعامي عن أنه كان مجرد ظل للنظام . ذلك النظام الذي وإن فقد ظله إلا أنه لم يخسر كل كيانه ودوائر نفوذه . فالشخص غاب ولكن فلسفة مؤسساته وقواعدها ظلت باقية .
ثانياً : لعدم تكرار خطيئة " مرسي " الذي ينتمي لجماعة منهجها تغليب الاعتبار الشخصي على المؤسسي . فالمرشد العام هو المركز الذي تدور كل الجماعة في فلكه . ولذلك لا تبدو المؤسسات في ذلك النظام إلا أدوات خيوطها بيد المرشد الحاكم بأمره .
ثالثاً : لعدم تكرار خطيئة " السيسي " . فالاعتماد على فكرة الشخص المُخَلِّص تجعل المؤسسات رغم دسترة سلطاتها أطوع لتقديس صنم تتقرب به إلى الشعب زلفى للتهرب من تحمل عناء المسئوليات المنوطة بها .
إذن .. البديل الشخصي للرئيس موجود وإن كان لا يظهر في حيز الوجود . والبديل المؤسسي للرئيس مفقود وإن كان شاخصاً وحاضراً في قلب مواد الدستور .
ولذلك لا يجب أن يشغلنا البديل الشخصي عن البديل المؤسسي . لأن البديل الشخصي في ظل الانقياد والخضوع المؤسسي يفتح الباب لاعادة إنتاج النظام القديم بوجوه وأسماء جديدة مع ذات المناهج والسياسات البليدة .
كما أن البديل الشخصي رغم كونه رمز السلطة ، إلا أنه يتم استخدامه ليكون مجرد ظل للبديل المؤسسي الذي هو مستودع السلطة وبأسها . ولذلك يتم خداع الناس بالبديل الشخصي ليظل البديل المؤسسي كامناً يقتصر دوره على خدمة الدولة من حيث هي سلطة فقط ، ولا يمتد هذا الدور لخدمة مطالب الشعب وتطلعاته .
إذا كنا نبحث عن البديل الشخصي للرئيس . فيجب ألا يجعلنا ذلك نتغافل عن البديل المؤسسي الذي توسع الدستور في صلاحياته خصماً من صلاحيات الرئيس .
ولعل السياسات الناتجة عن السلطات ذات المستوى الجماعي للقرار أكثر رشداً واقتراباً من المصلحة العامة ، قياساً بالسلطة ذات المستوى الفردي للقرار .
وبالتالي هناك مجموعة من الحقائق المرتبطة بثنائية : البديل الشخصي / البديل المؤسسي ، والتي لا ينبغي إهمالها طالما أصبحنا الآن في مرحلة البحث عن البديل .
أولها : إن البديل دائماً موجود والترويج لعدم وجوده أكذوبة متبجحة يروج لها انصار النظام ومعارضيه على حد سواء .
وثانيها : إن ربط الدعوة إلى التغيير بالبديل الشخصي فقط دون تسليط الضوء الساطع على البديل المؤسسي ؛ هو أمر يفضي لا محالة إلى صناعة الديكتاتور ، مهما كان ذلك البديل الشخصي محسوباً على جناح الثورة ومؤيداً لأهدافها . وبالتالي تظل الحاجة للبديل الشخصي مرتبطة قصراً وحصراً باعتباره مجرد وسيلة نحو التمكين للبديل المؤسسي امتثالاً لنصوص الدستور .
وثالثها : إن الواقع السياسي الإعلامي المقيد المكبل المُخترَق مثلما يؤشر إلى ضعف فرصة البديل الشخصي المدني في الوصول للسلطة ، فإنه يشير أيضاً إلى صعوبة فرص البديل المؤسسي المستقل في الاستحواذ على مفاتيحها .
ولذلك .. وفي ظل كل تلك الحقائق التي تؤكد على أهمية البديل المؤسسي وعقبات وموانع التمكين له في ذات الوقت . فإن السؤال الذي سيطرح نفسه باعتباره الأكثر إلحاحاً سيكون هو السؤال التالي :
كيف نخرج إذن من نفق السيسي ؟؟؟
ولعل الإجابة تحتاج إلى مقال آخر إن شاء الله تعالى .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

22 يونيو 2017

د. محمد محفوظ يكتب : المملكة .. من (( السعودة )) إلى (( السلمنة ))

د. محمد محفوظ يكتب : المملكة .. من (( السعودة )) إلى (( السلمنة ))

بصعود الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد في المملكة ، بعد إعفاء سلفه وابن عمه من ولاية العهد ومن كافة مناصبه .
بذلك الصعود تفتح المملكة صفحة جديدة في سجل توارث عرشها . وصفحة جديدة في مسار تطورها السياسي والاقتصادي والعسكري في المنطقة .
ولي العهد الشاب البالغ من العمر ٣١ عاماً وبضعة شهور ، قد يمكث في العرش بعد والده ما بين أربعة أو خمسة عقود ، ستصطبغ فيها المملكة بلونه ورجاله وسياساته وطموحاته المتصاعدة .
يرى ولي العهد الشاب والملك المستقبلي ، أن المملكة تمتلك الكثير من مقومات القوة الشاملة التي تؤهلها لقيادة المنطقة الإسلامية والعربية .
القوة الروحية باعتبارها مهد الرسالة ومقر الحرمين الشريفين .
والقوة الاقتصادية التي تتمثل في تريليونات الأصول السيادية والمحافظ المالية .
والموقع الجغرافي المهم على البحر الأحمر والخليج العربي .
والميراث التاريخي الممتد من حكم قريش لدولة الخلافة الإسلامية الأموية ومن بعدها العباسية .
كل ذلك ينظر له الملك المستقبلي باعتباره مبرر وحافز وقاعدة ، يمكن الانطلاق منها لقيادة المنطقة الإسلامية والعربية بعربها وعجمها . بحيث تصبح حقبة نضوب النفط القادمة لا محالة ، بمثابة فرصة سانحة لكي تثبت المملكة جدارتها في التحول من أرض الصدفة الجيولجية المتناقصة إلى أرض الوعود الاستثمارية الرابحة .
ربما يكون امتلاك القوة النووية بمثابة المفاجأة التي قد يدخرها الملك المستقبلي لكي يؤسس لقيادة المملكة على بساط من القوة المفرطة ، ولكن المحكومة بمعادلات السياسة والأحلاف والعلاقات المتشابكة . والمعاكسة لقوة نووية إيرانية محتملة قد يكون من الأولى موازنة رعبها بدلًا من إشعال مخاطر تدميرها .
وربما تكون عصرنة المملكة لتدشين مؤكدات تحديثها هي المفارقة التي قد يطلقها الملك المستقبلي ، بحيث يتم تغييب الوجه التديني المذهبي للوهابية واستدعاء وجهها الأيدلوجي القيادي التوسعي ولكن بنكهة مزدوجة ، نكهة تستلهم جموح أسامة بين لادن وطموح الوليد بن طلال بما يعزز من قفزات المملكة على مدارج تحديثها وعصرنتها .
مصر في مشهد يقود الأمير الشاب فيه المملكة ؛ مجرد جمهورية تابعة ، ينبغي الحفاظ على انشغالها بمشكلاتها المزمنة ، وإمدادها بهبات ومساعدات ومنح بالقدر الذي يمنع فقط تفككها أو سقوطها .
ودولة الإمارات وباقي دول مجلس التعاون الخليجي ، ينبغي أن تقر بقيادة المملكة لجزيرة العرب لاستعادة المجد الزائل الذي يتطلع له ولي عهدها وملكها المستقبلي ، باعتباره الميراث المستحق لقريش وأحفادها ، بحيث يتحول المجلس إلى نادٍ سعودي تتمثل مسوغات عضويته فقط في رضا المملكة والقبول بتوجهاتها .
وقطر بالذات ؛ في مشهد يقود الأمير الشاب فيه المملكة ، ما هي إلا إمارة متمردة ينبغي أن تعود للفلك . وإلا ينبغي ضمها بالقوة لحدود المملكة .
ولعل فتح النار على قطر في الأسابيع الماضية ، لم يكن للحرب على الإرهاب الذي تتورط في رعايته كل الممالك والإمارات والجمهوريات في الشرق الأوسط الإسلامي أو العربي ، وإنما كان لوراثة دور قطر الإعلامي والسياسي والدولي الذي تراه المملكة حقها الشرعي الذي استلبته منها إمارة تعطي نفسها أكبر من حجمها وأكثر من قدرها .
جزيرتا تيران وصنافير لا تبتعدان كثيرا عما يتم تجهيزه داخل المطابخ السياسية لقصور المملكة . فهما بمثابة عنوان لنفوذ المملكة في البحر الأحمر وخليج العقبة ومضيق تيران . وكارت ذهبي يمكن أن تستخدمه المملكة لكي تلعب دوراً بارزاً في " صفقة القرن " لحل القضية الفلسطينية وتدشين الشرق الأوسط الجديد ، وشغل مقعد العراب الآمر الناهي في المنطقة .
ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي سينتقل فيها العرش - بعد ان يرحل الملك سلمان - من أبناء الملك عبد العزيز إلى أحفاده .
ولكن في ظل ملك شاب قد يتصدر العرش لعقود قادمة ، فربما بل بالأحرى لن ينتقل العرش من بعده إلا لأبنائه ومن بعدهم لأحفاده . بما يعني أن المملكة ستخلع عباءة " السعودة " لترتدي ثوب " السلمنة " .
ولعل الفقرة " ب " من المادة الخامسة لنظام الحكم الأساسي بالمملكة  التي تم تعديلها لتمنع ولاية الابن لعهد والده - من باب ذر الرماد في العيون لتمرير تصعيد ولي ولي العهد لموقع ولاية عهد والده - لعل هذه المادة سيتم - بكل ثقة وبين يوم وليلة في أحد الأعوام البعيدة القريبة القادمة - تعديلها .
ولكن السؤال : هل الأمير الطموح الذي ما زال يشغل منصب وزير الدفاع ، وظن أن الحرب في اليمن قد تضع أوزارها بعد شهر أو اثنين من اندلاعها . فإذا بها تتجاوز العامين دون مدى واضح لقرب انتهائها . هل ذلك الأمير سيقود المملكة بنفس منطق وحسابات حرب اليمن ليكتشف أن طموحاته الشاهقة ستتعثر في أحجار وفخاخ أرض السياسة الدولية ، وأزقة أسواقها الاقتصادية العالمية ، وملاعب قواها العظمى النووية العولمية ؟
المستقبل سيسطر قادم أعوام المملكة . ليقدم إجابة لكل تلك الأسئلة  ، بل وربما عن السؤال الأكثر حساسية ، وهو : هل سيتقبل أحفاد عبد العزيز تدشين أكاليل السلمنة على ضريح أطلال السعودة ؟
*****
- لينكات :
- تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد ذروة ثورة في قيادة السعودية
http://www.bbc.com/arabic/middleeast-40353620
- صعود محمد بن سلمان والمغزى من تعديل الفقرة "ب"
https://arabic.rt.com/middle_east/884736-السعودية-وتداعيات-تعديل-فقرة-من-المادة-الخامسة/
- محمد بن سلمان وليا للعهد بصلاحيات وسلطات "قيصرية"
https://arabic.rt.com/middle_east/884766-الأمير-الشاب-محمد-بن-سلمان-وليا-للعهد-بصلاحيات-قيصرية/?utm_source=spotim&utm_medium=spotim_recirculation

- ما الذي يعنيه اختيار محمد بن سلمان وليا للعهد في السعودية؟
http://www.bbc.com/arabic/interactivity-40357725
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

06 مايو 2017

د. محمد محفوظ يكتب : الأزهر .. بين مبادرات التحديث من أجل التنوير .. ومؤامرات الترويض من أجل الهيمنة


" الطاغية .. هو الذي يقطع شجرة لكي يقطف ثمرة "
قول مأثور



يبدو طريق الحق التفافياً حلزونياً بهلوانياً عندما تتم السيطرة على بواباته من أجل الترويج للباطل .


فكلمة الحق التي يُراد بها الباطل تسيئ لسمعة الحق وتعريه من الثقة وتفرغه من المصداقية ، فينصرف عنه الناس لالتباس الأمر عليهم . فالذئاب عندما تتنكر بوجوه الحملان وفروها ، تجعل الناس يهابون مراعي الحملان الوادعة ، توجساً من أن تكون قطعاناً للذئاب الجائعة المتنكرة .

ولاشك بأن الازهر الشريف كجامعة للعلوم الدينية الإسلامية في حاجة إلى انتفاضة علمية فكرية ، تستهدف مراجعة الأصول التراثية التي تستند اليها علومه ومناهجه ، لتنقيتها من العلوم الزائفة والمناهج المنقرضة .

إذ أن التطور العلمي الهائل أسفر عن مجموعة من النظريات والأدوات والمناهج التي لا ينبغي تجاهلها عند التعامل مع العلوم الدينية التراثية ، لإعادة مراجعتها وتصنيفها في ضوء هذا التطور ، فيتبين ما الذي ينتمي منها إلى العلم بمعناه المعاصر ولا يدخل تحت بند العلوم الزائفة ، وما الذي يعتمد فيها على المناهج العلمية المنضبطة ولا يرتبط بمناهج منقرضة تصدعت مبادئها وسقطت مسلماتها .

ولكن إذا كانت الجهود الحثيثة المريرة المزمنة لتحديث الأزهر تكتسب صفة " المبادرة " ، فإن الجهود المدفوعة المسمومة المشبوهة لإخضاع الأزهر تستحق وصف " المؤامرة " .

ومن هذا المنظور ، يمكن تقييم مشروع القانون المقدم من النائب / محمد أبو حامد ، بشأن تعديل قانون الأزهر والهيئات التابعة له  .
فمشروع القانون مهما تم الترويج له باعتباره خطوة على طريق تجديد الخطاب الديني ، فإنه يأخذ مكانه ضمن القوانين المريبة التي يتم دفع بعض النواب لتقديمها ، لكي تظل الحكومة مختفية في الظل ، طالما هناك من لديه الاستعداد للقيام بدور " الكحول " الذي يستخدمه المقاولون عند بناء المباني بدون ترخيص ، فيتم توقيع العقود للمشترين باسم الكحول بينما صاحب رأس المال يلبس " طاقية الإخفا " للتكويش على الملايين . 

أليس قانون الجمعيات الأهلية الذي تقدم به النائب/ عبد الهادي القصبي مثال على ذلك . وأليس قانون الهيئات القضائية الذي تقدم به النائب/ أحمد حلمي الشريف نموذج لذلك . مثال ونموذج لثنائية الكحول / المقاول ، أو بالأحرى ثنائية النائب / الحكومة .

نقول ذلك عن مشروع تعديل قانون الأزهر ، وسنقوله عن كل قانون يتم الدفع به باستخدام أسلوب " الكحول " ، لأننا سئمنا من مظاهر التكويش على السلطة التي تريد لمصر أن تتكوم وتتحوصل بكل مؤسساتها وسلطاتها في قبضة رئيسها .

فبعد أن باتت كل النصوص الدستورية التي تقلص سلطة رئيس الجمهورية وتعظم صلاحيات مجلس الوزراء مجرد حبر على الورق ، وتتخاصم معها كل الممارسات التي جعلت الرئيس هو مركز السلطة التنفيذية وقلبها وعقلها ويدها وساقها . حتى صار الرئيس وبالمخالفة للدستور هو كل السلطة التنفيذية ، وما عداه من مجلس للوزراء برئيس المجلس وباقي الوزراء مجرد ظلال تدور في فلك الرئيس لترتهن بإشارته وتأتمر بإرادته .

ولعل خضوع مجلس الوزراء ليصبح مجرد ظل للرئيس ، كان مجرد مقدمة تفتح الطريق للتجرؤ أيضاً على كل النصوص الدستورية التي تكرس لمبدأ الفصل بين السلطات .

ولهذا سرعان ما ذابت كل الحدود الفاصلة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، لينتقل مجلس النواب من جوار " قصر العيني " إلى قلب " قصر الاتحادية " ، فيقنن للحكومة فشلها ويتغافل عن تجاوزاتها ويتخلى عن مراقبتها ومحاسبتها . بحيث يبدو ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلببة بمجلس النواب بمثابة صورة كربونية من اللاحزب اللاوطني اللاديمقراطي ، الملعون ذكره والمُزال مقره والمُنحل بحكم القضاء وبحكم الشعب من قبله .

بعد كل ذلك .. لم يعد مستغرباً ألا تتوانى سلطة لا تشبع ، عن الاتجاه نحو التهام قائمة السلطات كلها . فإذا بها تسن أسنانها ويسيل لعابها على السلطة القضائية لتقوض ما كفله الدستور من استقلالها . وبعد أن كان معيار الأقدمية هو الباب لوصول القيادات القضائية إلى مناصبها العالية ، صار معيار الرضا الرئاسي والقبول الأمني والخضوع للنظام هو جواز المرور للعبة الكراسي العدلية ، وكل ذلك بالقانون حتى وإن خالف الدستور وأصدره مجلس النواب بسرعة تتجاوز كل الأرقام القياسية .

ولكن إذا كانت قائمة السلطات لا تخلو من ملاحق تتضمن المُقبلات والسلاطات الفاتحة للشهية ، فإن التكويش على الهيئات والمؤسسات والمنظمات التي كفل الدستور استقلالها تصبح غاية هي الأخرى لا تكتمل الوجبة إلا بالتهامها .

بدأت القائمة - مبكراً - باستهداف منظمات المجتمع المدني الحقوقية باتهامات التمويل الأجنبي والتخوين والعمالة ، لإبعاد الأضواء الرقابية عن التجاوزات والانتهاكات والجرائم التي تتصادم مع الممارسات الديمقراطية الحقيقية وليست الصورية .

ثم ضمت القائمة ، الجهاز المركزي للمحاسبات الذي تم إرخاء الحبل لرئيسه السابق المحسوب بالحق أو بالباطل على جماعة الإخوان ، لكي يلف الحبل حول رقبته بتصريحات تكشف الحجم المهول للفساد ، ويكون مصيره الإبعاد وأحكام بالحبس بعد المحاكمة .

وامتدت القائمة إلى نقابة الصحفيين التي اشتعلت فوق سلالمها غضبة التنازل عن تيران وصنافير ، فكان مصيرها الاقتحام لكسر كبريائها ، وأحكام بالحبس ضد ثلاثة من قياداتها .

واتسعت القائمة لتضم مجالس الإعلام التي تم تسليم قيادتها ومقاعد إدارتها لرموز إعلام نظام مبارك ، لتدور العجلة ٣٦٠ درجة فتعود ريما لسابق عهدها ، ليتحول الإعلام إلى إع لام ، والقلم إلى طبلة ، والميكروفونات إلى صاجات ، والشاشات إلى مصاطب للأمنجية والرقاصات .

ولكن ما كان لقائمة المُقبلات أن تخلو من الكيانات الروحية التي تمتلك سلطة معنوية لا ينبغي التفريط في تأثيرها .

وبينما تم حصر الكنيسة في زاوية طائفية ، لتظل أسيرة منطق التبعية والمهادنة ، وبعيدة عن ساحة الشراكة والمواطنة .

كان لابد أيضاً من ترويض الأزهر ليظل خاضعاً للسلطان ، وليس رب السلطان . ورغم أن الأزهر لا يمكن اعتباره مناوئاً للخط السياسي للنظام ، إلا أن المنهج التسلطي في الحكم يرى بأن قبضة الحاكم الفرد يجب أن تطال كل السلطات والمؤسسات بلا استثناء ، وأن أي مظاهر للتلكؤ أو التحصن باستقلالية زائفة ، أو عدم الانبطاح الكامل للتعليمات والتوجيهات ، كل ذلك يُعد بمثابة تمرد واستهتار بمقام سلطة لا ترى إلا ذاتها ، وكل ما دونها هو تابع لها .

والواقع أن أسوأ وأحقر سمعة يمكن أن تلحق بمبادرات تجديد الخطاب الديني ، هو أن يتم اختراقها وتوظيفها واستتباعها والركوب على ظهرها ، لتمرير قانون لا يسعى إلا لإرضاء سلطة لا تستهدف إلا فرض هيمنتها .

نعم ، طالبنا ومازلنا نطالب عن حق ورصد وتقييم وموضوعية ، بتجديد الخطاب الديني وإصلاح الأزهر ولكن بشرط عدم المساس باستقلاليته وبلعه داخل بطن السلطة التنفيذية .

ورفضنا ومازلنا نرفض منح قداسة للأزهر تجعله فوق مستوى النقد وخارج سياق المراجعة . 
ولكننا لا نقبل رغم كل ذلك ، بأن يتقازم الأزهر ليصبح زاوية دينية داخل قصر الاتحادية ، ومُحَلَّل شرعي وفقهي لسياسات سلطة تبحث عن كل المساحيق الممكنة لإخفاء ما تشوه من وجهها وجسدها . 

وإذا كان نكول الأزهر عن القيام بدوره في تحديث ما تعطن من مناهجه وعلومه ، قد أدى إلى الحفاظ على المرجعية الفكرية التي سمحت للإرهابيين الانتحاريين بالولوج إلى قاعات الكنائس لتفجيرها ، واستحلال سفك الدماء تحت راية الله ورسوله .

فإن استغلال رايات تجديد الخطاب الديني للسماح لخيول السلطة بالمروق من تحتها ، للولوج إلى أروقة الأزهر ، لن يسفر إلا عن تأميم الخطاب الديني وتدجين علمائه .

لذلك .. نقول لمن استدعى الخيول لدخول الازهر لإتمام التكويش على كل السلطات داخل غرف قصره . نقول له :
ما كان لنا أن نصدق بأنك تسعى إلى تجديد الخطاب الديني
طالما تغلق كل المنافذ أمام تجديد الخطاب السياسي 
فخطاب ديني جعل البخاري مقدساً والقرآن مهجوراً
لا ينتج إلا عن خطاب سياسي جعل الرئيس مقدساً والدستور مهجوراً 
*****
رابط مقالي :
كي لا يظل الأزهر جامعة للعلوم الزائفة والمناهج المنقرضة
http://albedaiah.com/articles/2015/04/16/87206
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

08 مارس 2017

د. محمد محفوظ يكتب : الشيخ محمد عبد الله نصر وإبراهيم عيسى .. بين فقه مقيد وقضاء لا يتقيد

د. محمد محفوظ يكتب : الشيخ محمد عبد الله نصر وإبراهيم عيسى .. بين فقه مقيد وقضاء لا يتقيد
من حماقات الواقع السفيه ، أن يتم الزج بذلك الأزهري المجدد في السجن . عقاباً له على عدم تسليم عقله لكتب التراث الصفراء بعلومها الزائفة ومناهجها المنقرضة . وتنكيلاً به لأنه أراد التدبر في كتاب الله بمنهج العقل لا النقل ، ومنطق الإبداع لا الاتباع .
ومن سفاهات الواقع الأحمق ، أن يتم إحالة ذاك الصحفي الأديب المثقف واسع الاطلاع ناصع البيان إلى المحاكمة . لأنه أراد أن تكون الكلمة لوجه الله والوطن والشعب ، وليس للرئيس أو حكومته أو مجلس النواب . ولأنه أدرك بأن هناك انحرافا فادحا جارحا في المسار ، يعود بنا إلى ذات الماضي الذي خرج عليه الشعب وثار .
نعم .. تم حبس الشيخ / محمد عبد الله نصر في غيابات السجون بتهمة ازدراء الأديان ، بدعوى إنكاره حداً من حدود الله هو " حد قطع يد السارق " . بينما غلاة السلفيين الظلاميين المتدعوشين قلباً وقالباً ينعمون برعاية الدولة وغضها الطرف عن دروسهم ومحاضراتهم وكتبهم وتمويلاتهم .
وتم إحالة الأستاذ / إبراهيم عيسى إلى المحاكمة - بعد الإفراج عنه بكفالة - بتهمة إهانة مجلس النواب من خلال نشر جريدة " المقال " لقفشة ساخرة تصف المجلس بفيلم الكارتون ، وبتهمة نشر أخبار كاذبة تدور حول عدم فاعلية خطط مواجهة سرطان الإرهاب في سيناء بما أدى لنزوح أقباطها ونفاذ صبر باقي سكانها .
ولا عجب في كل ذلك .. فالرئيس الذي كان قد نادى بالثورة الدينية أصبح الآن يجاهر بأن " تجديد الخطاب الديني حياخد وقت " . وذات الرئيس الذي كان قد أقسم على احترام الدستور لم يتردد في وصفه بعد ذلك بأنه " دستور كُتب بنوايا حسنة " .
وبالتالي ، أصبح مفهوماً الآن أن الدولة التي سلمت قيادها للأجهزة الأمنية لتحميها من براثن المؤامرة الكونية ، لا ولن يعنيها أن تفك سلاسل وأساور الفقه المقيد ، ولا ولن يشغلها أن يصبح جانب الحقوق والحريات في الدستور مهجوراً على يد فرع في مؤسسة القضاء لا يتقيد .
وبين ذلك الفقه المقيد بسلاسل الأقدمين فيتهم المجددين بازدراء الدين ، وذاك الفرع من القضاء الذي لا يتقيد بمبادئ الحقوق والحريات فيجعل المعارضين كالمجرمين .
بين " المقيد " والذي " لا يتقيد " .. نجد أنفسنا في حاجة لاجترار البديهيات حول كل من : ضوابط من المفترض أن لا تغيب عن الفقه ، وأصول لا يجوز أن يتجاهلها فرع من مؤسسة القضاء والعدل .
أولاً - ضوابط تغيب عن الفقه المقيد :
يكشف التدبر العقلي في القرآن الكريم عن ورود لفظ " القطع " بآياته في سياقات متعددة بمعان مختلفة ، تتراوح بين الجرح أو المنع أو البتر أو المباعدة أو التقسيم .
ولعل هذا الاختلاف في معنى الكلمة الواحدة بتعدد سياقاتها ، يشير إلى مقصد إلهي ينبغي التسليم به ، مفاده : أن الاستخدام الإلهي لذات الكلمة بمعان متعددة لا يشير والعياذ بالله إلى عجز عن استخدام  كلمات أخرى تفيد المعنى المقصود ، وإنما ينم عن مقصد إلهي يفتح مساحة رحبة لنسبية مفهوم عقوبة القطع باختلاف الزمان والمكان وشدة الفعل المحرم . وبذلك يسمح هذا المنحى بالانتقال بالعقوبة من السياق المطلق للتشريع الإلهي إلى السياق النسبي للتشريع البشري .
وهذا المنحى القرآني يفتح الباب لضرورة التفرقة بين عدة مستويات عند التعامل مع الأحكام الشرعية ؛ سواء أكانت فى القرآن الكريم أم السنة النبوية .
فالأحكام الشرعية إما قطعية أو ظنية فيما يتعلق بمصدر ثبوتها ؛ وإما قطعية أو نسبية فيما يتعلق بمقاصدها ودلالاتها ؛ وذلك وفقا للترتيب الآتي :
- أحكام قطعية الثبوت ؛ قطعية الدلالة .
- أحكام قطعية الثبوت ؛ نسبية الدلالة .
- أحكام ظنية الثبوت ؛ قطعية الدلالة .
- أحكام ظنية الثبوت ؛ نسبية الدلالة .
ويقتصر شرع الله فقط على الطائفة الأولى من هذه الأحكام ؛ أي الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة . بينما يخرج من دائرة شرع الله ويدخل إلى دائرة شرع البشر كل حكم شابته الظنية فى الثبوت أو النسبية فى الدلالة .
فالأحكام " ظنية الثبوت " مهما تدخل البشر بعلمهم المحدود ليقدموا الأسانيد على صحتها ، باعتبارها واردة بالروايات والأحاديث المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فإن تلك الأسانيد تظل تنتمي إلى علم البشر الذى قال الله تعالى عنه : .. وما أُوتيتم من العلم إلا قليلا . سورة الإسراء - الآية ٨٥ . وبالتالي تظل تلك الروايات والأحاديث مشوبة بالظنية من حيث الثبوت ؛ مهما اجتهد المجتهدون فى تأكيد ثبوتها ؛ ومهما أقاموا من علوم مثل علم الجرح والتعديل - علم الرجال - لمنهجة هذا الثبوت ، مصداقاً لقوله تعالى : .. إن الظن لا يُغني من الحق شيئا ..  . سورة يونس - الآية ٣٦ .
وكذلك الأحكام " نسبية الدلالة " ، فمهما تدخل البشر بعلمهم المحدود ليقدموا أدلتهم البشرية على صحة تأويلاتهم لها ؛ فإن هذه التأويلات تظل محصورة فى إطارها النسبي المحكوم بسياق الزمان والمكان ؛ ودرجة الرقي فى السلم العلمي والمعرفي والحضاري ؛ بل ومسكونة برغبات وأهواء ومصالح وتفضيلات وهفوات وأخطاء من قام بتأويلها .
ولقد أشار الله سبحانه وتعالى لهذا في قوله تعالى : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات .. . سورة آل عمران - الآية ٧ .
فالآيات المحكمات هي التى تتضمن الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة ؛ فهى قاطعة فى ثبوت مرجعيتها إلى الله تعالى ؛ وقاطعة فى وضوح وجلاء مقصد دلالتها .
أما الآيات المتشابهات فهي التى تتضمن الأحكام قطعية الثبوت نسبية الدلالة ؛ الثابتة فى مرجعيتها إلى الله تعالى ؛ ولكنها نسبية فى دلالة معانيها لتعدد مقاصد تأويلها ؛ بما يعني أنها حمالة أوجه .
وبهذا ؛ تشير نسبية الدلالة إلى معنى هام جداً ؛ وهو أن الحكم المستنبط من الآيات المتشابهة لا يمكن رده إلى الله تعالى ؛ وإنما ينبغي التعامل معه باعتباره حكماً بشرياً لا يمكن القطع بأنه يدخل فى مراد الله ؛ وإنما ينتمي إلى بواعث وتوجهات ومقاصد البشر .
فشبهة الظنية فى الثبوت أو النسبية فى الدلالة ؛ تنزع عن الحكم مرجعيته الإلهية ومقاصده الربانية ؛ وتحيله الى مرجعية البشر ومقاصدهم .
ولذلك لا تثريب على أي مجتهد ، سواء أكان الشيخ / محمد عبد الله نصر أو غيره في أن ينكر ما يراه تأويلًًا بشرياًً ، ويستبدله بتأويل بشري آخر .
بل إن الذين ينكرون على المجددين تأويلاتهم البشرية المعاصرة تمسكاً بتأويلات بشرية تراثية قديمة ، هم الذين يقعون في هاوية ازدراء الأديان ، لأنهم يرفضون مراد الله في نسبية بعض الأحكام ويجعلونها مطلقة في مقاصدها وعقوباتها .
إذن .. وبكل لغات العالم .. الشيخ / محمد عبد الله نصر .. بريء مما يفترون .
ثانياً - أصول تغيب عن قضاء لا يتقيد :
ربما يكون السؤال العبثي الذي ما كان له أن يكون مطروحاً هو : هل الاستناد إلى حرفية النصوص القانونية ؛ دون ربطها بنصوص الدستور أو بأحكام المحاكم العليا ؛ يمكن أن يكون مبرراً لمحاصرة حرية الأفراد فى التعبير ؟ بل ورميهم في السجون مع المجرمين ؟
قطعاً هذا هو السؤال الذي يجب أن يوضع داخل رأس كل قاض أو وكيل نيابة ، يتبوأ مكانه في السلطة القضائية التي ينبغي عليها أن تحكم بالقانون بشرط عرضه على الدستور ، فإن كانت تشوبه مخالفة دستورية أصبح لزاماً تعطيل الحكم بهذا القانون لحين تطهيره مما يعتريه من عوار عدم الدستورية .
والواقع أن الغابة التشريعية المصرية مسكونة بالعديد والعديد من الشراك والأفخاخ القانونية ؛ التي تجعل السجن أو الحبس هما العقوبة التلقائية في مواجهة أية ممارسة لحرية التعبير تخرج عن نطاق العرف ، أو تتصادم مع المألوف ، أو تتعارض مع الفكر المحافظ ، أو تحمل أي نوع من التجديد .
ولذلك فقد انتصر الدستور لحرية التعبير وأسبغ عليها حماية تحصن صاحبها من أية عقوبة سالبة للحرية ، وذلك بموجب المادة رقم ٦٧ التي تنص على الآتي : ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الفكري أو الأدبي . وبموجب المادة رقم ٧١ التي نصت على الآتي : ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية .
وللأسف ، فإنه رغم تخاذل البرلمان عن تطهير القوانين من النصوص غير الدستورية ، فإن هناك طائفة من رجال القضاء لا ينشغلون بالبحث الدستوري والقانوني ؛ ويتغافلون عن التصدي للنصوص القانونية التي تحمل شبهة عدم الدستورية فلا يحيلونها للمحكمة الدستورية للفصل فيها . فضلاً عن عدم متابعتهم لأحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا وقرارات النيابة العامة المصرية ؛ التي انتصرت فى دعاوي معلومة ومشهورة لحرية الأفراد فى التعبير ، تلك الأحكام والقرارات التي ينبغي التعامل معها باعتبارها مبادئ وتفسيرات دستورية وقواعد قانونية وسوابق قضائية ؛ ينبغي الاستناد إليها فى الانتصار لحرية النشر والكلام والنقاش والإبداع والتفكير والاعتقاد ؛ وباعتبارها تمثل خلاصة تجربة مؤسسة العدالة فى مصر فى أزهى صورها .
وفيما يلي جواهر منتقاة من أحكام المحكمة الدستورية العليا فى عهد رئيسها الراحل المستشار الدكتور / عوض المُر .
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ٣٧ لسنة ١١ قضائية دستورية بتاريخ ٢ فبراير ١٩٩٣ :
” إن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوماً رصد كل عبارة احتواها مطبوع وتقييمها – منفصلة عن سياقها – بمقاييس صارمة . ذلك أن ما قد يراه إنسان صواباً فى جزئية بذاتها ، قد يكون الخطأ بعينه عند آخرين ، ولا شبهة فى أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيراً ما يلجأون إلى المغالاة ، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه ، فإن قدراً من التجاوز يتعين التسامح فيه ، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجباً إعاقة تداولها “.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ٧٧ لسنة ١٩ قضائية دستورية بتاريخ  ٧ فبراير ١٩٩٨:
” وحيث أن المشرع وكلما تدخل بلا ضرورة لتقييد عرض آراء بذواتها بقصد طمسها أو التجهيل بها بالنظر إلى مضمونها ، كان ذلك إصماتاً مفروضاً بقوة القانون فى شأن موضوع محدد انتقاه المشرع انحيازاً ، مائلاً بالقيم التي تحتضنها حرية التعبير عن متطلباتها التى تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر عن مصدرها أو محتواها ، … وإن الحمل على اعتناق بعض الآراء أو إقماع غيرها ، سوءتان تناقضان مفهوم حوار يقوم على عرض الأفكار وتبادلها والإقناع بها . كذلك فإن موضوعية الحوار شرطها شفافية العناصر التى يدور الجدل حولها ، بما يحول دون حجبها أو تشويهها أو تزييفها “.
- حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم ٣٧ لسنة ١١ قضائية دستورية بتاريخ ٢ فبراير ١٩٩٣ :
” إن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها ، وإن الطريق إلى السلامة القومية إنما يكمن فى ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح …. إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون . ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ، ولحرية الإبداع والأمل والخيال ، وهو فى كل حال يولّد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة فى قمعها ، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها ، مما يهدد فى النهاية أمن الوطن واستقراره “.

والواقع أن مضمون هذه الأحكام يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ؛ بأن المحكمة الدستورية العليا تنظر إلى كافة القوانين التي تقيد حرية الأفراد فى التعبير باعتبارها قوانين غير دستورية . ونظرا لأن الدستور المصري أصبح يقيد العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية ، فإنه كان ينبغي على أي قاض يحترم مقعد العدالة الذى يجلس عليه ؛ أن يحيل أية دعوى تستند إلى نصوص قانونية تقيد حرية التعبير أو تعاقب صاحبها بالحبس إلى المحكمة الدستورية العليا لإبداء الرأى فيها ؛ قبل أن يلوث يديه بإصدار حكم يصادر به حرية الأفراد فى التعبير ويزج بهم خلف القضبان.
ولعل تجارب الأمم المتحضرة والمتقدمة تثبت بأن التمكين لحرية التعبير هو السبيل الى السلامة المجتمعية ، بينما القمع لها هو السبيل إلى الغليان ثم الانفجار .
ولعل المنطق الذي يحكم هذا التوجه مفاده : أن المسئول العام أو المؤسسات العامة ينبغي أن يكونوا دوماً عرضة لسهام النقد مهما كان لاذعاً أو حتى مهيناً ، وذلك لأن السياسات أو التشريعات التي يقرها ذلك المسئول العام أو تلك المؤسسات العامة هي سياسات أو تشريعات تمس الملايين من المواطنين ، ومن الطبيعي أن هناك منهم من سيتقبلها ومن سيعارضها . ونظراً لوجود اختلافات فردية بين هؤلاء المواطنين في التربية والثقافة والكياسة والحماقة والتأني ونفاذ الصبر ، ومن ثم تتباين أساليبهم في التعبير ورد الفعل . فإن قدراً كبيراً من ضبط النفس ينبغي أن يتسلح به أهل الحكم ، ليس من باب المهانة والضعف ، ولكن من باب الترفع عن الصغائر وتمكين الناس من التعبير عن آرائهم في شئون الحكم ، مهما تجاوز هذا الرأي أو اشتط . وبهذا تكتسب الدولة هيبتها من منطلق الترفع والتسامح ، وليس من منطلق الترهيب والبطش .
ولعل الإعلام الغربي يفيض بكم هادر من السخرية اللاذعة البذيئة التي تمس رؤوس أهل الحكم بسلطتيه التنفيذية والتشريعية ، ولعل " مايكل مور " المخرج الأمريكي الشهير يمثل نموذجاً بتعليقاته المهينة البذيئة تجاه الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش . كما يمثل الإعلام البريطاني نموذجاً في تشبيهه لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بالكلب الذي يقوده الرئيس الأمريكي .
السلطات الديمقراطية تبلع لمواطنيها الزلط .
بينما السلطات الديكتاتورية تتمنى لمواطنيها الغلط .
السلطات الحاكمة تفتح لمواطنيها كل القنوات فيصيبها ما تستحقه أو لا تستحقه من النقد .
بينما العصابات الحاكمة تترصد مواطنيها في كل كلمة وحرف ، لينالهم ما يستحقون أو لا يستحقون من التجريس والبهدلة والحبس .
إذن .. وبكل لغات العالم .. إبراهيم عيسى بريء مما يفجرون .
............
وأخيراً .. وليس آخراً .. كسر الأقلام وقطع الألسنة .. لا يفتح الطريق إلا للرقاصين والطبالين والشمشرجية .
ومن الآخر .. اللي متغطي بيهم عريان .. واسألوا من سبقكم على الدرب .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com