02 نوفمبر 2015

حلم الرئيس .. وأحلام المصريين

د. محمد محفوظ .. يكتب : حلم الرئيس .. وأحلام المصريين

" .. واللهِ ما تحقق حلم ربنا أعاننا عليه .. "
من خطاب الرئيس السيسي بتاريخ 1 نوفمبر 2015

بدأ الرئيس ..
 بدأ الرئيس في خطابه الأخير ..
بدأ يتململ من الإعلام .
وبدأ يبرر فشل المحليات والوزارات .
وبدأ يرمي الكرة في ملعب الشعب .
باعتبار أن ما تحقق خلال 17 شهرا هو " حلم " .
نعم .. فقد وصف الرئيس ما تحقق خلال الـ 17 شهرا الماضية بأنه حلم .
ولكن يبدو أن جماهير الناس في أغلبها لا ترى هذا الحلم .
ربما لأنها لا تنام .. ومن ثم لا تزورها الأحلام .
أو ربما لأنها تراه ، ولكن ككابوس ، أو على أفضل تقدير كحلم مزعج .
يبدو الرئيس سائرا في الطريق نحو الإنكار .
وكأنه يبرر الفشل لكل من تولى منصب المحافظ أو الوزير أو رئيس الحي أو أي موظف حكومي صغير .
وتبدو تركة سنوات مبارك ، وتركة فوضى ما بعد 25 يناير ، وعشوائية الإعلام المتمددة مثلها مثل باقي العشوائيات المصرية ، تبدو هي جميعا المبرر الجاهز لتفسير عدم إحساس الناس بالحلم الذي يراه الرئيس .
عن نفسي .. سأجتهد لأرى الحلم الذي تحقق .
لإنني مازلت لا أرى أي مصلحة في تيئيس الرئيس ، أو تسويد الدنيا في وجه الناس .
ولا ارى أي مصلحة في الدعوة لثورة ثالثة ، كما يدعو إلى ذلك بعض المحبطين أو الغاضبين أو المتآمرين .. والله أعلم بالنوايا .
لن أدعو لذلك ، لأن الثورة كما خبرناها في واقعنا المقيم ليست مجرد مظاهرات أو احتجاجات أو اعتصامات ، بل هي انفجار شعبي جماهيري خطير ، يمكن في ظل الأوضاع الإقليمية المتوترة والقوى الداخلية أو الخارجية المتربصة أن يؤدي إلى فك مفاصل الدولة دونما أي قدرة على إعادة ربطها في الأجل السريع . 
وبالتالي ، سأظل أتعامل مع الرئيس حتى لو استمر في طريقه الذي أرى وبكل الأسف أنه مجرد " مباركية معدلة " . 
سأظل اتعامل مع الرئيس باعتباره رجل مرحلة يكفيني فيها حفاظه على عدم سقوط الدولة رغم ترهلها وفسادها وفشلها واستبدادها . فدولة مترهلة فاسدة فاشلة مستبدة أفضل من لا دولة على الإطلاق .
ولهذا لن أعادي الرئيس .. ولكنني سأعارضه . 
ولن أهاجم الرئيس .. ولكنني سأنتقده . 
ولكن .. لو خُيرت بين الحلم الذي يراه الرئيس ، وبين أحلام المصريين ، سأختار أحلام المصريين . 
أحلام المصريين .. بسيطة .. وليست " عملاقة " .
يحلم المصريون بشارع نظيف يخلو من تلال الزبالة وتسكنه البلاعات التي لا تبلعها ــ وانما تبتلع هي ــ مياه الصرف والأمطار .
يحلم المصريون بطريق سالك لا يخنقه تكدس المرور ولا تلعنه دماء المقتولين في الحوادث نتيجة انعدام الرقابة والمحاسبة وغياب النظام .  
يحلم المصريون بمحليات لا يعمل بها تنابلة السلطان أو زبانيته ، محليات تمنع إشغالات الطريق ومخالفات البناء والتعدي على المرافق العامة ، ولا تنجسها الرشاوي والصفقات والمحسوبيات .
يحلم المصريون بمواصلات عامة نظيفة آمنة منتظمة تحترم إنسانية الركاب وتكفل راحة المسافرين وتقضي على مهزلة الميكروباصات والتكاتك والتونايات .
يحلم المصريون بمدارس وجامعات تكون بضاعتها الرائجة هي العلم والمعرفة والمهارات المرتبطة بهما ، وليس الدروس الخصوصية والملازم والملخصات وكتب أعضاء هيئة التدريس .
يحلم المصريون بمستشفيات تقدم العلاج للمرضى والإسعافات للمصابين ، لا تسكنها القطط والفئران ، ولا يحكمها أطباء وطبيبات غلاظ القلوب وممرضين وممرضات كفوفهم مفتوحة لتنفيض جيوب العيانين . 
يحلم المصريون بشرطة عصرية مهنية محترفة تلبي المبادئ العالمية لحقوق الإنسان وكرامته ، وتحترم قواعد الاشتباك ومعايير القبض والاحتجاز ، وتحقق معدلات الضبط المناسبة للجرائم وكافة صور الخروج على القانون .
يحلم المصريون بمؤسسة عدالة ناجزة تخلو من الفوضى الإدارية وتكدس الدعاوى القضائية وطول أمد التقاضي لسنوات وعقود .
يحلم المصريون بشهر عقاري يخلو من التعقيد والفساد والتهييس الذي جعل الناس تكفر بتسجيل العقود وتلجأ لحيل الصحة والنفاذ والورق الضد والشيكات .
يحلم المصريون بسلع وخدمات بأسعار ــ لا تحتقر دخولهم ــ تحافظ عليها الدولة من خلال فرضها لهامش مناسب لأرباح المصانع والتجار والشركات .
يحلم المصريون بأشياء قد تبدو كثيرة ولكنها بسيطة ، أشياء أصبحت تلبيها كل الدول التي لم تعد تعتمد في وزاراتها ومحافظاتها ومصالحها على ذوي العاهات السياسية والإدارية وربما الإخلاقية . 
أحلام المصريين بسيطة .. ولكنها مازالت حتى الآن صعبة على الوزراء والمحافظين والمسئولين الذين مازال يعتمد عليهم الرئيس ويختارهم وفقا لمعايير عصر فات وربما مات ، ومن داخل صندوق تسكنه الميكروبات والحشرات .
أحلام المصريين بسيطة .. تكفلها لهم موارد بلدهم الغنية التي يبددها الفساد ويشتتها الفشل وانعدام الرؤية والارتباك .
أحلام المصريين بسيطة .. تحققت ومازالت تتحقق في كل الدول التي لا يحكمها الفساد والتسيب والإهمال .
أحلام المصريين بسيطة .. لا تحتاج إلا لمن يؤمن بها ويرعاها ويسقيها ويتابع نموها ويكفل لها الازدهار .
أحلام المصريين بسيطة ..  
ولذلك لو خُيرت بين الحلم الذي يرى الرئيس أنه قد تحقق خلال 17 شهرا ، وبين أحلام المصريين البسيطة التي لم تتحقق منذ 17 شهرا ، ومنذ عقود وسنين .. سأختار أحلام المصريين . 
سأختار أحلام المصريين ....
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق