اللاحزب .. اللاوطنى .. اللاديمقراطى
( مستودع الانتهازية )
نشر : نوفمبر 2010
بقلم دكتور / محمد
محفوظ
( عندما تصبح سلطة الدولة
غاية وليست وسيلة ؛ فإن كل طغيان يصبح مقدساً ).
[ أدولف هتلر – من كتاب كفاحى ]
ربما تبدو مفارقة صادمة أن
يصدر مثل هذا الكلام عن ( هتلر ) .
ولكن المفارقة الأكبر أن أفعال
هتلر ومصيره ؛ حققا - معاً - الخلود لهذه الكلمات .
فالسلطة عندما تصبح غاية ,
فإن الشعوب تصبح هى الوقود الذى يتم حرقه للاحتفاظ بها ؛ وبالتالى يصبح كل طغيان
مقدساً .
ولكن ما علاقة هذه الكلمات
بموضوع المقال ؟؟؟
فى اعتقادى أن العلاقة
وطيدة , لأن التعريف الشائع للحزب فى شارعنا السياسى مفاده بأن الحزب هو جماعة ذات
توجه أيدلوجى معين تسعى للوصول إلى السلطة , فالوصول للسطة هو الغاية !!!!
وهذا التعريف الشائع ؛
يتناقض مع التعريف القانونى للحزب ؛ الوارد فى
المادة رقم ( 2 ) من قانون الأحزاب السياسية ؛ التى تنص على الآتى : ( يُقصد
بالحزب السياسى كل جماعة منظمة تؤسس طبقا لأحكام هذا القانون وتقوم على مبادئ وأهداف
مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج محددة تتعلق بالشئون
السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق المشاركة فى مسئوليات الحكم
) .
فالمفترض إذن أن الحزب -
أى حزب - يسعى لتحقيق برامج محددة , وبالتالى فالبرامج هى الغاية , والوصول للسلطة
هو الوسيلة لتحقيق هذه الغاية . وأى تعريف للحزب يتصادم مع هذه الحقيقة يفتح الباب
واسعاً أمام حكم الطغيان .
وإذا نظرنا للحزب الحاكم فى
مصر ؛ المسمى بالحزب الوطنى الديمقراطى , فإننا سنجد أنه - فى هذا العام - سيكمل
عامه رقم 32 فى السلطة , من خلال الحصول على الأغلبية الساحقة الماحقة طوال هذه
المدة - 32 سنة - فى كافة مقاعد المجالس النيابية فى مصر ( مجلس الشعب – مجلس
الشورى – المجالس المحلية).
فهل سعى - ويسعى وسيسعى -
الحزب الحاكم فى مصر لتحقيق أية برامج , ومن ثم فالسلطة هى مجرد وسيلته لتحقيق تلك
البرامج التى هى غايته الأصيلة , بحيث يصبح الحزب الحاكم يحمل من الصفة الحزبية فى
اسمه الكثير , بما يجعلنا نقرر وبكل ثقة بأنه بالفعل ( حزب سياسى ) ؟؟؟؟
ربما يجيب عن هذا السؤال
السيد / صفوت الشريف ؛ الأمين العام للحزب الحاكم , فى حواره مع رئيس تحرير مجلة
المصور / حمدى رزق
؛ المنشور على الموقع الإلكترونى للحزب , حيث يقول الشريف ما نصه : ( .... الحزب
الوطنى الديمقراطى بدأ مسيرته الحقيقية فى عام 2002م , وعندما نقول الحزب الوطنى
بكيانه الحزبى وهياكله الحزبية وتنظيمه الحزبى . كانت الناس تقول أين الحزب الوطنى
الديمقراطى ؟ وأين الوحدات الحزبية
،
وأين عضوية الحزب , لكن الفكر الجديد الذى
يتعامل مع التطور الديمقراطى الحقيقى بدأ فى العام 2002م ) .
إذن السيد / صفوت الشريف ؛
يرى أن 24 عاماً من عمر الحزب قبل 2002م, كانت سراباً , لأنه - من وجهة نظره -
نتيجة غياب الفكر الجديد لم يكن الحزب حزباً , ولكن بالفكر الجديد اعتباراً من
2002م ؛ صار الحزب حزباً حقيقياً يمتلك الهياكل والتنظيم .
ونحن نتفق معه بلا أدنى
جدال فى أن الحزب قبل عام 2002م لم يكن حزباً , ولكننا نختلف معه فى محاولته
لإلصاق صفة الحزبية بالحزب خلال الـ 8 سنوات الأخيرة .
فالصفة الحزبية كانت
ومازالت غائبة عن الحزب منذ نشأته وحتى الآن . وذلك لأن الفكر الجديد ( الأيدلوجيا
) ؛ والهياكل والتنظيمات ( المقرات الحزبية والمؤتمرات الحزبية والمجمعات
الانتخابية الحزبية وقواعد البيانات الخاصة بالعضوية وعدد الأعضاء الذى يقارب الـ
3 مليون ) , كل ذلك لا يصنع حزباً, طالما كان الاحتفاظ بالسلطة هو الغاية ؛ وليس
الوسيلة لتحقيق البرامج التنموية التى تحقق مصالح المواطنين .
الحزب الشيوعى فى جمهوريات
الاتحاد السوفيتى السابق كان نموذجاً فى الهيكلية والتنظيم وعدد الأعضاء , والحزب
الشيوعى فى الصين مازال نموذجاً فى الهيكلية والتنظيم . ولكن العامل الحاكم : أن
تكون البرامج التنموية هى الغاية , وأن يكون الاحتفاظ بالسلطة هو الوسيلة .
ولعل 32 عاماً من حكم
الحزب الحاكم فى مصر ؛ تثبت بكل الأرقام والوقائع والأحداث ؛ بأن الرغبة فى
الاحتفاظ بالسلطة ؛ كانت دائماً أكبر كثيراً من الرغبة فى رعاية مصالح الناس .
إذ أن كل خطوة على أرض مصر
؛ صارت تنطق - بل وتصرخ - بمعدلات الفشل والتراجع والإهمال والقصور التى وصل إليها
الحال ؛ على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية والأخلاقية
والعلمية والثقافية .. الخ .
نحن إذن أمام تنظيم فاقد
لصفة الحزبية , وهو أقرب إلى مستودع للإنتهازية والوصولية والجشع والأنانية
والاستحواذ والتكويش والهبش والكبش .
مستودع للنفايات الأخلاقية
المشعة .
ولا نستطيع أن نعمم تلك
الصفات على أعضاء هذا التنظيم , لأننا لا نستطيع شق الصدور وتفتيش الجيوب لمعرفة
مكنونها . وإنما نعمم تلك الصفات على ذلك التنظيم كمؤسسة ؛ صار كل طغيان لديها
مقدساً ؛ من أجل التشبث بالسلطة لمدة 32 سنة ( حتى الآن ) .
ولكن إذا كان هذا التنظيم
لا يمتلك من اسمه صفة ( الحزب ), فهل يمتلك صفة ( الوطنى ) ؟؟؟؟
ولعل صفة الوطنية تعنى فى
المجال السياسى ؛ تحقيق مصالح الوطن وليس مصالح أعداءه . إذ أن تحقيق مصالح
الأعداء يضع أى قوة سياسية فى نفس خانة القوى الاستعمارية ؛ التى تحكم الأوطان وفقاً
لأجندة غير وطنية ؛ تقدم مصلحة الخارج على الداخل .
فهل يمتلك اللاحزب الحاكم
من الوطنية أى نصيب ؟؟؟؟
سنترك القوى السياسية
المتعددة تجيب على ذلك السؤال :
- تيار الإسلام السياسى
سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح الغرب المسيحى والكيان اليهودى ( وفقا
لمصطلحاتهم ) .
- تيار اليسار والقوميين
العرب سيجيب بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح الغرب الإمبريالى والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية
( وفقا لمصطلحاتهم ).
- تيار الليبراليين سيجيب
بأن اللاحزب الحاكم يحقق مصالح دوائر الفساد والاستبداد .
- المواطن غير المسيس
سيجيب بأن النظام يحقق مصالح أعوانه فقط .
فأى نصيب من الوطنية يمكن
أن يتم إلصاقه بتنظيم يحقق ما كان يمكن لأى نظام غير وطنى ( أجنبى ) أن يحققه .
أى قدر من الوطنية يمكن أن
يوصف به تنظيم أهدر خلال سنوات حكمه ؛ ما كان يمكن لأى قوة احتلال أن تهدره خلال سنوات
احتلالها, بل ربما أكثر .
إذن ليس لصفة ( الوطنى )
من نصيب فى اسم اللاحزب الحاكم .
لا يتبقى إذن ؛ إلا صفة ( الديمقراطى
) التى يلصقها اللاحزب الحاكم باسمه , فهل له فيها من نصيب ؟؟؟؟؟؟
من المؤكد أنها - بدون
أدنى شك - صفة لا يمكن بأى حال أن تتواءم مع حزب قابع فى الحكم بأغلبية ساحقة منذ
32 سنة ؛ فى ظل معدلات متزايدة من الانحدار السياسى والاقتصادى والاجتماعى
والثقافى والتعليمى .. الخ . فأى أغلبية يحققها صُـناع الانحدار , وكيف يحققونها
؟!!!!
وأى وصف ديمقراطى يمكن أن
يلحق بنظام يجلس فيه الوزراء لمدد تزيد عن 20 سنة فى مقاعدهم .
ويجلس فيه رئيس الجمهورية
لمدة 30 سنة فى منصبه دون حد أقصى لمدد الرئاسة .
ويخلو فيه منصب نائب رئيس
الجمهورية لمدة 30 سنة .
ويستمر فيه إعلان حالة
الطوارئ لمدة 30 سنة .
ويتم إنشاء الأحزاب فيه
بناءً على موافقة لجنة يرأسها الأمين العام للاحزب الحاكم.
ويتم فيه فرض الحراسة على
النقابات المهنية .
وتتواجد فيه قوات الشرطة
داخل حرم الجامعات .
ويتم فيه تعيين عمداء
الكليات وعمد القرى .
وترفض فيه وزارة الداخلية
الطلبات التى تقدمها إليها الأحزاب الشرعية لتنظيم أى مسيرة أو وقفة احتجاجية أو
مظاهرة سلمية .
وتحاصر فيه الآلاف من قوات
الأمن المركزى ؛ أى تجمع سلمى يضم عشرات الأفراد .
وتهيمن فيه وزارة الداخلية
على القيد بجداول الناخبين .
ويتوجه فيه الراغبين فى
الترشح للمجالس النيابية إلى مقرات مديريات الأمن لتقديم طلبات ترشيحهم .. و .. و
.. الخ .
أى ديمقراطية تلك التى
تبدأ بحرفى الدال والياء ؛ ثم نكتشف إنها تكتمل بالحروف التالية ( كتاتورية ) .
لا يحمل اللاحزب الحاكم من
اسمه ( الديمقراطى ) أى قدر أو فتفوتة من فتافيت الديمقراطية , بل هى أضغاث أحلام
؛ وماهم بتأويل الأحلام بعالمين .
وبالطبع ؛ ربما لا ينفرد
اللاحزب الحاكم بفقدانه لتلك الصفات اللاصقة زوراً باسمه , بل ربما تشاركه فى ذلك
أحزاب مصرية أخرى ؛ يزيد عددها عن عدد أصابع اليدين والقدمين . ولكن يبقى اللاحزب
الحاكم بمفرده المستحوذ على السلطة ؛ وبالتالى فقد تم اختباره , أما باقى الأحزاب
فهى لم تـُختبر بعد !!!!
---------------------------
إذن ؛ لا هو حزب ؛ ولا هو وطنى
؛ ولا هو ديمقراطى ؛ ولا يحزنون .
وبالتالى ينبغى أن نسمى
الأسماء بمسمياتها, ونقر بأن النظام الحاكم فى مصر يمثله فى الحكومة والبرلمان
تنظيم اسمه ( اللاحزب اللاوطنى اللاديمقراطى ) .
*****
دكتور / محمد محفوظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق