د. محمد محفوظ .. يكتب : دولة السيسي
النظام زائل لا محالة ، بينما الدولة أكثر منه باقية .
ولكن يبدو النظام مثل الدماء التي تسري في شرايين الدولة ، فتنضح عليها وترسب فيها أمراضها وعللها ، بفيروساتها وباقي ميكروباتها .
ولذلك يصيب النظام المتخلف الدولة بالعته والسفه .
ويصيب النظام الأكتع أو الأعرج أو الكسيح الدولة بالإعاقة أو الشلل .
ويصيب النظام المستبد المارق الأخرق الدولة بالانحراف والبطش والعوج .
ولقد ورث السيسي دولة مصابة بكل أدران وأوساخ وسوءات النظام السابق .
ولكنه حتى الآن يحافظ على هذا الميراث ، ويحفظ له نموه وترعرعه وثباته وتمكُنه .
شعار السيسي في دولته هو : " لاقيني ولا تغديني " . فالرئيس لين الجانب خلوق التعامل عف اللسان في معظم تعاملاته وتصريحاته وخطبه وجولاته . إلا بالطبع ما يتعلق بـتصريحين : تصريح " مايصحش كده " ، وتصريح " الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط " .
وبالتالي يتبع الرئيس تكتيك : لاقيني ولا تغديني . وهو تكتيك ينال رضا الناس واستحسانهم ، بل ويلحس عقول عامتهم وبسطائهم . ولكن السؤال : إذا ظللت تلاقيني ولا تغديني .. تلاقيني ولا تغديني ، ففي النهاية سأفطس من الجوع .
أما إستراتيجية السيسي في دولته ، فهي : تثبيت الدولة والحفاظ على عدم انهيارها . ولكن إذا كان تثبيت الأشياء المادية دوما ما يكون من خلال ربطها أو تقييدها أو ضمها لبعضها البعض بالغراء أو الأسمنت أو المسامير ، فإن الدولة ككيان اعتباري قانوني سياسي اجتماعي اقتصادي إنساني ؛ لا يمكن تثبيتها إلا من خلال الفصل بين سلطاتها ومن خلال إطلاق حرياتها وضمان التعدد والتنوع والاختلاف بين أفرادها . فالدول يتم تثبيت أركانها بالحرية والديمقراطية وليس بالأسمنت والمسامير والخوازيق ، وبتحقيق السيولة والمرونة في التعامل مع مشكلات مؤسساتها وليس بتجميدها وتصنيمها .
وما بين إستراتيجية الرئيس لتثبيت الدولة مؤسسيا ، وتكتيكاته لتثبيت الجماهير عاطفيا .
فإن دولة السيسي ، هي الدولة التي تدعي الإيمان بثورة ٢٥ يناير بينما لا تحقق أهدافها ، وإنما تحتفي بأعداءها ، ولا تستعين برموزها بل تحبس بعضهم داخل سجونها ، وتعزل بعضهم الآخر عن وسائل الإعلام التابعة أو الموالية لها . ولهذا يقبع أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وغيرهم من نشطاء الثورة في سجونها ، ولا يرى أحمد حرارة إلا ظلامها ، بينما يتمتع عبد الرحيم علي وتوفيق عكاشة ومصطفى بكري ولميس جابر بحصانة مجلس نوابها .
دولة السيسي ، هي دولة العدالة المؤجلة .. المؤجلة إلى ما شاء دولاب العمل المترهل المتضعضع في مؤسسة القضاء . وبالطبع فإن القاعدة العريضة من القضاة ووكلاء النيابة غير مسئولين عن تخويلهم سلطة بلا أدنى مسئولية ، وغير مسئولين عن بيروقراطية الأوراق العاجزة وروتين الإجراءات العقيمة وغابة القوانين المتضاربة المتراكبة . وإنما المسئولية تقع على عاتق الدولة التي لم تكلف نفسها عناء تطوير مؤسسة العدالة ، وإنما اكتفى رئيسها بمطالبة مجلس القضاء الأعلى للقيام بذلك ، ورغم أن هذا المجلس لم يقم حتى الآن بواجبه الذي طولب به ، إلا أن دولة السيسي حتى الآن أيضا لم تبد تبرما أو عتابا أو اندهاشا ، وإنما صمت عمييييق .. وتخاذل مريييب .
ولعل مبعث ذلك الصمت وذاك التخاذل ، أن دولة السيسي لا تتعاطى مع سيادة القانون باعتبارها أمر يشغل بالها . ولا مع الأحكام القضائية بوصفها عنوان للحقيقة في مواجهتها . ولذلك لا يبدو الانصياع لسلطة القضاء مسلمة تجد لها مكانا داخل أروقة مؤسساتها مهما تباينت مجالات عملها .
فمؤسسات دولة السيسي المدنية والنظامية تبدو مترفعة على الخضوع للقانون مجترأة على ضوابطه ونواهيه غير عابئة بأحكام قضائه ومحاكمه ومستشاريه. ولذلك تعطي لنفسها الحق في أن تتعامل مع أحكام القضاء باعتبارها نصوص انتقائية ، يمكن أن تختار منها ما تشاء وتتغافل عما تشاء وتهدر ما تشاء وتؤول ما تشاء . ومن ثم لا تتورع عن أن تسلب باليسار ما أعاده القضاء لصاحب الحق باليمين . فلا ينال المحكوم له إلا جزاء " سيزيف " فيعاود الصعود بصخرة الحق المسلوب مرة تلو الأخرى ، بينما ترمح مؤسسات الدولة بمخالفتها للقانون ولأحكام القضاء ، ويشقى المحكوم له من الالتزام بهما .
ولهذا تبدو شعارات تطوير مرفق العدالة في دولة السيسي شعارات مؤجلة ، طالما أن ما آل إليه القضاء من مآل يضمن لمؤسسات الدولة استمرار سطوتها وانفلاتها . كما تبدو شعارات احترام حقوق الإنسان في دولة السيسي شعارات معطلة ، طالما ظلت سيادة القانون مكبلة داخل الغرف المنسية المهملة .
دولة السيسي ، دولة المشروعات العملاااااااااقة .. والإنجازات الضئييييييييلة المتقازمة . دولة الشعارات البراقة .. والخطوات المرتبكة الكليلة المتعثرة .
ولهذا تتجاهل دولة السيسي الأولويات الملحة والمشاكل المزمنة ، وتغرز قدميها وتلغوص يديها وتغوص حتى رقبتها في افتكاسات غير ملزمة ، فينشغل مسئولوها بما لم يطالبهم به الناس ، بينما يتغافلون عما طالبوهم ويطالبوهم به حتى جف ريقهم وبحت أصواتهم وتدلدلت ألسنتهم منذ عقود وأزمنة .
دولة السيسي ، هي الدولة التي يرتفع فيها سعر الدولار ويرتفع ويرتفع ولا ينخفض . وتنحسر فيها الاستثمارات وتنكمش ولا تنتشر . بينما يدعي مسئولوها بأن الاقتصاد يتعافى وتتسارع عجلته وتتعزز قوته .
دولة السيسي ، استلمت مصر ومتوسط سعر البترول يساوي ٩٦ دولار للبرميل ، ثم أصبح سعره خلال عام ٢٠١٥ يساوي في المتوسط ٤٩ دولار للبرميل ، بينما وصل سعره الآن إلى ما دون ٣٠ دولار للبرميل . ولكن رغم ذلك لم تنخفض أسعار السلع والخدمات ، وكأنها دولة خارج قواعد وبديهيات نظام الاقتصاد العالمي بقواعده ونظرياته وآلياته الحاكمة .
دولة السيسي ، لا تتحرج من تدخل بعض الأجهزة المسماة بالسيادية في العملية السياسية ، من خلال دفع البعض لتشكيل بعض الأحزاب ، أو تقديم الدعم المستتر لبعض الائتلافات أو بعض المرشحين للانتخابات . فيفسد الأمن وتتخرب السياسة ، وتبوء السلطة التشريعية بعملاء من المخبرين والمنافقين والانتهازيين والأفاقين والقوادين والرقاصين والمطبلاتية .
دولة السيسي ، كلما مر الوقت زاد مقدار تبرمها من النقد ، وانخفض سقف تقبلها للتوجهات المعارضة والرأي الضد . فالفشل يتخفى بالكبرياء ، والميكروبات عندما تغزو الجسد ترفع درجة حرارته فتبدأ العصبية ، يعقبها نفاذ الصبر .. ثم الهذيان .
دولة السيسي ، تشكو دائما أبدا من ضعف الموارد والإمكانيات وعجز الموازنة ، بينما لا تتحرج من التكاليف الباهظة للعناية والرعاية بالقصور والاستراحات والمخصصات الرئاسية ، وأساطيل سيارات المرسيدس والبي أم دبليو والدفع الرباعي الفارهة المخصصة لوزرائها ورؤساء هيئاتها وجنرالاتها ، فضلا عن مشتملات مكاتبهم واستراحاتهم بأثاثاتها ومكيفاتها وتجهيزاتها . ولا تتأذى من العدد المهول على مستوى العالم لسفاراتها وقنصلياتها ، والمخصصات المالية والعينية لطوابير سفرائها وقناصلها وملاحقها وموظفيهم وخدمهم وحشمهم .
دولة السيسي ، لا يتحرج كل مسئوليها وقياداتها من السفر للعلاج في الخارج على نفقة الدولة أو بالأحرى على حساب الشعب الغلبان ، ولا يطمئنون للعلاج في مستشفيات مصر العامة أو الخاصة ، باعتبارها مخصصة فقط لطبقة الرعايا وليس للصفوة الحاكمة المتحكمة . فقد كذب المثل ، فطباخ " السم " .. لا يذوقه .
دولة السيسي ، لا تتبنى الابتكار وتسد في وجهه كل طريق ومسار ، ولذلك تسلم ثرواتها للأجانب يحصدون نصف إيراداتها ، ولا تكلف نفسها عناء التساؤل : ماذا تفعل كل جامعات مصر ومعاهدها ومراكز بحوثها بكل خريجيها وباحثيها وأعضاء هيئات تدريسها ، إذا كان من المستحيل حتى الآن أن ننشئ محطة كهرباء ، أو نستكشف ونستخرج برميلا من البترول أو مترا مكعبا من الغاز ، أو نصنع سيارة أو أتوبيسا أو قطارا ، أو نصنع دواء .. أو .. أو .
دولة السيسي ، تدعو الشباب والألتراس إلى الحوار ، وتدعو جموع المصريين إلى التنازل " شوية " . ولكن السؤال : حوار حول ماذا ؟ وتنازل عن ماذا ؟
ما يعرفه المصريون شبابا وشيوخا ، أن الثورة قامت لبناء الديمقراطية وترسيخ العدالة الاجتماعية وضمان الكرامة الانسانية ، وليس للتفاوض على أي منهم . فعن ماذا إذن سيكون التنازل أو الحوار ؟ هل للتفاوض على الديموكتاتورية أم الدكتوقراطية ، أم عدالة ليست اجتماعية ، أم كرامة غير إنسانية . المعروف لا يُعرف ، والأوليات والأولويات ليست محلا للحوار أو التنازل أو التفاوض . والسياسة ليست مصاطب كلامية وإنما أهداف وإنجازات محسوسة وواقعية .
دولة السيسي ، هي التي يدعو رئيسها لتجديد الخطاب الديني ، بينما لا تزيد هذه الدعوة الخطاب الديني إلا تحنطا وركودا ، ولا تزيد الأزهر إلا تصلبا وجمودا .
ولذلك فهي الدولة التي يُسجن فيها إسلام بحيري ، ويُحكم فيها بالحبس على فاطمة ناعوت ، ويُستهزأ فيها بالشيخ محمد عبد الله نصر ، بينما ينتظر الدكتور سيد القمني مصيره المحتوم من التجريس أو الحبس . في حين يتمتع فيها ياسر برهامي وغيره من ذقون الدعوة السلفية بحرية بث الكراهية والتعصب والفتنة الطائفية . فدولة السيسي منشغلة بثمار الإرهاب لكنها مُهادنة لجذوره الفكرية ، وبالتالي ستظل شجرة الإرهاب ثابتة الأصل وفروعها تشق سماء مصر الإسلامية.
دولة السيسي ، هي دولة مبارك .. إلا " قليلا " .
وهي ، دولة مرسي .. إلا " إخوانية خائنة ولحية كاذبة " .
وهي دولة لم تنف حتى الآن خَبَثَها ، ولم يستقم حتى الآن اعوجاجها ، طالما تمتد لمئات الأمتار السجاجيد الحمراء على أسفلتها ، لتدوس عليها العجلات الشريفة والأحذية الرهيفة لسيارات وأقدام حكامها .
ولذلك ، هي دولة لم تتعلم أو تتعظ من التاريخ ، فكان لزاما عليها أن تكرر في الحاضر أخطاءه ومآسيه ومخازيه ، ومن ثم ستنهزم لا محالة وبكل حسرة وغصة أمام المستقبل .
ولكن السؤال : من الذي سيدفع الثمن ....... ؟؟؟
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
النظام زائل لا محالة ، بينما الدولة أكثر منه باقية .
ولكن يبدو النظام مثل الدماء التي تسري في شرايين الدولة ، فتنضح عليها وترسب فيها أمراضها وعللها ، بفيروساتها وباقي ميكروباتها .
ولذلك يصيب النظام المتخلف الدولة بالعته والسفه .
ويصيب النظام الأكتع أو الأعرج أو الكسيح الدولة بالإعاقة أو الشلل .
ويصيب النظام المستبد المارق الأخرق الدولة بالانحراف والبطش والعوج .
ولقد ورث السيسي دولة مصابة بكل أدران وأوساخ وسوءات النظام السابق .
ولكنه حتى الآن يحافظ على هذا الميراث ، ويحفظ له نموه وترعرعه وثباته وتمكُنه .
شعار السيسي في دولته هو : " لاقيني ولا تغديني " . فالرئيس لين الجانب خلوق التعامل عف اللسان في معظم تعاملاته وتصريحاته وخطبه وجولاته . إلا بالطبع ما يتعلق بـتصريحين : تصريح " مايصحش كده " ، وتصريح " الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط " .
وبالتالي يتبع الرئيس تكتيك : لاقيني ولا تغديني . وهو تكتيك ينال رضا الناس واستحسانهم ، بل ويلحس عقول عامتهم وبسطائهم . ولكن السؤال : إذا ظللت تلاقيني ولا تغديني .. تلاقيني ولا تغديني ، ففي النهاية سأفطس من الجوع .
أما إستراتيجية السيسي في دولته ، فهي : تثبيت الدولة والحفاظ على عدم انهيارها . ولكن إذا كان تثبيت الأشياء المادية دوما ما يكون من خلال ربطها أو تقييدها أو ضمها لبعضها البعض بالغراء أو الأسمنت أو المسامير ، فإن الدولة ككيان اعتباري قانوني سياسي اجتماعي اقتصادي إنساني ؛ لا يمكن تثبيتها إلا من خلال الفصل بين سلطاتها ومن خلال إطلاق حرياتها وضمان التعدد والتنوع والاختلاف بين أفرادها . فالدول يتم تثبيت أركانها بالحرية والديمقراطية وليس بالأسمنت والمسامير والخوازيق ، وبتحقيق السيولة والمرونة في التعامل مع مشكلات مؤسساتها وليس بتجميدها وتصنيمها .
وما بين إستراتيجية الرئيس لتثبيت الدولة مؤسسيا ، وتكتيكاته لتثبيت الجماهير عاطفيا .
فإن دولة السيسي ، هي الدولة التي تدعي الإيمان بثورة ٢٥ يناير بينما لا تحقق أهدافها ، وإنما تحتفي بأعداءها ، ولا تستعين برموزها بل تحبس بعضهم داخل سجونها ، وتعزل بعضهم الآخر عن وسائل الإعلام التابعة أو الموالية لها . ولهذا يقبع أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وغيرهم من نشطاء الثورة في سجونها ، ولا يرى أحمد حرارة إلا ظلامها ، بينما يتمتع عبد الرحيم علي وتوفيق عكاشة ومصطفى بكري ولميس جابر بحصانة مجلس نوابها .
دولة السيسي ، هي دولة العدالة المؤجلة .. المؤجلة إلى ما شاء دولاب العمل المترهل المتضعضع في مؤسسة القضاء . وبالطبع فإن القاعدة العريضة من القضاة ووكلاء النيابة غير مسئولين عن تخويلهم سلطة بلا أدنى مسئولية ، وغير مسئولين عن بيروقراطية الأوراق العاجزة وروتين الإجراءات العقيمة وغابة القوانين المتضاربة المتراكبة . وإنما المسئولية تقع على عاتق الدولة التي لم تكلف نفسها عناء تطوير مؤسسة العدالة ، وإنما اكتفى رئيسها بمطالبة مجلس القضاء الأعلى للقيام بذلك ، ورغم أن هذا المجلس لم يقم حتى الآن بواجبه الذي طولب به ، إلا أن دولة السيسي حتى الآن أيضا لم تبد تبرما أو عتابا أو اندهاشا ، وإنما صمت عمييييق .. وتخاذل مريييب .
ولعل مبعث ذلك الصمت وذاك التخاذل ، أن دولة السيسي لا تتعاطى مع سيادة القانون باعتبارها أمر يشغل بالها . ولا مع الأحكام القضائية بوصفها عنوان للحقيقة في مواجهتها . ولذلك لا يبدو الانصياع لسلطة القضاء مسلمة تجد لها مكانا داخل أروقة مؤسساتها مهما تباينت مجالات عملها .
فمؤسسات دولة السيسي المدنية والنظامية تبدو مترفعة على الخضوع للقانون مجترأة على ضوابطه ونواهيه غير عابئة بأحكام قضائه ومحاكمه ومستشاريه. ولذلك تعطي لنفسها الحق في أن تتعامل مع أحكام القضاء باعتبارها نصوص انتقائية ، يمكن أن تختار منها ما تشاء وتتغافل عما تشاء وتهدر ما تشاء وتؤول ما تشاء . ومن ثم لا تتورع عن أن تسلب باليسار ما أعاده القضاء لصاحب الحق باليمين . فلا ينال المحكوم له إلا جزاء " سيزيف " فيعاود الصعود بصخرة الحق المسلوب مرة تلو الأخرى ، بينما ترمح مؤسسات الدولة بمخالفتها للقانون ولأحكام القضاء ، ويشقى المحكوم له من الالتزام بهما .
ولهذا تبدو شعارات تطوير مرفق العدالة في دولة السيسي شعارات مؤجلة ، طالما أن ما آل إليه القضاء من مآل يضمن لمؤسسات الدولة استمرار سطوتها وانفلاتها . كما تبدو شعارات احترام حقوق الإنسان في دولة السيسي شعارات معطلة ، طالما ظلت سيادة القانون مكبلة داخل الغرف المنسية المهملة .
دولة السيسي ، دولة المشروعات العملاااااااااقة .. والإنجازات الضئييييييييلة المتقازمة . دولة الشعارات البراقة .. والخطوات المرتبكة الكليلة المتعثرة .
ولهذا تتجاهل دولة السيسي الأولويات الملحة والمشاكل المزمنة ، وتغرز قدميها وتلغوص يديها وتغوص حتى رقبتها في افتكاسات غير ملزمة ، فينشغل مسئولوها بما لم يطالبهم به الناس ، بينما يتغافلون عما طالبوهم ويطالبوهم به حتى جف ريقهم وبحت أصواتهم وتدلدلت ألسنتهم منذ عقود وأزمنة .
دولة السيسي ، هي الدولة التي يرتفع فيها سعر الدولار ويرتفع ويرتفع ولا ينخفض . وتنحسر فيها الاستثمارات وتنكمش ولا تنتشر . بينما يدعي مسئولوها بأن الاقتصاد يتعافى وتتسارع عجلته وتتعزز قوته .
دولة السيسي ، استلمت مصر ومتوسط سعر البترول يساوي ٩٦ دولار للبرميل ، ثم أصبح سعره خلال عام ٢٠١٥ يساوي في المتوسط ٤٩ دولار للبرميل ، بينما وصل سعره الآن إلى ما دون ٣٠ دولار للبرميل . ولكن رغم ذلك لم تنخفض أسعار السلع والخدمات ، وكأنها دولة خارج قواعد وبديهيات نظام الاقتصاد العالمي بقواعده ونظرياته وآلياته الحاكمة .
دولة السيسي ، لا تتحرج من تدخل بعض الأجهزة المسماة بالسيادية في العملية السياسية ، من خلال دفع البعض لتشكيل بعض الأحزاب ، أو تقديم الدعم المستتر لبعض الائتلافات أو بعض المرشحين للانتخابات . فيفسد الأمن وتتخرب السياسة ، وتبوء السلطة التشريعية بعملاء من المخبرين والمنافقين والانتهازيين والأفاقين والقوادين والرقاصين والمطبلاتية .
دولة السيسي ، كلما مر الوقت زاد مقدار تبرمها من النقد ، وانخفض سقف تقبلها للتوجهات المعارضة والرأي الضد . فالفشل يتخفى بالكبرياء ، والميكروبات عندما تغزو الجسد ترفع درجة حرارته فتبدأ العصبية ، يعقبها نفاذ الصبر .. ثم الهذيان .
دولة السيسي ، تشكو دائما أبدا من ضعف الموارد والإمكانيات وعجز الموازنة ، بينما لا تتحرج من التكاليف الباهظة للعناية والرعاية بالقصور والاستراحات والمخصصات الرئاسية ، وأساطيل سيارات المرسيدس والبي أم دبليو والدفع الرباعي الفارهة المخصصة لوزرائها ورؤساء هيئاتها وجنرالاتها ، فضلا عن مشتملات مكاتبهم واستراحاتهم بأثاثاتها ومكيفاتها وتجهيزاتها . ولا تتأذى من العدد المهول على مستوى العالم لسفاراتها وقنصلياتها ، والمخصصات المالية والعينية لطوابير سفرائها وقناصلها وملاحقها وموظفيهم وخدمهم وحشمهم .
دولة السيسي ، لا يتحرج كل مسئوليها وقياداتها من السفر للعلاج في الخارج على نفقة الدولة أو بالأحرى على حساب الشعب الغلبان ، ولا يطمئنون للعلاج في مستشفيات مصر العامة أو الخاصة ، باعتبارها مخصصة فقط لطبقة الرعايا وليس للصفوة الحاكمة المتحكمة . فقد كذب المثل ، فطباخ " السم " .. لا يذوقه .
دولة السيسي ، لا تتبنى الابتكار وتسد في وجهه كل طريق ومسار ، ولذلك تسلم ثرواتها للأجانب يحصدون نصف إيراداتها ، ولا تكلف نفسها عناء التساؤل : ماذا تفعل كل جامعات مصر ومعاهدها ومراكز بحوثها بكل خريجيها وباحثيها وأعضاء هيئات تدريسها ، إذا كان من المستحيل حتى الآن أن ننشئ محطة كهرباء ، أو نستكشف ونستخرج برميلا من البترول أو مترا مكعبا من الغاز ، أو نصنع سيارة أو أتوبيسا أو قطارا ، أو نصنع دواء .. أو .. أو .
دولة السيسي ، تدعو الشباب والألتراس إلى الحوار ، وتدعو جموع المصريين إلى التنازل " شوية " . ولكن السؤال : حوار حول ماذا ؟ وتنازل عن ماذا ؟
ما يعرفه المصريون شبابا وشيوخا ، أن الثورة قامت لبناء الديمقراطية وترسيخ العدالة الاجتماعية وضمان الكرامة الانسانية ، وليس للتفاوض على أي منهم . فعن ماذا إذن سيكون التنازل أو الحوار ؟ هل للتفاوض على الديموكتاتورية أم الدكتوقراطية ، أم عدالة ليست اجتماعية ، أم كرامة غير إنسانية . المعروف لا يُعرف ، والأوليات والأولويات ليست محلا للحوار أو التنازل أو التفاوض . والسياسة ليست مصاطب كلامية وإنما أهداف وإنجازات محسوسة وواقعية .
دولة السيسي ، هي التي يدعو رئيسها لتجديد الخطاب الديني ، بينما لا تزيد هذه الدعوة الخطاب الديني إلا تحنطا وركودا ، ولا تزيد الأزهر إلا تصلبا وجمودا .
ولذلك فهي الدولة التي يُسجن فيها إسلام بحيري ، ويُحكم فيها بالحبس على فاطمة ناعوت ، ويُستهزأ فيها بالشيخ محمد عبد الله نصر ، بينما ينتظر الدكتور سيد القمني مصيره المحتوم من التجريس أو الحبس . في حين يتمتع فيها ياسر برهامي وغيره من ذقون الدعوة السلفية بحرية بث الكراهية والتعصب والفتنة الطائفية . فدولة السيسي منشغلة بثمار الإرهاب لكنها مُهادنة لجذوره الفكرية ، وبالتالي ستظل شجرة الإرهاب ثابتة الأصل وفروعها تشق سماء مصر الإسلامية.
دولة السيسي ، هي دولة مبارك .. إلا " قليلا " .
وهي ، دولة مرسي .. إلا " إخوانية خائنة ولحية كاذبة " .
وهي دولة لم تنف حتى الآن خَبَثَها ، ولم يستقم حتى الآن اعوجاجها ، طالما تمتد لمئات الأمتار السجاجيد الحمراء على أسفلتها ، لتدوس عليها العجلات الشريفة والأحذية الرهيفة لسيارات وأقدام حكامها .
ولذلك ، هي دولة لم تتعلم أو تتعظ من التاريخ ، فكان لزاما عليها أن تكرر في الحاضر أخطاءه ومآسيه ومخازيه ، ومن ثم ستنهزم لا محالة وبكل حسرة وغصة أمام المستقبل .
ولكن السؤال : من الذي سيدفع الثمن ....... ؟؟؟
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق