د. محمد محفوظ يكتب : كشف حساب السيسي .. ٢٥ + ٣٠ = صفر .. التعلية على أساسات واهية
" التعليم هياخد مدى زمني كبير للإصلاح
مش قبل ١٢ أو ١٣ سنة نكون حققناه ".
من حوار الرئيس بتاريخ ٣ يونيه ٢٠١٦
في الفيلم التسجيلي الذي أعده المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية بعنوان : مصر في عامين ، وتمت إذاعته بتاريخ ٣ يونيه ٢٠١٦ .
وفي الحوار الذي امتد لقرابة ساعتين ، وأجراه الرئيس مع الإعلامي أسامة كمال في ذات التاريخ .
قدم الرئيس السيسي كشف حساب ، عما قام به من إنجازات بمناسبة مرور عامين من فترته الرئاسية ؛ التي تنتهي عقب مرور عامين آخرين في ٨ يونيه ٢٠١٨ .
ولئن كان من حق الرئيس أن يعدد ما يراه قد تحقق من إنجازات في النصف الأول من عهده ، وفي ظل قيادته وعلى يد حكومته .
فمن حق المعارضين السلميين - فعلا وقولا - الذين لم ترفع سواعدهم يوما سلاح الإرهاب أو تنطق ألسنتهم يوما بالشتائم والسباب ، من حقهم أن يعددوا ما رصدوه من إخفاقات للرئيس وحكومته . باعتبار أن دور المعارضة هو تعرية الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وتسليط الضوء عليه لتكتمل الصورة أمام جماهير المواطنين.
وذلك انطلاقا مما أثبتته وأكدته التجارب المتواترة للدول الديمقراطية ؛ من أن تصدي المعارضة السلمية لكشف الفشل وفضح الفساد ورصد الإخفاقات ، لم يكن أبدا عامل هدم في مسيرة تلك الدول ، بل كان دوما عامل تقدم ونجاح ، وعامل تصويب مستمر للأداء ، وتنقية للسياسات من الشوائب والآفات .
وبالطبع لم نكن في حاجة لانتظار فيلم الرئيس أو حواره لنتلمس إنجازاته أو نرصد إخفاقاته . فأرض مصر الواسعة وسواحلها الممتدة وأجواءها المترامية ، تشهد بما حاق بها من خير أو شر ؛ ومن إصلاح أو إفساد .
ولكن يمكن القول بأن كشف الإنجازات الذي قدمه الرئيس يتضمن الآتي :
- المشروع القومي لتنمية محور قناة السويس بما تضمنه من حفر تفريعة قناة السويس، وما سيتضمنه من مشروعات أخرى تتعلق بشرق التفريعة وميناء بورسعيد .
- المشروع القومي لاستزراع ٤ ونص مليون فدان ، تبدأ مرحلتها الأولى بزراعة ١ ونص مليون فدان .
- المشروع القومي لشبكة الطرق والكباري بطول ٥ آلاف كيلو متر .
- المشروع القومي لتطوير شبكة الكهرباء وإنشاء محطة الضبعة النووية .
- المشروع القومي لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة .
- المشروع القومي للإسكان الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على العشوائيات .
- المشروع القومي لمنظومة السلع التموينية وصوامع تخزين الحبوب .
- الحملة القومية لعلاج فيروس سي .
- البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة .
- مشروع مدينة دمياط للأثاث ومدينة الروبيكي للجلود .
- دعم وتقوية العلاقات الخارجية علي مستوى الدوائر الاقليمية والدولية .
- تطوير القدرات التسليحية كميا ونوعيا وإستراتيجيا ، وتنويع مصادر السلاح .
- مكافحة الإرهاب وما يتم بذله من دماء وتضحيات .
كانت هذه هي مجمل الصورة الشاملة للإنجازات التي يرى الرئيس وحكومته والمؤيدين لسياسته ، بأنها طفرات غير مسبوقة في تاريخ مصر ، بل كانت تحتاج لعشرين عاما لإنجازها .
ولذلك علينا أن نبادر بطرح ٤ أسئلة دراماتيكية ، قد تساهم الإجابة عليها في تقييم مدى ثقل كل من الإنجازات والإخفاقات على كفتي ميزان التقديرات .
والسؤال الدراماتيكي الأول الذي ينبغي أن نسأله يتمثل في الآتي :
- هل جمال مبارك كان سيقول ويفعل غير ما يفعله ويقوله لنا الرئيس السيسي ، لو تمكن من وراثة الحكم من أبيه ولم تقم ثورة ٢٥ يناير ؟
في تقديري ، كان جمال مبارك سيقول نفس ما يقوله الرئيس وسيفعل ذات ما يفعله الرئيس ، ويستعين بنفس الرجال والنساء الذين يستعين بهم الرئيس .
فجمال مبارك ما كان ليفعل شيئا يختلف عما فعله أبيه ، أكثر من الحفاظ علي ذات النظام ولكن بوجوه جديدة ، وتكرار ذات السياسات ولكن بشعارات مختلفة .
ولعل نظرة سريعة إلى برنامج الحزب الوطني الديمقراطي لانتخابات مجلس الشعب لعام ٢٠١٠ ، ستوضح بأن منهج السيسي هو ذات منهج جمال مبارك ، ولذلك فكل المشروعات القومية التي افتتحها السيسي كان سيفتتحها جمال مبارك مع اختلاف بسيط ، يتمثل في تغيير اسم الرئيس على لوحة الافتتاح .
وبالتالي ، فالرئيس السيسي لم يفعل حتى الآن إنجازا ما كان ليفعله جمال مبارك . وإذا كان البعض يرى بأن الرئيس يتفرد بإنجاز جديد يتمثل في : زيارة الكاتدرائية المرقصية، وركوب الدراجات ، والتصوير وسط الشباب ، والحديث العاطغي عن الشعب والمرأة والشهداء والتضحيات . فإن الرد بأن كل ذلك تسويق لذات البضاعة ولكن بغلاف جديد يناسب الأحوال والمقتضيات .
أما السؤال الثاني الأكثر دراماتيكية فيتمثل في الآتي :
- هل كان محمد مرسي سيقول ويفعل غير ما يقوله ويفعله الرئيس السيسي ، لو لم تقم ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ ، واستمر في الحكم لنهاية فترته حتي ٣٠ يونيه ٢٠١٦ ؟
والإجابة : أليس كل الشباب الثوري - السلمي - كان بالضرورة سيقبع في سجون مرسي، مثلما يقبع الآن في سجون السيسي .
أليس جزءً من سيناء كان مرشحا للانضمام إلى غزة في عهد مرسي ، مثلما انضمت جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في عهد السيسي .
أليس قِسماً من وثائق مصر السيادية السرية كان سيظل يتسرب إلى قطر بعلم مرسي ، مثلما تم استخدام جزء من الوثائق المصرية السيادية السرية لتبرير تبعية تيران وصنافير للسعودية بعلم السيسي .
أليس مجلس النواب الذي سيطر عليه الإخوان ومن بعده مجلس الشورى لدعم مرسي ، لا يختلف كثيرا عن مجلس النواب الذي يسيطر عليه إئتلاف دعم الدولة لدعم السيسي.
أليس الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب في نظام السيسي ، هو مجرد نسخة مكررة من الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس النواب في نظام مرسي .
أليس حصار نقابة الصحفيين وترويع مجلسها في ظل صمت عميق من السيسي ، مثل حصار مدينة الإنتاج الإعلامي في ظل صمت ثقيل من مرسي .
أليس استبعاد كتاب ومذيعين نتيجة الضغط علي مؤسساتهم الإعلامية في عهد السيسي ، هو نفس ما كان يحدث في عهد مبارك ، وذات ما كان سيحدث في عهد جمال مبارك لو استقر على الكرسي ، وعين ما حدث وكان سيستمر يحدث في عهد مرسي لو استمر علي ذات الكرسي .
أليس توريط باقي السلطات لتهجر حضن الدولة وتتأبط ذراع النظام ، من خلال تذويب الفواصل بينها ودفعها إلى التواطؤ مع بعضها . أليس ذلك هو خطيئة مبارك التي استفحلت ، وخطة مرسي التي تحطمت . ورغم ذلك يعيد النظام الحالي بناء جسور التواطؤ التي ظننا عقب ثورتين أنها تهدمت .
أليس .. وأليس .. وأليس ...
أما السؤال الدراماتيكي الثالث فيتمثل في :
- هل بمثل تلك الإنجازات تتثبت الأوطان وتعلو في مدارج التحضر والإنسانية ؟
والإجابة بكل بساطة ، بأنه لو كانت الإنجازات الحقيقية بعد عامين من حكم السيسي أو بعد ٣٠ عاما من حكم مبارك ، أو الإنجازات الافتراضية بعد ٦ أعوام من حكم جمال مبارك أو بعد ٤ أعوام من حكم مرسي .. لو كانت هذه الإنجازات تتمثل في الطرق والكباري ، والإسكان الاجتماعي ، والرقعة الزراعية ، والكهرباء التقليدية والنووية ، ومنظومة التموين والخبز والسلع الغذائية .. فكل ذلك بدون استثناء فعله مبارك من قبل ، أو وضع أفكار وقواعد فعله جمال مبارك وحوارييه . ولكن كل ذلك لم يحم نظام الأب والابن من السقوط ، لأنهما احتقرا الديمقراطية ، واستخفا بالمعارضة ، واستعانا بعصا الأمن لمواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
أقام مبارك بنية طرق وكباري مهولة ، وبنية اتصالات سلكية ولاسلكية متقدمة ، ومشروعات عملاقة في توشكي وشرق العوينات وغرب السويس ، ومنتجعات سياحية عالمية في شرم الشيخ والغردقة . وأنشأ مدنا جديدة وموانئ ومطارات ومحاكم ومدارس وجامعات . وعزز وجود مصر الدولي في دول الست قارات من خلال شبكة عالمية من القنصليات والسفارات . ووقع مئات وآلاف المعاهدات والاتفاقيات . وتحصَّل على مئات مليارات الدولارات واليوروهات من المنح والمساعدات .
٣٠ عاما من التحديث ؛ المقتصر على البناء والإنشاء ، المتغافل عن تطوير نظم الإدارة بجودة الأداء وكفاءة التشغيل ومكافحة الفساد ، المعادي للعدالة والحريات باعتبارهما مزايدات .
وبالطبع كل ما فعله مبارك من انجازات ، كان سيكرره جمال مبارك لو مضى قطار التوريث ، وكان سيفعله مرسي لو قضى سيف التمكين .
لكن الأوطان لا تتثبت أساساتها إلا بالديمقراطية ، القائمة على العدل والحرية ، واحترام الاختلاف والتعددية .
الحكومة التي تتطلع إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ، تبادر أولا إلى تمهيد الطريق بالديمقراطية ، لتسير عليه قاطرة التحديث التنموية ، بوقود العدالة والحرية .
أما المجتمعات التي تدير عجلة التحديث التنموية ، بينما تفرغ عجلة الديمقراطية من هواء العدالة والحرية ، فإنها قد تنجح في بناء المباني والمرافق إلى حين ، ولكنها تفشل في ضمان الاستقرار والأمن وبناء الإنسان .
يتموضع الاتحاد السوفيتي في التاريخ الحديث ؛ باعتباره القلعة الضخمة التي قادت التحديث بالتصنيع والاستزراع والإنشاء والتسليح التقليدي والنووي ، بل وبأسبقية الدوران حول القمر . ولكنه يتموضع أيضا بوصفه المستنقع الأسود لقمع الحريات واختراق العدالة واحتقار الديمقراطية ، ومن ثم كان مصيره سقطة ساحقة ماحقة مدوية .
وتتموضع الصين كقوة صناعية تجارية ديموجرافية استثنائية ، ولكنها لو لم تصحح المسار لتلحق بركب الحقوق والحريات وترفع أقواس الديمقراطية ، فسوف يكون مصيرها التفسخ والانحدار في الهاوية السوفيتية .
ولذلك ، ورغم كل إنجازات مبارك قامت الثورة في ٢٥ يناير ، واستمرت في ٣٠ يونيه ، لبناء الديمقراطية وليس للتحايل عليها ، أو للتفاوض على أي من عناصرها تكون له الأولوية .
ولذلك أيضا ، تبدو إنجازات السيسي بعد عامين وكأنها استكمال لنفس السطر الذي انتهى عنده مبارك ، مع محو بالأستيكة لكل المطالب الثورية .
فالواقع يقرر بأن ٩٩ ٪ مما يفعله السيسي لم يطالبه به الشعب .
بينما ٩٩ ٪ مما لم يفعله السيسي هو الذي يطالبه به الشعب .
مايفعله السيسي ربما كان سيكون مهضوما - بعلبة فوار - لو كانت رئاسته في ظل ظروف طبيعية .
ولكن ، عندما تكون رئاسته بعد ثورتين ، فليس عليه إلا أن يتصدي قبل كل شيء لحل مشاكل الناس المزمنة اليومية ، ويغلف كل ذلك باحترام العدل والحرية .
لم تقم الثورة لأن الكهرباء كانت شحيحة أو تنقطع في عهد مبارك . ولو أنها وللأمانة ما كانت مقطوعة ولا ممنوعة .
ولم تقم الثورة لأن قناة السويس كانت فرعا واحدا . ولو أنها وللأمانة امتلكت تفريعتها الأولى في عهد الرئيس السادات .
ولم تقم الثورة لأن المصريين يتحرقون إلى عاصمة إدارية جديدة أو مفاعل نووي أو حاملة طائرات .. أو .. أو .. .
ولم تقم الثورة لأن مبارك لم يكن يطلق المشروعات العملاقة ، ولم يكن يزرع الصحراء ، ولم يكن يبني عشرات آلاف المساكن ، ولم تكن له علاقات خارجية مستقرة مع معظم دول العالم .
ولكنها قامت لأن كل ما فعله مبارك كانت تنقصه الكفاءة وتخاصمه الجودة ويسكنه الفساد ، بسبب غياب العدل وكبت الحريات .
وإلا لو كان الانجاز يعني فقط كل ما يفاخر به الرئيس من إنشاءات ، فليترشح إذن اللواء كامل الوزير في الجولة القادمة للانتخابات الرئاسية .
ولو كان الإنجاز محوره الانتهاء من حفر تفريعة قناة السويس أمام الاسماعيلية ، أو كان مضمونه ما يتم التسويق له بأنه معجزة الكهرباء الأسطورية ، فلنجري قرعة إذن بين الدكتور محمد شاكر والفريق مهاب ماميش لنختار واحد منهما لرئاسة مجلس الوزراء .
ولذلك أتحسر على حال المواطن الذي سيشاهد فيديو : مصر في عامين الذي أطلقه المكتب الإعلامي للرئيس في كافة وسائل الاعلام . فبينما سينبهر بالموثرات المرئية والجرافيكية والصوتية والتصوير والمونتاج والإخراج . إلا أنه عقب نهاية الفيديو سيخرج إلى بلكونته أو يطل من شباكه ، فيطالع أكوام الزبالة المتعفنة المتراكمة على جنبات الطريق ، وفوضى المرور الطاحنة في نهر الطريق ، وكم الإشغالات المزمنة على الرصيف ، والعقارات المجاورة التي تم بيعها ثم هدمها لكي تتحول إلى أبراج بدون ترخيص . وسيشرد للحظات فيتذكر .. الدعوى القضائية التي رفعها في المحاكم ومازالت محلك سر منذ سنوات . والمحضر الذي حرره لتعرضه للسرقة ولم يتم ضبط السارق أو المسروقات منذ سنوات .. و .. و .. .
وسيبحث هذا المواطن أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة في قادم الأيام ، عن خطوة واحدة تمت على طريق إصلاح هذه المؤسسات التي يقول الرئيس بأنه تمت إستعادتها وأنه يجاهد لعدم سقوطها والحفاظ على مقدراتها . ولكنه لن يجد هذه الخطوة قد انطلقت أو حتى أوعزت بالانطلاق . ببنما تنطلق في سماء مصر الرافال ، وتتهادى على مياه بحارها الميسترال .
وبالتالي ، فإن الإنجازات المقتصرة - في غالبيتها على الإنشاءات ، المخاصمة للعدل والحريات ، المتغافلة عن إيجاد حلول - أي حلول - لما تعطن وتعفن من مشكلات . هي إنجازات ستأكلها حتما هذه المشكلات التي تتوالد وتترعرع في كنف غياب العدل . عدالة التوزيع وعدالة التوظيف وعدالة إنهاء المنازعات . عدالة لا تعرف التمييز بسبب الجنس أو الدين أو حزبية الانتماء . وهي أيضا إنجازات ستبتلعها المشكلات التي تتثبت وتتجذر وتترسخ في ظل قمع الحريات . حرية العمل الحزبي والنقابي . حرية المجتمع المدني . حرية الإعلام . حرية النقد والتعبير . حرية الإبداع . حرية البحث الأكاديمي والابتكار . حرية الاعتقاد .
الحكمة الباقية تقرر ، بأنه لا يمكن إنجاز أي تعلية فوق مبنى أساساته متصدعة متضعضعة واهية ، لأن النتيجة الحتمية ستكون انهيار المبنى وسقوطه بكل ما تم فوقه من تعلية .
ولكن للأسف ، لا يأبه الرئيس السيسي بالأساسات ، بل ينطلق لسطح المبنى ليباشر التعلية ، وإن حانت منه إلتفاتة للأدوار السفلية والبدروم ، فهي لمجرد ترميم الحوائط وبياضها دون أدنى اهتمام بتقوية الأعمدة .
ولذلك ، يطل علينا برأسه السؤال الدراماتيكي الرابع والأخير .. وهو :
- لماذا لا يأبه الرئيس بتصدع الأساسات ويستمر في التعلية ، متجاهلا أهداف ثورة أولى وثورة ثانية ؟
ولعل الإجابة لا تمثل تفتيشا في النوايا ، ولكنها - وبكل أسف - ناتجة عن تحليل لواقع الحال من عدة زوايا .
وذلك الواقع يقرر بأن ٢٥ يناير في عرف السلطة الحاكمة ، هي مجرد مؤامرة .
بينما ٣٠ يونيه في عقل السلطة الحاكمة ، هي مجرد إجهاض للمؤامرة .
وبالتالي ، الثورة الأولى وضعت دولة ٥٢ في وضع إنسحاق .
أما الثورة الثانية فكانت لاستعادة السلطة - مرة أخرى - لصالح دولة ٥٢ صاحبة الاستحقاق .
وهذا يوضح بأن أهداف ٢٥ و ٣٠ لا تدخل ضمن حسابات سلطتنا الحاكمة .
ولذلك ، فإن قاعدة انطلاقها هي ٢٤ يناير ٢٠١١ ، وفزاعتها المنتصبة لتكريس مخاوف الشعب وهواجسه هي ٢٩ يونيه ٢٠١٣ .
------
التساؤلات الدراماتيكية قد تكون مربكة ولكنها لازمة ، لكون إجاباتها تضع النقاط فوق الحروف المظلمة ، وتفصح عما هو مخفي أو مكبوت بين السطور المعتمة .
كشف حساب السيسي إذن ، هو نموذج للتعلية على أدوار واهية . والنتيجة : سقوط البناء كله على رأس السلطة ورؤوسنا .
ولذلك سواء بعد عامين أو ٤ أو ٨ أو هلم جرا .
يمكن اختصار كل ما سبق في المعادلات الآتية :
- كشف حساب السيسي : ٢٥ + ٣٠ = صفر
أو بعبارة أخرى :
كشف حساب السيسي : ٢٥ يناير + ٣٠ يونيه = ٢٤ يناير + ٢٩ يونيه
أو بعبارة أخيرة :
كشف حساب السيسي : التعلية + أساسات واهية = سقطة ساحقة ماحقة مدوية
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
" التعليم هياخد مدى زمني كبير للإصلاح
مش قبل ١٢ أو ١٣ سنة نكون حققناه ".
من حوار الرئيس بتاريخ ٣ يونيه ٢٠١٦
في الفيلم التسجيلي الذي أعده المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية بعنوان : مصر في عامين ، وتمت إذاعته بتاريخ ٣ يونيه ٢٠١٦ .
وفي الحوار الذي امتد لقرابة ساعتين ، وأجراه الرئيس مع الإعلامي أسامة كمال في ذات التاريخ .
قدم الرئيس السيسي كشف حساب ، عما قام به من إنجازات بمناسبة مرور عامين من فترته الرئاسية ؛ التي تنتهي عقب مرور عامين آخرين في ٨ يونيه ٢٠١٨ .
ولئن كان من حق الرئيس أن يعدد ما يراه قد تحقق من إنجازات في النصف الأول من عهده ، وفي ظل قيادته وعلى يد حكومته .
فمن حق المعارضين السلميين - فعلا وقولا - الذين لم ترفع سواعدهم يوما سلاح الإرهاب أو تنطق ألسنتهم يوما بالشتائم والسباب ، من حقهم أن يعددوا ما رصدوه من إخفاقات للرئيس وحكومته . باعتبار أن دور المعارضة هو تعرية الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وتسليط الضوء عليه لتكتمل الصورة أمام جماهير المواطنين.
وذلك انطلاقا مما أثبتته وأكدته التجارب المتواترة للدول الديمقراطية ؛ من أن تصدي المعارضة السلمية لكشف الفشل وفضح الفساد ورصد الإخفاقات ، لم يكن أبدا عامل هدم في مسيرة تلك الدول ، بل كان دوما عامل تقدم ونجاح ، وعامل تصويب مستمر للأداء ، وتنقية للسياسات من الشوائب والآفات .
وبالطبع لم نكن في حاجة لانتظار فيلم الرئيس أو حواره لنتلمس إنجازاته أو نرصد إخفاقاته . فأرض مصر الواسعة وسواحلها الممتدة وأجواءها المترامية ، تشهد بما حاق بها من خير أو شر ؛ ومن إصلاح أو إفساد .
ولكن يمكن القول بأن كشف الإنجازات الذي قدمه الرئيس يتضمن الآتي :
- المشروع القومي لتنمية محور قناة السويس بما تضمنه من حفر تفريعة قناة السويس، وما سيتضمنه من مشروعات أخرى تتعلق بشرق التفريعة وميناء بورسعيد .
- المشروع القومي لاستزراع ٤ ونص مليون فدان ، تبدأ مرحلتها الأولى بزراعة ١ ونص مليون فدان .
- المشروع القومي لشبكة الطرق والكباري بطول ٥ آلاف كيلو متر .
- المشروع القومي لتطوير شبكة الكهرباء وإنشاء محطة الضبعة النووية .
- المشروع القومي لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة .
- المشروع القومي للإسكان الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على العشوائيات .
- المشروع القومي لمنظومة السلع التموينية وصوامع تخزين الحبوب .
- الحملة القومية لعلاج فيروس سي .
- البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة .
- مشروع مدينة دمياط للأثاث ومدينة الروبيكي للجلود .
- دعم وتقوية العلاقات الخارجية علي مستوى الدوائر الاقليمية والدولية .
- تطوير القدرات التسليحية كميا ونوعيا وإستراتيجيا ، وتنويع مصادر السلاح .
- مكافحة الإرهاب وما يتم بذله من دماء وتضحيات .
كانت هذه هي مجمل الصورة الشاملة للإنجازات التي يرى الرئيس وحكومته والمؤيدين لسياسته ، بأنها طفرات غير مسبوقة في تاريخ مصر ، بل كانت تحتاج لعشرين عاما لإنجازها .
ولذلك علينا أن نبادر بطرح ٤ أسئلة دراماتيكية ، قد تساهم الإجابة عليها في تقييم مدى ثقل كل من الإنجازات والإخفاقات على كفتي ميزان التقديرات .
والسؤال الدراماتيكي الأول الذي ينبغي أن نسأله يتمثل في الآتي :
- هل جمال مبارك كان سيقول ويفعل غير ما يفعله ويقوله لنا الرئيس السيسي ، لو تمكن من وراثة الحكم من أبيه ولم تقم ثورة ٢٥ يناير ؟
في تقديري ، كان جمال مبارك سيقول نفس ما يقوله الرئيس وسيفعل ذات ما يفعله الرئيس ، ويستعين بنفس الرجال والنساء الذين يستعين بهم الرئيس .
فجمال مبارك ما كان ليفعل شيئا يختلف عما فعله أبيه ، أكثر من الحفاظ علي ذات النظام ولكن بوجوه جديدة ، وتكرار ذات السياسات ولكن بشعارات مختلفة .
ولعل نظرة سريعة إلى برنامج الحزب الوطني الديمقراطي لانتخابات مجلس الشعب لعام ٢٠١٠ ، ستوضح بأن منهج السيسي هو ذات منهج جمال مبارك ، ولذلك فكل المشروعات القومية التي افتتحها السيسي كان سيفتتحها جمال مبارك مع اختلاف بسيط ، يتمثل في تغيير اسم الرئيس على لوحة الافتتاح .
وبالتالي ، فالرئيس السيسي لم يفعل حتى الآن إنجازا ما كان ليفعله جمال مبارك . وإذا كان البعض يرى بأن الرئيس يتفرد بإنجاز جديد يتمثل في : زيارة الكاتدرائية المرقصية، وركوب الدراجات ، والتصوير وسط الشباب ، والحديث العاطغي عن الشعب والمرأة والشهداء والتضحيات . فإن الرد بأن كل ذلك تسويق لذات البضاعة ولكن بغلاف جديد يناسب الأحوال والمقتضيات .
أما السؤال الثاني الأكثر دراماتيكية فيتمثل في الآتي :
- هل كان محمد مرسي سيقول ويفعل غير ما يقوله ويفعله الرئيس السيسي ، لو لم تقم ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ ، واستمر في الحكم لنهاية فترته حتي ٣٠ يونيه ٢٠١٦ ؟
والإجابة : أليس كل الشباب الثوري - السلمي - كان بالضرورة سيقبع في سجون مرسي، مثلما يقبع الآن في سجون السيسي .
أليس جزءً من سيناء كان مرشحا للانضمام إلى غزة في عهد مرسي ، مثلما انضمت جزيرتي تيران وصنافير للسعودية في عهد السيسي .
أليس قِسماً من وثائق مصر السيادية السرية كان سيظل يتسرب إلى قطر بعلم مرسي ، مثلما تم استخدام جزء من الوثائق المصرية السيادية السرية لتبرير تبعية تيران وصنافير للسعودية بعلم السيسي .
أليس مجلس النواب الذي سيطر عليه الإخوان ومن بعده مجلس الشورى لدعم مرسي ، لا يختلف كثيرا عن مجلس النواب الذي يسيطر عليه إئتلاف دعم الدولة لدعم السيسي.
أليس الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب في نظام السيسي ، هو مجرد نسخة مكررة من الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس النواب في نظام مرسي .
أليس حصار نقابة الصحفيين وترويع مجلسها في ظل صمت عميق من السيسي ، مثل حصار مدينة الإنتاج الإعلامي في ظل صمت ثقيل من مرسي .
أليس استبعاد كتاب ومذيعين نتيجة الضغط علي مؤسساتهم الإعلامية في عهد السيسي ، هو نفس ما كان يحدث في عهد مبارك ، وذات ما كان سيحدث في عهد جمال مبارك لو استقر على الكرسي ، وعين ما حدث وكان سيستمر يحدث في عهد مرسي لو استمر علي ذات الكرسي .
أليس توريط باقي السلطات لتهجر حضن الدولة وتتأبط ذراع النظام ، من خلال تذويب الفواصل بينها ودفعها إلى التواطؤ مع بعضها . أليس ذلك هو خطيئة مبارك التي استفحلت ، وخطة مرسي التي تحطمت . ورغم ذلك يعيد النظام الحالي بناء جسور التواطؤ التي ظننا عقب ثورتين أنها تهدمت .
أليس .. وأليس .. وأليس ...
أما السؤال الدراماتيكي الثالث فيتمثل في :
- هل بمثل تلك الإنجازات تتثبت الأوطان وتعلو في مدارج التحضر والإنسانية ؟
والإجابة بكل بساطة ، بأنه لو كانت الإنجازات الحقيقية بعد عامين من حكم السيسي أو بعد ٣٠ عاما من حكم مبارك ، أو الإنجازات الافتراضية بعد ٦ أعوام من حكم جمال مبارك أو بعد ٤ أعوام من حكم مرسي .. لو كانت هذه الإنجازات تتمثل في الطرق والكباري ، والإسكان الاجتماعي ، والرقعة الزراعية ، والكهرباء التقليدية والنووية ، ومنظومة التموين والخبز والسلع الغذائية .. فكل ذلك بدون استثناء فعله مبارك من قبل ، أو وضع أفكار وقواعد فعله جمال مبارك وحوارييه . ولكن كل ذلك لم يحم نظام الأب والابن من السقوط ، لأنهما احتقرا الديمقراطية ، واستخفا بالمعارضة ، واستعانا بعصا الأمن لمواجهة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
أقام مبارك بنية طرق وكباري مهولة ، وبنية اتصالات سلكية ولاسلكية متقدمة ، ومشروعات عملاقة في توشكي وشرق العوينات وغرب السويس ، ومنتجعات سياحية عالمية في شرم الشيخ والغردقة . وأنشأ مدنا جديدة وموانئ ومطارات ومحاكم ومدارس وجامعات . وعزز وجود مصر الدولي في دول الست قارات من خلال شبكة عالمية من القنصليات والسفارات . ووقع مئات وآلاف المعاهدات والاتفاقيات . وتحصَّل على مئات مليارات الدولارات واليوروهات من المنح والمساعدات .
٣٠ عاما من التحديث ؛ المقتصر على البناء والإنشاء ، المتغافل عن تطوير نظم الإدارة بجودة الأداء وكفاءة التشغيل ومكافحة الفساد ، المعادي للعدالة والحريات باعتبارهما مزايدات .
وبالطبع كل ما فعله مبارك من انجازات ، كان سيكرره جمال مبارك لو مضى قطار التوريث ، وكان سيفعله مرسي لو قضى سيف التمكين .
لكن الأوطان لا تتثبت أساساتها إلا بالديمقراطية ، القائمة على العدل والحرية ، واحترام الاختلاف والتعددية .
الحكومة التي تتطلع إلى بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ، تبادر أولا إلى تمهيد الطريق بالديمقراطية ، لتسير عليه قاطرة التحديث التنموية ، بوقود العدالة والحرية .
أما المجتمعات التي تدير عجلة التحديث التنموية ، بينما تفرغ عجلة الديمقراطية من هواء العدالة والحرية ، فإنها قد تنجح في بناء المباني والمرافق إلى حين ، ولكنها تفشل في ضمان الاستقرار والأمن وبناء الإنسان .
يتموضع الاتحاد السوفيتي في التاريخ الحديث ؛ باعتباره القلعة الضخمة التي قادت التحديث بالتصنيع والاستزراع والإنشاء والتسليح التقليدي والنووي ، بل وبأسبقية الدوران حول القمر . ولكنه يتموضع أيضا بوصفه المستنقع الأسود لقمع الحريات واختراق العدالة واحتقار الديمقراطية ، ومن ثم كان مصيره سقطة ساحقة ماحقة مدوية .
وتتموضع الصين كقوة صناعية تجارية ديموجرافية استثنائية ، ولكنها لو لم تصحح المسار لتلحق بركب الحقوق والحريات وترفع أقواس الديمقراطية ، فسوف يكون مصيرها التفسخ والانحدار في الهاوية السوفيتية .
ولذلك ، ورغم كل إنجازات مبارك قامت الثورة في ٢٥ يناير ، واستمرت في ٣٠ يونيه ، لبناء الديمقراطية وليس للتحايل عليها ، أو للتفاوض على أي من عناصرها تكون له الأولوية .
ولذلك أيضا ، تبدو إنجازات السيسي بعد عامين وكأنها استكمال لنفس السطر الذي انتهى عنده مبارك ، مع محو بالأستيكة لكل المطالب الثورية .
فالواقع يقرر بأن ٩٩ ٪ مما يفعله السيسي لم يطالبه به الشعب .
بينما ٩٩ ٪ مما لم يفعله السيسي هو الذي يطالبه به الشعب .
مايفعله السيسي ربما كان سيكون مهضوما - بعلبة فوار - لو كانت رئاسته في ظل ظروف طبيعية .
ولكن ، عندما تكون رئاسته بعد ثورتين ، فليس عليه إلا أن يتصدي قبل كل شيء لحل مشاكل الناس المزمنة اليومية ، ويغلف كل ذلك باحترام العدل والحرية .
لم تقم الثورة لأن الكهرباء كانت شحيحة أو تنقطع في عهد مبارك . ولو أنها وللأمانة ما كانت مقطوعة ولا ممنوعة .
ولم تقم الثورة لأن قناة السويس كانت فرعا واحدا . ولو أنها وللأمانة امتلكت تفريعتها الأولى في عهد الرئيس السادات .
ولم تقم الثورة لأن المصريين يتحرقون إلى عاصمة إدارية جديدة أو مفاعل نووي أو حاملة طائرات .. أو .. أو .. .
ولم تقم الثورة لأن مبارك لم يكن يطلق المشروعات العملاقة ، ولم يكن يزرع الصحراء ، ولم يكن يبني عشرات آلاف المساكن ، ولم تكن له علاقات خارجية مستقرة مع معظم دول العالم .
ولكنها قامت لأن كل ما فعله مبارك كانت تنقصه الكفاءة وتخاصمه الجودة ويسكنه الفساد ، بسبب غياب العدل وكبت الحريات .
وإلا لو كان الانجاز يعني فقط كل ما يفاخر به الرئيس من إنشاءات ، فليترشح إذن اللواء كامل الوزير في الجولة القادمة للانتخابات الرئاسية .
ولو كان الإنجاز محوره الانتهاء من حفر تفريعة قناة السويس أمام الاسماعيلية ، أو كان مضمونه ما يتم التسويق له بأنه معجزة الكهرباء الأسطورية ، فلنجري قرعة إذن بين الدكتور محمد شاكر والفريق مهاب ماميش لنختار واحد منهما لرئاسة مجلس الوزراء .
ولذلك أتحسر على حال المواطن الذي سيشاهد فيديو : مصر في عامين الذي أطلقه المكتب الإعلامي للرئيس في كافة وسائل الاعلام . فبينما سينبهر بالموثرات المرئية والجرافيكية والصوتية والتصوير والمونتاج والإخراج . إلا أنه عقب نهاية الفيديو سيخرج إلى بلكونته أو يطل من شباكه ، فيطالع أكوام الزبالة المتعفنة المتراكمة على جنبات الطريق ، وفوضى المرور الطاحنة في نهر الطريق ، وكم الإشغالات المزمنة على الرصيف ، والعقارات المجاورة التي تم بيعها ثم هدمها لكي تتحول إلى أبراج بدون ترخيص . وسيشرد للحظات فيتذكر .. الدعوى القضائية التي رفعها في المحاكم ومازالت محلك سر منذ سنوات . والمحضر الذي حرره لتعرضه للسرقة ولم يتم ضبط السارق أو المسروقات منذ سنوات .. و .. و .. .
وسيبحث هذا المواطن أثناء تعامله مع مؤسسات الدولة في قادم الأيام ، عن خطوة واحدة تمت على طريق إصلاح هذه المؤسسات التي يقول الرئيس بأنه تمت إستعادتها وأنه يجاهد لعدم سقوطها والحفاظ على مقدراتها . ولكنه لن يجد هذه الخطوة قد انطلقت أو حتى أوعزت بالانطلاق . ببنما تنطلق في سماء مصر الرافال ، وتتهادى على مياه بحارها الميسترال .
وبالتالي ، فإن الإنجازات المقتصرة - في غالبيتها على الإنشاءات ، المخاصمة للعدل والحريات ، المتغافلة عن إيجاد حلول - أي حلول - لما تعطن وتعفن من مشكلات . هي إنجازات ستأكلها حتما هذه المشكلات التي تتوالد وتترعرع في كنف غياب العدل . عدالة التوزيع وعدالة التوظيف وعدالة إنهاء المنازعات . عدالة لا تعرف التمييز بسبب الجنس أو الدين أو حزبية الانتماء . وهي أيضا إنجازات ستبتلعها المشكلات التي تتثبت وتتجذر وتترسخ في ظل قمع الحريات . حرية العمل الحزبي والنقابي . حرية المجتمع المدني . حرية الإعلام . حرية النقد والتعبير . حرية الإبداع . حرية البحث الأكاديمي والابتكار . حرية الاعتقاد .
الحكمة الباقية تقرر ، بأنه لا يمكن إنجاز أي تعلية فوق مبنى أساساته متصدعة متضعضعة واهية ، لأن النتيجة الحتمية ستكون انهيار المبنى وسقوطه بكل ما تم فوقه من تعلية .
ولكن للأسف ، لا يأبه الرئيس السيسي بالأساسات ، بل ينطلق لسطح المبنى ليباشر التعلية ، وإن حانت منه إلتفاتة للأدوار السفلية والبدروم ، فهي لمجرد ترميم الحوائط وبياضها دون أدنى اهتمام بتقوية الأعمدة .
ولذلك ، يطل علينا برأسه السؤال الدراماتيكي الرابع والأخير .. وهو :
- لماذا لا يأبه الرئيس بتصدع الأساسات ويستمر في التعلية ، متجاهلا أهداف ثورة أولى وثورة ثانية ؟
ولعل الإجابة لا تمثل تفتيشا في النوايا ، ولكنها - وبكل أسف - ناتجة عن تحليل لواقع الحال من عدة زوايا .
وذلك الواقع يقرر بأن ٢٥ يناير في عرف السلطة الحاكمة ، هي مجرد مؤامرة .
بينما ٣٠ يونيه في عقل السلطة الحاكمة ، هي مجرد إجهاض للمؤامرة .
وبالتالي ، الثورة الأولى وضعت دولة ٥٢ في وضع إنسحاق .
أما الثورة الثانية فكانت لاستعادة السلطة - مرة أخرى - لصالح دولة ٥٢ صاحبة الاستحقاق .
وهذا يوضح بأن أهداف ٢٥ و ٣٠ لا تدخل ضمن حسابات سلطتنا الحاكمة .
ولذلك ، فإن قاعدة انطلاقها هي ٢٤ يناير ٢٠١١ ، وفزاعتها المنتصبة لتكريس مخاوف الشعب وهواجسه هي ٢٩ يونيه ٢٠١٣ .
------
التساؤلات الدراماتيكية قد تكون مربكة ولكنها لازمة ، لكون إجاباتها تضع النقاط فوق الحروف المظلمة ، وتفصح عما هو مخفي أو مكبوت بين السطور المعتمة .
كشف حساب السيسي إذن ، هو نموذج للتعلية على أدوار واهية . والنتيجة : سقوط البناء كله على رأس السلطة ورؤوسنا .
ولذلك سواء بعد عامين أو ٤ أو ٨ أو هلم جرا .
يمكن اختصار كل ما سبق في المعادلات الآتية :
- كشف حساب السيسي : ٢٥ + ٣٠ = صفر
أو بعبارة أخرى :
كشف حساب السيسي : ٢٥ يناير + ٣٠ يونيه = ٢٤ يناير + ٢٩ يونيه
أو بعبارة أخيرة :
كشف حساب السيسي : التعلية + أساسات واهية = سقطة ساحقة ماحقة مدوية
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق