د. محمد محفوظ يكتب : السيسي .. من جوار " حارة اليهود " بالجمالية .. إلى " شيخ عرب " السلام مع إسرائيل بقصر الاتحادية
" .. واسجد واقترب "
سورة العلق - الآية ١٩
تبدو المسافة بحسابات المكان صغيرة جدا بين حارة اليهود ؛ وحارة البرقوقية بحي الخرنفش بمنطقة الجمالية حيث نشأ الرئيس السيسي .
كما تبدو المسافة بحسابات السياسة قصيرة جدا ؛ بين القدس الغربية وقصر الاتحادية . فمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أسست لتقارب سياسي قد يبدو باردا من وجهة النظر الشعبية ، ولكنه على أقل تقدير متعادل حراريا من وجهة نظر السلطة الحاكمة المصرية .
ولاشك ؛ بأن نشأة الرئيس السيسي بالقرب من حارة اليهود بالجمالية ، وعدم خوضه لحرب ضد إسرائيل لتخرجه عام ١٩٧٧ من الكلية الحربية . لا شك بأن كل ذلك يساهم في توازن نظرته للدولة الإسرائيلية التي يراها الكثير من المفكرين والمثقفين والسياسيين - حقا أم باطلا - بؤرة الصهيونية الماسونية وصنيعة الإمبريالية العالمية .
وحتما ؛ يشعر الرئيس بالامتنان للدولة الإسرائيلية ، عندما يقارن بين حدود مصر المخترقة من جانب حماس الفلسطينية العربية الإسلامية ، وحدود مصر الآمنة المنضبطة من جانب إسرائيل العبرانية اليهودية .
ولكن قريبا من أو بعيدا عن كل ما سبق ، فإن ثمة تحليلات متعددة ينبغي تدارسها ، لإلقاء المزيد من الضوء على مفاجأة الرئيس المدوية بشأن الدعوة لتحريك القضية الفلسطينية . وهي :
١ - فاللافت للنظر ؛ أن مصر مازالت تدار بعد ثورتين بذات الطريقة المثلى الفرعونية . لأنه من الواضح أن الرئيس مثلما فاجأ الرأي العام بالحديث من جنوب مصر عن المشكلة المزمنة على حدودها الشرقية . فقد فاجأ أيضا على الأرجح حكومته برئيسها ووزرائها ، وكأنهم وزراء منتسبين في هذه الدولة لا صوت ولا شورى لهم ، بل مجرد سكرتارية .
كما فاجأ الرئيس مجلس النواب ؛ الذي سبق وأن انتفض ضد الإعلامي والنائب المعزول توفيق عكاشة لاستضافته في منزله لسفير الدولة الإسرائيلية . إلا أنه بالطبع لن ينتفض ضد مفاجأة الرئيس بحسبانها وفقا لتخريجات الترزجية تدخل ضمن الأعمال الرئاسية لا النيابية .
وبالتالي ؛ وبذات منهج السياسات الفوقية العلوية الملكية السلطانية المناقضة لكل مقومات الدولة الجمهورية . فإنه مثلما سقطت مسألة جزيرتي تيران وصنافير على رؤوس الجميع كفزورة : حزر فزر .. مصرية أم سعودية ؟!! فقد قفزت في وجه الجميع مبادرة الرئيس لتحريك المياه الآسنة الراكدة في مستنقع القضية الفلسطينية .
٢ - لا يبدو الوضع الإقليمي الراهن بتدهوراته الكارثية مواتيا لإنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية . ففي ظل التردي العربي في متاهات التخلف أو التطرف ، وفي أتون الحروب الأهلية المشتعلة داخل بعض الدول عقب ثوراتها الشعبية ، وفي ضوء الانقسام الفلسطيني بين غزة الحمساوية الإخوانية ورام الله الفتحاوية ، فإن أي مفاوضات بشأن القضية ستصب في جانب الطرف الأقوى المتماسك بآليات الديمقراطية ، وهو : الدولة الإسرائيلية .
ولكن ؛ قد يبدو مجرد السير في طريق المفاوضات أو حتى على أقل تقدير الترويج لبعض المبادرات لتزييت مفاصل السلام الصدئة . قد يبدو بالنسبة " للبعض " بمثابة بروباجندا إعلامية خاطفة رابحة ؛ أكثر منها مسيرة سياسية مستمرة صادقة . ومن هؤلاء البعض الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند .
فالرئيس الفرنسي يعاني من تدني شعبيته نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية التي انقلبت إلى تظاهرات واحتجاجات صدامية ، ونتيجة هجمات باريس الإرهابية التي وجهت بوصلة الناخبين صوب سياسات الأحزاب اليمينية الحانقة على الفرنسيين من أصول إسلامية .
ولهذا سعى أولاند لحمل راية تحريك القضية الفلسطينية من خلال إعلانه عن رغبة فرنسا في عقد مؤتمر دولي يضم الأطراف المعنية . وذلك لكي يحقق غرضين : الأول ، مداعبة مشاعر الدول والشعوب العربية ، ومن ثم فتح باب خزائنها للصفقات الاستثمارية الفرنسية فترتفع كفة الاقتصاد الهابطة أمام الناخب الفرنسي . والثاني ، مغازلة الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية بورقة القضية الفلسطينية ، بما يضمن توجيه أصواتهم له في الانتخابات الرئاسية القادمة ولكتلته الاشتراكية .
ولعل ذلك التوجه للرئيس الفرنسي يفسر خلفيات زيارته الأخيرة لعدد من الدول العربية . ويكشف عن سر الحميمية الزائدة في تعاطيه مع الرئيس السيسي . فصفقة حاملتي الطائرات الميسترال ومن قبلها صفقة الطائرات الرافال ومن بعدها عدد من الصفقات في مجالات النقل والطاقة والقمر الصناعي للاتصالات العسكرية . بالإضافة إلى مفاجأة السيسي - التي هي بالطبع ليست مفاجئة لأولاند - بشأن دعوته لتحريك القضية الفلسطينية . كل ذلك يفسر بأن الشو الانتخابي والبيزنس ، وليس الحل السياسي ، هو المستهدف لدى البعض من فتح باب الزيارة لغرفة العناية المركزة للقضية الفلسطينية ، حتى في ظل الانشغال الأمريكي بسباق الانتخابات الرئاسية .
٣ - تبدو حركة حماس في أضعف حالاتها بعد القطيعة مع النظام السوري وحليفه الإيراني ، وبعد سقوط نظام الإخوان في مصر ، وبعد بدء التقارب التركي الإسرائيلي . ولذلك فإن المنطق البسيط يقرر بأن هذه هي اللحظة المناسبة للضغط علي حماس لرأب صدع الانقسام الفلسطيني ، وأيضا لضمان تنازلها عن منهاج التشدد في أي اتفاق فلسطيني إسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية .
ولكن هذا المنطق البسيط يجانبه الصواب ؛ لابتعاده عن الفهم الصحيح لذهنية جماعات تيار الإسلام السياسي التي تعوض الضعف السياسي أو العسكري بالعناد الجهادي والهوس المذهبي . بما يجعل هذه الجماعات غير معنية مبدئيا بإيجاد أي حل للقضية الفلسطينية ؛ في ظل حكومات عربية تراها هي بمنظورها الجهادي حكومات كافرة طاغوتية عميلة للدولة اليهودية .
ولذلك من مصلحة حركة حماس وكل من يقف معها علي خط نار الإسلام السياسي ؛ استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ؛ ومن ثم استمرار إثارة مشاعر الجماهير الإسلامية ضد العدوان على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية . أملا في إسقاط الحكام العرب وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستقود المعركة المقدسة لفك أسر الأرض المباركة من دنس الدولة اليهودية .
وبالتالي ؛ فإن التكهن بأن ضعف حماس السياسي يمكن ترجمته لمنطلقات عملية لحل القضية الفلسطينية هو بمثابة مراهقة سياسية . حيث ستحاول حماس اقتناص كل المكاسب لابتزاز الأطراف الراعية للتفاوض لتجاوز كبوتها المرحلية ، وتحويل المفاوضات إلى متاهة عبثية ، لا تهدف منها إلا إلى الإيعاز بتفريط حركة فتح ومحمود عباس في الثوابت الفلسطينية .
٤ - إن بعض التحليلات* تنحو إلى بدء دوران عجلة الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل ومصر وتركيا والسعودية ، في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية . ولذلك فإن إنجاز حل للقضية الفلسطينية سيكون بمثابة التدشين للـ " نيو ميدل إيست " برعاية غربية ، لكبح جماح طموحات آيات الله العسكرية والتوسعية .
ولذلك ؛ تبدو القضية الفلسطينية - ومعها جزيرتي تيران وصنافير - مجرد بيدق علي رقعة الشطرنج الإقليمية التي تتجهز لترتيبات جديدة وجدية ، يتحالف فيها أحفاد إبراهيم من صلب إسحق وإسماعيل - عليهم جميعا السلام - في مواجهة دولة العجم الفارسية .
ومن ثم ؛ فإن المنطقة تتحضر لكي يحل السلام والوئام بداخلها ، وينتقل الاشتعال إلى حدودها الشرقية الفارسية ، بهدف إضعاف دولة الملالي الشيعية ومن ثم إنجاح جهود تقويض مرجعيتها الدينية ، ليكتمل تأمين حدود الشرق الأوسط الجديد من الجبهة الشرقية .
ولهذا ؛ فإن حل القضية الفلسطينية يصبح خطوة من المتوجب إنجازها لتأسيس " النيو شرق أوسطية " .
......
ولكن مهما تعددت التحليلات واعتدلت أو تطرفت في توقع السيناريوهات ، فإن نجاحها في بعض الأحيان يكون في طرحها للتساؤلات ، أكثر من تقديمها للإجابات .
ولعل القضية الفلسطينية بطبيعتها " الطينية " التي غرزت فيها أو تاجرت بها الكثير من القيادات والزعامات على مدى بات يقترب من السبعين عاما ، هي جاهزة للمزيد من الغرز وربما الطمر ، والمزيد من المتاجرة وربما الهزل .
وبالتأكيد فإن الدعوة للسلام ليست محل لوم أو سخرية . فالله جل جلاله هو السلام ومنه السلام ، ويدعونا إلى السلام والسعي إليه والعون عليه . ولكن ما يدعونا إلى التشكك أو التحفظ ؛ هو أن بعض الذين يرفعون راية دفع المتخالفين أو المتقاتلين إلى السلام ، لا يلزمون بذلك أنفسهم في مواجهة مخالفيهم ومعارضيهم وخصومهم . فيأمرون الناس بالبر ، بينما ينسون أنفسهم ، وهم يغلقون على معارضيهم .. السجون .
ولهذا لا عجب ؛ في أن رداء مشيخة العرب ؛ دائما ما يمتلك - بالنسبة للبعض - مقومات الإغراء ، لا سعيا إلى السلام ، وإنما توقا إلى السلطة أو الإطراء أو الأضواء .
فقد سبق أن ارتداه الملك فاروق في العام ١٩٤٨ فكانت نهاية الأسرة العلوية . وسبق أن ارتداه الرئيس جمال عبد الناصر فكانت في العام ١٩٦٧ نكسته القومية . وسبق أن ارتداه الرئيس السادات فكانت في العام ١٩٨١ خاتمة مسيرته الدرامية . وسبق قبل ما يقل عن ثلاثة قرون أن ارتداه شيخ العرب همام فكانت في العام ١٧٦٩ مأساته التاريخية .
مشيخة العرب ، لمن " سجد ولم يقترب " ، نهاياتها سوداوية .
ولكن البعض يقرأ البدايات وينسى قراءة النهايات ، لظنه بأنها ينبغي أن تكون وردية ، أو علي أسوأ تقدير ... رمادية.
*****
* للمزيد حول الشرق الأوسط الجديد .. انظر : عقيد / محمد عبد الرحمن ، إرهاصات الشرق الأوسط الجديد .
http://www.bwabetmsrelmhrosa.com/news2095-إرهاصات-الشرق-الأوسط-الجديد.html
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
" .. واسجد واقترب "
سورة العلق - الآية ١٩
تبدو المسافة بحسابات المكان صغيرة جدا بين حارة اليهود ؛ وحارة البرقوقية بحي الخرنفش بمنطقة الجمالية حيث نشأ الرئيس السيسي .
كما تبدو المسافة بحسابات السياسة قصيرة جدا ؛ بين القدس الغربية وقصر الاتحادية . فمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أسست لتقارب سياسي قد يبدو باردا من وجهة النظر الشعبية ، ولكنه على أقل تقدير متعادل حراريا من وجهة نظر السلطة الحاكمة المصرية .
ولاشك ؛ بأن نشأة الرئيس السيسي بالقرب من حارة اليهود بالجمالية ، وعدم خوضه لحرب ضد إسرائيل لتخرجه عام ١٩٧٧ من الكلية الحربية . لا شك بأن كل ذلك يساهم في توازن نظرته للدولة الإسرائيلية التي يراها الكثير من المفكرين والمثقفين والسياسيين - حقا أم باطلا - بؤرة الصهيونية الماسونية وصنيعة الإمبريالية العالمية .
وحتما ؛ يشعر الرئيس بالامتنان للدولة الإسرائيلية ، عندما يقارن بين حدود مصر المخترقة من جانب حماس الفلسطينية العربية الإسلامية ، وحدود مصر الآمنة المنضبطة من جانب إسرائيل العبرانية اليهودية .
ولكن قريبا من أو بعيدا عن كل ما سبق ، فإن ثمة تحليلات متعددة ينبغي تدارسها ، لإلقاء المزيد من الضوء على مفاجأة الرئيس المدوية بشأن الدعوة لتحريك القضية الفلسطينية . وهي :
١ - فاللافت للنظر ؛ أن مصر مازالت تدار بعد ثورتين بذات الطريقة المثلى الفرعونية . لأنه من الواضح أن الرئيس مثلما فاجأ الرأي العام بالحديث من جنوب مصر عن المشكلة المزمنة على حدودها الشرقية . فقد فاجأ أيضا على الأرجح حكومته برئيسها ووزرائها ، وكأنهم وزراء منتسبين في هذه الدولة لا صوت ولا شورى لهم ، بل مجرد سكرتارية .
كما فاجأ الرئيس مجلس النواب ؛ الذي سبق وأن انتفض ضد الإعلامي والنائب المعزول توفيق عكاشة لاستضافته في منزله لسفير الدولة الإسرائيلية . إلا أنه بالطبع لن ينتفض ضد مفاجأة الرئيس بحسبانها وفقا لتخريجات الترزجية تدخل ضمن الأعمال الرئاسية لا النيابية .
وبالتالي ؛ وبذات منهج السياسات الفوقية العلوية الملكية السلطانية المناقضة لكل مقومات الدولة الجمهورية . فإنه مثلما سقطت مسألة جزيرتي تيران وصنافير على رؤوس الجميع كفزورة : حزر فزر .. مصرية أم سعودية ؟!! فقد قفزت في وجه الجميع مبادرة الرئيس لتحريك المياه الآسنة الراكدة في مستنقع القضية الفلسطينية .
٢ - لا يبدو الوضع الإقليمي الراهن بتدهوراته الكارثية مواتيا لإنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية . ففي ظل التردي العربي في متاهات التخلف أو التطرف ، وفي أتون الحروب الأهلية المشتعلة داخل بعض الدول عقب ثوراتها الشعبية ، وفي ضوء الانقسام الفلسطيني بين غزة الحمساوية الإخوانية ورام الله الفتحاوية ، فإن أي مفاوضات بشأن القضية ستصب في جانب الطرف الأقوى المتماسك بآليات الديمقراطية ، وهو : الدولة الإسرائيلية .
ولكن ؛ قد يبدو مجرد السير في طريق المفاوضات أو حتى على أقل تقدير الترويج لبعض المبادرات لتزييت مفاصل السلام الصدئة . قد يبدو بالنسبة " للبعض " بمثابة بروباجندا إعلامية خاطفة رابحة ؛ أكثر منها مسيرة سياسية مستمرة صادقة . ومن هؤلاء البعض الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند .
فالرئيس الفرنسي يعاني من تدني شعبيته نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية التي انقلبت إلى تظاهرات واحتجاجات صدامية ، ونتيجة هجمات باريس الإرهابية التي وجهت بوصلة الناخبين صوب سياسات الأحزاب اليمينية الحانقة على الفرنسيين من أصول إسلامية .
ولهذا سعى أولاند لحمل راية تحريك القضية الفلسطينية من خلال إعلانه عن رغبة فرنسا في عقد مؤتمر دولي يضم الأطراف المعنية . وذلك لكي يحقق غرضين : الأول ، مداعبة مشاعر الدول والشعوب العربية ، ومن ثم فتح باب خزائنها للصفقات الاستثمارية الفرنسية فترتفع كفة الاقتصاد الهابطة أمام الناخب الفرنسي . والثاني ، مغازلة الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية بورقة القضية الفلسطينية ، بما يضمن توجيه أصواتهم له في الانتخابات الرئاسية القادمة ولكتلته الاشتراكية .
ولعل ذلك التوجه للرئيس الفرنسي يفسر خلفيات زيارته الأخيرة لعدد من الدول العربية . ويكشف عن سر الحميمية الزائدة في تعاطيه مع الرئيس السيسي . فصفقة حاملتي الطائرات الميسترال ومن قبلها صفقة الطائرات الرافال ومن بعدها عدد من الصفقات في مجالات النقل والطاقة والقمر الصناعي للاتصالات العسكرية . بالإضافة إلى مفاجأة السيسي - التي هي بالطبع ليست مفاجئة لأولاند - بشأن دعوته لتحريك القضية الفلسطينية . كل ذلك يفسر بأن الشو الانتخابي والبيزنس ، وليس الحل السياسي ، هو المستهدف لدى البعض من فتح باب الزيارة لغرفة العناية المركزة للقضية الفلسطينية ، حتى في ظل الانشغال الأمريكي بسباق الانتخابات الرئاسية .
٣ - تبدو حركة حماس في أضعف حالاتها بعد القطيعة مع النظام السوري وحليفه الإيراني ، وبعد سقوط نظام الإخوان في مصر ، وبعد بدء التقارب التركي الإسرائيلي . ولذلك فإن المنطق البسيط يقرر بأن هذه هي اللحظة المناسبة للضغط علي حماس لرأب صدع الانقسام الفلسطيني ، وأيضا لضمان تنازلها عن منهاج التشدد في أي اتفاق فلسطيني إسرائيلي لإقامة الدولة الفلسطينية .
ولكن هذا المنطق البسيط يجانبه الصواب ؛ لابتعاده عن الفهم الصحيح لذهنية جماعات تيار الإسلام السياسي التي تعوض الضعف السياسي أو العسكري بالعناد الجهادي والهوس المذهبي . بما يجعل هذه الجماعات غير معنية مبدئيا بإيجاد أي حل للقضية الفلسطينية ؛ في ظل حكومات عربية تراها هي بمنظورها الجهادي حكومات كافرة طاغوتية عميلة للدولة اليهودية .
ولذلك من مصلحة حركة حماس وكل من يقف معها علي خط نار الإسلام السياسي ؛ استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ؛ ومن ثم استمرار إثارة مشاعر الجماهير الإسلامية ضد العدوان على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية . أملا في إسقاط الحكام العرب وإقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستقود المعركة المقدسة لفك أسر الأرض المباركة من دنس الدولة اليهودية .
وبالتالي ؛ فإن التكهن بأن ضعف حماس السياسي يمكن ترجمته لمنطلقات عملية لحل القضية الفلسطينية هو بمثابة مراهقة سياسية . حيث ستحاول حماس اقتناص كل المكاسب لابتزاز الأطراف الراعية للتفاوض لتجاوز كبوتها المرحلية ، وتحويل المفاوضات إلى متاهة عبثية ، لا تهدف منها إلا إلى الإيعاز بتفريط حركة فتح ومحمود عباس في الثوابت الفلسطينية .
٤ - إن بعض التحليلات* تنحو إلى بدء دوران عجلة الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل ومصر وتركيا والسعودية ، في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيعية . ولذلك فإن إنجاز حل للقضية الفلسطينية سيكون بمثابة التدشين للـ " نيو ميدل إيست " برعاية غربية ، لكبح جماح طموحات آيات الله العسكرية والتوسعية .
ولذلك ؛ تبدو القضية الفلسطينية - ومعها جزيرتي تيران وصنافير - مجرد بيدق علي رقعة الشطرنج الإقليمية التي تتجهز لترتيبات جديدة وجدية ، يتحالف فيها أحفاد إبراهيم من صلب إسحق وإسماعيل - عليهم جميعا السلام - في مواجهة دولة العجم الفارسية .
ومن ثم ؛ فإن المنطقة تتحضر لكي يحل السلام والوئام بداخلها ، وينتقل الاشتعال إلى حدودها الشرقية الفارسية ، بهدف إضعاف دولة الملالي الشيعية ومن ثم إنجاح جهود تقويض مرجعيتها الدينية ، ليكتمل تأمين حدود الشرق الأوسط الجديد من الجبهة الشرقية .
ولهذا ؛ فإن حل القضية الفلسطينية يصبح خطوة من المتوجب إنجازها لتأسيس " النيو شرق أوسطية " .
......
ولكن مهما تعددت التحليلات واعتدلت أو تطرفت في توقع السيناريوهات ، فإن نجاحها في بعض الأحيان يكون في طرحها للتساؤلات ، أكثر من تقديمها للإجابات .
ولعل القضية الفلسطينية بطبيعتها " الطينية " التي غرزت فيها أو تاجرت بها الكثير من القيادات والزعامات على مدى بات يقترب من السبعين عاما ، هي جاهزة للمزيد من الغرز وربما الطمر ، والمزيد من المتاجرة وربما الهزل .
وبالتأكيد فإن الدعوة للسلام ليست محل لوم أو سخرية . فالله جل جلاله هو السلام ومنه السلام ، ويدعونا إلى السلام والسعي إليه والعون عليه . ولكن ما يدعونا إلى التشكك أو التحفظ ؛ هو أن بعض الذين يرفعون راية دفع المتخالفين أو المتقاتلين إلى السلام ، لا يلزمون بذلك أنفسهم في مواجهة مخالفيهم ومعارضيهم وخصومهم . فيأمرون الناس بالبر ، بينما ينسون أنفسهم ، وهم يغلقون على معارضيهم .. السجون .
ولهذا لا عجب ؛ في أن رداء مشيخة العرب ؛ دائما ما يمتلك - بالنسبة للبعض - مقومات الإغراء ، لا سعيا إلى السلام ، وإنما توقا إلى السلطة أو الإطراء أو الأضواء .
فقد سبق أن ارتداه الملك فاروق في العام ١٩٤٨ فكانت نهاية الأسرة العلوية . وسبق أن ارتداه الرئيس جمال عبد الناصر فكانت في العام ١٩٦٧ نكسته القومية . وسبق أن ارتداه الرئيس السادات فكانت في العام ١٩٨١ خاتمة مسيرته الدرامية . وسبق قبل ما يقل عن ثلاثة قرون أن ارتداه شيخ العرب همام فكانت في العام ١٧٦٩ مأساته التاريخية .
مشيخة العرب ، لمن " سجد ولم يقترب " ، نهاياتها سوداوية .
ولكن البعض يقرأ البدايات وينسى قراءة النهايات ، لظنه بأنها ينبغي أن تكون وردية ، أو علي أسوأ تقدير ... رمادية.
*****
* للمزيد حول الشرق الأوسط الجديد .. انظر : عقيد / محمد عبد الرحمن ، إرهاصات الشرق الأوسط الجديد .
http://www.bwabetmsrelmhrosa.com/news2095-إرهاصات-الشرق-الأوسط-الجديد.html
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
أوجزت فعجزت
ردحذف