د. محمد محفوظ يكتب : أكذوبة عدم وجود بديل للرئيس بين النصوص المنسية والممارسات السلطانية
الأكذوبة المصرية المزمنة التي تنتقل من عهد إلى عهد ومن حاكم الي حاكم ، مازالت علي صدر مصر جاثمة ومتربعة .
ولذلك يتكرر السؤال الذي يحمل معه إجابته النافية حتي من أشد الناس سخطاً وتبرماً .. وهو : وهل يوجد بديل للرئيس ؟!!
ورغم أن كل التجارب القديمة والحديثة والمعاصرة ؛ أثبتت بأن البديل كان دائماً حاضراً ومتوفراً .
إلا أن البعض مازال للخرافات والأكاذيب منبطحاً ومستسلماً ، ولذلك لا يدرك ولا يفطن .
فالبعض لا يدرك بأن أكذوبة عدم وجود بديل تمثل - والعياذ بالله - مصادرة على قدرة الله تعالىفي خلقه ؛ التي اوجبت أن يتوفر دائماً البديل بالمئات والآلاف ، ليؤكد سبحانه أنه برغم طلاقة قدرته على التمكين لمن يشاء إلا إنه يترك للناس حرية الاختيار من بين كثيرين ليتحملوا مسئولية هذا الاختيار .
والبعض لا يفطن إلى أن هذه الأكذوبة المتبجحة تمثل جريمة مستمرة لسد الأفق أمام الناس ، ومحاصرتهم داخل أسوار وهمية ترهن الحاضر والمستقبل بإرادة فرد من المحتمل أن يحيا أيام أو شهور أو سنوات ، ولكنه حتما في أي لحظة سيموت .
فقد مات جمال عبد الناصر فجأة وعمره ٥٢ سنة ، وكان الظن المؤكد لدى الناس بأنه لا يوجد بديل . ولكن حل محله السادات وكان بديلاً لم يعجز عن التأثير في الزمان والمكان .
واغتيل السادات فجأة وعمره ٦٣ سنة ، وكان الانطباع المترسب لدى الناس بأن حسني مبارك الذي تهكموا عليه بوصف " البقرة الضاحكة " لا يمكن أن يكون بديلاً للسادات . ولكن مبارك استمر في الحكم لمدة تفوق حكما ناصر والسادات معاً محتلاً للمكان والزمان .
وتم خلع مبارك بعد ١٨ يوماً فقط من اندلاع ثورة ٢٥ يناير ، لتجري في النهر مياه متلاطمة تحمل معها البديل من معسكر الكاب ثم من جماعة الجلباب ، ثم تنغلق الدائرة بالتئام طرفيها مستعيدة البديل من معسكر الكاب .
وهكذا .. ورغم أن البديل الشخصي للرئيس كان وسيظل دائماً حاضراً ومتوفراً ولو كره المضللون .
إلا أن البديل الذي يعنينا ليس هو البديل الشخصي وإنما "البديل المؤسسي".
البديل ليس زيداً أو عبيداً وإنما البديل مؤسسات ، مؤسسات قائمة بمسئولياتها وحاضرة بسلطاتها .
البديل المؤسسي هو أمر تنبه له الدستور ليواجه ميراث سلطات الرئيس المطلقة الكاسحة الجامحة .
ولذلك قلص الدستور الحالي سلطات الرئيس في مقابل سلطات كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء ، لتنتقل السلطة من مستوي القرار الفردي إلى مستوى القرار الجماعي .
ولعل كل ما نراه من ظهور وبروز للرئيس ، واستفراد بالشاشات والميكروفونات ، وإملاء للتوجيهات والتكليفات والتعليمات ، كل ذلك ما كان سيكون إلا لتفريط كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء فيما أفرده الدستور لهما من سلطات ، واستسلامهما للقيام بدور المستخدم المطيع والتابع الأليف الذي ينتظر النداء والاستدعاء فيلبي بالهرولة والاستجابة .
البديل المؤسسي الغائب المتغيب المُـغيب هو الذي يغلق الأفق أمامنا فلا نبحث إلا عن البديل الشخصي . والنتيجة تكون دائماً في صالح من يجلس على كرسي السلطة ، لأنه يوظف كل قدرات هذه السلطة الإعلامية والدعائية والتضليلية ليرسخ القناعة بأن البديل منقطع ومنعدم .
سلطات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي مقيدة في أغلب الأحوال بموافقة مجلس النواب ، وموافقة مجلس الوزراء أو التشاور معه .
فسلطات رئيس الجمهورية في الاعتراض علي القوانين ، وفي تشكيل الحكومة أو إقالتها ، وفي إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة في مهام قتالية خارج الحدود ، وفي اعلان حالة الطوارئ ، وفي العفو عن العقوبة أو تخفيفها أو العفو الشامل ، وفي التصديق على المعاهدات ، وفي تعيين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية ، وفي طلب تعديل الدستور .. كل هذه السلطات مقيدة بموافقة مجلس النواب ، بالإضافة إلى أن بعضها مقيد أيضاً بأخذ رأي مجلس الوزراء أو موافقته .
أنظر مواد الدستور أرقام : ١٢٣ - ١٣٧ - ١٣٩- ١٤٦- ١٤٧- ١٥١- ١٥٢- ١٥٤- ١٥٥- ٢١٦- ٢٢٦
كما أن سلطة رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة وتنفيذها ، مرهونة بمشاركة مجلس الوزراء ، أنظر مادة ١٥٠ من الدستور .
بالإضافة إلى أن الدستور يمنع رئيس الجمهورية من تولي أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة . أنظر مادة ١٤٠ من الدستور .
كل هذه النصوص التي نقلت كثيراً من السلطات إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب في تقليص واضح لسلطات رئيس الجمهورية ، هي للأسف بمثابة نصوص منسية مخفية تحت ركام من الممارسات الرئاسية السلطانية ، التي تم تكريسها بسبب قيام مجلس النواب ومجلس الوزراء بتسليم قيادهما للرئيس ، ومنحه تفويضاً على بياض وتعهداً بالموافقة الآنية والمستقبلية على أي سياسات وقرارات .
إذن البدبل المؤسسي فرضته نصوص الدستور ولكن غيبته تنازلات وتواطؤات الواقع ، ليظل الاعتبار الشخصي هو المهيمن على مفهوم البديل ، وفي ذات الوقت نافياً لأي إمكانية لتواجد مقومات هذا البديل خارج دائرة قبضة الفرد الذي تم شخصنة السلطة وفقاً لمعايير صفاته وقدراته .
ولكن لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما جدوى التأكيد إذن على مفهوم البديل المؤسسي في ظل مؤسسات تنازلت عن كل سلطاتها وأصبحت أقماراً تابعة للرئيس وتدور في فلكه ؟؟؟
والإجابة تتمثل في الآتي :
أولاً : لعدم تكرار خطيئة الابتهاج بخلع أو تخلي " مبارك " عن السلطة ، والتعامي عن أنه كان مجرد ظل للنظام . ذلك النظام الذي وإن فقد ظله إلا أنه لم يخسر كل كيانه ودوائر نفوذه . فالشخص غاب ولكن فلسفة مؤسساته وقواعدها ظلت باقية .
ثانياً : لعدم تكرار خطيئة " مرسي " الذي ينتمي لجماعة منهجها تغليب الاعتبار الشخصي على المؤسسي . فالمرشد العام هو المركز الذي تدور كل الجماعة في فلكه . ولذلك لا تبدو المؤسسات في ذلك النظام إلا أدوات خيوطها بيد المرشد الحاكم بأمره .
ثالثاً : لعدم تكرار خطيئة " السيسي " . فالاعتماد على فكرة الشخص المُخَلِّص تجعل المؤسسات رغم دسترة سلطاتها أطوع لتقديس صنم تتقرب به إلى الشعب زلفى للتهرب من تحمل عناء المسئوليات المنوطة بها .
إذن .. البديل الشخصي للرئيس موجود وإن كان لا يظهر في حيز الوجود . والبديل المؤسسي للرئيس مفقود وإن كان شاخصاً وحاضراً في قلب مواد الدستور .
ولذلك لا يجب أن يشغلنا البديل الشخصي عن البديل المؤسسي . لأن البديل الشخصي في ظل الانقياد والخضوع المؤسسي يفتح الباب لاعادة إنتاج النظام القديم بوجوه وأسماء جديدة مع ذات المناهج والسياسات البليدة .
كما أن البديل الشخصي رغم كونه رمز السلطة ، إلا أنه يتم استخدامه ليكون مجرد ظل للبديل المؤسسي الذي هو مستودع السلطة وبأسها . ولذلك يتم خداع الناس بالبديل الشخصي ليظل البديل المؤسسي كامناً يقتصر دوره على خدمة الدولة من حيث هي سلطة فقط ، ولا يمتد هذا الدور لخدمة مطالب الشعب وتطلعاته .
إذا كنا نبحث عن البديل الشخصي للرئيس . فيجب ألا يجعلنا ذلك نتغافل عن البديل المؤسسي الذي توسع الدستور في صلاحياته خصماً من صلاحيات الرئيس .
ولعل السياسات الناتجة عن السلطات ذات المستوى الجماعي للقرار أكثر رشداً واقتراباً من المصلحة العامة ، قياساً بالسلطة ذات المستوى الفردي للقرار .
وبالتالي هناك مجموعة من الحقائق المرتبطة بثنائية : البديل الشخصي / البديل المؤسسي ، والتي لا ينبغي إهمالها طالما أصبحنا الآن في مرحلة البحث عن البديل .
أولها : إن البديل دائماً موجود والترويج لعدم وجوده أكذوبة متبجحة يروج لها انصار النظام ومعارضيه على حد سواء .
وثانيها : إن ربط الدعوة إلى التغيير بالبديل الشخصي فقط دون تسليط الضوء الساطع على البديل المؤسسي ؛ هو أمر يفضي لا محالة إلى صناعة الديكتاتور ، مهما كان ذلك البديل الشخصي محسوباً على جناح الثورة ومؤيداً لأهدافها . وبالتالي تظل الحاجة للبديل الشخصي مرتبطة قصراً وحصراً باعتباره مجرد وسيلة نحو التمكين للبديل المؤسسي امتثالاً لنصوص الدستور .
وثالثها : إن الواقع السياسي الإعلامي المقيد المكبل المُخترَق مثلما يؤشر إلى ضعف فرصة البديل الشخصي المدني في الوصول للسلطة ، فإنه يشير أيضاً إلى صعوبة فرص البديل المؤسسي المستقل في الاستحواذ على مفاتيحها .
ولذلك .. وفي ظل كل تلك الحقائق التي تؤكد على أهمية البديل المؤسسي وعقبات وموانع التمكين له في ذات الوقت . فإن السؤال الذي سيطرح نفسه باعتباره الأكثر إلحاحاً سيكون هو السؤال التالي :
كيف نخرج إذن من نفق السيسي ؟؟؟
ولعل الإجابة تحتاج إلى مقال آخر إن شاء الله تعالى .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
ولذلك يتكرر السؤال الذي يحمل معه إجابته النافية حتي من أشد الناس سخطاً وتبرماً .. وهو : وهل يوجد بديل للرئيس ؟!!
ورغم أن كل التجارب القديمة والحديثة والمعاصرة ؛ أثبتت بأن البديل كان دائماً حاضراً ومتوفراً .
إلا أن البعض مازال للخرافات والأكاذيب منبطحاً ومستسلماً ، ولذلك لا يدرك ولا يفطن .
فالبعض لا يدرك بأن أكذوبة عدم وجود بديل تمثل - والعياذ بالله - مصادرة على قدرة الله تعالىفي خلقه ؛ التي اوجبت أن يتوفر دائماً البديل بالمئات والآلاف ، ليؤكد سبحانه أنه برغم طلاقة قدرته على التمكين لمن يشاء إلا إنه يترك للناس حرية الاختيار من بين كثيرين ليتحملوا مسئولية هذا الاختيار .
والبعض لا يفطن إلى أن هذه الأكذوبة المتبجحة تمثل جريمة مستمرة لسد الأفق أمام الناس ، ومحاصرتهم داخل أسوار وهمية ترهن الحاضر والمستقبل بإرادة فرد من المحتمل أن يحيا أيام أو شهور أو سنوات ، ولكنه حتما في أي لحظة سيموت .
فقد مات جمال عبد الناصر فجأة وعمره ٥٢ سنة ، وكان الظن المؤكد لدى الناس بأنه لا يوجد بديل . ولكن حل محله السادات وكان بديلاً لم يعجز عن التأثير في الزمان والمكان .
واغتيل السادات فجأة وعمره ٦٣ سنة ، وكان الانطباع المترسب لدى الناس بأن حسني مبارك الذي تهكموا عليه بوصف " البقرة الضاحكة " لا يمكن أن يكون بديلاً للسادات . ولكن مبارك استمر في الحكم لمدة تفوق حكما ناصر والسادات معاً محتلاً للمكان والزمان .
وتم خلع مبارك بعد ١٨ يوماً فقط من اندلاع ثورة ٢٥ يناير ، لتجري في النهر مياه متلاطمة تحمل معها البديل من معسكر الكاب ثم من جماعة الجلباب ، ثم تنغلق الدائرة بالتئام طرفيها مستعيدة البديل من معسكر الكاب .
وهكذا .. ورغم أن البديل الشخصي للرئيس كان وسيظل دائماً حاضراً ومتوفراً ولو كره المضللون .
إلا أن البديل الذي يعنينا ليس هو البديل الشخصي وإنما "البديل المؤسسي".
البديل ليس زيداً أو عبيداً وإنما البديل مؤسسات ، مؤسسات قائمة بمسئولياتها وحاضرة بسلطاتها .
البديل المؤسسي هو أمر تنبه له الدستور ليواجه ميراث سلطات الرئيس المطلقة الكاسحة الجامحة .
ولذلك قلص الدستور الحالي سلطات الرئيس في مقابل سلطات كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء ، لتنتقل السلطة من مستوي القرار الفردي إلى مستوى القرار الجماعي .
ولعل كل ما نراه من ظهور وبروز للرئيس ، واستفراد بالشاشات والميكروفونات ، وإملاء للتوجيهات والتكليفات والتعليمات ، كل ذلك ما كان سيكون إلا لتفريط كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء فيما أفرده الدستور لهما من سلطات ، واستسلامهما للقيام بدور المستخدم المطيع والتابع الأليف الذي ينتظر النداء والاستدعاء فيلبي بالهرولة والاستجابة .
البديل المؤسسي الغائب المتغيب المُـغيب هو الذي يغلق الأفق أمامنا فلا نبحث إلا عن البديل الشخصي . والنتيجة تكون دائماً في صالح من يجلس على كرسي السلطة ، لأنه يوظف كل قدرات هذه السلطة الإعلامية والدعائية والتضليلية ليرسخ القناعة بأن البديل منقطع ومنعدم .
سلطات رئيس الجمهورية في الدستور الحالي مقيدة في أغلب الأحوال بموافقة مجلس النواب ، وموافقة مجلس الوزراء أو التشاور معه .
فسلطات رئيس الجمهورية في الاعتراض علي القوانين ، وفي تشكيل الحكومة أو إقالتها ، وفي إعلان الحرب أو إرسال القوات المسلحة في مهام قتالية خارج الحدود ، وفي اعلان حالة الطوارئ ، وفي العفو عن العقوبة أو تخفيفها أو العفو الشامل ، وفي التصديق على المعاهدات ، وفي تعيين رؤساء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية ، وفي طلب تعديل الدستور .. كل هذه السلطات مقيدة بموافقة مجلس النواب ، بالإضافة إلى أن بعضها مقيد أيضاً بأخذ رأي مجلس الوزراء أو موافقته .
أنظر مواد الدستور أرقام : ١٢٣ - ١٣٧ - ١٣٩- ١٤٦- ١٤٧- ١٥١- ١٥٢- ١٥٤- ١٥٥- ٢١٦- ٢٢٦
كما أن سلطة رئيس الجمهورية في وضع السياسة العامة للدولة وتنفيذها ، مرهونة بمشاركة مجلس الوزراء ، أنظر مادة ١٥٠ من الدستور .
بالإضافة إلى أن الدستور يمنع رئيس الجمهورية من تولي أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة . أنظر مادة ١٤٠ من الدستور .
كل هذه النصوص التي نقلت كثيراً من السلطات إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب في تقليص واضح لسلطات رئيس الجمهورية ، هي للأسف بمثابة نصوص منسية مخفية تحت ركام من الممارسات الرئاسية السلطانية ، التي تم تكريسها بسبب قيام مجلس النواب ومجلس الوزراء بتسليم قيادهما للرئيس ، ومنحه تفويضاً على بياض وتعهداً بالموافقة الآنية والمستقبلية على أي سياسات وقرارات .
إذن البدبل المؤسسي فرضته نصوص الدستور ولكن غيبته تنازلات وتواطؤات الواقع ، ليظل الاعتبار الشخصي هو المهيمن على مفهوم البديل ، وفي ذات الوقت نافياً لأي إمكانية لتواجد مقومات هذا البديل خارج دائرة قبضة الفرد الذي تم شخصنة السلطة وفقاً لمعايير صفاته وقدراته .
ولكن لعل السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما جدوى التأكيد إذن على مفهوم البديل المؤسسي في ظل مؤسسات تنازلت عن كل سلطاتها وأصبحت أقماراً تابعة للرئيس وتدور في فلكه ؟؟؟
والإجابة تتمثل في الآتي :
أولاً : لعدم تكرار خطيئة الابتهاج بخلع أو تخلي " مبارك " عن السلطة ، والتعامي عن أنه كان مجرد ظل للنظام . ذلك النظام الذي وإن فقد ظله إلا أنه لم يخسر كل كيانه ودوائر نفوذه . فالشخص غاب ولكن فلسفة مؤسساته وقواعدها ظلت باقية .
ثانياً : لعدم تكرار خطيئة " مرسي " الذي ينتمي لجماعة منهجها تغليب الاعتبار الشخصي على المؤسسي . فالمرشد العام هو المركز الذي تدور كل الجماعة في فلكه . ولذلك لا تبدو المؤسسات في ذلك النظام إلا أدوات خيوطها بيد المرشد الحاكم بأمره .
ثالثاً : لعدم تكرار خطيئة " السيسي " . فالاعتماد على فكرة الشخص المُخَلِّص تجعل المؤسسات رغم دسترة سلطاتها أطوع لتقديس صنم تتقرب به إلى الشعب زلفى للتهرب من تحمل عناء المسئوليات المنوطة بها .
إذن .. البديل الشخصي للرئيس موجود وإن كان لا يظهر في حيز الوجود . والبديل المؤسسي للرئيس مفقود وإن كان شاخصاً وحاضراً في قلب مواد الدستور .
ولذلك لا يجب أن يشغلنا البديل الشخصي عن البديل المؤسسي . لأن البديل الشخصي في ظل الانقياد والخضوع المؤسسي يفتح الباب لاعادة إنتاج النظام القديم بوجوه وأسماء جديدة مع ذات المناهج والسياسات البليدة .
كما أن البديل الشخصي رغم كونه رمز السلطة ، إلا أنه يتم استخدامه ليكون مجرد ظل للبديل المؤسسي الذي هو مستودع السلطة وبأسها . ولذلك يتم خداع الناس بالبديل الشخصي ليظل البديل المؤسسي كامناً يقتصر دوره على خدمة الدولة من حيث هي سلطة فقط ، ولا يمتد هذا الدور لخدمة مطالب الشعب وتطلعاته .
إذا كنا نبحث عن البديل الشخصي للرئيس . فيجب ألا يجعلنا ذلك نتغافل عن البديل المؤسسي الذي توسع الدستور في صلاحياته خصماً من صلاحيات الرئيس .
ولعل السياسات الناتجة عن السلطات ذات المستوى الجماعي للقرار أكثر رشداً واقتراباً من المصلحة العامة ، قياساً بالسلطة ذات المستوى الفردي للقرار .
وبالتالي هناك مجموعة من الحقائق المرتبطة بثنائية : البديل الشخصي / البديل المؤسسي ، والتي لا ينبغي إهمالها طالما أصبحنا الآن في مرحلة البحث عن البديل .
أولها : إن البديل دائماً موجود والترويج لعدم وجوده أكذوبة متبجحة يروج لها انصار النظام ومعارضيه على حد سواء .
وثانيها : إن ربط الدعوة إلى التغيير بالبديل الشخصي فقط دون تسليط الضوء الساطع على البديل المؤسسي ؛ هو أمر يفضي لا محالة إلى صناعة الديكتاتور ، مهما كان ذلك البديل الشخصي محسوباً على جناح الثورة ومؤيداً لأهدافها . وبالتالي تظل الحاجة للبديل الشخصي مرتبطة قصراً وحصراً باعتباره مجرد وسيلة نحو التمكين للبديل المؤسسي امتثالاً لنصوص الدستور .
وثالثها : إن الواقع السياسي الإعلامي المقيد المكبل المُخترَق مثلما يؤشر إلى ضعف فرصة البديل الشخصي المدني في الوصول للسلطة ، فإنه يشير أيضاً إلى صعوبة فرص البديل المؤسسي المستقل في الاستحواذ على مفاتيحها .
ولذلك .. وفي ظل كل تلك الحقائق التي تؤكد على أهمية البديل المؤسسي وعقبات وموانع التمكين له في ذات الوقت . فإن السؤال الذي سيطرح نفسه باعتباره الأكثر إلحاحاً سيكون هو السؤال التالي :
كيف نخرج إذن من نفق السيسي ؟؟؟
ولعل الإجابة تحتاج إلى مقال آخر إن شاء الله تعالى .
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق