01 يونيو 2023

التخدير السياسي .. عندما ترتدي المناورة ثوب المبادرة .. ويرفع الفتوات لافتة الحوار

 التخدير السياسي .. 

عندما ترتدي المناورة ثوب المبادرة .. 

ويرفع الفتوات لافتة الحوار

................................

في مجال الحراك السياسي ، هناك فرق بين ( المناورة ) و ( المبادرة ) . 


فالمناورة تقوم على تكتيكات الخداع والمحايلة والمسايرة .


بينما المبادرة تنتهج إستراتيجية الرُشد والتوافق بعد التحاور والمراجعة .


ومن خلال مقياس المناورة والمبادرة ، يمكن التفرقة الحاسمة في المجال السياسي بين ( التغيير ) و ( التخدير ) .


التغيير السياسي الذي يقبل بفتح آفاق جديدة للسير والمسير .


أم التخدير السياسي ، بهدف امتصاص الغضب المتراكم نتيجة السياسات الفاشلة ، والإصلاحات الغائبة ، والانتهاكات الفاضحة ، والأزمات العبثية المتوالية .


ولعل الخبرات المتراكمة المحزنة ، تثبت بأن أي سلطة جائرة فاشلة ، لا تبذل جهداً ولا تستنفر عزماً إلا للتغطية على فشلها وانتهاكاتها ، والتعمية على تدني قدراتها وأخلاقياتها . 


ولذلك تبدو أساليب ( التخدير السياسي ) من وجهة نظر هذه السلطة بكل أجهزتها ، ملائمة جداً لتشتيت موجات الغضب الصاعدة ، وإبطاء نمو جذور الإحباط الهابطة . 


وللأسف ، فإن الكبرياء السياسي يجعل أساليب التخدير السياسي تبدو بالنسبة لكثير من السياسيين والناشطين ، بمثابة ألاعيب مكشوفة ومماحكات مفضوحة لا ينبغي التهويل من آثارها .


بينما اللامبالاة السياسية لدى قطاع واسع من غير المسيسين ، تؤدي إلى الاستخفاف بهذه الأساليب التخديرية ، باعتبارها مجرد ( تعميرة إضافية ) تُضاف لحجر الشيشة الذي لا يخلو من المخدرات التقليدية .


ولكن رغم كبرياء السياسيين أو لامبالاة غير المسيسين ، فإن ثمة ( مضاعفات ) تنتج عن أساليب التخدير السياسي ، بما يجعلها تحقق آثارها أو تصيب أهدافها ، أو على أقل تقدير تؤدي إلى تشويش المشهد وتشتيت التركيز لدى أطرافه التي كانت يمكن أن تكون فاعلة لو ظلت ( واعية ) . 


وتتمثل هذه ( المضاعفات ) الناتجة عن التخدير السياسي في المظاهر الآتية :-


١- الاسترخاء أو الركود السياسي : 

فأساليب التخدير السياسي تنشر بالمجتمع انطباعات كاذبة بضرورة تهدئة وتيرة اللعب السياسي بمساحات الاحتجاج والمعارضة ، رداً على التهدئة الصورية التي تمارسها السلطة . الأمر الذي يؤدي إلى حالة من الاسترخاء أو الارتخاء السياسي ، وسيادة مناخ راكد سياسياً تفقد فيه المعارضة قوة دفع ( رياح الاختلاف ) لسفنها .


٢- ميوعة الخصومة أو المعارضة : 

فمع استمرار مناخ الاسترخاء والركود السياسي ، تفقد الخصومة السياسية موجبات حدتها وعلو نبرة صوتها ، وتصيب المعارضة السياسية ميوعة جيلاتينية تنال من هيبتها ، وتزرع بداخل بنيانها ليونة تعصف بصلابة عودها وثبات مسارها .


٣- تشجيع المتلونين أو المذبذبين : 

فسرعان ما يؤدي الركود السياسي وميوعة المعارضة إلى تشجيع المتلونين على إظهار جلودهم الحربائية التي تتلون وفقا لأهواء السلطة ، وفتح الطريق للمذبذبين لإعلان معارضتهم للمعارضة . الأمر الذي يثير الفرقة والانقسام داخل الساحة الحزبية ، ويخلق حالة من التناحر داخل كل حزب تعصف بترابط صفوفه . وبدلاً من الشقاق مع السلطة تنشق المنظمات السياسية على نفسها أو ينشأ الشقاق فيما بينها .


٤- ترسيخ الاستقرار الزائف : 

حيث تؤدي حالة الاسترخاء السياسي والميوعة السياسية ، وانشغال القوى السياسية بالتذبذبات والتلونات الحربائية .. إلى ترسيخ حالة من الاستقرار الزائف المغشوش ، لتختفي مظاهر الغضب وأمارات الانهيار والتردي تحت هذا الغطاء المموه والقناع الكاذب .


٥- ابتزاز الشرعية الدولية : 

ولذلك سرعان ما يؤدي هذا الاستقرار الزائف إلى ابتزاز النوازع البراجماتية لدى القوى الدولية الباحثة عن مصالحها في لعبة السياسة وكعكة المنافسة الاقتصادية العالمية . 

الأمر الذي يكتسب بموجبه أي نظام فاشل فاسد مستبد شرعية دولية ، نتيجة حسابات المصالح وليس حسابات المبادئ والمُثل والقيم الإنسانية العالمية . 

......

.. تبدو إذن أساليب التخدير السياسي قادرة على تحقيق كل الآثار المترتبة على تعاطي المواد المخدرة طبيعية كانت أم تخليقية .


فبينما يتم تصنيف المواد المخدرة إلى :

- مواد مثبطة مثل ( الحشيش ) .

- مواد منشطة مثل ( الهيروين ) .

- مواد مهلوسة  مثل ( حبوب الفيل الأزرق ) .


فإن أساليب التخدير السياسي هي الأخرى وبالمثل تتفاوت آثارها .

بدءاً من الآثار المثبطة التي تؤسس للاسترخاء والركود والميوعة السياسية .

مروراً بالآثار المنشطة التي تحفز  على التلون والتذبذب السياسي . 

وصولاً إلى الآثار المهلوسة التي تفجر ضلالات وأوهام الاستقرار الكاذب . 

وانتهاءاً بفتح الباب لغسل أموال بارونات المخدرات السياسية في العواصم العالمية ، لابتزاز وشراء الشرعية الدولية .


وللأسف ، رغم خطورة مضاعفات التخدير السياسي باعتبارها تغلق الباب أمام موجبات التغيير السياسي . إلا أنه لا توجد برامج للعلاج من إدمان المخدرات السياسية ، ولا توجد قوانين لعقاب طباخيها ومروجيها . 


ولذلك لا سبيل لمواجهة التخدير السياسي ، إلا من خلال يقظة التيارات السياسية المعارضة والنخب الفكرية الرائدة ، لكي تقوم بدورها في ممارسة الكشف والفضح لهذه الأساليب ولا تستسلم لمضاعفاتها ، فتترسخ مناعة لدى المنتسبين لها سياسياً أو فكرياً ولدى الشرائح المختلفة من الشعب ، تحول دون دخولهم في دائرة المسطولين والشمامين والمهلوسين .. سياسياً .


وأما عن أية سلطة تجعل من أساليب التخدير السياسي الوسيلة والأداة المعتبرة لممارسة الحكم ، فمن المشروع سياسياً أن تُدرج في قوائم ( المسجلين مخدرات سياسية ) ، تحت عنوان : الاسم / سلطة .. والوصف / مزاجنجي .

...........


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق