ثقافة التعصب والكراهية ( 1/2 )
دكتور / محمد محفوظ
نشر : يونيو 2007
لا يصلح التعصب والكراهية لكى تقوم عليهما أى سياسة ,
لأن السياسة التى تعتمد على منهج التعصب والكراهية هى سياسة قد تبدو ناجحة في المدى القصير , ولكنها وفقاً
لكل تجارب التاريخ فاشلة على المدى البعيد .
وتعتبر السياسة فى الفقه السياسى هى فن
وعلم إدارة المصالح , وبالتالى فإن ( المصلحة ) في أبجديات العمل السياسى هى الإستراتيجية
, بينما ( الولاء ) هو التكتيك . فأينما تكون المصلحة يتوجه مؤشر الولاء . لأن
السياسة لا تعرف عداوات دائمة أو صداقات أبدية , وإنما عداوات مرحلية وصداقات وقتية
, وكل ذلك وفق مؤشر واحد هو : مؤشر المصلحة .
وبالتالى .. لا يجيد دعاة التعصب
والكراهية استخدام لغة السياسة لأنهم لا يجيدون استخدام لغة المصالح . وإنما يجيدون استخدام لغة الانتقام
الصاخبة , من خلال السعى إلى الإضرار بالآخر ( العدو ) دون الاهتمام بالسعى إلى بناء الذات . فإستراتيجية الانتقام تلهى
صاحبها عن ذاته , وبالتالى لا يفكر إلا
في إيذاء العدو بينما تغيب عنه مصالحه
الذاتية . ولكن نظراً لأن هذا العدو سيحاول دائماً الدفاع عن نفسه , فإن كافة أساليب
الانتقام لن تؤدى إلا إلى حث العدو على إجادة أساليب الدفاع عن الذات , ومن ثم يرتد
سهم الانتقام إلى صدر صاحبه .
إن الذين يفجرون أدمغتنا ليل نهار بكراهيتهم لأمريكا وإسرائيل والغرب , لا
يجيدون إلا لغة التعصب والغل الأسود , وتغيب عنهم لغة السياسة التى توجهها بوصلة
المصالح . وياويل الشعب الذى يشاء له حظه العاثر أن يتولى أموره مثل هؤلاء المتعصبين
الكارهين . لأنهم بلغة التعصب والانتقام الصاخبة يزجوا بالوطن في مشاحنات وصراعات مع القوى العظمى والدول المجاورة , تؤدى إلى التورط في حروب ونزاعات
عبثية تأكل الأخضر واليابس وتدمر الاقتصاد وتسفك دماء الأبرياء .
أقول هذا لأننى ألمح في هذا الوطن موجة متصاعدة لثقافة التعصب والكراهية . وأجد ميلاً لدى
الكثير من المثقفين والبسطاء للانقياد خلف مروجى هذه الثقافة - أصحاب الخطب الرنانة والسياسات الضبابية - التى لن تؤدى إلا إلى تعطيل مسيرة هذا الوطن نحو
الحرية والديمقراطية أكثر مما هى معطلة . وبالتالى تنصرف أنظار الجماهير عن العدو الحقيقى المتمثل في الاستبداد والفساد
, وغياب العدل وحكم القانون و الديمقراطية .
يا أبناء هذا الوطن .. لا تستمعوا لمن يحرضونكم على قتل
أو قتال أعداءكم , سواء كان ذلك باسم الدين أو العروبة أو القومية أو
الاشتراكية . ولكن استمعوا لمن يفكرون في إصلاح حياتكم بالعدل والمساواة والحرية والديمقراطية . وأؤكد
لكم بأن اليوم الذى تنصلح فيه حياتكم بالعدل والديمقراطية والمساواة , سيكون هو اليوم الذى تنتصرون فيه على أعدائكم
بدون قتال , لأنهم وقتها سيخشون بأسكم , ولعل هذا هو الانتصار الحقيقى , لأنه سيكون الدافع الأكبر للسلام والوئام . وتدبروا فى قول
الله سبحانه وتعالى في وصفه لدعاة التعصب و الكراهية :
( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد
الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك
الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا
قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد * ومن الناس من
يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف
بالعباد * يا أيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان
إنه لكم عدو مبين ) ( سورة البقرة / الآيات
204- 208 ) .
فادخلوا فى السلم ولا
تتبعوا خطوات الذين ينفخون فى نار التعصب و الغل و الكراهية ,لأنكم وقتها
ستتّبعون خطوات الشيطان .
*****
دكتور / محمد محفوظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق