تزوير الانتخابات
في دولة ( أبوك السقا مات )
تاريخ النشر : 20 نوفمبر 2010
(
الكاتب والمخرج المسرحى الألمانى - برتولد برخت )
بقلم
: دكتور / محمد محفوظ
بالفعل .. يتمثل الحل الأبسط والأسهل
لدى الحكومات المستبدة ؛ في تغيير الشعب .
وتغيير الشعب لا يتم من خلال استبداله
بشعب ثان , أو ترحيله واستيراد شعب آخر بدلاً منه , بل يتم من خلال تغيير أصوات
الشعب .
فأنت صوتك , فإذا تغير صوتك لم تصبح
أنت ؛ بل أى شخص آخر .
ولأن الحكومات المستبدة تعلم سلفاً -
بما لديها من إمكانيات بوليسية – الكثير عن نوايا الشعب في التصويت , فإنها تقوم
ابتداءً بالتصويت بدلاً من الشعب , فتكون بذلك قد غيّرت الشعب .
هذه هى الكلمات التى وجدتها منحوتة على
الهرم الأكبر في دولة أبوك السقا مات , عند تفقدى للدليل السياحى المصوَّر
للمزارات الأثرية في تلك الدولة .
وقد قررت أن أستوثق من تلك الكلمات
بنفسى عند زيارتى المرتقبة لتلك الدولة يوم 28 نوفمبر القادم , لإننى لا أثق في كل
ما أقرأ , ويلزمنى دائماً التثبت بعينىّ وأذنىّ .
ولكن حتى يأتى موعد الزيارة , فلا بأس
من عرض ما تناقله المؤرخون عن أساليب تزوير الانتخابات في دولة ( أبوك السقا مات )
.
وتتلخص أشكال التزوير – وفقاً لما
تناقله المؤرخون – في ثلاثة أشكال كالتالى :
- التزوير بالمشاركة
- التزوير بالامتناع
- التزوير بالتقصير
والتزوير بالمشاركة ؛ هو أن تشارك في
التزوير بالفعل , أى تمارسه بيدك , ولا يهم أن يكون ذلك باختيارك أو بممارسة القهر
, لأن يدك - مختارة كانت أم مقهورة - ستكون هى التى مارست التزوير , ولا شأن لنا
بنواياك , لأن الله وحده هو الذى يعلم ما تخفى الصدور .
أما التزوير بالامتناع ؛ فهو أن ترى
التزوير بعينيك ولا تشارك فيه بيديك , ولكنك تمتنع عن التدخل لوقفه , أو الإبلاغ
عن ذلك لضبطه ؛ أثناء - أو بعد - ممارسته .
بينما التزوير بالتقصير ؛ هو أن تكون
مكلفاً بمراقبة العملية الانتخابية بحكم وظيفتك , ولكن إهمالك أو لا مبالاتك أو
تكبير دماغك أو إيثارك للسلامة أو عدم رغبتك بالدخول في مشاكل , كلها تجعلك تتعامل
مع الانتخابات على إنها تتم في دولة ( أبوك السقا عاش ) , وبالتالى تعتبر اليوم
الانتخابى هو للاستجمام والتخفف من أعباء العمل - رغم أنه ربما يتسم بالملل لطول
ساعاته - ولكن لا بأس طالما ستأكل فيه وتشرب على حساب الدولة ( أقصد الشعب ) .
هكذا إذن لخص المؤرخون ( أشكال ) التزوير
في دولة ( أبوك السقا مات ) , ثم قاموا بتطبيق تلك الأشكال على الواقع العملى
للخروج بالنتائج ؛ فكانت كالتالى :
- أمناء اللجان الانتخابية الفرعية - من
الموظفين التابعين للدولة - متورطين بالتزوير ( بالمشاركة أو بالامتناع ) فى 99٪ من حالات التزوير .
- عناصر وزارة الداخلية - من ضباط وأفراد - متورطين بالتزوير (
بالمشاركة أو بالامتناع أو بالتقصير ) فى 99٪ من حالات التزوير .
- بعض المنحرفين من رجال القضاء متورطين بالتزوير ( بالمشاركة أو
بالامتناع ) فى 5٪ من حالات التزوير .
- الشرفاء من رجال القضاء متورطين بالتزوير
( بالتقصير ) - من خلال عدم الرقابة الجدية لمنعه - فى 95٪ من حالات التزوير .
إذن – هكذا قال المؤرخون – يُعتبر
التزوير في دولة ( أبوك السقا مات ) ؛ عمل مؤسسى تقوده وتحميه وتحث عليه وزارة
الداخلية , ويرعاه تقصير أعضاء الهيئات القضائية . وبالتالى يُعتبر التزوير عمل
مؤسسى ممنهج تقوم به كافة الأطراف المنوط بها الإشراف على العملية الانتخابية .
ولكن إذا كان من السهل فهم كيفية ممارسة
التزوير بالامتناع أو التقصير , فإنه يبدو من الصعب تصوُّر ( الأساليب ) التى يتم من
خلالها التزوير بالمشاركة . لذلك توسع المؤرخون في تفصيل تلك الأساليب ؛ لتصوير
العملية الانتخابية في دولة ( أبوك السقا مات ) وفقاً لأدق التفصيلات .
ويوضح المؤرخون ؛ بأن العروض
الانتخابية في دولة ( أبوك السقا مات ) ؛ تستمد أساليبها - في التزوير بالمشاركة -
من عروض السيرك أو الساحر أو الحاوى .
فالعملية الانتخابية هى السيرك ؛
والقائمون على الاقتراع هم السحرة والحواة , وباستخدام خفة اليد أو ثقلها يتم
تغيير الواقع بصورة لا يمكن ملاحظتها .
قد يختلف الأمر في أن بعض السحرة
والحواة ؛ قد يتفننون في تصميم صناديق لها جيوب سحرية ؛ يمكن من خلالها إخفاء الأشياء
ثم إظهارها , بينما بعضهم يهتم بالمسرح الذى يوضع عليه الصندوق ؛ بأن توجد أسفل
منه غرفة سحرية يمكن إخفاء الأشياء أو الأفراد بها .
ولكن القائمين على الانتخابات لا
يهتمون بتصميم الصندوق أو باللجنة التى يوضع بها الصندوق ؛ بل يتوجه اهتمامهم إلى أمين
اللجنة الانتخابية الفرعية ( الساحر ) الذى يملك مفتاح الصندوق , وضباط وأفراد
الشرطة الذين ينفردون بالسيطرة على الشارع الذى توجد به اللجنة التى بها الصندوق .
وبالتالى ؛ يتم العرض السحرى كالآتى :
- في حالة الإشراف القضائى على كل
الصناديق , تقوم قوات الشرطة بمحاصرة اللجان الانتخابية ومنع دخول الناخبين إليها
باستخدام اليد الثقيلة , ولا يتم السماح بالدخول إلا للناخبين التابعين للحزب
الحاكم ؛ الذين تم شحنهم في أتوبيسات الشركات الحكومية وشركات رجال الأعمال
الموالين للنظام . وبالتالى لا يوضع في الصندوق إلا الأصوات التى في صالح الحزب
الحاكم .
- في حالة الإشراف القضائى على صناديق
اللجان العامة فقط دون الفرعية , يقوم ضباط مباحث أمن الدولة وضباط المباحث
الجنائية ( بملابسهم المدنية ) ؛ بالمرور على اللجان الفرعية وتظبيط القائمين
عليها ( أمناء اللجان من الموظفين المدنيين الغلابة العاملين بالدولة ) ؛ إما
بالترغيب ( أكل وشرب وعلاقات مستقبلية جيدة مع الضباط ) ؛ وإما بالترهيب ( التهديد
بتلفيق تهم وقطع عيش ونقل لمحافظات أخرى ) . وقبل انتهاء الانتخابات بساعة أو
ساعتين ؛ يقوم الضباط بالمرور مرة أخرى على اللجان لمتابعة قيام الموظفين بالمطلوب
؛ أو مشاركتهم في ذلك , أو القيام بذلك بدلاً منهم ؛ في حال موافقتهم على التزوير
لكن دون المشاركة فيه . فيتم تسويد بطاقات الانتخاب أو الاستفتاء لصالح الحزب
الحاكم باستخدام اليد الخفيفة , لكن وفقاً لنسبة معلومة مُتفق عليها سلفاً , لكى
لا تخرج الانتخابات وفقاً لنتيجة مضحكة ؛ كان يتم التندر عليها كثيراً في سنوات
سابقة ؛ وهى نسبة الـــ 99،9999% .
- أما في حالة فقدان السيطرة على منع
دخول الناخبين إلى اللجان ؛ أو حتى التحكم
في أمنائها , فإن تلك اللجان لو كانت محدودة العدد ؛ فإنه يمكن التخلى عن نتائجها
؛ لكى يتم استخدامها كواجهة ؛ يتم الترويج من خلالها لعدم تزوير الانتخابات .
- ولكن في حالة تفاقم فقدان السيطرة
على منع دخول الناخبين إلى اللجان ؛ أو حتى التحكم في أمنائها , فإن الأسلوب
المتبع هو تغيير الصندوق ككل ( تغيير
محتواه أو تغييره كله بمحتواه ) خارج أسوار اللجنة ؛ وأثناء عملية نقله إلى لجان
الفرز في حراسة قوات الشرطة .
- وفى حالة الإشراف القضائى على كل
صندوق ؛ وتفاقم فقدان السيطرة على منع دخول الناخبين للجان ؛ أو عدم القدرة على
تغيير الصناديق أو محتواها , فإن إعلان نتيجة مغايرة للنتيجة الإجمالية لفرز
الأصوات الحقيقية ؛ يكون هو الحل الأخير , لاسيما وأن كل المستندات - في حالة
إشراف وزارة الداخلية على الانتخابات - يتم حفظها لدى الدولة .
– أما فى حالة إشراف لجنة مستقلة على
الانتخابات , وتفاقم فقدان السيطرة على منع دخول الناخبين للجان ؛ أو عدم القدرة
على تغيير الصناديق أو محتواها , فإن تغيير النتيجة النهائية للفرز يتم من خلال ممارسة
جهات عليا للضغط - بالترغيب أو الترهيب - على المسئولين عن تلك اللجنة المستقلة .
... إذن رغم أن الصندوق هو محل التصويت
, إلا أن القائم على الصندوق أو المجال المحيط بالصندوق ؛ يظلا هما صمام التحكم الأكبر
في محتويات ذلك الصندوق . وإلا فإن الملاذ الأخير - في أحوال نادرة - يكون فى
تجاهل الصندوق كلية بالقائمين عليه وبمجاله المحيط وبمحتواه , وإعلان نتائج تقررها
قوة الأمر الواقع .
----------
اكتفيت مما كتبه المؤرخون , ولم يبق
أمامى إلا تجهيز حقيبتى ؛ والانتظار لحين الحصول على تأشيرة الدخول وتذاكر الطيران
, للسفر يوم 28 نوفمبر , حيث سأحاول - بنفسى - معاينة النقوش المنحوتة على الهرم
الأكبر , ومطابقتها بما نقلته كتب التاريخ والبرديات , عن كيفية تزوير الانتخابات
؛ في دولة ( أبوك السقا مات ) .
دكتور
/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق