ماذا بعد العويل على خطايا الانتخابات وجرائمها ؟
شياطين الدولة المدنية وأشباح الدولة الدينية
وفوبيا التحالف مع الغرب
تاريخ النشر : 6 ديسمبر 2010
بقلم : دكتور / محمد محفوظ
يبدو المشهد المصرى بعد
انتخابات مجلس الشعب لعام 2010م ؛ ملتبساً على الكثيرين .
فأشد من أساءوا الظن باللاحزب الحاكم ما كانوا ليتوقعوا أن تكون نتيجة الانتخابات
بهذه البجاحة .
لقد حطم اللاحزب الحاكم كل
أرقامه القياسية ؛ وأصبح مجلس الشعب ومن قبله الشورى والمجالس المحلية ؛ كلها
بمثابة كورال حكومى تبدو الأصوات النشاز فيه شبه معدومة ؛ والمقطع الغنائى الوحيد
فيه هو : آمين .
ولكن ؛ كيف يخاطر اللاحزب الحاكم
بصورته أمام العالم بكل تلك الفظاظة وعدم الحياء. هل هى رعونة غير محسوبة ؛ أم
رغبة مريضة فى التكويش على السلطة ؛ أم عزة بالإثم ؛ أم ماذا ؟!!!!
ربما تكون الإجابة محفوفة
بالمخاطر ؛ لأنها تصب الزيت عل النيران وهى مازالت مشتعلة , ولكن ينبغى دائماً كشف
الجروح لتطهيرها .
والقراءة التحليلية للأحداث
وموازين القوى وردود الفعل الدولية , توضح بأن اللاحزب الحاكم ما كان له أن يكشف
عن وجهه القبيح ؛ إلا لأنه أصبح يعلم علم اليقين بأن هذا الوجه لن يكون مرفوضاً من
العالم المتقدم .
فدولة مدنية يقودها
الشياطين ؛ أفضل من أشباح الدولة الدينية المحتملة التى تمثل كابوساً للعالم
المتقدم فى حالة وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة . أو أشباح الدولة المدنية (
المارقة ) فى حالة وصول ائتلاف من أحزاب المعارضة إليها .
لقد استطاع اللاحزب الحاكم
أن يجسد مخاوف الغرب الكبرى , وهى أن انتخابات نزيهة مثلما حدث فى المرحلتين
الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب لعام 2005م , ستضع جماعة الإخوان على رأس
السلطة ؛ بمفردها ؛ أو من خلال ائتلاف مع باقى أحزاب المعارضة .
ومن هم الإخوان ؟؟ هم
المدافعون عن حزب الله وحماس وإيران وحركة طالبان ؛ والمهووسون بكراهية إسرائيل
والغرب ؛ والرافضون للدولة الديمقراطية الحديثة ؛ والمتطلعون إلى إحياء دولة
الخلافة الإسلامية .
لم يعد هذا التحليل مجافياً
للواقع ؛ أو نوع من الفذلكة النظرية , بل هو التحليل الذى يفسر هذه الفظاظة
الواضحة فى نتائج انتخابات مجلس الشعب الأخيرة .
فتجربة الإخوان فى مجلس
الشعب ؛ لم تقدم للعالم فصيلاً سياسياً يسعى لدولة مدنية ديمقراطية حديثة ؛ تحل
محل نظام حكم مستبد سلطوى فاسد . بل كانت أشد
معاركهم ضراوة تشتعل من أجل غزة وحماس ومعبر رفح وقافلة سفن الحرية والمسيحيات
المتأسلمات . كما أن تصريحات المرشد العام السابق للجماعة ؛ كانت تقدم الرسالة تلو
الأخرى للعالم المتقدم ؛ بأن الجماعة ليست فصيلاً سياسياً ؛ وإنما هى تنظيم دينى
يسعى للوصول للسلطة لإقامة دولة دينية ( لامدنية ) .
وكل ذلك ؛ كان يتم تدوينه
فى سجلات الدبلوماسية وأجهزة الأمن القومى والمخابرات بأمريكا والدول الغربية ,
لكى يمثل المعلومات المؤكدة بالصوت والصورة الداخلة فى صلب بناء سياساتها
الإستراتيجية وتصوراتها للمنطقة بدولها المتعددة .
أما باقى تيارات المعارضة ؛
الحزبية منها أو اللاحزبية ؛ فقد سقطت هى الأخرى فى الفخ نفسه .
فاليسار الحزبى المصرى
يتبنى للأسف نفس مفردات لغة تيار الإسلام السياسى فى عداءه للغرب وإسرائيل ,
وبالتالى يقدم نموذجاً محتملاً لدولة مدنية ( مارقة ) على مثال كوريا الشمالية أو كوبا .
أما التيار الليبرالى
الحزبى المصرى فينقسم لقسمين : قسم يتبنى نفس أطروحات اليسار والإسلام السياسى
المعادية لإسرائيل ؛ وأمريكا على وجه الخصوص ؛ ويمثله حزب الوفد . وقسم آخر يتطلع
للتحالف مع الغرب ؛ ولكنه يعانى من اتهامات العمالة التى تقذفه بها كافة تيارات المعارضة الأخرى ؛ أو يقذفه بها
اللاحزب الحاكم ؛ بما يلوث سمعته أمام الشعب الذى تسمم وعيه السياسى فأصبح مؤهلاً
لكراهية الغرب وإسرائيل أكثر من كراهيته للاحزب الحاكم .
أما الحركات السياسية ؛
كحركة كفاية أو 6 إبريل أو الجمعية الوطنية للتغيير , فإنها مصابة بنفس داء العداء
للغرب وأمريكا وإسرائيل , علاوة على وصفها أيضاً بالعمالة فى أى اقتراب - لأى منها
- من الغرب .
وبالتالى ؛ لا يرى ممثلو
الدبلوماسية الغربية ( الأمريكية والأوربية ) أية قوة يمكن التعويل عليها ؛ تتيح
لهم التوصية بممارسة ضغط سياسى حقيقى على النظام المصرى لكى يقوم بتعديل مساره ؛
أو التوصية بعزله لفضح ممارساته ؛ بما يؤدى لتقوية فرص المعارضة فى استقطاب
الجماهير من خلال الغضب المتنامى بداخلها .
ولعل هذا ما يفسر ؛ لماذا
لم يترك اللاحزب الحاكم لحزب الوفد أو باقى الأحزاب التى شاركت فى الانتخابات ؛ ما
كان يساوى حصة الإخوان فى مجلس الشعب السابق. وذلك لأن اللاحزب الحاكم كان قد قرأ
الساحة العالمية قراءة صحيحة ؛ جعلته لا يخجل من نزع القناع عن وجهه القبيح ؛ ويكشف
عن رغبته المنحرفة فى التكويش على السلطة أو ربما حتى توريثها , لكى يسد أفواه
الحلقة المتنامية من الانتهازيين التى تتجمع حوله باعتباره المحتكر للسلطة والنفوذ
والقوة , ولكى يتحدى قوى المعارضة من خلال رسالة واضحة مفادها : لقد احتكرت كل
مقاعد مجلس الشعب ومن قبله الشورى بالتزوير المفضوح ؛ فأين هو الشعب الذى يقف
وراءكم ؛ لماذا لا نراه فى الشارع ؟!!!!!
ولعل كل الملفات التى
ستتقدم بها المعارضة ؛ لكى تثبت للعالم بالدلائل المادية الجرائم التى ارتكبها
اللاحزب الحاكم لتزوير الانتخابات ؛ لعل كل تلك الملفات تتكسر بالفعل على صخرة أن
الشعب المصرى - رغم كل هذا التزوير الأرعن والمتبجح - لم يتحرك فى مظاهرة واحدة
لكى يعلن عن استنكاره لما حدث .
يعلم العالم بدون أى دلائل ؛
أن اللاحزب الحاكم قام بتزوير الانتخابات , فالأرقام المتدنية التى توضح مدى
التدهور فى المجتمع المصرى على كافة المستويات - الاقتصادية والاجتماعية
والتعليمية والصحية - تثبت بأن عدم ترجمة كل تلك الأرقام إلى مقاعد يخسرها اللاحزب
الحاكم فى مجلس الشعب ؛ بمثابة أوضح دليل على تزوير الانتخابات دون الحاجة إلى أى أدلة
مادية أخرى .
ولكن يظل العالم مصدوماً من
سكون الشعب المصرى ؛ وعدم قدرة المعارضة على تحريكه لكى يقول كلمته فى الشارع .
وبالتالى ؛ ماذا يمكن للغرب
أن يفعل فى مواجهة معارضة مهووسة بكراهية الغرب وإسرائيل؛ وفى مواجهة شعب لا يتحرك
إلا من أجل انتصارات كرة القدم أو المصادمات الطائفية ؟!
ماذا يمكن للغرب أن يفعل ؛
إلا أن يعترف بالأمر الواقع , وبأن شياطين الدولة المدنية أفضل من أشباح الدولة
الدينية أو أشباح الدولة المدنية المارقة .
الصورة إذن مضطربة ؛
وتستدعى ضرورة مراجعة إستراتيجية المعارضة قبل تكتيكاتها , لأنها تتعامل مع نظام
حاكم يجيد استغلال أزمة العالم فى حربه مع الإرهاب التى تشتبك بالأزمة المالية العالمية .
فخطر الإرهاب الإسلامى أصبح
يهدد العالم الغربى بلا أدنى مواربة , وتجربة الدولة الدينية الفاشية فى إيران
التى تقوم بتزوير الانتخابات وتقتل المتظاهرين ؛ وتجربة الإمارة الحمساوية الإسلامية
المتطرفة فى غزة التى استولت على السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية ؛ وتجربة حزب
الله فى جنوب لبنان الذى يعطل بسلاحه استحقاقات الديمقراطية اللبنانية ؛ والاستنزاف
المالى والإنسانى الذى تتكبده قوات حلف شمال الأطلنطى فى أفغانستان ؛ كلها تجارب
قائمة قاتمة , تجسد خوف الغرب المتنامى من الدولة الدينية ؛ وتجعله يتغاضى - على
مضض - عن حكم الشياطين المستبدين .
كما أن أزمة العالم المالية
؛ تجعل الغرب أكثر ميلاً للتعامل مع مشاكله الداخلية ؛ واقتصار اهتمامه بالخارج - فقط
- على مسألة الإرهاب لكونها تمثل خطراً داخلياً ولو محتملاً .
ولهذا ؛ ينبغى على المعارضة
المصرية أن تكون صادقة مع نفسها , وتسال السؤال الجوهرى : هل يمكن إزاحة هذا النظام
السلطوى المستبد دون ( تصحيح ) النظرة السلبية إلى الغرب ؟
وهذا التصحيح لا يعنى ( التآمر
) مع الغرب ؛ لكى يأتى بدباباته ليخلع ذلك النظام , فجرح أمريكا فى العراق – ومن
قبله أفغانستان - مازال نازفاً ومفتوحاً .
ولكن ( التصحيح ) يعنى التخلص
من فوبيا الغرب ( الخوف المَرَضِى من الغرب ) والبدء فى النظر إلى الغرب باعتباره الصديق
الإستراتيجى ؛ وليس العدو ( الدينى أو الأيدلوجى أو التاريخى ) .
هذا ( التصحيح ) يعنى
التوقف عن لعن الخارج الإمبريالى المسيحى الكافر المستغل ؛ والبدء فى إدارة الرأس
للاهتمام بمشاكل الداخل وفضح فشل اللاحزب الحاكم على كافة المستويات ؛ بما أدى إلى
هذا التدهور الذى يلمسه كل مواطن على أرض مصر ؟
لن يتحرك الناس لو سوقت لهم
المعارضة أن النظام الحاكم فى مصر عميل لإسرائيل وأمريكا والغرب وعدو لقضايا الأمة
العربية والمقاومة , لأن كل هذه الشعارات لا تصب فى جيب المواطن مليماً واحداً .
وسبق لمن تبنوا قضايا الأمة العربية والمقاومة أن جردوا المواطنين من كل الملاليم
التى كانت فى جيوبهم .
وحتى لو تحرك الناس من أجل
هذه الشعارات – رغم إنه أمر بعيد المنال – فإن ذلك سيأتى بنظام سيشتبك فى حروب
ونزاعات عبثية مع إسرائيل وأمريكا والغرب , وبالتالى يتم استبدال النظام المستبد
بآخر ربما يكون أكثر استبداداً ؛ بالإضافة إلى تحويل مصر إلى دولة ( مارقة ) .
ولنواجه أنفسنا بصراحة :
كيف ينجح المواطن الواحد بمفرده فيما تتخاذل عنه كل تيارات المعارضة المصرية ( حزبية
ولاحزبية ) , أليس فضح الحكومة فى قضية عقد مدينتى ؛ وفضحها فى قضية الحد الأدنى
للأجور ؛ أليست أمثلة صارخة لهذا التخاذل !
مواطن بمفرده مثل المهندس /
حمدى الفخرانى ؛ وعامل بسيط مثل : ناجى
رشاد يتصديان لهذه القضايا الكبرى , بينما أحزاب وحركات سياسية تبذل جهدها ووقتها
وأموالها من أجل فضح عمالة اللاحزب الحاكم لأمريكا وإسرائيل ؛ ولا تلتفت للقضايا
الحيوية التى تهم بالفعل مجموع المواطنين . كيف ؟؟!!
لهذا , ولكى يبدو الطريق
واضحاً , فإن المعارضة المصرية ينبغى أن تعلم بأن ؛ جماعة الإخوان المسلمين
بتوجهاتها الإستراتيجية الحالية ؛ ونظرة قوى المعارضة السلبية لأمريكا والغرب ؛ قد
أصبحتا بمثابة المعوِّق للتطور الديمقراطى فى مصر ؛ والمبرر لفقدان تعاطف الغرب مع
التغيير فى مصر , طالما كان هذا التغيير سيفضى إلى دولة دينية أو دولة مدنية مارقة
.
وبالتالى ؛ ومن منطلق أخلاقى
صرف ؛ يرفض حرمان أى تيار سياسى من المشاركة فى المسيرة الوطنية المصرية , فإننا
نعتز بجماعة الإخوان كفصيل سياسى ؛ ولكن ينبغى للإخوان أن يقدموا إستراتيجية
مكتوبة يتعهدون فيها - أمام الداخل المصرى والخارج العالمى - بأنهم يحترمون الدولة
المدنية الحديثة وينبذون الدولة الدينية ؛ ويتعاملون مع العالم من منطلق عملى
ومصلحى ؛ الدين فيه لله والوطن للجميع .
وإلا ؛ فإنه بغير هذا ؛
سيصبح الإخوان الشوكة التى يستغلها اللاحزب الحاكم لكى يغرسها فى مخاوف الغرب
فيثيرها وتتخدر خطواته لمساندة قوى التغيير .
كما أن باقى تيارات
المعارضة المصرية مطالبة بأن تلتفت للداخل المصرى ؛ وتحرض الجماهير على إتخاذ
الغرب كقدوة فى إيمانه بالديمقراطية وتمكينه للعلم والتكنولجيا , وأن تحرض الناس
على نبذ كراهية إسرائيل , فالعدو الحقيقى لمصر يوجد داخل الحدود وليس خارجها ؛
ويتمثل فى الاستبداد والفساد وغياب الديمقراطية .
ولسنا أفضل من اليابان التى
ضربتها أمريكا بقنبلتين ذريتين نتج عنهما عشرات آلاف الضحايا غير مئات الآلاف من
المصابين والمشوهين ؛ ولكن اليابان أدارت ظهرها لنوازع الكراهية وتحالفت مع عدو
الأمس لكى يصبح صديق اليوم والغد, فانتصرت واستردت كرامتها ونجحت فى بناء دولة
ديمقراطية متقدمة تناطح أمريكا اقتصادياً .
لو فعلنا مثل اليابان ؛
حينئذ ؛ سيصبح الغرب ( صديقـاً ) يمكن الاستناد عليه فى الضغط على النظام ؛ إما
لتعديل مساره ؛ أو تجريده من أية شرعية أمام العالم بما يفتح الطريق لمحاصرته
والضغط عليه .
لكن ؛ بغير كل ذلك ؛ فإن
الدائرة الجهنمية التى تدور بداخلها تيارات المعارضة المصرية من أقصى اليمين إلى
أقصى اليسار ؛ ستظل منغلقة لكى يصول ويجول بداخلها نظام مستبد فاسد تعلـَّم قراءة
التوجهات العالمية وكيفية استثمارها لصالحه , بينما ستظل تيارات المعارضة تتخبط فى
الظلام ؛ وتكتفى بلعن النظام وأمريكا والغرب وإسرائيل ؛ بدلاً من أن توقد شمعة
تبدد ولو جزء من هذه الظلمة الحالكة .
دكتور /
محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق