24 مايو 2014

حشود النعام وعربة الإرهاب التى تجرها خيول التعصب والكراهية

حشود النعام   
وعربة الإرهاب التى تجرها خيول التعصب والكراهية

تاريخ النشر : 8 يناير 2011

بقلم دكتور / محمد محفوظ

( الذى مازال يضحك ؛ لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب )
[ الكاتب المسرحى الألمانى : برتولد برخت ]

بالفعل مازال الكثيرون منا يضحكون , وإنما لا يضحكون بمعنى البهجة أو السعادة؛ كما كان يقصد برتولد برخت . وإنما يضحكون بمعنى أنهم يكذبون على أنفسهم وعلى الآخرين . ونتيجة لإدمانهم الكذب ؛ فإنهم لم يدركوا بعد النبأ الرهيب .
كما لم يدركوا بعد ؛ أن الكلام البائس حول الوطن الواحد والمواطنة ووحدة الهلال مع الصليب ؛ وحول إننا كلنا مصريون ؛ وإن الإرهاب لن يستطيع النيل من نسيج الأمة . لم يدركوا بعد ؛ أن كل هذا التهجيص وكلام المصاطب والمقاهى والغرز ؛ لم يعد مناسباً للمقام . وأن كل هذه الرطرطة والمسيرات والوقفات أمام كاميرات الفضائيات ؛ لم تعد لائقة للتعاطى مع النبأ الرهيب .
وذلك لأنه - وبكل بساطة - لا يمكن لمجتمعات الاستبداد والقهر أن تحكمها مبادئ المواطنة , وإنما تحكمها المبادئ القبلية والمذهبية والطائفية والعائلية , وتحكمها ثقافة التعصب والكراهية .. إلى آخر تلك المبادئ والثقافة التى تجعل من الوطن الواحد كيانات متعددة متناحرة .
فالاستبداد لا يستطيع أن يحكم كياناً واحداً ؛ وإنما يستطيع أن يسيطر فقط على كيانات متنازعة . إنه نفس المبدأ القديم الذى ابتدعه الطغاة في كل زمان ومكان؛ ومارسته القوى الاستعمارية ؛ وتلقفه الاستعمار الوطنى باعتباره أسهل الطرق لبسط السيادة وممارسة الحكم . إنه مبدأ ( فـِّرق تسُد ) .
وفى ضوء حقيقة أن الكذب لا يمكن أن يحل أزمة ؛ بل ربما يساهم في تفاقم الأزمات . إلا أن من يكذب على نفسه فهو وشأنه , ولكن من يكذب على الآخرين أو يدفع الآخرين ليكذبوا على أنفسهم ؛ فإنه بالطبع يقودهم إلى المحرقة بينما أكاذيبه تصوِّر لهم أنها الجنة .
وفى الواقع ؛ فإن الذين يكذبون على أنفسهم أو يدفعون الآخرين لممارسة ذلك - وهم غالبية الشعب المصرى وقطاع غير محدود من المثقفين والناشطين السياسيين - يعلنون بكل ثقة في أحاديثهم الخاصة أو في حواراتهم على الفضائيات ؛ بأن الموساد الإسرائيلى هو المسئول عن حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية . بينما الذين يكذبون على الآخرين يعلنون بكل ثقة بأن هذا الحادث غريب عن طبيعة الشعب المصرى المتسامح الطيب الودود !!!
فأما الذين يكذبون على أنفسهم ؛ فإننا يمكن أن نغفر للغالبية منهم - وهم عامة الناس محدودى الثقافة المقيدين وهم معصوبو الأعين في الساقية الجهنمية اليومية لمواجهة أعباء الحياة وتكاليفها - نغفر لهم لعدم قدرتهم على الإلمام بالتفاصيل التى تتيح لهم القدرة على الإفلات من ثقافة التعصب والكراهية ؛ التى باتت تحكم كل التصورات في المجتمع المصرى لكى توجهها نحو عدو أوحد هو : إسرائيل .
ولكن ؛ كيف يمكن أن نغفر لهذا العدد غير المحدود من المثقفين والناشطين السياسيين ؛ الذين يكذبون على أنفسهم لأنهم لم يستطيعوا رغم وعيهم السياسى ؛ فك الاشتباك ما بين التحليل القائم على الكراهية والتحليل القائم على القراءة الواعية للأحداث .
وكيف يمكن تفسير وقوف عدد غير محدود من مثقفى هذا البلد وناشطيه السياسيين؛ وقوفهم بكل ثقة أمام الفضائيات لكى يتهموا الموساد الإسرائيلى بتدبير أحداث 11 سبتمبر في أمريكا ؛ وباغتيال رفيق الحريرى في لبنان ؛ وتوجيه أسماك القرش في البحر الأحمر ؛ وأخيراً - وليس آخراً - تدبير حادث كنيسة الإسكندرية .
هل هذا النمط من التفسير التآمرى لكل حدث ؛ يمكن أن ينم عن أى ثقافة أو قدرة واعية على تحليل الأحداث وفقاً لسياقها ؛ وما يحيط بها من معلومات وأدلة وقرائن وبراهين . بل وأى خدمة جليلة يمكن أن يقدمها هذا التفسير التآمرى للمسئول الحقيقى عن جريمة كنيسة الإسكندرية ؛ عندما يتم إبعاد أصابع الاتهام عنه . وأى خطيئة دنيئة يمكن أن تترتب على هذا التفسير التآمرى عندما يتم تعمية الناس البسطاء عن عدوهم الحقيقى ؛ فيفقدوا حذرهم لأن وعيهم أصبح مخدراً بعدو وهمى .
إن ذلك التفسير التآمرى للأحداث القائم على ثقافة التعصب والكراهية ؛ هو الذى أعطى الشرعية للمقاومة العراقية المزعومة ؛ التى تقف في أغلبها إما في خندق رجال الطاغية صدام حسين ؛ أو خندق رجال المخابرات الإيرانية والسورية ؛ أو خندق رجال تنظيم القاعدة في العراق . وبالتالى مات عشرات الآلاف من العراقيين في الأسواق والمحلات والشوارع وأمام أقسام الشرطة ومعسكرات التجنيد , لأن التفسير التآمرى كان يُبرِّئ دائماً الفاعل الأصلى ؛ وينسب تلك الجرائم إما للموساد أو الـمخابرات الأمريكية .
ولكن المفارقة الدامية الناتجة عن كل ذلك ؛ هو أن التهديد بتفجير الكنائس في مصر ؛ جاء من تنظيم دولة العراق الإسلامية ( الإرهابى ) التابع لتنظيم القاعدة . وهو أحد فصائل المقاومة العراقية التى طالما دعمها هؤلاء – أنصار التفسير التآمرى - ووصفوها بالمقاومة الشريفة . الأمر الذى يجعل دماء كل الأبرياء - الذين سالت دماءهم أمام كنيسة القديسين – معلقة في رقبة هؤلاء المغرمين بالتفسير التآمرى للأحداث القائم على ثقافة التعصب والكراهية ؛ والذى يصل دائماً لنتيجة سهلة ومضمونة مفادها : أن الموساد الإسرائيلى هو الوكيل الوحيد لكل الأحداث الدامية في المنطقة العربية .
و لعل الأمر الذى يثير الدهشة ؛ إنه إذا تم توجيه السؤال - لأولئك المغرمين بالتفسير التآمرى - عن الأدلة المادية التى تمكنوا بموجبها من إدانة الموساد الإسرائيلى . فإن الإجابة تكون دائماً - بكل ثقة - بأن الموساد لا يترك وراءه أية أدلة !!!! وذلك رغم أن واقع الأحداث يثبت بأن الموساد مجرد جهاز مخابرات بشري ؛ لا بد له من أن يترك أدلة وشواهد تشير إليه -  بحكم الواقع والمنطق - في أية عملية يقوم بها , لأن من يقوم بعملياته هم بشر وليس مجموعة من الأشباح . ولعل ما يؤكد صحة ذلك ؛ قائمة الأدلة التى ليس لها حصر التى تم العثور عليها في عملية اغتيال القيادى في حركة حماس ( محمود المبحوح ) في دبى . فلقد تم تصوير عملاء الموساد – أثناء تنفيذهم لأغلب مراحل العملية – ونشر صورهم على كل فضائيات العالم . أيضاً ما يؤكد ذلك هو عملية القبض الأخيرة على الجاسوس المصرى التابع للموساد ( طارق عبد الرازق ) , وغيره من جواسيس إسرائيل الذين تم ضبطهم في السنوات السابقة . مما يوضح بأن الموساد يترك دائماً وراءه أدلة تقود إليه ؛ مثل أية منظمة بشرية في العالم .
فكيف إذن ؛ يمكن لمثقف أو ناشط سياسى أن يُسلـِّم رأسه وعقله لثقافة التعصب والكراهية ؛ بحيث يصبح في نفس موضع الجالسين على المقاهى والمصاطب , وبالتالى لا يصل إلا إلى نتائج دخانية تشبه الدخان الأزرق المتصاعد من الغرز وأوكار الكيف والمزاج .
وياليت هذه النتائج الدخانية لا تجاوز أصداءها الكلامية . ولكنها - في الواقع -تتطاول لتمثل الشرعية الواقعية التى يستمد منها الإرهاب القدرة على التحرك والبقاء على قيد الحياة . فكل عمل إنسانى على وجه الأرض يحتاج إلى شرعية - ولو حتى مزيفة - لكى يتكأ عليها لتبرير وجوده . ومثل هذا التفسير التآمرى للأحداث الصادر عن طبقة عريضة من المثقفين ؛ يمثل الشرعية التى تسبغ على بعض التنظيمات الإرهابية ثوب البطولة وهالات المقاومة والجهاد ؛ وتبرئهم دائماً من دماء المسلمين التى تسيل من بين أيديهم بأيديهم .
أما على الجانب الآخر من الصورة الهزلية , فإن هناك الطبقة الأخرى من المثقفين والناشطين السياسيين الذين يكذبون على الآخرين عندما يعلنون عقب كل الأحداث الدموية ؛ بأن هذه الأعمال غريبة عن المجتمع المصرى بسامحته ووسطيته . وبالتالى يرسمون صورة وردية كاذبة لمجتمع تمكنت منه ثقافة التعصب والكراهية؛ لوقوعه بين فكَّي نظام حاكم مستبد فاسد يمارس سياسة فرق تسد ؛ لكى يتمكن من تمرير كل سياساته الفاشلة دون معارضة تـُذكر ؛ طالما تم تفكيك المجتمع إلى بؤر متنازعة ومتناحرة ومتصادمة وفقاً للانتماءات المذهبية أو الدينية أو القبلية أو الطائفية .. إلى آخر تلك الانتماءات التى تجعل من أى مجتمع مجرد ثوب مهلهل تمرح فيه حشرات التعصب والكراهية .
ألم يدرك هؤلاء المروجون لتسامح المجتمع ووسطيته ؛ الكم الكبير من القضايا المريرة المعلقة ذات البعد الطائفى ؛ التى تمثل الوقود سريع الاشتعال لتغذية ثقافة التعصب والكراهية بين أفراد ذلك المجتمع .
ألم يقرأ هؤلاء نص البيان الذى هدد فيه تنظيم دولة العراق الإسلامية ( الإرهابى ) باستهداف الكنائس في مصر ؛ وقال فيه بالنص :
( وإنّ المجاهدين في دولة العراق الإسلاميّة يُمهلون كنيسة مصر النّصرانيّة المُحاربة ورأس الكفر فيها ثمانياً وأربعينَ ساعة، لتبيان حالِ أخواتنا في الدّين، المأسورات في سُجون أديرة الكفر وكنائس الشّرك في مِصر، وإطلاقِ سراحهنّ جميعهنّ، والإعلان عن ذلك عبر وسيلة إعلاميّة تصلُ إلى المجاهدين في فترة الإمهال ) .
ألم يدرك هؤلاء أن المقصود بعبارة ( أخواتنا في الدّين، المأسورات في سُجون أديرة الكفر وكنائس الشّرك في مِصر، وإطلاقِ سراحهنّ جميعهنّ ) ؛ المقصود بها الإشارة إلى كل من : وفاء قسطنطين وكاميليا شحاته ومارى عبدالله وغيرهن , ممن أثير أمر إعلانهم لإسلامهم رغم كونهم زوجات لقساوسة , ثم أثير بعد ذلك أمر عودتهم للديانة المسيحية بضغط من الكنيسة واحتجازهم داخل بعض الكنائس والأديرة . ورغم مطالبة العديد من المذيعين المشاهير على الفضائيات فى حوارات وجهاً لوجه مع البابا شنودة - مثل عمرو أديب ومنى الشاذلى ولميس الحديدى - مطالبتهم للبابا بظهور هؤلاء النسوة على الفضائيات لكى يعلنوا وجه الحقيقة فى أمر إسلامهم أو مسيحيتهم , إلا أن البابا شنودة كان لا يجيب على الأمر بطريقة مباشرة . وبالتالى ظل الأمر معلقاً لكى تستثمره قوى التطرف من خلال أعلامها البارزين - أمثال الدكتور محمد سليم العوا والدكتور محمد عمارة والدكتور زغلول النجار والاستاذ فهمى هويدى - الذين استثمروا عجز الدولة أو خبثها أو إهمالها فى مواجهة ذلك الملف القابل للانفجار ؛ لكى يصبوا عليه البنزين . ولكن عندما حدث الانفجار ؛ فإن كل هؤلاء الأعلام البارزين سارعوا لإتهام الموساد بتدبيره !!! 
فأى تسامح ووسطية يعلن عنها هؤلاء الذين أدمنوا الكذب على الناس , بينما يتجاهلوا كافة القضايا الشائكة والمعلقة ؛ تلك القضايا التى تجعل الأقباط يشعرون بأنهم أقلية مغلوبة على أمرها فى مصر ؛ رغم أنهم كانوا فى يوم ما - قبل الفتح الإسلامى - هم الأغلبية . كما تجعل المسلمين يشعرون بأن الأقباط باتوا يستقوون بالخارج ؛ وأن البابا شنودة أصبح هو ممثلهم السياسى للضغط على الحكومة فى الكثير من القضايا , تلك الحكومة التى تمارس العجز أو الخبث أو التجاهل فى تلك القضايا الشائكة باختيارها وبإرادتها ؛ لأنها تريد لذلك المجتمع أن ينقسم فى مواجهتها ؛ فتفوز هى بتحويلها المجتمع لجزر منعزلة متقاتلة ومتصارعة .
وبالتالى ؛ يتم تحويل المجتمع المنقسم إلى مجرد حشود من النعام ؛ تدفن رأسها في الرمال بينما مؤخرتها مكشوفة في الهواء ؛ لكى يعبث بها كل من يشاء وكل من في قلبه مرض .
حشود من النعام تصطف فى تلك المسيرات الهزلية والوقفات الكرتونية ؛ لترفع اللافتات الكاذبة التى تتجاهل الواقع الصارخ ؛ وتنعق وتصرخ بشعارات النفاق الرخيص , واستمراء الكذب على الجماهير المخدوعة المقهورة .
لذلك ؛ على الناس ألا يصدقوا كل هؤلاء الذين يكذبون على أنفسهم أو يكذبون على الآخرين , لأن الحقيقة الموجعة تقرر بأن الإرهاب له عصاته التى يتوكأ عليها , وهذه العصا صناعة محلية اسمها : الاستبداد . فالاستبداد هو الأب غير الشرعى للإرهاب .
وعلى الناس ألا يصدقوا كل هؤلاء الذين يكذبون على أنفسهم أو يكذبون على الآخرين , لأن الحقيقة الموجعة تقرر بأننا  لم نعد شعب واحد أو نسيج واحد أو أمة واحدة . فلو كنا شعب واحد أو نسيج واحد أو أمة واحدة ؛ ما استطاع نظام مبارك أن يحكمنا لمدة 30 سنة . ولو كنا شعب واحد أو نسيج واحد أو امة واحدة ؛ ما استطاع نظام مبارك أن يحكمنا لمدة 30 دقيقة إضافية بعد نهاية فترته الأولى .
لقد أصبحنا - وبكل الأسف - مذاهب وطوائف وقبائل وعائلات . لقد أصبحت تجمعنا العلاقات والارتباطات المهنية أو العائلية أو القبلية أو الطائفية ؛ أكثر مما تجمعنا رابطة المواطنة . لقد تقطعت مصر إلى عوشرميت حتة .. :
- أهل الصعيد الفقير إلى التنمية , فى مواجهة أهل بحرى .
- أهل كل محافظات مصر الفقيرة إلى التنمية , فى مواجهة أهل العاصمة التى تلتهم الجانب الأكبر من مخصصات التنمية .
- أهل سيناء ( القديمة ) الفقيرة إلى التنمية , فى مواجهة أهل سيناء القرى السياحية والمنتجعات التى تستحوذ على كل شئ .
- أهل العشوائيات فى كل محافظات مصر , فى مواجهة سكان الكومباوندز والمدن المسورة ومدن الفيلات والقصور والبحيرات الصناعية وأراضى الجولف .
لقد تقطعت مصر إلى عوشوميت حتة . ولكن ؛ لماذا حدث فينا ذلك ؟؟
حدث فينا ذلك , لأن الاستبداد يزرع فى المجتمع البذور الفاسدة للكراهية والتعصب فيتسمم وعى الناس , ويصبح انتماءهم محصور داخل دوائر ضيقة متداخلة من الكراهية والتعصب .
لقد زرع الله فى نفوسنا غريزة التعصب وغريزة الكراهية . لكنه سبحانه زرع فينا غريزة التعصب لكى نتعصب للحق , وزرع فينا غريزة الكراهية لكى نكره الباطل . ولكن حكم الاستبداد يزرع فينا البذور السامة التى تجعلنا نتعصب للباطل ونكره الحق .
لقد نجح حكم الاستبداد الذى يمثله نظام مبارك , فى أن يحبس المجتمع المصرى داخل دوائر وحلقات متداخلة من التعصب والكراهية .
تبدأ الدوائر ضيقة : المحامون فى مواجهة القضاة , أطباء العلاج الطبيعى فى مواجهة باقى الأطباء , الموظفون بالضرائب العقارية فى مواجهة باقى الموظفين بالضرائب .. وهكذا .
ثم تتسع الدوائر ؛ تتسع لتصبح السنة فى مواجهة الشيعة , المسلمون فى مواجهة المسيحيين أو البهائيين أو اليهود , الرجال ضد النساء , الأجيال القديمة ضد الأجيال الجديدة ( صراع الأجيال ) .
ثم تتسع الدوائر ؛ تتسع لتصبح المصريون مسلمون ومسيحيون فى مواجهة اليهود , المصريون فى مواجهة الجزائريين أو شعوب دول حوض النيل .
ثم تتسع الدوائر لتصبح العرب فى مواجهة إسرائيل , العرب فى مواجهة أمريكا , العرب فى مواجهة الغرب .
ثم تتسع الدوائر لتصبح الإسلام فى مواجهة الغرب المسيحى .
دوائر متتابعة من التعصب والكراهية ؛ تجعلنا نستنفذ المخزون الإيجابي لدينا من الكراهية والتعصب ضد أعداء وهميين , وبالتالى ننشغل عن العدو الحقيقى .
فعدونا الحقيقى ؛ ليس هو ( المختلف عنا أو المختلف معنا ) داخل الحدود , سواء كان الشيعى أو المسيحى أو اليهودى أو حتى الملحد .
كما أن عدونا الحقيقى ليس هو ( المختلف عنا أو المختلف معنا ) خارج الحدود , فعدونا الحقيقى ليس هو القابع على الحدود الشرقية أو خلف البحر المتوسط أو خلف المحيط الأطلنطى ؛ فعدونا ليس إسرائيل أو أوربا أو أمريكا .
عدونا لا يوجد خارج الحدود , وانما عدونا الحقيقى يوجد داخل الحدود , عدونا الحقيقى هو الاستبداد والفساد .
عدونا الحقيقى هو نظام مبارك , نظام الفساد والاستبداد . هذا هو عدونا الحقيقى .. الذى هو الأب غير الشرعى الوحيد للإرهاب .
فمن مصلحة أى نظام حكم مستبد أن يبث الفرقة بين جموع شعبه , لكى يتحول المجتمع إلى دوائر متنازعة بسبب الجنس أو العقيدة أو المذهب أو الطائفة ؛ إلى آخر تلك النزاعات التى تدمر أى مجتمع ؛ فيتحول إلى جزر منعزلة ومتصارعة ومتفرقة .
وبالتالى ؛ يتمكن نظام الاستبداد من الاستمرار فى الجلوس لأكبر وقت على كرسى السلطة ؛ لأنه لن يكون هناك أحد ينازعه . طالما أن الشعب الذى كان يمكن أن ينازعه , تم تفكيكه إلى دوائر منشغلة بالنزاعات الداخلية .
لذلك ؛ على الناس ألا يصدقوا أعوان السلطة عندما يقولوا بأن هذه هى اللحظة المناسبة للوقوف خلف رئيسنا وحكومتنا لمواجهة عدونا المشترك وهو الإرهاب . لأن نظام مبارك باستبداده وفساده هو السبب الأول فى الإرهاب , وهو المستفيد الأول من الإرهاب , لأنه هو الذى قام بتفتيت المجتمع وتحويله إلى جزر منعزلة ومتصارعة .
وعلى الناس ألا يصدقوا كل هؤلاء الذين يكذبون على أنفسهم أو يكذبون على الآخرين ؛ ويرفعون شعار : يحيا الهلال مع الصليب . لأن نظام مبارك قام بتحويل الهلال إلى دائرة ضيقة تخنق الصليب , وقام بتحويل الصليب إلى أربعة أطراف مسننة تجرح الهلال . وبالتالى .. خلق المناخ الذى يسمح للإرهاب باستثمار التوتر بين الهلال والصليب .
لن يمكن للهلال أن يحيا حقاً مع الصليب ؛ إلا فى ظل نظام حكم ديمقراطى . لقد اتحد الهلال مع الصليب فى مصر الليبرالية , مصر مصطفى كامل وسعد زغلول و مصطفى النحاس ومكرم عبيد .
لذلك ؛ على الناس ألا يصدقوا كل ما يُقال لهم . لأنه طالما استمر نظام مبارك , لن يمكن للهلال أن يحيا مع الصليب . ولن يمكن لنا جميعاً كمصريين أن نحلم بعالم سعيد . لأنه كما قال الشاعر أمل دنقل : ( لا تحلموا بعالم سعيد .. فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد ) .
لذلك ؛ ينبغى على المصريين أن لا ينتظروا موت القيصر , بل عليهم أن يجبروه على عدم الاستمرار فى مكانه , أو يجبروه على تصحيح مساره والاعتراف بالتداول السلمى للسلطة . وإلا سنجد أنفسنا كل يوم نخرج من عزاء لندخل الآخر .
ولنتذكر معاً ؛ ضحايا العبارة ؛ وضحايا قطار الصعيد ؛ وضحايا سفن الموت من الشباب ؛ وضحايا عشرات آلاف الحوادث على الطرق التى تحكمها الفوضى والإهمال ؛ وضحايا مئات المساكن والمبانى التى تسقط كل عام على رؤوس سكانها أو العاملين بها . فكل هؤلاء الضحايا لم يقتلهم الموساد أو الإرهاب ؛ وإنما الذى قتلهم هو الاستبداد الجالس على مقعد الفساد .
لذلك ؛ على الناس ألا يصدقوا كل هؤلاء الذين يكذبون على أنفسهم أو يكذبون على الآخرين , حتى يستطيعوا أن يضعوا أيديهم على سبب الداء الذى هو : الاستبداد , ويستطيعوا أن يضعوا أيديهم على الدواء الذى هو : الديمقراطية .
على الناس ألا يصدقوا كل هؤلاء الذين يكذبون على أنفسهم أو يكذبون على الآخرين , لأن هناك الكثير والكثير من النوايا الطيبة التى تقف خلف الشعارات والهتافات واللافتات , ولكن للأسف فإنه فى بعض الأحيان يكون الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الطيبة .
وبالتالى ؛ إذا كنا حقاً نبحث عن وطن واحد ضاع منا , فإن سبيلنا الوحيد إلى ذلك هو : الديمقراطية .
أما إذا ظللنا نصدق أن الإرهاب بمفرده هو الذى قتل الأبرياء أمام كنيسة القديسين, فسوف نخرج من عزاء لندخل الآخر , طالما ظل يحكمنا نظام الاستبداد الجالس على مقاعد الفساد .
وسوف نشاهد – دائماً - حشود النعام وهى تقف على جانبى الطريق تدفن رؤوسها فى الرمال ومؤخرتها مكشوفة فى الهواء ؛ بينما تمر أمامها عربة الإرهاب التى تجرها خيول التعصب والكراهية .

بسم الله الرحمن الرحيم
( إن فرعون علا  في الأرض وجعل أهلها شيعا .. )  [ سورة القصص – 4 ] .
صدق الله العظيم

دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

ملحوظة :
فيما يلى بيان ببعض المواقع على شبكة الانترنت ؛ توضح كيف يتم تجاهل بعض القضايا المتفجرة بما يؤدى الى استغلالها من جانب التيارات المتطرفة لإذكاء نار الفتنة .

1- حديث البابا شنودة عن وفاء قسطنطين مع لميس الحديدى

2- حديث البابا شنودة مع عمرو أديب

3- حديث الدكتور محمد سليم العوا عن وفاء قسطنطين ومارى عبدالله

4- جريدة المصرى اليوم تتحدث عن اعتكاف البابا شنودة للإفراج عن الشبان المحبوسين في أحداث العمرانية

5- صحيفة الدعوى التى خسرها الشيخ يوسف البدرى أمام القضاء ؛ بشأن موضوع وفاء قسطنطين ؛ ونص حكم المحكمة

6- كمال زاخر منسق جبهة العلمانيين الأقباط ؛ يطالب النائب العام بالتحقيق في ملابسات حادثي زوجتي كاهن دير مواس وأبو المطامير وإحالة المسئولين عن تهديد أمن الوطن لمحاكمة عاجلة

7- الكنيسة والدولة في مصر

8- جريدة الدستور : قائمة تضم الدولة والكنيسة والأزهر والأقباط الغاضبين والمسلمين السعداء

9- تقرير البى بى سى العربية عن كاميليا شحاتة

10- برنامج وراء الخبر بقناة الجزيرة عن كاميليا شحاتة


******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق