مفاتيح الأمس وأبواب المستقبل
(
الفريضة الثورية الغائبة )
تاريخ النشر : 23 فبراير 2011
( المواكب الحديثة لا تحتاج لقارعى الطبول القدامى )
[ قول مأثور ]
الأشخاص والأفكار ؛ إنها
الثنائية التى يمكن أن تقيدنا بالماضى أو تجذبنا نحو المستقبل .
فالوجوه القديمة التى
ارتبطت بنظام الفساد والاستبداد ؛ لا يمكن أن تكون عنواناً لعهد جديد .
والأفكار المستهلكة البالية
؛ لا ينبغى أن تصبح واجهة لمستقبل مأمول .
وربما تكون المفاجأة التى
تحملها أى ثورة - لأن الثورة دائماً تأتى من رحم الغيب - تفرض حالة من الذهول
والإرباك التى تجعل الأحداث دائماً تسبق محركيها أو مراقبيها ؛ فيتم تفسيرها بعقول
قديمة تلبس وجوهها الأقدم وتطرح أفكارها المحنطة .
ولعل المتابع لوسائل
الإعلام المصرية ؛ سيعتقد لوهلة أنه يتابع برامج قديمة يتم إعادة عرضها ؛ أو
مواضيع يتم إعادة نشرها . فذات الوجوه المملة هى الظاهرة على الساحة ؛ ونفس
الأفكار الضحلة هى المطروحة على الملأ ؛ وكأنه لا ثورة ولا يحزنون ؛ وإنما كانت
مجرد مسيرات ومواكب فى الشوارع ضمن مهرجان فاجأ الجميع .
تغيير الأشخاص إذن فريضة
ثورية مازالت غائبة ؛ تقتضى انسحاب كافة الوجوه القديمة إلى الظل. وبالتالى ؛ لا
يمكن – مثلاً - قبول استمرار الترويج لعمرو موسى لمجرد كراهيته لإسرائيل ؛ رغم أنه
أحد رجال النظام القديم ؛ ووزير خارجيته لمدة 10 سنوات شاهد خلالها تزوير
الانتخابات وممارسات الفساد ؛ ولم يفتح فمه أو يقدم استقالته ؛ فكافأه النظام على
إخلاصه بترشيحه لمنصب أمين جامعة الدول العربية .
وما ينطبق على عمرو موسى
ينطبق بالقياس على غيره ؛ مثل أحمد جويلى أو أحمد شفيق أو أى عضو بالمجلس الأعلى
للقوات المسلحة ؛ فكلهم شهود إن لم يكونوا شركاء على فساد النظام واستبداده ؛
ولكنهم لاذوا بالصمت الرهيب .
أيضاً ؛ فإن الترويج لأشخاص
لمجرد نبوغهم العلمى أو الثقافى أو سموهم الاخلاقى ؛ هو أمر لا يضع الشخص المناسب
فى المكان المناسب . لأن العمل السياسى له أهله ؛ ولا يمكن لرجل نابغ فى مجال البحث
العلمى مثل العالم الكبير أحمد زويل ؛ أن يتولى منصباً سياسياً حتى لو كان وزيراً
للبحث العلمى ؛ فتصميم السياسات شئ وتنفيذها شئ آخر ؛ وبينما يمكن لأحمد زويل أن
يصمم سياسات رشيدة للنهوض بالتعليم والبحث العلمى ؛ إلا أنه ليس بالضرورة مؤهلاً
لتنفيذها ؛ لأن التنفيذ هو مسئولية رجال السياسة وليس العلماء أو الأكاديميين .
وهكذا ؛ يمكن القياس على
أسماء كثيرة تم طرحها لنبوغها العلمى أو سموها الاخلاقى ؛ ولكنها غير مؤهلة للعمل
السياسى .
ولعل النظام السياسى الناجح
؛ هو الذى لا يعتمد على الاعتبارات الشخصية ؛ وإنما يتأسس على الاعتبارات
الموضوعية التى تنشئ نظاماً منضبطاً يظل صامداً ؛ حتى لو جلس على رأس السلطة ( إبليس
) ذاته .
وفى المقابل ؛ فإن تجديد
الأفكار - إن لم نقل تغييرها - يصبح فريضة ثورية واجبة ؛ تقتضيها طبيعة الثورة
التى تفصل بين نظامين وعهدين ومنهجين .
وبالتالى ؛ ينبغى تقليب
تربتنا الفكرية التى تعطنت نتيجة غياب شمس الحرية ؛ فأفسدت وعى الناس وقدرتهم على
الإدراك السليم ؛ فصاروا يستخدمون قلوبهم بدلاً من عقولهم وتسبق مشاعرهم أفكارهم .
لهذا ؛ علينا إعادة النظر
فى الكثير من المسلمات الفكرية التى مازال يتشدق بها الكثيرون منا؛ باعتبارها هى
الحصن الآمن لانجاز نهضتنا الوطنية ؛ رغم أنها هى السبب الرئيسى فى كبوتنا
التاريخية والمعاصرة .
علينا أن نواجه أنفسنا
بصراحة موجعة ؛ ونسأل أنفسنا الأسئلة المصيرية الآتية :
- هل من المصلحة الوطنية
التمسك بما يسمى القومية العربية أو الوحدة العربية أو جامعة الدول العربية ؟
- كيف سنبنى نظامنا
الديمقراطى ؛ لو كان معظم حلفاءنا العرب أعداءً للديمقراطية ؛ وجامعتنا هى جامعة
للدول الاستبدادية ؟
- كيف يمكن للشريف أن يكون
معظم أصدقاءه من اللصوص ؟!!
- هل من الصواب استمرار ترديد
نفس النغمة الاستعلائية ؛ بأن مصر هى زعيمة وقائدة الأمة العربية والإسلامية ؛ أو
أن مصر - ما بعد الثورة - ستتبوأ مكانها الطبيعى لتصبح قوة عظمى ؟
- أليس القليل من التواضع هو فضيلة ثورية ؛ ينبغى الاتكاء عليها
لتمرين العقل على التفكير بموضوعية تنطلق من الواقع القائم ولا تقفز عليه ؟
- أليس الهدف المنطقى هو
بناء سياسات تضمن الحياة الكريمة للمواطن المصرى ؛ وتوفر له القدرة على الإبداع
والابتكار ؛ ومن ثم تصبح النتيجة الطبيعية هى تحقيق التفوق العالمى بقوة الأمر
الواقع ؛ وليس بقوة الرغبة المريضة فى التسيد على المنطقة أو العالم ؟
- متى سننتهى من عقدة
الكراهية المزمنة تجاه دولة مجاورة اسمها إسرائيل ؛ يتم تداول السلطة بين أحزابها
سلمياً ؛ ويخضع نظام الحكم فيها لمعايير الديمقراطية البرلمانية ؟
- هل المصلحة الفلسطينية
جزء من حسابات صانع القرار المصرى فى مجال السياسة الداخلية الاقتصادية
والاجتماعية ؟
- هل نرهن مستقبلنا - قبل
حاضرنا - بنزاع عربى إسرائيلى مزمن ؛ أصبح يتم تسميته عالمياً بـ ( ماراثون الفرص
الضائعة ) ؟
- هل من المصلحة التغاضى عن
مسئولية الأطراف العربية فى تعطيل عملية السلام ؛ وتحميلها كلها لإسرائيل والغرب
والولايات المتحدة الأمريكية ؟
- هل من المنطقى التمسك
بصيغ تفاوضية انتهت صلاحياتها للاستهلاك السياسى ؛ كعودة اللاجئين ورفض الدولة
اليهودية .. و .. و .. ؟
- هل يمكن بناء نظام
ديمقراطى دون التخلى عن ثقافة التعصب والكراهية التى أصبحت متغلغلة فى ثنايا
تكويننا العقلى ؟
- هل يمكن بناء سياسة رشيدة
ومجتمع متحضر انطلاقاً من نوازع الكراهية والغل الأسود ؛ أم تأسيساً على نوازع
التسامح والرغبة الصادقة فى السلام والتعاون بين الشعوب قبل الدول ؟
- هل من الأفضل أن ننتمى
للإنسانية بأفقها الواسع ؛ أم ننحصر فقط داخل أطر إقليمية أو قومية أو دينية (
أفريقية عروبية إسلامية ) ضيقة ؟
- هل ؛ وكيف ؛ ومتى ؛ ومن ؛
وأين ؛ وماذا ؛ ولماذا ... ؟
أسئلة كلها مشروعة ؛ بل
وواجبة كفريضة ثورية لا ينبغى أن تظل غائبة ومطمورة .
... صياغة المستقبل - إذن -
تبدأ دائماً بخطوات قد تكون بطيئة ؛ ولكنها ينبغى أن تكون جريئة فى إدارة ظهرها
للماضى المظلم ؛ ومخاصمة مناهجه ورموزه وكياناته . وبغير ذلك يصبح المستقبل مجرد
أحلام يقظة ؛ بينما يظل الماضى قيد يربطنا داخل حجرات نومنا وعلى سرائرنا ؛ لنجتر
أحقادنا ؛ ونفلسف قلة حيلتـنا ؛ ونبرر فشلنا ؛ ونتـنكر لمسئوليتـنا .
... الأشخاص والأفكار ؛ تلك
الثنائية التى يمكن أن تقيدنا بالماضى أو تجذبنا نحو المستقبل ؛ ربما تكون هى
التحدى الفارق الذى يواجه ما بعد الثورة . فلقد لبثنا زمناً يحكمنا أسوأ من فينا ,
وربما حان الوقت لكى يحكمنا ؛ أكثر ( أشخاصنا ) واقعـية ؛ وأكثر ( أفكارنا )
عمليَّة .
وذلك لأنه وبكل بساطة :
مفاتيح الأمس ؛ لا يمكن لها أبداً ؛ أن تفتح أبواب المستقبل .
دكتور/ محمد محفوظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق