24 مايو 2014

مفاتيح الأمس وأبواب المستقبل .. الفريضة الثورية الغائبة

مفاتيح الأمس وأبواب المستقبل
( الفريضة الثورية الغائبة )

تاريخ النشر : 23 فبراير 2011

( المواكب الحديثة لا تحتاج لقارعى الطبول القدامى )
[ قول مأثور ]

الأشخاص والأفكار ؛ إنها الثنائية التى يمكن أن تقيدنا بالماضى أو تجذبنا نحو المستقبل .
فالوجوه القديمة التى ارتبطت بنظام الفساد والاستبداد ؛ لا يمكن أن تكون عنواناً لعهد جديد .
والأفكار المستهلكة البالية ؛ لا ينبغى أن تصبح واجهة لمستقبل مأمول .
وربما تكون المفاجأة التى تحملها أى ثورة - لأن الثورة دائماً تأتى من رحم الغيب - تفرض حالة من الذهول والإرباك التى تجعل الأحداث دائماً تسبق محركيها أو مراقبيها ؛ فيتم تفسيرها بعقول قديمة تلبس وجوهها الأقدم وتطرح أفكارها المحنطة .
ولعل المتابع لوسائل الإعلام المصرية ؛ سيعتقد لوهلة أنه يتابع برامج قديمة يتم إعادة عرضها ؛ أو مواضيع يتم إعادة نشرها . فذات الوجوه المملة هى الظاهرة على الساحة ؛ ونفس الأفكار الضحلة هى المطروحة على الملأ ؛ وكأنه لا ثورة ولا يحزنون ؛ وإنما كانت مجرد مسيرات ومواكب فى الشوارع ضمن مهرجان فاجأ الجميع .
تغيير الأشخاص إذن فريضة ثورية مازالت غائبة ؛ تقتضى انسحاب كافة الوجوه القديمة إلى الظل. وبالتالى ؛ لا يمكن – مثلاً - قبول استمرار الترويج لعمرو موسى لمجرد كراهيته لإسرائيل ؛ رغم أنه أحد رجال النظام القديم ؛ ووزير خارجيته لمدة 10 سنوات شاهد خلالها تزوير الانتخابات وممارسات الفساد ؛ ولم يفتح فمه أو يقدم استقالته ؛ فكافأه النظام على إخلاصه بترشيحه لمنصب أمين جامعة الدول العربية .
وما ينطبق على عمرو موسى ينطبق بالقياس على غيره ؛ مثل أحمد جويلى أو أحمد شفيق أو أى عضو بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ فكلهم شهود إن لم يكونوا شركاء على فساد النظام واستبداده ؛ ولكنهم لاذوا بالصمت الرهيب .
أيضاً ؛ فإن الترويج لأشخاص لمجرد نبوغهم العلمى أو الثقافى أو سموهم الاخلاقى ؛ هو أمر لا يضع الشخص المناسب فى المكان المناسب . لأن العمل السياسى له أهله ؛ ولا يمكن لرجل نابغ فى مجال البحث العلمى مثل العالم الكبير أحمد زويل ؛ أن يتولى منصباً سياسياً حتى لو كان وزيراً للبحث العلمى ؛ فتصميم السياسات شئ وتنفيذها شئ آخر ؛ وبينما يمكن لأحمد زويل أن يصمم سياسات رشيدة للنهوض بالتعليم والبحث العلمى ؛ إلا أنه ليس بالضرورة مؤهلاً لتنفيذها ؛ لأن التنفيذ هو مسئولية رجال السياسة وليس العلماء أو الأكاديميين .
وهكذا ؛ يمكن القياس على أسماء كثيرة تم طرحها لنبوغها العلمى أو سموها الاخلاقى ؛ ولكنها غير مؤهلة للعمل السياسى .
ولعل النظام السياسى الناجح ؛ هو الذى لا يعتمد على الاعتبارات الشخصية ؛ وإنما يتأسس على الاعتبارات الموضوعية التى تنشئ نظاماً منضبطاً يظل صامداً ؛ حتى لو جلس على رأس السلطة ( إبليس ) ذاته .
وفى المقابل ؛ فإن تجديد الأفكار - إن لم نقل تغييرها - يصبح فريضة ثورية واجبة ؛ تقتضيها طبيعة الثورة التى تفصل بين نظامين وعهدين ومنهجين .
وبالتالى ؛ ينبغى تقليب تربتنا الفكرية التى تعطنت نتيجة غياب شمس الحرية ؛ فأفسدت وعى الناس وقدرتهم على الإدراك السليم ؛ فصاروا يستخدمون قلوبهم بدلاً من عقولهم وتسبق مشاعرهم أفكارهم .
لهذا ؛ علينا إعادة النظر فى الكثير من المسلمات الفكرية التى مازال يتشدق بها الكثيرون منا؛ باعتبارها هى الحصن الآمن لانجاز نهضتنا الوطنية ؛ رغم أنها هى السبب الرئيسى فى كبوتنا التاريخية والمعاصرة .
علينا أن نواجه أنفسنا بصراحة موجعة ؛ ونسأل أنفسنا الأسئلة المصيرية الآتية :
- هل من المصلحة الوطنية التمسك بما يسمى القومية العربية أو الوحدة العربية أو جامعة الدول العربية ؟
- كيف سنبنى نظامنا الديمقراطى ؛ لو كان معظم حلفاءنا العرب أعداءً للديمقراطية ؛ وجامعتنا هى جامعة للدول الاستبدادية ؟
- كيف يمكن للشريف أن يكون معظم أصدقاءه من اللصوص ؟!!
- هل من الصواب استمرار ترديد نفس النغمة الاستعلائية ؛ بأن مصر هى زعيمة وقائدة الأمة العربية والإسلامية ؛ أو أن مصر - ما بعد الثورة - ستتبوأ مكانها الطبيعى لتصبح قوة عظمى ؟
- أليس القليل من التواضع هو فضيلة ثورية ؛ ينبغى الاتكاء عليها لتمرين العقل على التفكير بموضوعية تنطلق من الواقع القائم ولا تقفز عليه ؟
- أليس الهدف المنطقى هو بناء سياسات تضمن الحياة الكريمة للمواطن المصرى ؛ وتوفر له القدرة على الإبداع والابتكار ؛ ومن ثم تصبح النتيجة الطبيعية هى تحقيق التفوق العالمى بقوة الأمر الواقع ؛ وليس بقوة الرغبة المريضة فى التسيد على المنطقة أو العالم ؟
- متى سننتهى من عقدة الكراهية المزمنة تجاه دولة مجاورة اسمها إسرائيل ؛ يتم تداول السلطة بين أحزابها سلمياً ؛ ويخضع نظام الحكم فيها لمعايير الديمقراطية البرلمانية ؟
- هل المصلحة الفلسطينية جزء من حسابات صانع القرار المصرى فى مجال السياسة الداخلية الاقتصادية والاجتماعية ؟
- هل نرهن مستقبلنا - قبل حاضرنا - بنزاع عربى إسرائيلى مزمن ؛ أصبح يتم تسميته عالمياً بـ ( ماراثون الفرص الضائعة ) ؟
- هل من المصلحة التغاضى عن مسئولية الأطراف العربية فى تعطيل عملية السلام ؛ وتحميلها كلها لإسرائيل والغرب والولايات المتحدة الأمريكية ؟
- هل من المنطقى التمسك بصيغ تفاوضية انتهت صلاحياتها للاستهلاك السياسى ؛ كعودة اللاجئين ورفض الدولة اليهودية .. و .. و .. ؟
- هل يمكن بناء نظام ديمقراطى دون التخلى عن ثقافة التعصب والكراهية التى أصبحت متغلغلة فى ثنايا تكويننا العقلى ؟
- هل يمكن بناء سياسة رشيدة ومجتمع متحضر انطلاقاً من نوازع الكراهية والغل الأسود ؛ أم تأسيساً على نوازع التسامح والرغبة الصادقة فى السلام والتعاون بين الشعوب قبل الدول ؟
- هل من الأفضل أن ننتمى للإنسانية بأفقها الواسع ؛ أم ننحصر فقط داخل أطر إقليمية أو قومية أو دينية ( أفريقية عروبية إسلامية ) ضيقة ؟
- هل ؛ وكيف ؛ ومتى ؛ ومن ؛ وأين ؛ وماذا ؛ ولماذا ... ؟
أسئلة كلها مشروعة ؛ بل وواجبة كفريضة ثورية لا ينبغى أن تظل غائبة ومطمورة .
... صياغة المستقبل - إذن - تبدأ دائماً بخطوات قد تكون بطيئة ؛ ولكنها ينبغى أن تكون جريئة فى إدارة ظهرها للماضى المظلم ؛ ومخاصمة مناهجه ورموزه وكياناته . وبغير ذلك يصبح المستقبل مجرد أحلام يقظة ؛ بينما يظل الماضى قيد يربطنا داخل حجرات نومنا وعلى سرائرنا ؛ لنجتر أحقادنا ؛ ونفلسف قلة حيلتـنا ؛ ونبرر فشلنا ؛ ونتـنكر لمسئوليتـنا .
... الأشخاص والأفكار ؛ تلك الثنائية التى يمكن أن تقيدنا بالماضى أو تجذبنا نحو المستقبل ؛ ربما تكون هى التحدى الفارق الذى يواجه ما بعد الثورة . فلقد لبثنا زمناً يحكمنا أسوأ من فينا , وربما حان الوقت لكى يحكمنا ؛ أكثر ( أشخاصنا ) واقعـية ؛ وأكثر ( أفكارنا ) عمليَّة .
وذلك لأنه وبكل بساطة : مفاتيح الأمس ؛ لا يمكن لها أبداً ؛ أن تفتح أبواب المستقبل .

دكتور/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق