وزارة الداخلية .. ( سابقاً )
( لا مفر من .. إعادة التنظيم )
( أفكار للخروج من تحت جناح السلطة إلى حضن المجتمع )
( إذا
رأيتم شرطياً نائماً عن صلاة ؛ فلا توقظوه لها ؛ فإنه يقوم ليؤذى الناس )
( سفيان الثورى - فقيه البصرة في عهد
الطاغية / الحجاج بن يوسف الثقفى )
في غضون 4 ساعات ؛ عقب صلاة الجمعة يوم 28 يناير 2011م ؛ انهارت وزارة
الداخلية ؛ وتم حرق 90 قسم شرطة على مستوى الجمهورية ؛ وعدد من مقار أمن الدولة
والمنشآت الشرطية ؛ ومئات من العربات المدرعة وناقلات الجنود وسيارات الشرطة ؛
واختفى ضباط وأفراد وجنود الشرطة من معظم شوارع مصر .
ولكن قبل انهيار وزارة الداخلية مادياً على الأرض ؛ فإنها كانت قد انهارت
معنوياً - على مدى سنوات طويلة - في قلوب 80 مليون مصرى ؛ امتلك كل منهم القناعة
المؤكدة ؛ بأن جهاز الأمن في مصر يعمل في خدمة النظام وليس في خدمة المجتمع
والمواطنين .
ولعل السبب في هذا الانهيار المادى والمعنوى ؛ يعود إلى خلل وظيفى في تنظيم
وزارة الداخلية ؛ أدى إلى ربطها بعلاقة غير حميدة مع السلطة ؛ في ظل دولة يتم
وصفها بـ ( الدولة البوليسية ) بامتياز .
وفى تقديرى ؛ فإنه لا مجال للتحدث عن أى تطور ديمقراطى في مصر ؛ طالما ظلت
وزارة الداخلية بنفس تنظيمها وهيكلها الحالى . فالنظم الديمقراطية تتأسس في ظل
مجتمعات تخضع لسيادة القانون بقواعده الآمرة العامة التى يتم تطبيقها على كل من
يخالفها بدون تمييز ؛ ويتولى تفعيل تلك النصوص القانونية ما يُسمى بسلطات تنفيذ
القانون ؛ التى تتكون من جهاز الأمن وجهاز النيابة العامة وجهاز القضاء . وتلك
المنظومة تختل باختلال أحد أو بعض أو كل أطرافها . وواقع الأمر أن هذه المنظومة
تعانى بالفعل من اختلال كافة أطرافها ؛ ولكننا سنركز في هذا المقام على طرف واحد
من هذه المنظومة ؛ وهو جهاز الأمن ؛ لأنه ربما يكون أشدها اختلالاً بحكم الظروف
التاريخية والأحداث المعاصرة ؛ بما يجعله يمثل المعوق -
الأكبر من غيره - الكابح والمُعطـِّل للتطور الديمقراطى فى مصر .
والواقع ؛ أنه لا مجال
للتحدث عن إصلاحات محدودة فى وزارة الداخلية ؛ بل لابد من إعادة تنظيم تلك الوزارة
وفقـاً لتدخلات جراحية ؛ تغيِّر من وجهها وأجهزتها وفلسفة عملها فى المجتمع . لأن
الميراث التاريخى الأسود لجهاز الأمن فى مصر ؛ يجعل من العلاج الدوائى أمر غير ذى
جدوى ؛ لأنه قد يخدر المرض ولكنه لن يشفيه .
وترتكز عملية أعادة تنظيم
وزارة الداخلية على المحاور الآتية :
1- مراجعة التوصيف الوظيفى :
تتلخص وظيفة جهاز الأمن فى
أى مجتمع فى الدورين الآتيين :
- دور وقائى يتمثل فى منع الجرائم قبل وقوعها .
- دور جنائى يتمثل فى ضبط الجرائم بعد وقوعها .
و يشير ( الدور الوقائى ) إلى
أعمال الحراسة والتأمين التى يقوم بها ضباط وأفراد الشرطة ؛ من خلال الدوريات التى
تنتشر فى الشوارع والطرقات ؛ أو أعمال حراسة وتأمين المنشآت التى يقوم بها أفراد الأمن
الخاص التابعين لشركات الأمن .
ولعل المشكلة الكبرى تتمثل
فى تضخم هاجس الأمن الوقائى لدى أجهزة الأمن ؛ بما يسفر عن ممارسة إجراءات تتجاوز أعمال
الأمن والحراسة ؛ وتمتد إلى توسيع دائرة الاشتباه لتضم عدداً كبيراً من الناس بدون
أى مبررات أمنية منطقية . ويعلم عدد كبير من سكان المناطق الشعبية بمحافظات مصر
المختلفة ما نقصده بتضخم هاجس الأمن الوقائى ؛ الذى يتمثل فى الممارسات الآتية :
قيام ضباط المباحث والمخبرين بالقبض على المواطنين للاشتباه لمجرد عدم حملهم لبطاقات
تحقيق شخصية - أو لتواجدهم فى أوقات متأخرة من الليل بالطريق العام - أو لسابق
اتهامهم فى قضايا رغم عدم إدانتهم فيها - أو القيام بضبط عدد كبير من الأشخاص عند
وقوع جريمة سرقة كبرى أو جريمة قتل والضغط على المضبوطين جسدياً ونفسياً لانتزاع
أى معلومة .
كما يعلم كل المعارضين
السياسيين ؛ مدى تغول هاجس الامن الوقائى السياسى ؛ إلى حد المراقبة غير القانونية
للتليفونات والتحركات والاجتماعات .. الخ .
ولعل تضخم هاجس الأمن
الوقائى يمثل أحد الوجوه القبيحة لجهاز الأمن ؛ لكونه يؤدى إلى ترويع المواطنين
دون مقتضى ؛ وإلى تنمية الإحساس لدى الناس بالخوف – وليس الاطمئنان - لدى تواجد أجهزة
الأمن فى الشارع ؛ بدلاً من الشعور الطبيعى الذى يفترض الإحساس بالخوف عند غياب
هذه الأجهزة .
أما ( الدور الجنائى )
فيشير إلى جمع الاستدلالات المتعلقة بالجرائم
وضبط المشتبه فيهم بارتكابها . ولقد تشوه هذا الدور نتيجة خلط أجهزة الأمن
بين دورها وبين دور النيابة العامة . فدور أجهزة الأمن يقتصر فقط على جمع
الاستدلالات ( أى المعلومات والأدوات والآثار المرتبطة بالجريمة ) وتحديد المشتبه
فيهم بارتكابها وضبطهم ؛ وتقديم كل ذلك إلى النيابة العامة لكى تقوم هى بالتحقيق .
وبالتالى ؛ فإن قيام أجهزة
الأمن بالضغط على المشتبه فيهم لاستنطاقهم ؛ هو أمر يخرج عن نطاق دورها ؛ لأنها بنص
القانون ليست سلطة تحقيق ؛ وإنما سلطة جمع استدلالات تتعامل مع مشتبه فيهم وليس
متهمون , بينما النيابة العامة هى سلطة التحقيق وسلطة الاتهام ؛ التى تقوم بتوجيه
التهمة للمشتبه فيه وإحالته بوصفه متهماً إلى القضاء .
فالشرطة تجمع الاستدلالات
وتضبط المشتبه فيهم ؛ بينما النيابة العامة تحقق مع المشتبه فيهم وتوجه لهم
الاتهام أو تفرج عنهم .
إذن ؛ ثمة اختلال واضح فى
التوصيف الوظيفى للدور ( الوقائى ) أو ( الجنائى ) لأجهزة الأمن فى المجتمع ؛ مما
يوضح بأنه لا يمكن مواجهة ذلك إلا من خلال تعديلات تشريعية ؛ تؤكد بجلاء ووضوح
حدود تلك الأدوار وترسم الخطوط الحمراء التى لا ينبغى لها تجاوزها ؛ وتضع عقوبات
رادعة لمن يتجاوز دوره من رجال الأمن سواء فى مجال الأمن الوقائى أو الجنائى .
2- منصب وزير الداخلية :
يبدو بأنه حان الوقت بدون أى تسويف أو تردد ؛
للتفكير فى ضرورة أن يتولى وزارة الداخلية ( وزير سياسى ) من خارج هيئة الشرطة ,
وذلك لكى يتم التعامل مع القضايا الأمنية بمنظور مجتمعى وسياسى , يقيد وزارة
الداخلية بأجندة المجتمع وأولوياته الأمنية , بدلاً من أن تفرض الوزارة أولوياتها
الأمنية على المجتمع .
ولعل وجود وزير سياسى من
غير رجال الأمن على قمة وزارة الداخلية ؛ سيساهم فى تحسين العلاقة المتوترة فى مصر
بين الشرطة والشعب . لأن الوزير السياسى سيتعامل مع الشعب بمنطق المواطن وليس منطق
رجل الأمن . فالوزير المُسيس سينظر لجهاز الأمن من الخارج ؛ بما يجعله يراه بعين
المواطنين فيكتشف عيوبه وسلبياته ويعتمد الحلول الكفيلة بإصلاحها ؛ بعكس الوزير
الأمنى الذى بحكم وجوده داخل جهاز الأمن ؛ فإن الكثير من السلبيات قد لا تثير
انتباهه ؛ لكونها أصبحت جزء مألوف من روتين العمل الأمنى .
وما نقوله ليس بدعة ؛
فتاريخ مصر قبل ثورة يوليو يحفل بالعديد من الوزراء السياسيين من غير رجال الأمن (
مثل : فؤاد باشا سراج الدين ) . كما يجلس على مقعد وزارات الأمن أو الداخلية فى
معظم الدول الديمقراطية وزراء سياسيين من غير رجال الأمن .
3- نظام الشرطة المحلية :
ربما تكون المركزية
الشديدة أحد العيوب الجسيمة التى يعانى منها
جهاز الأمن فى مصر . وإذا نظرنا إلى نظام أجهزة الشرطة فى الولايات المتحدة
الأمريكية ( كمثال ) باعتبارها دولة فيدرالية , سنجد الشرطة فيها محلية بمعنى أن
كل ولاية لها جهاز شرطتها المحلى الذى يخضع لحاكم الولاية ؛ بينما يوجد جهاز واحد
له سلطة مركزية فيدرالية على كل الأراضي الأمريكية ؛ يتمثل فى جهاز الـمباحث
الفيدرالية(
FBI ) الذى يمارس سلطاته فيما يتعلق بالجرائم ذات
الطبيعة الفيدرالية .
وفى اعتقادى ؛ فإن التحول
بجهاز الأمن فى مصر من المركزية الشديدة إلى المحلية , سيؤدى إلى تفرغ أجهزة الأمن
للمشاكل الأمنية المحلية ؛ بحيث تفرض كل محافظة أجندتها الأمنية من واقع المشكلات
الأمنية القائمة بها , بدلاً من أن تفرض وزارة الداخلية أجندتها الأمنية على عموم
الجمهورية ؛ رغم تمايز المشكلات الأمنية من منطقة إلى أخرى . مع السماح بوجود جهاز واحد فقط له اختصاص عام على
عموم الجمهورية ؛ يشبه المباحث الفيدرالية الأمريكية , يتولى متابعة الظواهر
الإجرامية التى تفوق قدرات أجهزة الشرطة المحلية .
وليس ما أقوله فذلكة نظرية
, باعتبار أن البعض سيرد بأن مصر ليست دولة فيدرالية . ولكن الفرع الثالث من الفصل
الثالث من الدستور المصرى عنوانه : الإدارة المحلية , وتنص المادة رقم 161 من
الدستور على الآتى : ( يكفل القانون دعم اللامركزية .. ). وبالتالى ؛ لا يمكننا
تجاهل الشكوى العامة القائمة فى جميع المحافظات المصرية من تراجع التواجد الأمنى
فى الشارع , وذلك لعدة أسباب: أولها , أن هناك عجز مستمر فى عدد أفراد الشرطة نتيجة انخفاض عدد
المتطوعين من الأفراد للعمل بجهاز الشرطة , بسبب ضعف المرتبات وعدم الاستقرار
المكانى ( نتيجة النقل من محافظة لأخرى ) . وثانيها, أن الضباط أو الأفراد الذين
يتم نقلهم إلى محافظات لا يقيمون فيها , يمارسون عملهم الأمنى باعتبارهم طارئين
على هذه المحافظات وليس لهم مصلحة فى استتباب الأمن بها.
لهذا ؛ فإن نظام الشرطة
المحلية التى تتبع محافظ المحافظة تنفيذياً ؛ وتتبع وزارة الداخلية إدارياً وفنياً
؛ هو نظام يضمن تعيين ضباط وأفراد شرطة فى ذات المحافظات المقيمين بها, بما يكفل تحقيق
استقرار مكانى وتكوين مصلحة لدى رجال الأمن ؛ تحفزهم على تحقيق الأمن فى موطنهم
الأصلى الذى يضم عائلاتهم وأصدقائهم و مصالحهم .. إلخ .
ولكن من الجدير بالذكر ؛
أن نظام الشرطة المحلية لا يمكن أن يكون ذا جدوى ؛ إلا فى ظل الأخذ بنظام الانتخاب
للمحافظين بالمحافظات المختلفة ؛ بحيث يصبح ( الارتفاع بمؤشرات الخدمات الأمنية )
أحد عناصر البرنامج الانتخابى الذى يقدمه المحافظ لناخبيه ؛ بما يساهم فى توجيه
جهاز الأمن بالمحافظة لخدمة المواطنين وليس خدمة السلطة المحلية بالمحافظة .
4- كليات الشرطة :
لم يعد مقبولاً الاقتصار
على وجود كلية واحدة للشرطة يلتحق بها الطلاب القادمين من كل محافظات مصر , بل
أصبح من الضرورى إنشاء عدد من كليات الشرطة على مستوى المناطق الإقليمية ؛ أو على
مستوى كل محافظة ؛ بحيث تتولى تلك الكليات - بما تضمه من معاهد - تخريج العاملين
بجهاز الأمن من ضباط وأفراد .
كما لم يعد مستساغاً أن
يكون نظام الدراسة بكليات الشرطة لمدة 4 سنوات لمنح طلابها ليسانس الحقوق ؛ رغم
وجود عشرات كليات الحقوق فى ربوع الجمهورية . وبالتالى ؛ يصبح من الأفضل تعديل
نظام الدراسة بكليات الشرطة بحيث تقبل خريجى كليات الحقوق - وليس خريجى الثانوية
العامة - ويتم تأهيلهم للعمل الشرطى خلال ( عام دراسى واحد ) ؛ من خلال دراسة
العلوم والتدريبات والمهارات الأمنية والشرطية . كما يتم تقسيم التخصصات بداخل تلك
الكليات ؛ لكى يتخرج منها الضباط كل في مجال تخصص يظل يعمل به طوال مدة خدمته (
مرور – شرطة سرية – شرطة نظامية – دفاع مدنى
.. الخ ) ؛ الأمر الذى يساهم فى بناء خبرة تراكمية فى التخصصات الأمنية
المتعددة .
ومن الضرورى للحفاظ على
الطبيعة المدنية لجهاز الشرطة ؛ إلغاء نظام الإقامة الداخلية في كليات الشرطة ؛ بحيث
تصبح مثل باقى الكليات العادية ؛ يتوجه إليها الطلاب لتلقى الدراسة ويقيمون فى منازلهم
أو فى المدن الجامعية مع باقى طلاب الكليات الأخرى . الأمر الذى سيؤدى إلى عدم فصل
الطلاب عن المجتمع ؛ انطلاقاً من أن كلية الشرطة هيئة مدنية ؛ وينبغى أن يكون
طلابها على اتصال دائم بالمجتمع الذي هو مجال عملهم الرئيسى .
والواقع أن عسكرة كلية
الشرطة ؛ بحيث يتم التعامل معها باعتبارها إحدى الكليات العسكرية مثل الكلية
الحربية وغيرها ؛ كان له أكبر الأثر فى فصل جهاز الشرطة عن المجتمع . لأنه إذا كان
مطلوباً أن يتم إعداد طلاب الكليات العسكرية التابعة للقوات المسلحة بما يعزلهم عن
المجتمع المدنى ؛ لأن طبيعة عملهم بالمعسكرات وجبهات القتال تقتضى ذلك . فإن طبيعة
العمل بجهاز الأمن تقتضى عكس ذلك ؛ لأن مجال عمل رجل الأمن هو المجتمع وليس جبهات
القتال .
5- التضخم التنظيمى :
من منطلق الدولة البوليسية
؛ يتم تكليف وزارة الداخلية بأعباء غير أمنية , تؤدى إلى التأثير بالسلب على مهامها
الأمنية الأساسية , مثل :
· إشراف وزارة الداخلية على التنظيم الكامل لحج القرعة ,
رغم وجود وزارة كاملة للأوقاف ورغم وجود مشيخة الأزهر , وهما الجهتان الأحق للقيام
بأعباء هذا الشأن الدينى.
- إشراف وزارة الداخلية على مصلحة الأحوال المدنية , رغم وجود وزارة
للتنمية الإدارية هى الأحق بأن تتولى شأن استخراج كافة الوثائق المدنية
للأفراد.
- إشراف وزارة الداخلية على استخراج تصاريح العمل رغم وجود وزارة
للقوى العاملة .
- إشراف وزارة الداخلية على مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية , التى
تتولى استخراج جوازات السفر وشئون الهجرة والجنسية , رغم وجود وزارة الخارجية
التى يدخل هذا الأمر ضمن دائرة نشاطها الأصيل .
- إشراف وزارة الداخلية على الحرس الجامعى , رغم وجود وزارة للتعليم
العالى يمكنها الإشراف على ذلك من خلال شركات أمن خاصة.
أيضاً ؛ ينبغى إلغاء الإدارات
الأمنية العامة التى تتولى عدد من المهام الأمنية التى تندرج فى صلب بنيان وزارة
الداخلية ؛ رغم إمكانية قيام شركات الأمن الخاص بتلك المهام من خلال أفراد الأمن
الخاص المدربين . وذلك مثل : الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات - الإدارة
العامة لشرطة الكهرباء - الإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار - الإدارة العامة
لشرطة رئاسة الجمهورية - الإدارة العامة لشرطة مجلسى الشعب والشورى - الإدارة
العامة لشرطة الحراسات الخاصة – الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة الداخلية –
الإدارة العامة لمباحث التهرب الضريبى – مصلحة أمن الموانى ( المطارات والموانئ )
........ .
فكل تلك الجهات تمثل عبئاً
بشرياً ومالياً يختصر من المهمة الأساسية لجهاز الأمن ؛ ولا توجد أى ضرورة لكى
تتولاها وزارة الداخلية ؛ بل يمكن الاستعاضة عنها بشركات الأمن الخاصة .
وبالتالى ؛ فإن إلغاء كافة المهام الأمنية التى يمكن لشركات الأمن الخاص
القيام بها ؛ هو أمر يصب في مصلحة المجتمع ؛ ويوفر الميزانية والجهود الأمنية
لخدمة أمن المواطنين وليس أمن المؤسسات والمرافق . ففى حين يمكن لكل مؤسسة أن تقوم
بتعيين أفراد أمن خاص ؛ إلا أنه ليس متاحاً لكل مواطن القيام بذلك .
علاوة على ذلك ؛ فثمة وجه آخر للتضخم التنظيمى يتمثل في : العدد المهول
لقوات الأمن المركزى ؛ التى تفوق بعددها المعدلات العالمية لعدد قوات جهاز الأمن
بالنسبة لعدد السكان بالمجتمع . ونعتقد بان النسبة المقبولة لمجمل عدد قوات أجهزة الأمن
في أى مجتمع ؛ ينبغى أن لا تزيد عن ( واحد / ألف ) ؛ أى ألف رجل أمن لكل مليون
مواطن .
ولهذا ؛ لابد من إلغاء جهاز الأمن المركزى الذي يعتمد على المجندين بالقوات
المسلحة ؛ وإنشاء تشكيلات محلية من أفراد الأمن في كل محافظة ؛ يتم توزيعها على أقسام
الشرطة ؛ تكون مهمتها مرافقة المأموريات الأمنية عند القيام بعمليات القبض على
المتهمين ؛ أو اقتحام بعض الأوكار الإجرامية . كما تتولى تلك التشكيلات القيام
بمهام ( تأمين التظاهرات ) وليس فضها ؛ ومواجهة أعمال الشغب في حال حدوثها ؛ والتى
تتمثل – فقط - في الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات ؛ وليس تعطيل حركة المرور
.
6- إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة :
لم يعد هناك مفر من إلغاء
جهاز مباحث أمن الدولة ؛ ونقل اختصاصاته المتعلقة بالجرائم السياسية إلى جهاز له
صفة الضبطية القضائية العامة على مستوى الجمهورية . بحيث يتصدى هذا الجهاز للجرائم
الجنائية والسياسية التى تخرج عن نطاق إمكانيات أجهزة الشرطة المحلية ؛ وهو الجهاز
الذى يشبه المباحث الفيدرالية الذى أشرنا له من قبل .
فالجريمة السياسية فى
تعريفها الدقيق تشير إلى : ( استخدام العنف أو الدعوة إلى ذلك لتحقيق أغراض سياسية
) . وبالتالى ؛ فإن الأمن السياسى فى معناه الضيق لا يخرج عن هذا التعريف , ولا
يمكن أن يتسع بأى حال من الأحوال ليمتد إلى كافة الأنشطة الأمنية السياسية ( الوقائية
) غير القانونية ؛ التى كانت ملحقة بجهاز مباحث أمن الدولة ؛ مثل : رقابة التجمعات
العمالية ؛ والطلابية ؛ والنقابية ؛ والمؤسسات الدينية ؛ ومنظمات المجتمع المدنى ؛
والأحزاب السياسية ؛ والنشطاء السياسيين . ومثل الربط بين موافقة الجهات الأمنية (
أمن الدولة ) وبين الترقى والترشح للمناصب الهامة فى الدولة بكافة مرافقها
القضائية والتعليمية والاقتصادية .. الخ .. الخ .
إن جهاز مباحث أمن الدولة
بسمعته السيئة ونشاطاته الدنيئة للتجسس على المواطنين ؛ يمثل الوجه الأقبح للنظام ؛
ولا يمكن بأى حال من الأحوال قبول استمراره أو إجراء إصلاحات شكلية عليه ؛ لكونه
جهاز يتصادم بممارساته مع الحقوق القانونية للمواطنين ؛ ومع الضمانات الدستورية
المقررة للحقوق والحريات العامة .
حل جهاز مباحث أمن الدولة
مطلب شعبى ؛ يكفل لهذا الوطن نسيان كل الكوابيس المفزعة التى كانت تطارد الشرفاء
من أبنائه . وبالتالى ؛ فإما أن تحله الدولة بمعرفتها ؛ وإلا فإن الجماهير التى
خرجت فى كل شوارع مصر كفيلة بذلك .
7- نقابة وصوت انتخابى لضباط وأفراد الشرطة :
يكفل الدستور حق التنظيم لأي
فئة مهنية فى المجتمع ؛ بموجب نص المادة رقم ( 56 ) التى تنص على أن : ( إنشاء
النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون ) . ولاشك بأنه آن الأوان
لكى يكون لضباط وأفراد الشرطة فى مصر نقابتهم . فقانون الشرطة يعانى من عدم
التوازن بشكل كبير بين الواجبات الملقاة على عاتق الضباط والأفراد , وبين الحقوق
المكفولة لهم . وللأسف لن تتاح القدرة على إدخال تعديلات متتالية ومرحلية على هذا
القانون بصورة تلبى متطلبات رجال الشرطة , إلا إذا تم ذلك من خلال نقابة تدافع عن
حقوقهم وتنظم واجباتهم .
ولقد أدى غياب وجود نقابة
للشرطة إلى الافتئات الواضح على حقوق الضباط والأفراد .
فقانون الشرطة فى مادته
رقم ( 71 ) يتعامل مع ضابط الشرطة من بعد رتبة ( العقيد ) , وكأنه يعمل بعقد يمكن إنهاءه
أو تجديده كل عامين , ثم تتقلص المدة من بعد رتبة ( العميد) لكى تصبح كل عام ,
بحيث يتم تقييم الضباط من بعد رتبة العميد ورتبة اللواء سنوياً , لكى يتم مد
خدمتهم لمدة عام آخر , أو إنهاء خدمتهم بنظام المعاش المبكر .
وبالتالى ؛ أصبح هذا
النظام بمثابة سيف مسلط على رقبة الضباط ؛ لكى يرضخوا للتعليمات أو نظم التشغيل
مهما كانت تعسفية أو تخالف القانون , خوفاً من الخروج إلى المعاش المبكر , الأمر الذى
يجعل ضابط الشرطة - وهو فى منتصف الأربعينات من عمره - مطالب بأن يبدأ حياة وظيفية
جديدة.
بالإضافة إلى ذلك ؛ فإن
قانون الشرطة يتعامل مع أفراد الشرطة - وليس الضباط - معاملة غير منصفة على
الإطلاق , لأن المادة رقم ( 99 ) من قانون الشرطة تجعل أفراد الشرطة يخضعون فى كل
ما يتعلق بأعمال خدمتهم بالشرطة إلى قانون الأحكام العسكرية . ويمكن من خلال هذه
المحاكمات العسكرية حبس أفراد الشرطة عند تقصيرهم فى واجبات وظيفتهم بدلاً من
مجازاتهم إدارياً . وبالتالى أصبح هذا النظام بمثابة سيف مسلط على رقبة أفراد
الشرطة ؛ لكى يرضخوا لنظم التشغيل التعسفية أو التعليمات المخالفة للقانون .
وللأسف ؛ فإن محاكمة أفراد
الشرطة وفقاً لقانون الأحكام العسكرية يخالف الدستور مخالفة جسيمة , باعتبار أن
الدستور ينص على أن الشرطة هيئة مدنية , ومن ثم لا يجوز محاكمة أفرادها إلا أمام
القاضى الطبيعى طبقاً لنص المادة رقم ( 68 ) من الدستور ؛ التى تنص على أن : ( لكل
مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ) , وبالتأكيد فإن القاضى الطبيعى هو مجالس
التأديب ؛ أو المحاكم المدنية وليس العسكرية.
لهذا ؛ فإن إنشاء نقابة
تدافع عن حقوق ضباط وأفراد الشرطة , سيؤدى إلى وجود جهة تدافع عن حقوق ضباط وأفراد
الشرطة فى مواجهة وزارة الداخلية ؛ الأمر الذى يصب فى مصلحة العملية الأمنية ككل .
لأن ضابط وفرد الشرطة الذى تسانده نقابة للدفاع عن حقوقه ؛ لن يجد نفسه مرغماً على
تنفيذ أية تعليمات تخالف الدستور والقانون ؛ لأنه يعلم بأنه لن يقف منفرداً فى
مواجهة وزارة الداخلية فى حال مساءلته أو محاولة التضييق عليه .
وبالتالى ؛ فقد آن الأوان
لمطالبة كل القوى الحقوقية والأحزاب بإنشاء نقابة لضباط وأفراد الشرطة . وأيضاً المطالبة
بضمان حق التصويت الانتخابى للشرطة ؛ الذى تم منعه بموجب الفقرة الأخيرة من المادة
الأولى من قانون مباشرة الحقوق السياسية ؛ التى تنص على إعفاء ضباط وأفراد الشرطة
طوال مدة خدمتهم من التصويت الانتخابى ؛ بالمخالفة للمادة رقم 40 من الدستور التى
تقرر بأن : ( المواطنون لدى القانون سواء ؛ وهم متساوون فى الحقوق والواجبات
العامة ... ) . والمادة رقم 62 من الدستور التى تنص على أنه : ( للمواطن حق
الانتخاب وإبداء الرأى فى الاستفتاء ... ) . السماح بالتصويت الانتخابى للشرطة ؛
يجعل ضباط وأفراد الشرطة غير منعزلين عن آمال وتطلعات باقى فئات المجتمع المتطلعة
إلى التغيير . ومن ثم يعود بالشرطة إلى المجتمع ويخرجها من تحت جناح السلطة إلى
الأبد .
-----------------------------
إن تفعيل تلك المحاور
السابق ذكرها ؛ بحيث تكون بمثابة القواعد التى يرتفع فوقها البنيان الجديد لوزارة
الداخلية ؛ سيمثل الضمان الأكبر لكى لا تصبح وزارة الداخلية أحد العوائق فى طريق
بناء المجتمع الديمقراطى فى مصر . والضمان الأكبر لكى تخرج تلك الوزارة من تحت
جناح السلطة إلى حضن المجتمع .
مقدم دكتور/ محمد
محفوظ
ضابط شرطة
سابق
عضو الهيئة العليا بحزب الغد
ت
: 01227508604
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق