07 أغسطس 2014

نحو ضمانات دستورية لمنع الانقلاب على الديموقراطية

نحو ضمانات دستورية لمنع الانقلاب على الديموقراطية

تاريخ النشر : 20 فبراير 2012

بقلم دكتور / محمد محفوظ

كلما فكرت أن أعتزل السلطة ينهاني ضميري
( نزار قبانى .. قصيدة : السيرة الذاتية لسياف عربى )

يتمثل الخطأ الفادح الذى وقعت فيه القوى الثورية المصرية ؛ فى عدم قدرتها مع الأيام الأولى للثورة أو ما بعدها على تنظيم ) كيان سياسى ( يعكس الواقع الميدانى على الأرض . فبينما امتلكت جماهير المصريين الشوارع والميادين فى ربوع الجمهورية ؛ لم تمتلك القوى الثورية كياناً سياسياً يقدم نفسه كبديل للنظام السابق ؛ وبالتالى انفرد المجلس العسكرى وهيمن على قيادة الفترة الانتقالية وحده دون شريك ؛ وعزز من تلك الهيمنة حمى الائتلافات والحركات والأحزاب التى فتتت قوى الثورة إلى قطع موزاييك ؛ ظلت تنتظر بلا جدوى الإرادة الجامعة التى توحد تنوع شتاتها فى كيان واحد .
وبعد مرور أكثر من عام على الثورة ؛ هاهو الخطأ الفادح تتم إعادة إنتاجه مرة أخرى ؛ ولكن على مستوى عدم صياغة ) البرنامج السياسـى ( الذى يلبى متطلبات الواقع على الأرض ؛ بعدما ضاعت للأبد فرصة تنظيـم ) الكيان السياسى ( التى ما كان لها أن تنجح إلا مع بدايات الثورة .
ولعل البرنامج السياسى الذى يلبى متطلبات الواقع ؛ هو البرنامج الذى يرصد المخاطر الحقيقية التى تتعرض لها الثورة ؛ ويحاول التصدى لها برؤية واضحة وحلول واقعية تلعب دور نقاط المراقبة على الطريق لمنع الخروج عنه أو مخالفة قواعده ؛ أو تلعب دور صمامات الأمان المانعة للارتداد إلى الخلف .
وربما يبرز هنا السؤال البديهى الذى قد يغيب لفرط بداهته ؛ ومن ثم لا تتم الاجابة عليه أبداً ؛ وهو : لماذا قامت الثورة ؟
والواقع أن الثورة قامت لتحقيق الشعارات التى دعت إليها وهى :
الحرية .. والكرامة الإنسانية .. والعدالة الاجتماعية .
وبالتالى ؛ إذا كانت هذه هى أهداف الثورة ؛ فإن الوسيلة الوحيدة لتحقيقها هى : الديمقراطية . فبناء النظام الديمقراطى يمثل الوسيلة التى تؤدى لتحقيق أهداف الثورة . لكن النظام الديموقراطى لا يعنى فقط نظافة الصندوق الانتخابى ؛ وإنما هو نظام يقوم على 4 أعمدة تتمثل فى : حكم الأغلبية .. التداول السلمى للسلطة .. سيادة القانون .. الفصل بين السلطات .
ولاشك بأن حكم الأغلبية الذى يستخدم ) الدين ( لتحقيق أغراض سياسية ؛ وحكم الأغلبية الذى يقمع حرية الأقلية المعارضة فى نقد سياسات الأغلبية الحاكمة ؛ وحكم الأغلبية الذى يقمع حرية المعارضة فى إعلان برامجها وعرضها على الناخبين طوال فترة حكم هذه الأغلبية ؛ وحكم الأغلبية التى تؤسس لصعودها على كرسى السلطة بناء على تفاهمات لتقاسم السلطة مع المؤسسة العسكرية .. هذا النوع من الحكم يؤدى إلى منع التداول السلمى للسلطة من خلال انتهاك سيادة الدستور والقانون ؛ الأمر الذى يقوض نظام الفصل بين السلطات ويؤسس للتواطؤ فيما بينها ؛ ومن ثم يتحول حكم الاغلبية إلى ديكتاتورية الأغلبية .
وهذا هو الخطر الواضح الذى يواجه الثورة المصرية ؛ وهو أن تفرز الثورة المصرية ديكتاتورية الأغلبية المنتخبة ؛ التى سرعان ما تتحول مع الوقت نتيجة تآكل الأغلبية الحقيقية إلى ديكتاتورية الأغلبية المزورة. أو أن تفرز انقلاب المؤسسة العسكرية الذى سرعان ما يتحول إلى صراع مسلح مع الأغلبية التى تم الانقلاب عليها . وفى كلتا الحالتين فإن الانقلاب على الديمقراطية سيكون هو النتيجة المؤكدة .
لذلك ؛ تبدو دراسة الأوضاع الداخلية والاقليمية والدولية بمثابة ضرورة لرسم الخريطة الصحيحة التى تضمن اكتمال عملية التحول الديمقراطى وعدم ارتدادها إلى الخلف .
فعلى المستوى الداخلى ؛ اتضح منذ 11 فبراير 2011 اقتراب المسافة بين المجلس العسكرى والتيارات الدينية قياساً بالمسافة المتباعدة بينه وبين القوى الأخرى وخصوصاً القوى الثورية. وترافق ذلك مع إصرار المجلس على الانفراد بإدارة الفترة الانتقالية دون شريك . الأمر الذى يوضح بأن المجلس العسكرى لم يقم بذلك وفقاً لخطوات تلقائية ؛ وإنما وفقاً لخطة مخابراتية مدروسة تمثل السيناريو البديل للحفاظ على جسد النظام بعد سقوط رأسه ؛ من خلال ممارسة تكتيكات التفافية لتطويق قوى الثورة وتفكيكها ؛ باستخدام الشعبية القائمة سلفاً للتيار الدينى فى الشارع المصرى ؛ بما يباعد ما بين الجماهير والقوى الثورية ؛ ومن ثم تفقد قوى الثورة قدرتها على تحريك الشارع لتحقيق الهدف الرئيسى للثورة ؛ وهو إقامة النظام الديمقراطى.
ولعل هذا هو نفس المنهج الذى اتبعه الرئيس الأسبق السادات مع التيار اليسارى والشيوعى ؛ حيث قام بضربه من خلال التمكين للتيار الدينى فى الجامعات وفى الشارع المصرى.
ولكن المشكلة فى الخطة المخابراتية للمجلس العسكرى ؛ كانت تتمثل فى أن استئثار التيار الدينى بالحكم والشارع سيؤدى إلى ذات النتيجة المتخوف منها وهى عدم الحفاظ على جسد النظام . ولذلك تم منذ البداية التلاعب على التناقضات الواسعة داخل التيار الدينى ؛ من خلال التمكين المتوازى لكل فصائله لكى توجد بنفس القوة على الساحة السياسية . لذلك تم الإفراج عن خيرت الشاطر الإخوانى وعبود الزمر القيادى بجماعة الجهاد ؛ كما تم الدفع بالتيار السلفى بقوة لينتشر داخل المشهد السياسى ؛ والدفع بالطرق الصوفية أيضاً إلى ذلك المشهد ؛ بحيث تصبح التناقضات بين تلك الفصائل عامل ضعف لها ؛ وعامل قوة يستثمره المجلس العسكرى لتأليبها على بعضها البعض ؛ ومن ثم يظل هو المايسترو الذى يدير الساحة.
ولقد ترافق مع ذلك ؛ قيام المجلس العسكرى بالعمل على دعم تكوين بعض الائتلافات والحركات المدافعة عن رأس النظام السابق ؛ والعمل فى نفس الوقت على دعم قيام بعض الائتلافات التى ( تدعى ) مساندتها للثورة .
ولقد كان الاستفتاء على لتعديلاتا الدستورية هو الخطوة الأولى لاختبار مدى نجاح هذا التكتيك الذى يهدف لتطويق القوى الثورية للالتفاف على الثورة وتفكيكها وشق صفوفها . ثم جاءت الانتخابات البرلمانية لتؤكد هذا النجاح وتعمل على ثثبيت الوضع المطلوب وتعززه. فلقد تم الاستفتاء والانتخابات البرلمانية فى ظل سماح مريب للدعاية الدينية السافرة ؛ بما يؤكد الخيوط الخفية للخطة المخابراتية للمجلس العسكرى التى تحرك الأحداث على مسرح العرائس المصرى .
أما على المستويين الإقليمى والدولى ؛ فإن الوصول المبكر للتيار الدينى إلى السلطة فى مصر ترافق مع وصول تيارات مشابهة فى بلدين عربيين ) تونس ـ المغرب ( ؛ ومن المحتمل أن تصل ذات التيارات إلى السلطة فى دول عربية أخرى ) ليبيا ـ سوريا ـ الأردن ( . وهذا الوصول المبكر للسلطة منع تلك التيارات من فرصة مراجعة أفكارها المتشددة فى ظل نظام ديقراطى حقيقى ؛ بما يغربل تلك الأفكار ويوائم بينها وبين الواقع المعاش . الأمر الذى سيؤدى إلى إحساس تلك التيارات مجتمعة بالقوة الإقليمية المفرطة ؛ بما يقدم لها الإغراء القوى لصياغة أفكارها المتشددة التى لم تتم مراجعتها فى صورة سياسات ومواقف دولية. وأهم هذه المواقف والسياسات يتمثل فى استدعاء العدو التاريخى للعرب والمسلمين الذى هو ( إسرائيل ) ولكن من منظور دينى ) اليهود ( ؛ والبدء فى إطلاق تصريحات وتبنى مواقف تؤدى إلى نشوء حرب باردة بين إسرائيل والعرب . ونظراً لأن إسرائيل دولة نووية ؛ فإن ذلك سيفتح الباب لبدء سباق للتسلح النووى فى المنطقة لضمان توازن الرعب النووى . الأمر الذى يستدعى أن يقوم المجتمع الدولى بالتدخل لمقاومة هذا السباق من خلال العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية .
ولا شك بأن هذا المناخ التصادمى المشحون بالتوتر الذى تدق فيه طبول الحرب هو النموذج الأمثل لرفع شعار : لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ؛ ولتوجيه الاقتصاد لدعم الآلة العسكرية ؛ ولدفع الشباب ـ بدلاً من العمل فى المصانع والمزارع والشركات ـ إلى المرابطة على جبهات القتال ؛ ومن ثم تصبح الساحة مؤهلة تماماً لاستقبال الخطر الأعظم المتخوف منه ؛ وهو : الارتداد للخلف والشروع فى الانقلاب على الديمقراطية بدعوى الظروف الاستثنائية .
وليس فيما نقوله تجاوز أو شطط أو قفز إلى نتائج تتجاوز الواقع المنظور على الأرض ؛ بل إن كل مفردات القراءة الصحيحة لذلك الواقع تعزز من تلك المخاوف ؛ وتجعل من خطر الانقلاب على الديمقراطية أمراً ليس ببعيد . وذلك انطلاقاً من أن التيارات ذات المرجعية الدينية هى بحكم طبيعتها الفكرية والتنظيمية معادية للديمقراطية . فعلى المستوى الفكرى تنظر تلك التيارات إلى الديمقراطية باعتبارها منتج غربى أفرزته مجتمعات كافرة دينياً ومنحلة أخلاقياً ومفككة اجتماعياً ؛ ومن ثم فإن هذا المنتج الغربى يتصادم فكرياً مع الموروث الدينى التقليدى المحافظ المتشدد المستقر فى ذهنية ومرجعية تلك التيارات. أما على المستوى التنظيمى فإن تلك التيارات ذات المرجعية الدينية تدار تنظيمياً وفقا لمنهج المبايعة على السمع والطاعة ؛ ومن ثم فهى تنظيمات مناقضة ومناهضة لأسلوب الإدارة الديمقراطية .
وهذا يوضح بأن خطر الانقلاب على الديمقراطية هو أمر يندرج فى صلب الأيدلوجية المستقرة لتلك التيارات ؛ ولئن كان ذلك الخطر يتجاوز حد الـ 90% فى حالة جماعة الإخوان المسلمين ؛ فإنه يصبح فى حالة السلفيين أمراً محتماً بنسبة 100% .
ونظراً لأن المؤسسة العسكرية تقوم هى الأخرى من الناحية التنظيمية على مبدأ السمع والطاعة ؛ ومن ثم فهى أيضاً مؤسسة مناقضة لأساليب الإدارة الديمقراطية ؛ فضلاً عن كونها كانت تمارس دور مستر إكس الذى كان يدير النظام من خلف الستار ؛ فإن كل ذلك يجعلها لا تحبذ التحول نحو النظام الديمقراطى بما يؤدى لأن تفقد نفوذها ومكانتها وهيمنتها على النظام ؛ ويتيح للمدنيين القبض على زمام قيادتها والتوغل فى أسرارها ـ إن لم يكن مهازلها وفضائحها ـ ومن ثم فإن القول بأن العسكر لديهم إخلاص فى مسألة تسليم السلطة مجاناً ودون ثمن أو سعر أو مقايضة ؛ هو أمر يندرج تحت عنوان الفانتازيا السياسية والسذاجة الإستراتيجية والغباء التكتيكى . فإصرار المجلس العسكرى على الانفراد بالسلطة ؛ يؤكد بأن هذا المجلس ـ على عكس ما يتصور الكثيرون ـ لم يمثل أبداً شبح مبارك أو ظل مبارك ؛ وإنما مبارك هو الذى كان يقوم بدور الظل للمجلس العسكرى أو المؤسسة العسكرية التى بدأت فى حكم مصر منذ انقلاب 1952م . وبالتالى فالمجلس العسكرى ليس هو الظل الذى فقد رجُله ) مبارك (؛ وإنما المجلس العسكرى هو الرجل الذى فقد ظله ) مبارك (؛ فالمجلس أو المؤسسة العسكرية كانا دائماً هما الرجل بينما كان مبارك هو الظل أو القناع .
وبالتالى فإن كل هذا يؤكد عدم واقعية مقولة التسليم المجانى للسلطة ؛ ولعل ما يعزز ذلك ؛ تلك الانعكاسات التى بدأت تظهر آثارها على إدارة المجلس العسكرى للعلاقات الدولية وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأمريكية . فقد بدأت الولايات المتحدة تتململ من خطة العسكر القائمة على التقارب مع التيار الدينى لضرب التيار الثورى دون وضع تصور واضح للخطوة القادمة ؛ الأمر الذى قد يقود إلى مسارين متتابعين كلاهما أكثر مرارة من الآخر ؛ أولهما تقسيم السلطة ما بين العسكر والتيار الدينى؛ وهو أمر ينذر مستقبلياً بحتمية الصدام بينهما ؛ فالذئاب والثعالب لا تتقاسم الفرائس فيما بينها ؛ وبالتالى إن انقلب العسكر على شرعية التيار الدينى فإن هذا سيفتح الباب لموجة من العنف التى سيقودها التيار الدينى للانتقام من العسكر ؛ وإن حاول التيار الدينى تهميش دور المؤسسة العسكرية أو حتى توريطها فى حروب عبثية لإضعافها ؛ فإن ذلك قد يفتح الباب للعسكر للانقلاب على الشرعية .. وهكذا. وهو الأمر الذى قد يؤسس لصراع مزمن على السلطة فى منطقة حساسة من العالم بما يمس مصالح الولايات المتحدة ويهدد أمن إسرائيل.
ولعل هذا التململ الامريكى قد بدأ يجد رد فعله عند المجلس العسكرى الذى بدأ بمهاجمة منظمات المجتمع المدنى الأمريكية وتوجيه الاتهام لبعض الأمريكيين ؛ بل ووصل الأمر إلى حد التهديد بأن وقف المعونة الأمريكية يعنى إنهاء إتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل باعتبار المعونة أحد مكتسباتها ؛ بل وتم التمادى إلى درجة الاستقواء بروسيا والصين والتلويح بشراء السلاح منهما ؛ وبدء توجيه بوصلة العلاقات الإستراتيجية نحوهما بدلاً من الولايات المتحدة ؛ خصوصاً بعد الموقف الروسى والصينى المخلص لدعم النظم الاستبدادية مثل النظام السورى .
فى ضوء تلك المخاطر الواقعية ؛ تصبح الثورة بين فكىّ كماشة ؛ المجلس العسكرى من جهة ورغبته المستميتة فى الحفاظ على جسد النظام القديم وبحثه عن ظل للاختفاء خلفه ( رئيس ذو خلفية عسكرية ) ؛ والتيارات الدينية من الجهة الأخرى ؛ وخصوصاً الإخوان بأكثريتهم البرلمانية ورغبتهم فى بناء نظام جديد يجعل الدولة المصرية بكل مؤسساتها فى قبضتهم ؛ بما يتيح لهم الشروع فى التطلع إلى الخارج لتحقيق رؤية الإخوان العالمية فى إعادة إحياء الخلافة الإسلامية . ولذلك سيشرع الإخوان فى حال تكوين حكومتهم فى السيطرة على الجهاز الإدارى للدولة من خلال استبدال كافة قياداته بعناصر إخوانية ؛ ثم سيشرعون فى السيطرة على مفاتيح الاقتصاد المصرى من خلال توريث رجال الأعمال الإخوان لكافة الاستثمارات والصناعات التى كان يسيطر عليها رجال أعمال الحزب الوطنى ؛ بل وربما يشرعون فى ضرب الاستثمارات التى يقودها بعض الأقباط المناوئين للتيار الدينى ( كمثال ؛ لعله من المتوقع أن تقوم حكومة حزب الحرية والعدالة بمنح رخصة رابعة لشركة للتليفون المحمول يكون لها اسم اسلامى وتُمول برؤوس أموال إخوانية ؛ ثم يتم الدفع ببعض الشيوخ المتطرفين ليفتوا بحرمة اشتراك المسلم فى شركة مملوكة لقبطى يتهمه التيار الاسلامى بالاساءة للإسلام !! ) ؛ وأخيراً سيشرعون فى السيطرة على وزارة الداخلية من خلال تطهيرها من كل العناصر المعادية للإخوان وتصعيد القيادات الموالية لهم ؛ ثم التحرك بنعومة وحذر نحو المؤسسة العسكرية للسيطرة عليها من خلال توطيد العلاقات والمصالح مع بعض القيادات لتكون موالية للتوجهات الإخوانية .
وبالتالى ؛ فبين فكى هذه الكماشة ( العسكر ـ التيار الدينى المتشدد ) ؛ تصبح الضمانات الدستورية لعدم الانقلاب على الديمقراطية أمراً ينبغى أن يحتل مكانه فى صدارة المشهد الثورى المصرى ؛ بما يفرض ضرورة طرح ( برنامج سياسى ) تتبناه القوى الثورية ؛ وتواجه به الشعب والمجلس العسكرى والتيارات الدينية التى وصلت إلى السلطة التشريعية وتنتظر الوصول للسلطة التنفيذية . وهذه الضمانات الدستورية يمكن أن تدور حول الآتى :
ـ نشر الدعوة بين جماهير الشعب على أوسع نطاق ؛ بشأن ضرورة النص فى الدستور القادم على منع جواز التراجع عن كافة النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات العامة التى نصت عليها الدساتير السابقة بدءً من دستور 1923م ؛ باعتبارها تمثل جانب هام من المكتسبات التاريخية الإنسانية التى حققتها الأمة المصرية على مدى تطورها الحضارى ؛ وأنه لابد وأن تصان تلك الحقوق والحريات العامة من خلال تحصينها بمبدأ التجميد الدستورى ؛ بما يمنع إدخال أى تعديل عليها بالتقليص أو الانتقاص أو الإلغاء .
ـ تجميد مادة فى الدستور غير قابلة للتعديل ؛ تقرر بأن الاستفتاء على الدستور الجديد أو الاستفتاء على أى تعديل دستورى مستقبلى ( للنصوص غير الجامدة ) ؛ لا بد أن يحوز الأغلبية المطلقة من إجمالى عدد هيئة الناخبين وليس الأغلبية المطلقة من عدد الحاضرين لعملية الاستفتاء ؛ الأمر الذى يعبر بصدق عن الإرادة الشعبية الحقيقية وليس المفترضة .
ـ ضرورة النص فى الدستور على تمكين القيادات الوسطى وكافة الضباط والأفراد والمجندين فى القوات المسلحة والشرطة ؛ من رفض تنفيذ التعليمات التى تمثل اعتداءً على الدستور وتمثل تهديداً للنظام الديمقراطى أو انقلاباً عليه ؛ ورفض تنفيذ التعليمات التى تجعل الولاء للمؤسسة العسكرية أو الشرطية يتقدم على الولاء للدستور والقانون .
ـ تبنى نصوص جريئة وواقعية لمواجهة الميراث التاريخى الاستبدادى لنظام الحكم فى مصر الذى استمر لآلاف السنين ؛ من خلال الأخذ بنظم ( الحكم الجماعى ) لاستئصال بذرة الحكم الفردى . وبالتالى يمكن الأخذ بنظام المجلس الرئاسى بدلاً من الرئيس الفرد ؛ وذلك أسوة بنظام الحكم فى سويسرا ( كمثال ) ؛ وامتداد ذلك النمط من الحكم الجماعى إلى كافة السلطات الأخرى) التشريعية والقضائية ( بحيث يدير السلطة القضائية مجلس قضائى منتخب ؛ ويدير السلطة التشريعية مجلس يتم تداول رئاسة الدورات البرلمانية السنوية بين أعضائه . وذلك بدلاً من الدوران فى فلك النظم التقليدية التى تقصر نظم الحكم عل رئاسى وبرلمانى ومختلط ؛ وتتمسك بفردية القيادة على قمة أى سلطة .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن حقائق التاريخ تثبت بأن عملية التحول الديمقراطى التى تعقب الثورات الشعبية تصطدم دائماً بمجموعة من الفخاخ والكمائن التى قد تجعل الارتداد إلى النظام الاستبدادى السابق على الثورة أسهل من التحول إلى النظام الديمقراطى .
والثورة المصرية بكل الأسف عالقة الآن فى تلك الفخاخ والكمائن ؛ وهى فى حاجة إلى من يمد لها يد العون لينقذها من الارتداد إلى الديكتاتورية العسكرية ؛ أو التقهقر نحو الديكتاتورية الدينية .
لذلك على شرفاء جماعة الإخوان والتيارات الدينية أن يقدموا مصلحة الوطن وحاجات مواطنيه الأساسية على مصلحة مذاهبهم وفرقهم وأحلامهم فى إقامة يوتوبيا إسلامية .
وعلى شرفاء المؤسسة العسكرية أن يجهروا بأنه قد آن الأوان لكى تصبح تلك المؤسسة سنداً للديمقراطية وليست عبئاً عليها .
وعلى شرفاء الطبقة السياسية أن يؤمنوا بأن السياسية هى علم إدارة المصالح الوطنية وتنظيم المجتمعات الإنسانية ؛ وليست فن المساومات والانتهازية. وبالتالى فإن فتح الباب لانتخابات الرئاسة ما هو إلا لتعميق شق الصفوف وإلهاء العقول فى منافسات عبثية ؛ بينما يتم إعداد مسرح العرائس لتقاسم السلطة بين الديكتاتورية العسكرية والديكتاتورية الدينية .
وعلى الشعب المصرى أن يدرك بأن الثورة عطاء من الله ؛ ومن يدير ظهره لهذا العطاء ؛ فعليه أن ينتظر غضب الله ونقمته .
وعلى الثوار أن يصححوا أخطاءهم ويعلموا أنه بدون تبنى برنامج سياسى يروج للضمانات الدستورية التى تمنع الانقلاب على الديمقراطية ؛ فإن الثورة لن تصبح أبداً مستمرة ؛ وإنما ستصبح ” الثورة مسبهلة ” ……..
————-
دكتور . محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق