د. محمد محفوظ .. يكتب : لماذا أريد السيسي رئيساً ؟
تاريخ النشر : 2 فبراير 2014
..
والله غالب على أمره ولكن أكثرالناس لا يعلمون
سورة
يوسف ـ الآية 21
عقب 3 سنوات من انتصارات الثورة
وانكساراتها ؛ أصبحت مقتنعاً بأن مصر تحتاج إلى فترة انتقالية ؛ للتحول من حكم
الرؤساء ذوى الخلفية العسكرية إلى حكم الرؤساء المدنيين .
وفى تقديرى , فإن الشخص المؤهل لإدارة
هذه الفترة الانتقالية هو : المشير / السيسى .
ولكن لماذا لا يمكن الانتقال مباشرة من
حكم الرؤساء ذوى الخلفية العسكرية إلى حكم الرؤساء المدنيين ؟؟؟
أعتقد بأن الأوضاع المتفجرة ؛ نتيجة
المواجهة الداخلية مع الإرهاب فى حرب حقيقية , تؤكدها العمليات
الإرهابية الموجهة لمنشآت وتجهيزات وأفراد القوات المسلحة والشرطة ؛ ونتيجة
المواجهة الخارجية مع أوضاع إقليمية ودولية غير مواتية تهددها الثغرات الأمنية
الحدودية مع نظم وحركات سياسية موالية لأيدلوجية الإسلام السياسى على الحدود
الشرقية ( غزة ) والجنوبية ( السودان ) والغربية ( ليبيا ) ؛ بالإضافة إلى الدعم السياسى
والمالى والإعلامى من دولتى تركيا وقطر والاحتضان السياسى الذى توفره دول الاتحاد
الأوربى والولايات المتحدة الأمريكية ؛ للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين .
كل ذلك يجعل مصر فى حاجة إلى الحفاظ
بقوة على الاصطفاف الوطنى بين غالبية الشعب ومؤسسات الدولة , وعلى رأسها المؤسسة
العسكرية التى هى درع الأمان ؛ لمواجهة كل تلك المخاطر .
ونظراً لأن الرئيس المدنى قد لا يستطيع
الحفاظ على ذلك الاصطفاف الوطنى فى تلك المرحلة الحرجة ؛ باعتبار أن الرئيس ذا
الخلفية العسكرية قد يكون هو الرئيس المقبول والمستساغ والمحبذ من المؤسستين
العسكرية والأمنية ؛ والأقدر على الفوز بثقة الشعب فى مواجهة أخطار هى بطبيعتها
عسكرية وأمنية بامتياز .
لذلك فإن المناخ الحالى فى مصر بأخطاره
وموجبات الحفاظ على اصطفافه ؛ لن يكون مناسباً لرئيس مدنى بأى حال من الأحوال .
ولكن ؛ لا يتوقف الأمر فقط على الخلفية
العسكرية للرئيس القادم فى ظل كل تلك المخاطر ؛ بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما
نسميه بـ : الشعبية ؛ أو ما نطلق عليه : الجماهيرية .
فرئيس ذا خلفية عسكرية لا يتمتع بشعبية
جارفة وجماهيرية كاسحة ؛ قد لا يكون قادراً هو الآخر على مواجهة كل تلك المخاطر ؛
بخلاف رئيس من نفس تلك الخلفية ولكن يحوز الشعبية والجماهيرية .
وهذا بالضبط ما يدفعنى إلى التسليم بأن
المشير / السيسى ؛ هو الرئيس المناسب فى الوقت المناسب بلا منازع أو منافس .
فالشعبية الجارفة والجماهيرية الكاسحة
التى يتمتع بها السيسى فى قلوب الملايين من المصريين ؛ ستمنحه هيبة وقوة فى مواجهة
مؤسسات الدولة ؛ ونظرا لأن مرافق وهيئات ومصالح الدولة المصرية قد نخرها الفساد
والإهمال خلال عشرات السنوات السابقة ؛ فضلاً عن أن تلك المؤسسات قد فلت عيارها
خلال 3 سنوات من عمر الثورة ؛ فإن رئيساً يتمتع بالشعبية التى تمنحه القوة والهيبة
؛ سيجعل تلك المؤسسات أطوع على الانصياع والرضوخ أمام أى إصلاحات أو إعادة هيكلة
سيقوم بها ؛ دون أدنى قدرة على معارضة ذلك الإصلاح ولو حتى بأساليب المقاومة
الداخلية الكامنة بحكم الزمن فى تلك المؤسسات ؛ وهو بالطبع الأمر الذى سيفتقر إليه
أى رئيس لا يمتلك تلك الشعبية .
علاوة على ذلك , فإن الشعبية الجارفة
تجعل مؤشر الولاء لدى الرئيس يتوجه للجماهير ؛ وليس للمؤسسات ؛ الأمر الذى يجعله
منحازاً لمطالب الجماهير العريضة ؛ وليس لمصالح المؤسسات أو مراكز القوى السياسية
أو الاقتصادية الضيقة .
ومن المعلوم فى علم السياسة ؛ أن
الشعبية المنقوصة لدى أى رئيس ؛ يتم تعويضها بتكوين دوائر من النفوذ العسكرى والأمنى
والمالى حوله فيصبح ولاءه الأول لتلك الدوائر التى تمنحه القوة . وسرعان ما تتحول
تلك الدوائر بمرور الزمن إلى حواجز تعزل ذلك الرئيس عن الشعب ؛ وتستحيل إلى مراكز
للقوى تكرس ممارسات الفساد والاستبداد مستغلة ضعف الرئيس واعتماد نظامه عليها .
إذن الشعبية الجارفة والجماهيرية
الكاسحة عامل مضاف إلى قوة الثورة ؛ لأن من يحوزها سيكون أقدر على تنفيذ مطالب تلك
الثورة ؛ لتحرره من أى ارتباط بدوائر للنفوذ ؛ بما سيجعل ولاءه الأكبر للشعب ؛ ذلك
الشعب الذى لن تتحقق مطالبه الا بتنمية حقيقية يكون لها مردود على زيادة فرص العمل
والارتقاء بالخدمات وتوفير السلع وخفض الأسعار وارتفاع المرتبات ؛ وبالطبع لن
يتحقق كل ذلك إلا بالاستغلال الأمثل لكل الموارد الطبيعية والبشرية فى المجتمع .
وبالتالى ؛ علينا أن ننحاز للشعبية
حيثما نجدها لأنها عامل قوة يؤدى إلى تسهيل مهمة من يحوزها ومنحه قدرة عظيمة لا
تتوفر لغيره ؛ تعينه على إنجاز مطالب كثيرة فى مراحل زمنية قصيرة ؛ الأمر الذى
يختصر الوقت ويكثف الجهد ويعظم النتائج .
ولكن رغم هذه الأسباب الموضوعية ؛ فإننى
لا أستطيع أن أخفى بأن هناك جانباً قدرياً فى هذا الشأن , يجعلنى أميل إلى اعتبار المشير
/ السيسى الرجل المناسب للمرحلة الراهنة والمستقبل القريب .
وهذا الجانب القدرى الغيبى ؛ ينبع من
مراقبتى خلال 3 سنوات من عمر الثورة ؛ لأسماء وشخصيات لمعت فخطفت الأبصار ثم
انطفأت على نفسها ؛ ولكوادر سياسية ناضلت منذ عشرات السنين حتى ترى لحظة الثورة
الشعبية تتجسد على الأرض ؛ ولكنها لم تنل من الشعبية مثلما نال السيسى فى شهور معدودة
؛ صار فيها نجمه المتألق يغطى على كل ضوء حوله .
لهذا أنظر دائماً إلى الشعبية أو
القبول الجماهيرى باعتبارهما عطاء من الله ؛ ورزق من لدنه يمنحه لمن يشاء.
بالطبع اتخذ السيسى موقفاً وطنياً
جريئاً بمساندته لثورة الشعب ووقوفه فى وجه جماعة إرهابية ؛ ستظل تطلب رأسه لسنوات
وسنوات قادمة .
ولكن ترتيب الظروف والأحوال ؛ واختيار
نظام الإخوان للسيسى دون غيره ليكون ـ وللمفارقة ـ عدواً لهم . كل هذه الملابسات تجعلنى
أسلم بأن يد القدر فاعلة فى هذا الأمر ؛ ربما رأفة بهذا الشعب ؟ أو ربما تنكيلاً
بجماعات الإسلام السياسى التى تتاجر بالدين ؟ العلم لدى صاحب العلم الذى بقدرته
سبحانه غالب على أمره وإن كان أكثر الناس لا يعلمون .
ولهذا فإن تجارب الحياة قد علمتنى ؛ بأن
لا أناطح تصاريف القدر . ولذلك كلما مشيت فى طريق وصادفنى عدم التوفيق ؛ كنت
أستشعر بأن رحمة الله تدفعنى إلى طريق آخر ؛ فأستجيب لرسائل السماء ؛ وأغير وجهتى
وأتوكل عليه سبحانه وتعالى .
ولذلك ؛ لا أستطيع أن أتجاهل الجانب
الغيبى فى هذه المرحلة العصيبة من تاريخ مصر المعاصر ؛ التى لا ينبغى للبعض فيها
أن يعاند القدر ؛ سواء من باب الفذلكة السياسية ؛ أو حتى من باب الحسد للسيسى .
وليس فى هذا تسويقا لفكرة الرئيس القادم من السماء ؛ حاشا لله أن نفترى على الله
بهتاناً وكذباً ؛ بقدر ما هى استلهاماً للجوهر الدينى فى الشخصية المصرية ؛ التى
تؤمن بقول الله تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل
الله لكل شئ قدرا ) .
ولكن كل هذه الأسباب الموضوعية أو
القدرية ؛ لا تعنى أن نمنح المشير السيسى تفويضاً على بياض ؛ فقد ولى زمن الزعماء
الملهمين ؛ الذين نسلمهم قيادنا ليفعلوا بنا ما يريدون وليس ما نريد .
بل ينبغى أن نأخذ من المشير السيسى
تعهداً يقر فيه بالآتى :
ـ بأن يجمع حوله رموز الثورة ومناصريها
وجنودها .
ـ وبأن يقصى من حوله الانتهازيين
وأنصار أطماع النظام السابق .
ـ وبأن يؤلف الحكومة من كوادر ثورية ؛
وبالأحرى الذين ترشحوا منهم للرئاسة ؛ والذين قادوا أحزابهم لمساندة الثورة ؛
والذين لمعوا فى تخصصاتهم ؛ حتى تتاح لهؤلاء جميعاً الفرصة لوضع أيديهم فى بطن هذه
الدولة المركزية ببيروقراطيتها العتيدة العنيدة ؛ فيكتسب هؤلاء الخبرة فى أن
يكونوا رجال دولة ؛ ويكتسب السيسى نفسه الخبرة المدنية فى التعامل مع رجال سياسة من
المفترض والأسلم أن يكونوا أنداداً له فى الكفاءة والقدرة على الإنجاز حتى وإن
تفاوتت بينهم وبينه مستويات الشعبية .
ـ وبأن لا يسمح للبعض بأن يوعزوا له ؛
بأن بعض حسنى السمعة من رجال النظام السابق قد يصلحوا لقيادة المرحلة ؛ فيتم
تصديرهم لكى يكونوا عوناً له بخبراتهم المتراكمة على إدارة الدولة ؛ لأن أمثال
هؤلاء وإن كانوا بالفعل رجال دولة ؛ إلا أنها دولة على أقل تقدير فاشلة إن لم تكن
فاسدة .
ولذلك ؛ على المشير السيسى أن يعلم ؛ بأن
صندوق السحرة القديم لم يعد يصلح لفك أعمال الحاضر . كما عليه أن يؤمن ؛ بأن مفاتيح
الماضى لا يمكن أن تفتح أبواب المستقبل .
وبالتالى ؛ ومن أجل مواجهة الإرهاب فى
الداخل , ودرء الأخطار الإقليمية القادمة من الخارج .
ومن أجل ترجمة الجماهيرية الكاسحة إلى
هيبة وقوة ونفوذ ستمثل جميعها رصيداً مضافاً لخدمة أهداف الثورة وإصلاح ما أعوج
وترهل من مؤسسات الدولة و المجتمع .
ومن أجل تحويل الشعبية الجارفة إلى انحياز
صادق لمطالب الشعب ورغبة جارفة فى إنجازها دون البحث عن دوائر مزيفة للنفوذ يمكن
أن تعوض أى شعبية ضائعة .
من أجل كل هذه الأسباب .. وبدون
التوقيع على بياض ..
أريد المشير السيسى .. رئيساً
للجمهورية ..
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق