د. محمد محفوظ .. يكتب : انتخابات الرئاسة والمعركة الخطأ وقصر النظر
السياسى
تاريخ النشر : 13 فبراير 2014
بعض
الأمور حين نرتكبها لا نستطيع محوها
قول
مأثور
اختيار المعركة الصحيحة ـ بالمعنى
السياسى ـ ربما يحسم نسبة قد تصل الى 50 % من نسب الانتصار فى هذه المعركة . بينما
اختيار المعركة الخطأ قد يمثل أولى خطوات الهزيمة فى تلك المعركة .
وبالطبع لا يعنى الانهزام فى معركة ما
؛ الخروج بالضرورة نهائياً من الملعب . ولكنه على الأغلب قد يعنى الجلوس إلى فترة
طويلة على دكة الاحتياطى .
أقول هذا وعينى على انتخابات الرئاسة ,
التى تم تعديل خارطة المستقبل من أجلها لتكون قبل الانتخابات البرلمانية . وكانت
الفلسفة التى تكمن خلف هذا التعديل تتمثل فى الحفاظ على الاصطفاف الوطنى الذى نتج
عن 30 يونيو 2013م ؛ وعدم التضحية بهذا الاصطفاف فى خضم المنافسة على مقاعد
البرلمان التى قد تؤدى إلى انقسام الشارع من أجل أهداف حزبية أو فئوية وليست
بالضرورة وطنية .
وكان الضامن لنجاح هذه الفلسفة أن
تتوحد كل القوى الثورية خلف مرشح واحد يمثل أهداف الثورة ؛ حتى وإن اقتصرت
الانتخابات عليه دون غيره ؛ باعتبار أن التوحد فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ
الثورة هو حصن الأمان فى ظل التربص من جماعة إرهابية بالداخل وأذرعها الراعية لها
فى الخارج .
ولكن يبدو أن البعض لا يتعلم من دروس
الماضى القريب أو حتى الحاضر المقيم . ولئن كان هذا البعض من الشباب الثورى الذى
يغلب عليه الحماس ؛ فإننا قد نلتمس لهم العذر . ولكن عندما يكون هذا البعض من
المحسوبين على الصف الأول من اللاعبين السياسيين ؛ فإننا نلتمس لأنفسنا نحن العذر
فى الكفر بسقطاتهم وفشلهم المزمن فى إدراك الحقائق السياسية الساطعة فى سماء الوطن
والمستقرة على أرضه .
ولقد أصابتنى خيبة الأمل ؛ عندما شاهدت
حمدين صباحى يعلن ترشحه للرئاسة بتاريخ 8 فبراير 2014م ؛ وخلفه اثنين من رموز حركة
تمرد . لإننى أيقنت وقتها بأن الدوامة التى عشنا فيها لمدة عامين ونصف قبل 30
يونيو 2013م نتيجة عدم القدرة على الاصطفاف خلف المصلحة الوطنية ؛ هذه الدوامة قد
عادت تدور من جديد لتبلع بداخلها كل عوامل الاستقرار والتوحد التى كان يمكن الحفاظ
عليها ؛ لو ارتفع البعض فوق نواقص كبريائه السياسى .
لا أعلم بصدق ؛ لماذا لا يرى حمدين
صباحى نفسه إلا رئيساً ؟!!!!
ولا أعرف , لماذا تراجع فجأة عن مقولته
الناصرية الشهيرة بأن : الشعب هو المُعلم ؟!!
ألم يسر حمدين صباحى فى شوارع مصر
وحاراتها وميادينها وساحاتها ؛ ليرى بأم عينيه ويسمع بإذنيه قدر الشعبية التى يتمتع
بها المشير السيسى فى قلوب الملايين من المصريين . فلماذا يتحدى عاطفة الشعب ( المُعلم
) ـ ولن أقول إرادته ـ ويصر على الزج بهذا الشعب فى منافسة عبثية تربكه وتعكر عليه
صفو اصطفافه خلف رجل تراه الجماهير باعتباره الزعيم الوطنى المناسب لهذه المرحلة .
ولماذا يتم شق صفوف حركة وطنية شبابية
ملهمة مثل حركة تمرد ؛ لينفرط عقدها ويتنابذ رموزها ؛ من أجل الدخول فى المعركة
الخطأ .
نعم .. المعركة الخطأ ؛ المعركة الخطأ
, المعركة الخطأ .... بالتلاتة .
فأى رجل سياسة يمتلك عقلاً راجحاً
وقدرة على قراءة الحقائق والمخاطر على الأرض ؛ ينبغى أن يجعل شاغله الشاغل هو
الحفاظ على الاصطفاف الوطنى ؛ ويتقدم كجندى ليشغل الموقع الذى تحتاجه المصلحة
الوطنية وليس المقعد الذى يطمح إليه كبريائه السياسى .
المعركة الخطأ ؛ تتمثل فى السير عكس
اتجاه الجماهير ؛ وإرباكها ؛ والدخول فى منافسة مع رجل استطاع أن يوحد خلفه غالبية
المصريين .
فالمشير السيسى هو الذى يمثل الرقم
الصحيح الذى يضيف إلى رصيد الخطوات المطلوبة لتحقيق أهداف الثورة ؛ انطلاقاً من
شعبيته الجارفة التى ستجعل انتمائه لمطالب الشعب بمثابة ترجمة بالضرورة لهذه
المطالب .
ولذلك فإن منافسة السيسى فى انتخابات
الرئاسة تمثل المعركة الخطأ ؛ التى ستشق الاصطفاف الوطنى ؛ وتجعل قطاعاً من التيار
الثورى خصماً للرجل الذى يقف وراءه قطاع عريض من الشعب , فتصبح الفرصة متاحة لفلول
النظام السايق لينفذوا إلى الرجل أو يتجمعوا حوله أو يسدوا الفراغ الذى نشأ عن
ابتعاد مجموعة من رموز الثورة عنه .
ولكن إذا كانت منافسة المشير السيسى فى
انتخابات الرئاسة هى المعركة الخطأ ؛ فما هى المعركة الصحيحة ؟
المعركة الصحيحة من استقراء الأحداث
والحقائق فى الملعب السياسى , تتمثل فى معركة الانتخابات البرلمانية .
نعم الانتخابات البرلمانية .. التى
ينبغى أن تستعد لها كل الفصائل المخلصة لأهداف الثورة تحت لواء واحد يضم الجميع
وليس ألوية متنافسة , لمواجهة تيار الاسلام السياسى او فلول النظام السابق الذين
يمتلكون المال السياسى العابر للحدود والخارق للذمم .
لاسيما وأن الدستور الجديد يعطى سلطات لمجلس
الوزراء فى مواجهة سلطات رئيس الجمهورية ؛ بما يجعل منصب رئاسة الوزراء رقم لا
يمكن تجاهله فى معادلة تحقيق أهداف الثورة , ويجعل الأغلبية البرلمانية التى ستشكل
الحكومة هى القاعدة التنفيذية والتشريعية الضامنة لتحقيق هذه الأهداف .
إذن المعركة الصحيحة هى معركتنا
الحقيقية , التى لا تتمثل فى انتخابات الرئاسة وإنما فى الانتخابات البرلمانية .
وليسمح لى حمدين صباحى بأن أسأله :
ماذا سيفعل هو وتياره الشعبى عندما
يثبت لهما الشعب المُعلم بأن تحدى اختياراته العفوية سيكون لها ثمن فادح سيدفعانه
من شعبيتهما الجماهيرية . فيخسر الوطن بذلك قطاعاً من رموز الثورة وجنودها فى
معركتنا الحقيقية ؛ معركة الانتخابات البرلمانية .
ولماذا يصبح حمدين صباحى منافساً
للسيسى بينما يمكن أن يصبح رئيساً للوزراء أو وزيراً ثورياً ؛ لو حشد فكره وجهده
مع مناصريه فى تكوين تحالف مدنى ثورى قوى من كل الأحزاب الوطنية غير المتأسلمة ؛
فيحصل هذا التحالف على الأغلبية البرلمانية ويفوز بتشكيل الحكومة.
لماذا يتحالف حمدين صباحى دائما مع
التيار الخطأ مثلما انضوى مع جماعة الإخوان تحت لواء ( التحالف الديمقراطى من أجل
مصر ) فى انتخابات برلمان 2011م ؛ فخدعوه . ولم يكلف نفسه عناء التحالف مع ( الكتلة
المصرية ) أو تحالف ( الثورة مستمرة ) .
ربما يسطر حمدين صباحى بخياراته
الخاطئة وقصر نظره السياسى الذى يجعله دائما يتصدى للمعركة الخطأ ؛ ربما يسطر
نهاية تاريخه السياسى ؛ ليصير المرشح الرئاسى الذى خسر مرتين ؛ وبالطبع لن تكون
هناك مرة ثالثة .
ولكنه هذه المرة لن يخسر فقط مقعد
الرئاسة ؛ بل سيخسر ثقة الجماهير إن لم يكن احترامها .
*****
دكتور
/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق