هل يخذل المصريون الثورة ؟
تاريخ النشر : 4 نوفمبر 2011
بقلم دكتور/ محمد محفوظ
اللهم خذ لعثمان منّىِ حتى ترضى
[ الصحابى / طلحة
بن عبيد الله .. رضى الله عنه ]
تتحول علامات
الاستفهام إلى مشانق تلتف حول الرقاب عندما لا تعقبها أجوبة ؛ وكثيرة هى التساؤلات التى طرحتها الثورة المصرية بينما كنا
ننتظر منها الأجوبة . ولكن يبدو أن الثورات لا تطرح إلا التساؤلات ؛ بينما ينبغى
علينا نحن أن نقدم الأجوبة .
ولعلنا بعد 9 شهور
من عمر الثورة لم نقدم أى اجابة واحدة شافية وافية ؛ تزيل الغمام الذى يحيط
بالمستقبل فيجعله أشبه بالمفاجأة المفزعة المتربصة .
قامت الثورة ومنذ
أسبوعها الأول انشقت الصفوف ؛
قد يكون الكل اتفق حول هدف إسقاط النظام ؛ ولكن الكل اختلف حول الخطوة التالية .
انتشى الشباب الذين
كانوا طليعة الثورة ؛ وبدلاً من الاتحاد تحت راية واحدة ؛ بدأوا فى تكوين ائتلافات
متعددة ؛ وبدلاً من التنسيق مع القوى السياسية القائمة بدأوا فى التعالى عليها
باعتبارها جزء من النظام القديم . وبدلاً من أن يقدموا آلية محددة لكيفية تشكيل
مجلس رئاسى مدنى انتقالى ؛ قدموا رؤية مبهمة تخلو من أى آلية لتشكيل مجلس رئاسى
مختلط يضم 1 من العسكريين و 4 من المدنيين . وعندما وصلنا ليوم 19 مارس كان المجلس
العسكرى قد تمكن من الانفراد بالسلطة واعتبر الاستفتاء على التعديلات الدستورية
بمثابة تفويضا له لقيادة الفترة الانتقالية منفرداً وحده دون شريك .
وانتشى الإسلاميون
الذين وجدوا المجلس العسكرى يفتح لهم الطريق باختيار أحد المفكرين الإسلاميين على
رأس لجنة التعديلات الدستورية ؛ وباختيار أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين ضمن
عضوية هذه اللجنة ؛ بالإضافة إلى الإفراج عن عبود الزمر وفتح المجال للتيار السلفى
لكى يبدأ فى الدخول إلى الساحة السياسية . وكانت مناسبة التعديلات الدستورية هى
اللحظة الفاصلة التى افترض فيها هذا التيار أنه يخوض معركة حاسمة لجذب المواطنين إلى
قناعاته التى يخلط فيها بين الشريعة والاستقرار فى صيغة سياسية انتهازية ممجوجة ؛
انتهت وفقاً لتصوراتهم بهزيمة ساحقة للتيار الداعم للدولة المدنية الذى لم يجنى إلا
4 ملايين صوت فى مقابل 14 مليون صوت للتيار الذى يدعم توجهاتهم . وكان هذا إيذاناً
بتسليم البلاد على طبق من ذهب للمجلس العسكرى ؛ فلقد منحه الإسلاميون الفرصة
للانفراد بقيادة الفترة الانتقالية فى مقابل أن يقدم لهم غنيمة الانتخابات أولاً ؛
وفى الوقت الذى كانت فيه باقى قوى الثورة تدعو لمليونيات للاعتراض على ممارسات
المجلس التى تصب فى صالح الثورة المضادة ؛ كان الإسلاميون يقاطعون كافة هذه
الفاعليات كنوع من المساندة لتوجهات المجلس العسكرى . وهكذا استخدم المجلس الإسلاميين
لضرب التيارات الليبرالية التى أشعلت الثورة ؛ وعندما تحقق غرضه بدأ ينزع من يده قفاز
الإسلاميين لكى يضعها فى قفاز المبادئ الدستورية التى تكفل للمؤسسة العسكرية أن
تعمل على تأمين رموزها وامتيازاتها التى استمرت لمدة 60 سنة منذ قيام انقلاب يوليو
1952م .
أما الأحزاب القديم
منها والجديد ؛ فلم تبن نفسها على أسس أيدلوجية وإنما اصطفت خلف رموز سياسية ؛
بحيث أصبح تضخم الذات له الأولوية عن العقيدة السياسية ؛ وبدلاً من الانضواء تحت
حزب سياسى ليبرالى واحد أو يسارى واحد أو قومى واحد أو إسلامى واحد ؛ تفرقت الصفوف
وتنازعت الأهواء ؛ وأصبح العدد فى الليمون ؛ والجوهر ولا يحزنون . وبالتالى عندما
جاءت لحظة الانتخابات وبدأت تظهر فى الأفق فكرة التحالفات ؛ استمرت خطيئة تضخم
الذات ؛ وكانت التحالفات مضيعة للوقت والجهد والشرف السياسى ؛ ولم تفرز إلا مسوخ
انتخابية ستتلاكم بالأيدى وتتراكل بالأقدام تحت قبة المجلس ؛ بينما مصلحة الشعب ستتوه
وتضيع فى أروقة ولجان ومؤمرات هذا المجلس ؛ الذى سينشغل بانتخاب جمعية تأسيسية
لوضع دستور يضمن الديقراطية ولا يقترب من امتيازات العسكر !!! ويحصن المادة
الثانية من الدستور ويؤكد على مدنية الدولة !!! ويعزز رقابة الشعب على الموازنة
العامة ولا يمس ميزانية الجيش !!!!!!!
وأما الـ 14 مليون
الذين قالوا نعم من أجل المادة الثانية من الدستور ؛ ومن أجل الاستقرار ؛ فقد مرت
حتى الآن 9 شهور من الـ 6 شهور المقررة للفترة الانتقالية !!! وهانحن جميعاً
نتساءل أين الاستقرار .. رار .. رار ؟؟؟؟؟؟ وأين المادة الثانية من الدستور التى
تتحدث عن الشريعة بعد أن أصبحت هذه الشريعة ملكاً للسلفيين والجماعة الإسلامية
والأخوان المسلمين الذين يرون أنهم هم حماة تلك الشريعة ؛ رغم أن الشريعة منهم
براء ؛ لأن ما يرددونه ليل نهار هو تفسيرهم هم لهذه الشريعة وليس هو جوهر ومضمون تلك
الشريعة الطاهرة الشريفة المنزهة عن الباطل وعن الأغراض .
وأما شوارع هذا البلد وطرقه وحواريه التى احتضنت
وحملت ملايين الأقدام والأجساد التى نادت بإسقاط النظام ؛ فقد أزكمتها رائحة جبال
الزبالة التى كومتها أيادى الأهمال والتنبلة والفساد التى مازالت ترتع فى إدارات
أحياء مصر ومدنها تحت رعاية محافظين من الفلول أتباع الفلول .
وأما مشارح هذا
البلد فقد أضناها رقاد الجثامين التى دهستها المركبات والمدرعات بينما قانون
الطوارئ معلق فوق الرقاب يقتنص من يرسم على الحائط أو يكتب مقالاً أو يقدم برنامج
؛ ولا يقترب من أى قاتل ندل مجرم معتدٍ أثيم .
.. الشعوب التى لا
تجيب على أسئلة الثورة ؛ عليها أن تدفع الثمن غالياً وفادحاً حتى تصل يوماً ما إلى
الإجابات . وإذا كانت الأسئلة صعبة والإجابات أصعب ؛ فإن كثيراً من الموت والخوف
والجوع وقليلاً من الأموال والثمرات ستكون هى جزاء غير الصابرين ؛ الذين طال عليهم
الأمد بعد مرور 18 يوماً فقط ؛ فنسوا ما ذُكروا به وقست قلوبهم وفرغت عقولهم ؛
وساروا من جديد على درب صناعة المستبدين ؛ فخذلوا أنفسهم .. وخذلوا الثورة .
.. اللهم خذ للشهداء
والمصابين .. من المجلس العسكرى .. ومن مجلس الوزراء .. ومن لجنة التعديلات
الدستورية .. ومن الإخوان المسلمين .. ومن السلفيين .. ومن الليبراليين .. ومن
اليساريين .. ومن غير المكترثين .. ومنّىِ أنا كاتب هذا المقال .. حتى ترضى .................
******
دكتور /
محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق