07 أغسطس 2014

الداخلية .. من أحلام الهيكلة إلى عار الأخونة

عقيد دكتور/ محمد محفوظ .. يكتب : الداخلية .. من أحلام الهيكلة إلى عار الأخونة

جريدة اليوم السابع بتاريخ  : 31 مارس 2013 ؛ صفحة رقم 7
تاريخ النشر : 31 مارس 2013

الذى مازال يضحك ؛ لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب   
الكاتب المسرحى الألمانى : برتولد برخت

لم يعد هناك مجال للشك ؛ بعد مرور أكثر من عامين على الثورة ؛ من أن الجالسين على مقاعد السلطة فى مصر ؛ لا تتوفر ليهم الإرادة السياسية أو حتى الإرادة الأخلاقية لهيكلة وزارة الداخلية .
لم تتوفر الإرادة السياسية أو الأخلاقية لدى المجلس العسكرى ـ طوال عام ونصف عقب الثورة ـ لمجرد الاعتراف بتلك الهيكلة ؛ باعتباره كان أحد أركان النظام القديم ؛ ومن ثم كان ينظر للثورة بعين المداهنة ؛ متوجساً من إصرار الثوار على إعادة بناء وتنظيم كل المؤسسات التى اعتمد عليها النظام السابق فى استمراره ؛ وفى القلب منها المؤسستين الأمنية والعسكرية . لذلك حافظ المجلس العسكرى على وزارة الداخلية كما هى ؛ ليحصنها من هرمونات التغيير التى لو تمكنت منها ؛ لانتشرت فى باقى المؤسسات ؛ وعلى رأسها المؤسسة العسكرية .
كما لم تتوفر الإرادة السياسية أو الأخلاقية لدى الرئيس الإخوانى وجماعته ؛ انطلاقاً من العقيدة الراسخة لدى جماعة الإخوان المتأسلمين فى حتمية إعادة تشكيل هوية المجتمع المصرى وأسلمته وفقاً لتصورات محرفة ومشوهة للإسلام ؛ تنطلق من معطيات الفكرة الإخوانية التى هى عابرة للحدود والأوطان والقوميات ؛ وتسعى لإعادة إحياء دولة الخلافة الإسلامية الغاربة ( غير الراشدة ) بكل استبدادها وديكتاتوريتها ؛ تمهيداً للوصول إلى وهم ( أستاذية العالم ) .
ونظراً لأن القوى السياسية الوطنية المدنية الديمقراطية ستعارض بالضرورة تلك العقيدة وتلك الرؤية الإخوانية ؛ باعتبارهما انقلاباً على أهداف الثورة التى قامت فى الأساس لاستعادة الطبيعة المدنية الديمقراطية للدولة التى استلبها العسكر طوال 60 عاما ؛ وليس لطمس ذلك الطابع المدنى الديمقراطى وإحلال ديكتاتورية دينية فاشية محل ديكتاتورية عسكرية ساقطة .
لذلك لن يسعى الرئيس الإخوانى وجماعته إلى إنشاء جهاز شرطة عصرى يحترم حقوق الإنسان ويخضع لسيادة الدستور والقانون ؛ إذ أنه ينظر لجهاز الأمن الحالى بعقيدته القمعية باعتباره جهاز مثالى لقمع المعارضة المتصاعدة احتجاجاً على الانحراف عن أهداف الثورة . ومن ثم ؛ يمكن من خلال تلك الرؤية أن نفهم دواعى استرضاء الرئيس الإخوانى لجهاز الشرطة ؛ ووصفه للشرطة فى خطابه العجيب بمعسكر الدرّاسة للأمن المركزى بتاريخ 15 مارس 2013م ؛ بأنها كانت فى القلب من ثورة 25 يناير !!!
لا أمل إذن فى هيكلة وزارة الداخلية لبناء شرطة عصرية تحترم حقوق الإنسان وسيادة الدستور والقانون . فالمعارضة المتصاعدة فى مصر ضد حكم الإخوان نتيجة فشلهم المذرى فى تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين ؛ ونتيجة احتقارهم للدستور والقانون والقضاء والإعلام ؛ ستؤدى إلى المزيد من المواجهات الدموية بين الشرطة والشعب ؛ الأمر الذى سيؤدى بالضرورة إلى تدمير أى جسور للثقة كان يمكن إعادة ترميمها بين المواطنين وجهاز الأمن ؛ وبالتالى ترضخ الشرطة لواقع الارتماء فى أحضان النظام الإخوانى بعد تيقنها من اتساع الهوة بينها وبين الشعب ؛ ومن ثم يصبح الحديث عن أى هيكلة لجهاز الأمن فى ظل هذا المناخ ؛ بمثابة عرض للتمثيل الصامت ( البانتومايم ) أمام مجموعة من العميان .
ولكن الأخطر من ذلك ؛ أن استمرار توريط جهاز الشرطة فى مواجهات دموية مع الشعب ؛ سيؤدى إلى إنهاك الجهاز وتسليمه بضرورة اقتصار نشاطه على أعمال الأمن العام ؛ وإنشاء جهاز آخر يتولى مهمة حفظ أمن النظام وقمع المعارضة المتصاعدة . وهنا ستظهر إلى الوجود كتائب المليشيات الإخوانية ؛ التى يسعى الإخوان لتقنين وجودها تحت شعارهم الشهير : أعدوا ؛ استنساخاً من التجربة الإيرانية فى إنشاء ميليشيات الحرس الثورى التى قام آيات الله بتشكيلها عام 1979 م لالتهام الثورة الإيرانية ؛ والتنكيل بمفجريها الحقيقيين من الليبراليين واليساريين ؛ من أجل النجاح فى الانفراد بالحكم . لذلك أنشأ آيات الله وضعاً دستورياً قانونياً يضمن بقاء حرس الثورة الإسلامية المسمى إعلامياً بـ ( الحرس الثورى ) الإيرانى ؛ من خلال طبخ المادة رقم 150 فى الدستور الإيرانى التى تنص على الآتى :
( تبقي قوات حرس الثورة الإسلامية التي تأسست في الأيام الأولى لانتصار هذه الثورة راسخة ثابتة من اجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. ويعين القانون حدود وظائف هذه القوات ونطاق مسؤوليتها فيما يخص وظائف ونطاق مسؤولية القوات المسلحة الأخرى مع التأكيد علي التعاون والتنسيق الأخوي فيما بينها ) .
وكما هو معلوم ؛ فإن الحرس الثورى الذى نشأ مع قفز آيات الله على الثورة ؛ ثم تكفل بمهمة قمع المعارضة الإيرانية وذبحها ؛ قد أصبح واقعاً دستورياً لحراسة جمهورية ولاية الفقيه وانفرادها بالسلطة.
... لا هيكلة إذن للداخلية فى ظل حكم الرئيس الإخوانى وجماعته ؛ وإذا نطق حزب الحرية والعدالة أو نطقت الجماعة أو نطق الرئيس الإخوانى بكلمة : الهيكلة ؛ فاعلموا أن المقصود بها : الأخونة ؛ أى إعادة تنظيم الجهاز بما يضمن ولاءه التام والمطلق للجماعة والمرشد والرئيس وحزب الحرية والعدالة ؛ وليس للشعب والدستور والقانون وحقوق الإنسان .
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق