د. محمد محفوظ .. يكتب : خطاب مرسى العجيب الغريب فى الأمن المركزى
تاريخ النشر : 16 مارس 2013
إن صفة الاستبداد، كما
تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق الذي تولّى الحكم بالغلبة أو الوراثة، تشمل أيضاً
الحاكم الفرد المقيد المنتخب، متى كان غير مسؤول .
عبد الرحمن الكواكبى
كتاب : ( طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد )
اضطررت إلى أن أصدق عينىّ ؛ عندما رأيت
الرئيس الذى يصفه أنصاره بأنه الرئيس المدنى المنتخب ؛ يقف صباح يوم الجمعة 15
مارس 2013م ؛ وسط قوات الأمن المركزى فى معسكر الدراسة بالقاهرة . رغم أنه كان فى
اليوم السابق مباشرة يلقى كلمة تلفزيونية مسجلة لاسترضاء أهالى بورسعيد الذين سقط
منهم يوم 26 يناير 2013م ما يزيد عن 40 شهيداً وأصيب منهم ما يزيد عن 870 مواطناً
؛ على يد قوات الأمن المركزى .
اضطررت إلى أن أصدق عينىّ ؛ لأن الصورة
لا تكذب ؛ ولإننى قمت فى البداية بفرك عينىّ ووضع قطرة ؛ ثم بدأت البحلقة فى
المشهد التلفزيونى المتتابع ؛ ولكن لا مجال لأى تهيؤات أو هلاوس بصرية ؛ فالصورة
حقيقية ؛ فالرئيس يقف وسط قوات الأمن المركزى التى قتلت المصريين فى أحداث 25 ـ 28
يناير 2011م رمياً بالرصاص والخرطوش أو دهساً بالمدرعات .
الرئيس يقف وسط القوات التى استمرت خلال
العامين الماضيين وفى كل المواجهات الدامية بشارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء
وفى شارع القصر العينى وفى كل شوارع وميادين محافظات مصر الغاضبة ؛ استمرت تقتل
المصريين وتفقأ عيونهم وترشق أجسادهم ببلى الخرطوش أو الرصاص ؛ وتسمم صدورهم وتحرق
ما تبقى من عيونهم بكميات هائلة من الغازات المسيلة للدموع .
اضطررت إلى أن أصدق عينىّ ؛ عندما رأيت
الرئيس بشحمه ولحمه وكسمه ورسمه ولحيته ونظارته وبدلته ؛ يبادر بزيارة الأمن
المركزى لاسترضاء جنوده وقياداته ؛ بعد إضراب عدد من هذه القوات وتمردها نتيجة
الزج بها فى مواجهة دامية مع الشعب . فإذا بزيارة الرئيس حتى لو كان لم يفتح فمه
بأى كلمة ؛ تقدم لهم الرسالة الضمنية التى تقول: اثبتوا ورابطوا فأنا أقف فى صفكم
؛ وأى سوء أو عقاب أو حساب أو قضاء لن يمسكم ؛ واصلوا المواجهة الدامية مع الشعب
وأنا أقف فى ظهركم .
اضطررت إلى أن أصدق عينىّ ..
ولكننى لم أستطع أن أصدق أذنىّ ؛ عندما
استمعت إلى خطاب الرئيس الذى كانت مدته 10 دقائق . نعم كانت مدته 10 دقائق فقط ؛
ولكنها كانت كافية لتزرع الغصة فى قلبى ؛ وتحبك الدهشة والذهول والقرف والامتعاض
والاشمئزاز على عقلى .
كان الخطاب عجيباً غريباً يفوق حدود التصور
والخيال ويتجاوز أى هلاوس سمعية ؛ ويؤكد بأن من يحكم مصر الآن لم يقرأ الدستور
الذى سلقته ـ فى ليلة سوداء ـ جماعته ؛ ولم يقرأ قانون الشرطة ـ الذى مازالت تحافظ
عليه دون أى تعديل ـ جماعته . ولكن الأدهى من ذلك ؛ أن من يحكم مصر الآن بلا ذاكرة
؛ بل ويحتقر التاريخ المعاصر الذى عايشناه جميعاً ؛ ويهزأ من الثورة وحقائقها
ومحركيها ومصابيها وشهداءها .
قال مرسى الذى يصفه أنصاره بأنه الرئيس
المدنى المنتخب فى خطابة العجيب الغريب وسط قوات الأمن المركزى ؛ قال بالحرف
الواحد فى الدقيقة 2 و 40 ثانية : ( .. وأنا معكم الآن أشعر بأن مصر كلها تنظر إلينا
.. تنظر إليكم .. يا أبناء مصر .. هذا الشعب العظيم بكل مكوناته .. المدنيين ..
العسكريين .. والعسكريين هم .. القوات المسلحة .. وأبناء وزارة الداخلية بكل
مكونات الشرطة والعاملين فيها .. ) .
ياليلة سوخة .. يانهار مدوحس .. الرئيس
ما قراش الدستور اللى وصفته جماعته بإنه أحسن دستور فى العالم ؛ وما قراش قانون
الشرطة .
ما قراش المادة رقم 194 من الدستور
التى تنص على الآتى : ( القوات المسلحة ملك للشعب مهمتها حماية البلاد والحفاظ على
أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هى التى تنشئ هذه القوات ؛ ويحظر على أى فرد
أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية ...
) .
وما قراش المادة رقم 199 من الدستور
التى تنص على الآتى : ( الشرطة هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية،
وتؤدى واجبها فى خدمة الشعب، وولاؤها للدستور والقانون، وتتولى حفظ النظام والأمن
والآداب العامة، وتنفيذ ما تفرضه القوانين واللوائح، وتكفل للمواطنين طمأنينتهم
وحماية كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم، وذلك كله؛ على النحو الذى ينظمه القانون، وبما
يمكن أعضاء هيئة الشرطة من القيام بواجباتهم ).
وما قراش المادة رقم 1 فى قانون الشرطة
التى تنص على الآتى: ( الشرطة هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية تؤدي وظائفها وتباشر
اختصاصها برئاسة وزير الداخلية وتحت قيادته ، وهو الذي يصدر القرارات المنظمة
لجميع شئونها ونظم عملها ) .
وبالتالى الرئيس اللى ما قراش مادتين
فى الدستور ومادة فى قانون الشرطة ؛ ما يعرفش إن الشرطة هيئة مدنية نظامية ؛ ووصف
نظامية لا يعنى إنها عسكرية أو شبه عسكرية ؛ وبالتالى هيئة الشرطة بالمختصر المفيد
وبالمفتشر هيئة لا تنتمى بأى حال إلى العسكريين ؛ لأن العسكريين بنص الدستور لا
ينتمون إلا إلى القوات المسلحة يعنى الجيش ؛ فالعسكريين بنص الدستور لا مكان لهم
إلا فى القوات المسلحة .
بس الرئيس عشان مش عايش معانا فى مصر
إلا بجسده لأن قلبه وعقله عايشين فى غزة ؛ فمن الطبيعى إنه ما قراش وبالتالى ما
يعرفش إن الشرطة ـ اللى هو رئيسها الأعلى ـ هيئة مدنية نظامية ؛ وبالتالى حشره
لهيئة الشرطة ـ بكل أبناءها ومكوناتها والعاملين فيها ـ وسط العسكريين أمر مستهجن
ومخالف للدستور ؛ وإقحام للشرطة فى خندق لا يجوز لها أن تدخل فيه ؛ وهو خندق الصفة
العسكرية ؛ المحظور بنص الدستور إسباغها على أى جهة إلا القوات المسلحة .
ولكن الرئيس ما يعرفش .. واللى ما
يعرفش يقول : عدس .. واللى يقرف يقول : إف أو إخيييييييييييييه .
ولكن ياريتها جت على أد كده .. لكن
الرئيس خلاها خل .. ومن كتر حبه للشرطة ـ اللى بهدلت جماعته قبل الثورة وبقدرة
قادر بقت بتدافع عنها بعد الثورة ـ من كتر حبه ليها خلاها فى القلب من ثورة 25
يناير ؛ والله العظيم مش بنفترى على الراجل ؛ ولا بنأول كلامه ؛ واقروا إيه اللى
قاله الرئيس ؛ بالكلمة والحرف .
قال مرسى الذى يصفه أنصاره بأنه الرئيس
المدنى المنتخب فى خطابة العجيب الغريب وسط قوات الأمن المركزى ؛ قال بالحرف
الواحد فى الدقيقة 6 و44 ثانية : ( .. هذا عبورنا الثالث ؛ كان العبور الأول
والشرطة جزء منه هو عبور أكتوبر 1973 ؛ وكان العبور الثانى والشرطة فى القلب منه
أيضاً هو 25 يناير 2011 ؛ وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون 25 يناير هو أيضاً
عيد الشرطة وذكرى ما ضحت به الشرطة ضد الاستعمار وضد المحتل .. ) .
ياخبر أسود .. ياليلة كحل مالهاش آخر
.. يانهار مدوحس كله نحس .. الشرطة كانت فى القلب من 25 يناير 2011 ؛ ليه هى
الشرطة قامت معانا بالثورة ضد نفسها ؛ وكمان الرئيس بيفكرنا إن 25 يناير هو عيد
الشرطة اللى ضحت وكافحت الاستعمار ؛ ونسى تماما إن 25 يناير 2011 كان ضد الشرطة
اللى ذلت الشعب لحماية النظام .
هل يمكن لأى شخص يحترم سلامة القوى
العقلية لمن يخاطبهم أن يقول ذلك ؛ وإذا قال ذلك بالفعل ؛ فإن مسألة سلامة القوى
العقلية تبقى مسألة معروف بالضبط من هو فاقدها .
وبالتالى ؛ واضح من سياق الخطاب العجيب
الغريب ؛ أن وصف الرئيس المدنى لا ينطبق على الرئيس ؛ لأن الرئيس المدنى لا يصف
هيئة مدنية بأنها عسكرية ؛ بما يدفعنا للشك فى مفهومه لمعنى المدنية ؛ ومن ثم
مفهوم أنصاره أيضاً لهذه المدنية !!!!!
علاوة على ذلك ؛ فأن الرئيس المنتخب ؛
لا يعتمد فى بقائه بالسلطة على قوات للحرس الجمهورى لحمايته من الذين انتخبوه ؛
وقوات للأمن المركزى لقمع وقتل معارضيه !!!!!
ومن ثم ؛ فإن الرئيس ـ بدون أى وصف
مرافق ـ قد أكد لنا فى خطابه العجيب الغريب ؛ بأن الرئيس والشرطة إيد واحدة ..
الرئيس والشرطة إيد واحدة .. وزغرتى يا انشراح .
وبالتالى أصبح الثوار فى كل ميادين مصر
؛ يعرفون : لماذا لم تتغير الشرطة حتى الآن ؟ ولماذا لم تتم إعادة هيكلة وزارة
الداخلية حتى الآن ؟
لأن الإجابة ببساطة : أن لوزارة
الداخلية رئيس يحميها ؛ وبالتالى هى ستبادله الحماية بأكثر منها
وزيادددددددددددددة !!!!!!!!!!!!!!
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لينك الخطاب :
*****
دكتور
/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق