تعالى على حِجر عمو
تاريخ النشر : 3 يونيو 2012
دكتور/
محمد محفوظ
الغباء هو أن تكرر
عملاً فاشلاً بنفس الخطوات وتنتظر نتيجة مغايرة
( أينشتاين )
إذا كان " الفشل السياسى "
هو العنوان الأبرز لكل ممارسات القوى السياسية الثورية فى مصر ؛ منذ 11 فبراير 2011م
وحتى الآن . إلا أن " الغباء السياسى " ربما يكون هو التطور الطبيعى
للحاجة الفاشلة ؛ مع الاعتذار لشويبس .
فسلسلة الفشل المتصاعدة لم تعد قاصرة
فقط على تكبيل الاقدام ؛ بل بدأت تلتف حول العقول . وأصبح المنطق البسيط الذى قد
يحتكم إليه رجل الشارع العادى ؛ هو المنطق المعتمد لدى طائفة كبيرة من القوى
الثورية ؛ التى أعمتها كراهية النظام السابق عن تذكر سبب قيام الثورة أصلاً ؛
فتناست أن الثورة لم تقم فقط لإسقاط مبارك ؛ وإلا لو كان هذا هو سبب قيام الثورة ؛
فقد سقط مبارك وخلاص باى باى . كما أن الثورة لم تقم فقط لإسقاط نظام مبارك ؛ وإلا
فإن حلول أى نظام آخر مهما كان أسوأ من النظام السابق يعنى انتصار الثورة .
الثورة ـ يا إخوتى الثوار ـ قامت من أجل
بناء نظام ديموقراطى ؛ لذلك ينبغى ألا تعمينا كراهية النظام السابق عن تذكر هذه
الحقيقة . وبالطبع لن يمكننا وضع طوبة واحدة فى هذا البناء الديموقراطى لو تم
تركيز السلطة فى يد تيار واحد أو فصيل واحد ؛ حتى لو كان يتحدث باسم الدين ؛ لأن حقائق
التاريخ تثبت أن أى سلطة ترتكب أخطاء أثناء ممارستها لعملها ؛ وعدم وجود فصيل آخر
منافس لها فى أحد أبنية السلطة سيؤدى إلى الطرمخة والتستر على هذه الأخطاء ؛ وكلما
تراكمت هذه الأخطاء دون محاسبة أو عقاب أو مراجعة ؛ كلما ارتفعت وأصبحت حاجزاً بين
الناس والقائمين على السلطة ؛ وحينئذ يبدأ النظام فى الانفصال عن الشعب .
وهذا هو بالضبط ما حدث مع النظام
السابق ؛ الذى لم يكن رموزه ورجاله من الشياطين بالوراثة ؛ وإنما صاروا شياطيناً
بالممارسة لغياب الشفافية وانعدام المحاسبة .
وربما يجادل البعض ؛ بأن الكثير من
الدول الديموقراطية يتولى مقاليد كل السلطات فيها ـ من حين إلى آخر ـ فصيل سياسى
واحد أو حزب واحد ؛ ولا ينتقص هذا من ديموقراطيتها شيئاً .
ونرد على ذلك بأنها دول ديموقراطية
أصلاً ؛ ترسخت فيها أسس وقواعد الديموقراطية وحكم المؤسسات واحترام حقوق الأقليات والفصل
بين السلطات وسيادة القانون والتدول السلمى للسلطة ؛ ولذلك لم يعد من الخطورة
بمكان أن يتولى الحكم فيها تياراً واحداً . ولكن فى حالتنا المصرية فنحن مازلنا لم
نضع طوبة واحدة فى بناء الديموقراطية ؛ والتمكين لفصيل واحد لكى يحتكر كل السلطات
سيؤدى بالضرورة إلى إعادة إنتاج الاستبداد والدكتاتورية مرة أخرى .
لذلك ؛ فإن حصن الأمان يتمثل فى
الاتجاه نحو الطريق الذى يتيح لنا تقسيم السلطة ؛ وتوزيعها بين فصيلين ؛ حتى وإن
كان كل منهما أسوأ من الآخر .
وبالتالى ؛ ينبغى علينا طالما تم وضعنا
فى خانة اليك ؛ أن نعلم بأن الاختيار الأصوب يتمثل فى قطع الطريق على أى فرصة لإعادة
احتكار السلطة فى مصر فى يد فصيل واحد ؛ حتى لا يتم اعادة إنتاج نظام البطش
والاستبداد .
وعلينا أيضاً أن نعلم بأن نظام البطش
أو الاستبداد لا يحتاج من أجل إقامته لأفراد أو أشخاص أو رموز بعينهاً ؛ وإنما هو "
حالة " تقوم فى أساسها على احتكار كل السلطات فى يد واحدة ؛ بما يمنع من أى
محاسبة أو مراقبة ؛ فتتراكم الأخطاء حتى تتحول إلى خطايا ؛ ثم يحدث السقوط المريع
أو الانفجار المروع ؛ ويدفع الجميع الثمن فادحاً .
الصورة واضحة بالنسبة لى تماماً ؛
وليست ملتبسة ؛ وتستمد هذا الوضوح من عدم تسممها بنوازع الكراهية التى تشوه الإدراك
السليم ؛ وتجعل الرؤية عاطفية أكثر منها عقلانية .
يرى البعض من الثوار ؛ أن ثوريتهم
تمنعهم من التفكير ـ مجرد التفكير ـ فى التصويت لأحمد شفيق ؛ لأن كراهية النظام
السابق ودماء الشهداء تجعل بينهم وبينه ثأراً مطلوبا ودماً مهدوراً . وبالتالى
يهديهم تفكيرهم ؛ من أجل الانتقام للدماء التى سالت ومن أجل قطع الطريق على أى
عودة للنظام السابق ؛ إلى الجلوس بكل ارتياح على حِجر " عمو : مرسى " .
بينما يضيف البعض الآخر ـ إلى ما سبق ـ
المخازى التى ارتكبها " الإخوان " فى حق الثورة ؛ من أجل رغبتهم الشبقية
المريضة فى الوصول للسلطة إلى حد التواطؤ مع المجلس العسكرى ؛ ومن ثم يجد هؤلاء
أنه من المحرم عليهم ثورياً الجلوس على حِجر " عمو : مرسى " .. أو حِجر "
عمو : شفيق " .
والواقع ؛ أن الثوار لتناسيهم للسبب
الذى قامت من أجله الثورة ؛ فقد راحوا يبحثون عن الحِجر الذى يجلسون عليه ؛ بينما استذكار
السبب الذى قامت من أجله الثورة ؛ هو الذى يجعل حِجرهم هم فقط هو المؤهل لكى يجلس الآخرين
عليه .
لذلك ؛ أشعر بالأسى عندما أرى البعض يلهث
لإعداد وثائق وضمانات وتعهدات ومبادرات لطرحها على مرسى أو شفيق ؛ تمهيداً للتصويت
لمن يتعهد بأكبر قدرٍ منها . وكأن هؤلاء نسوا أن كلا المرشحين لا عهد لهما ؛ فمن
قامت الثورة ضد فساد نظامه لا عهد له ؛ ومن أدار ظهره إلى الثورة لانتهازيته لا
عهد له أيضاً . فعن أى شئ تتعاهدون إذا كان المتعهد لا عهد له .
ولعل أكثر ما أدهشنى ؛ مبادرة الإخوان
لتشكيل حكومة ائتلافية بقيادة الدكتور البرادعى ؛ ياسلام .. البرادعى أصله بيرضع
من البزازة ؛ عشان يقبل يتم تعيينه رئيس حكومة ائتلافية فى ظل رئيس إخوانى وبرلمان
إسلامى ؛ وبعد شهر ولا اتنين يتم فبركة أزمة تؤدى لإقالة الحكومة ؛ وأهلاً وسهلا
بالحكومة غير الائتلافية الإخوانية والهيمنة الكاملة على كل السلطات ؛ وباى باى
الحكومة الائتلافية ؛ لأن المُحَلل فى الغالب بيبقى مجرد كوبرى يتعدى عليه ؛ ويتقال له باى باى بعد استنفاذ
الغرض منه .
كفاية بقى هرتلة وتهييس وكلام خايب
مدهون بالزبدة اللى حتسيح مع أول طلعة شمس .
الأمر واضح بالنسبة لى ؛ فليس الأمر
قائماً على البرامج أو التعهدات أو مدى الابتعاد أو الاقتراب من النظام السابق أو حتى
من الثورة ؛ الأمر بالنسبة لى يشبه المثال التالى :
تم أسر شخص والحكم عليه بأن يتم حبسه
داخل قفص للحيوانات المفترسة ؛ ولكنهم خيروه بين أن يوضع معه فى القفص حيوان مفترس
واحد أو حيوانان مفترسان . فإن اختار هذا الشخص الحيوان المفترس الواحد فهو مأكول
لا محالة ؛ أما إذا تأنى وأدار الأمر داخل رأسه ؛ فإنه سيكتشف أن وجوده مع حيوانين
مفترسين داخل القفص قد يوفر له فرصة للنجاة ؛ لأن هناك احتمال كبير بأن يحاول كل
حيوان القضاء على الآخر حتى يستأثر بمفرده بالفريسة ؛ وهذا الصراع بينهما قد يؤدى
إلى إضعاف كليهما ؛ أو يؤدى إلى خروج أحدهما من الصراع واهن القوى بعد قضائه على
الآخر فيسهل القضاء عليه ؛ أو أن ينتهى الصراع بموت كليهما .
هكذا أرى الأمر ـ لا سحر ولا شعوذة ـ
ولكنه حسابات وموازين قوى ؛ لأنه طالما تم وضع الثورة بين خصمين ـ خصمين لبعضهما
البعض وخصمين للثورة ـ فمن الأفضل أن نختار الطريق الذى يسمح بصراعهما ؛ وليس الطريق
الذى يسمح بتمكين وهيمنة أحدهما دون الآخر .
وفى تقديرى ؛ أن تقسيم السلطة فى مصر
بين خصمين ؛ هو الذى سيعطى الفرصة للثورة لكى تجد مساحة زمنية تمارس فيها فرصة
بناء " الكيان السياسى " الجامع للقوى الثورية ؛ وفرصة صياغة " البرنامج
السياسى " المترجم لأهداف الثورة ؛ بما يسمح للتيار الثورى بأن يتعامل مع
فترة الـ 4 سنوات القادمة باعتبارها الفترة الانتقالية الحقيقية . لأنه وإن كان البعض
يعتقد بأن الفترة الانتقالية ستنتهى يوم 30 / 6 / 2012م ؛ إلا أن الواقع سيقرر لو
تم تقسيم السلطة فى مصر بين تيارين ـ أحدهما فى الرئاسة والآخر فى الحكومة
والبرلمان ـ بأن الفترة الانتقالية الحقيقية ستبدأ يوم 1 / 7 / 2012م .
إذن ؛ ينبغى علينا أن نختار تقسيم
السلطة فى مصر ما بعد الثورة ؛ لأن الوقائع والحقائق على الأرض تؤكد بأن الثورة
المصرية فقدت جزءً كبيراً من قوة دفعها الهادرة التى بدأت بها ؛ ومن ثم أصبح
واضحاً أنه لن يمكنها تحقيق نتائج سريعة وفورية . فحقائق الحاضر تؤكد بأن الثورة
المصرية ـ بقوة دفعها الواهنة الحالية ـ لن تحقق نتائجها إلا على المدى الزمنى
الطويل وليس القصير ؛ ولكن بشرط أن تتوفر المساحة الزمنية لاستعادة قوة الدفع
الثورية ؛ وكل هذا لن يمكن تحقيقه لو هيمن تيار واحد على السلطة فى مصر .
الأمر إذن واضح ؛ لن نجلس على حِجر "
عمو : مرسى " ؛ فنعطى السلطة لتيار واحد ليبنى نظاماً أسوأ من النظام السابق
. ولن نجلس على حِجر " عمو : شفيق " أو نتفاوض معه أو نحصل منه على
التعهدات ؛ لأن دماء الشهداء وأموال المصريين وصحتهم وكرامتهم بيننا وبينه .
ولكننا سنقول لكليهما : تعالى على حِجر عمو يا بوز الإخص ؛ فنفتح الطريق لتقاسم
السلطة بينهما .
الأمر واضح بالنسبة لى ؛ سأستبعد "
مرسى " ؛ لفتح الطريق نحو ما يؤدى إلى تقسيم السلطة لأول مرة فى مصر .
أما من سيقبلون دعوة " مرسى
" ويجلسوا على حِجر عمووو ؛ فعليهم أن يتعظوا من كل أخطاءهم السابقة ؛ والا
فإنها فى هذه المرة ستتحول إلى خطايا .
فأول أخطاءهم كانت عندما قبلوا الجلوس
على حِجر المجلس العسكرى وبدأوا فى ترديد المقولة البائسة : الجيش والشعب إيد
واحدة ؛ وعندما بدأ البعض منا يشكك فى نوايا المجلس العسكرى ؛ كالوا لنا الاتهامات
بأننا نريد هدم المؤسسة العسكرية .
وهاهم الآن يشرعون فى السير فى طريق
آخر أخطاءهم ؛ عندما يروجون للجلوس فى حِجر الإخوان وبدأوا يهتفون : الإخوان
والثورة إيد واحدة .
يا إخوانا ؛ اتعلموا من أخطائكم ؛ لأن
الغباء كما قال أينشتاين : أن تكرروا نفس العمل الفاشل بنفس الخطوات وتنتظروا
نتيجة مغايرة .
وبالتالى ؛ إحنا اللى ناخد الاتنين على
حِجرنا ؛ ونخليهم يتخانقوا مع بعض ؛ أو يتفقوا مع بعض فيكتشف الشعب إن ما فيش فرق
بينهم ؛ أو يخلّص واحد منهم على التانى ونستفرد باللى فاضل وهو دايخ ونخلّص عليه .
أو هما الاتنين يخلّصوا على بعض وربنا يريحنا منهم شيلة واحدة .
حِجر عمووو يا إخوانا سواء كان بدقن أو
ببندقية ؛ ما يتقعدش عليه لأن به شئ مدبب ؛ وغير صالح إلا لحاجة واحدة !!!
لذلك .. أفيقوا من نوبة الغباء السياسى
؛ واحشدوا الناس لاستبعاد المرشح الذى سيؤدى استبعاده إلى تقسيم السلطة فى مصر ؛
وعدم هيمنة فصيل واحد عليها .
*****
دكتور/
محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق