07 أغسطس 2014

25 يناير القادم مابين الاحتفال والاحتجاج وإعادة الإحياء

25 يناير القادم مابين الاحتفال والاحتجاج وإعادة الإحياء

تاريخ النشر : 11 يناير 2012

بقلم دكتور / محمد محفوظ

يترقب الجميع ما ستسفر عنه الذكرى الأولى لثورة 25 يناير ؛ وتتباين التوقعات بقدر تباين التوجهات فى الواقع المصرى ؛ الذى بات مشروخاً بعمق الاستقطابات أو حتى التحالفات .
وتوضح الحقائق على الأرض بأن القوى التى تقف على الساحة تنقسم إلى 4 قوى كالأتى :
1ـ المجلس العسكرى ؛ الذى بات بعد عام من وقوع الثورة بعيداً تماماً عن مبادئها وأهدافها ؛ وأدت إدارته الفاشلة والبائسة والتآمرية للفترة الانتقالية إلى تمزق القناع الذى كان يحجب وجهه الحقيقى المناهض للثورة ؛ وإلى انكشاف توجهاته الحقيقية فى الرغبة المستميتة فى الدفاع عن امتيازاته المالية والقانونية وحصانة أعضائه ضد أى مساءلة عن جرائم الفساد المالى أو جرائم القتل والعاهات المستديمة والتعذيب وهتك العرض التى ارتكبها ضد المصريين. وهذه الرغبة المستميتة لا تنشغل كثيراً بالثمن الذى ينبغى إهداره من دماء وثروات الشعب للوصول إلى ذلك الهدف ؛ لأن العسكريين لا يعترفون بأنصاف الحلول ؛ فإما النصر أو الهزيمة ؛ كما لا يتحرجون كثيراً من حرمة الدماء ؛ لأن الخسائر فى الأرواح بالنسبة لهم هى مجرد معدلات طبيعية وحتمية تقتضيها أى معركة . وهم يديرون تلك المعركة بنفس أساليب الحرب النفسية التى تعتمد على إطلاق الشائعات وتدبير المؤامرات التى تخدم تلك الشائعات ؛ وذلك لتوجيه الرأى العام فى اتجاه محدد يخدم الغاية الرئيسية وهى الانتصار فى المعركة . والمعركة هنا ضد محاولة إعادة احياء الثورة ؛ والانتصار هنا يعنى النجاح فى إزهاق أى محاولة لاعادة الإحياء باستخدام كل الوسائل ومهما كانت التضحيات .
2ـ التيارات الدينية ؛ وهى تيارات بحكم التعريف السياسى تيارات راديكالية أو متشددة تقف فى أقصى يمين الطيف السياسى لأى مجتمع طبيعى أو ديمقراطى . كما أنها بحكم الضرورة ينبغى ألا توجد فى أى مجتمع ديمقراطى إلا كأقلية سياسية معارضة ؛ أو ربما حاكمة ضمن ائتلاف ليست لها فيه الأغلبية . ولكن فى المجتمع المصرى الذى هو وفقاً للتوصيف العلمى مازال غير ناضج سياسياً أو ديمقراطياً ؛ ومازال شعبه فى طور مرحلة المراهقة السياسية نتيجة طول عقود الاستبداد التى مرت بها مصر ؛ فى هذا المجتمع قد تنقلب الآية فتصبح أشد القوى السياسية تشدداً هى الأكثر قدرة على التعبير عن ذهنية المجتمع فى المرحلة ما بعد الثورية . فالجماهير غير الناضجة سياسياً لا تقتنع إلا بالخطاب العاطفى الذى قد يكون ضحل سياسياً ولكنه مؤثر نفسياً ؛ وبالطبع يصبح الخطاب الدينى الانفعالى وليس العقلانى هو صاحب الكلمة العليا فى مجتمع متدين شكلياً ؛ بما يقدم للمتدينين شكلياً الوصفة السهلة لخداع الذات وبأنهم مهما تناقضت أعمالهم مع معتقداتهم فهم مازالوا فى خندق الإيمان. وبالطبع فإن الأغلبية البرلمانية للتيارات الدينية المترتبة على هذا التوصيف المجتمعى ؛ تضع نصب أعينها بأن النصر فى معركتها التاريخية المقدسة من أجل أسلمة المجتمع قد جاء عن طريق الانتخابات وليس الاغتيالات ولا العمل السرى ؛ وبالتالى فإن أى إحياء للثورة مرة أخرى قد يقلب المائدة ويضع قواعد جديدة فى صلب دستور ثورى جديد ؛ بما يحتم ضرورة حل البرلمان وإعادة الانتخابات وفق ثوابت دستورية ديمقراطية جديدة قد تتشدد فى مواجهة الدعاية الانتخابية الدينية ؛ ومن ثم تخسر هذه التيارات أغلبيتها البرلمانية التى حملتها لها أمواج غياب النضج السياسى ودوامات المراهقة السياسية . وبالتالى حتى تحافظ هذه التيارات الدينية على مكاسبها الانتخابية ؛ فلابد لها من التحالف مع القوة التى تؤيد نفس الهدف وهو وأد أية محاولة لإعادة إحياء الثورة ؛ وبالطبع هذه القوة هى : المجلس العسكرى .
3ـ القوى الثورية ؛ التى حملت لواء الثورة ومازالت ؛ وهى قد تبدو محدودة بحكم العدد ولكنها فاعلة بحكم النقاء الثورى والقدرة على الحشد والتأثير ؛ وتبنى مطالب الثورة التى تسعى لإقامة نظام جديد يمثل قطيعة مع النظام السابق . وهذه القوى تؤمن بأن إعادة إحياء الثورة فريضة وطنية ومسئولية تاريخية ؛ وفرصة للتكفير عن الأخطاء الفادحة التى تم ارتكابها مع بداية الثورة والتى كان من أكثرها جسامة : التسليم للمجلس العسكرى بقيادة الفترة الانتقالية ؛ وشق الصفوف الناجم عن هستيريا إنشاء الائتلافات والأحزاب  المتعددة . لذلك تنتظر هذه القوى يوم 25 يناير القادم باعتباره الحامل لقوة معنوية كامنة يمكن أن يتكرر تفجرها فى شرايين الشعب المصرى بما يجدد الزخم المتوهج للثورة ؛ ويزيح المجلس العسكرى من المشهد لكى يتصدره الثوار مرة أخرى .
4ـ الشعب المصرى ؛ وهو شعب محكوم بميراث استبدادى موغل فى القدم بما شوه قدرة الناس على فهم أو استيعاب القيمة الحقيقية لترسخ مبادئ وقيم وممارسات الحرية فى المجتمع. وبالتالى ثمة خوف غير مبرر ـ فوبيا ـ من الحرية مغروس فى وعى الشعب المصرى نتيجة طول عهود القهر التى كانت تحاول تشويه سمعة المجتمعات الحرة بدعوى أنها مجتمعات منحلة أخلاقياً أو كافرة دينياً أو مفككة اجتماعياً . ولذلك يستجيب الناس لأى دعاية مضادة تحاول النيل من قيمة الحرية لاسيما وإن كانت دعاية تستغل النوازع الدينية الكامنة فى الضمير الجمعى . وانطلاقاً من هذا التوصيف فإن الغالبية التى صوتت للتيار الدينى سواء فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية أو فى الانتخابات تنظر إلى يوم 25 يناير القادم باعتباره مناسبة احتفالية للابتهاج والاحتفال بالنصر الذى حققه ممثليها فى الانتخابات ؛ وسيدعم من ذلك الشعور الاحتفالى المظاهر والأنشطة والفاعليات التى ستؤكد عليها قيادات الأحزاب الدينية لتمنع خروج التجمعات الجماهيرية عن السيطرة فلا تتحول إلى مظاهرات أو اعتصامات احتجاجية ؛ يؤازرها فى ذلك المجلس العسكرى الذى سيحشد الشائعات أو يدبر المؤمرات التى تقدم لقوات الأمن أو الجيش المبرر للتدخل لفض أية تظاهرات أو اعتصامات تنذر بإعادة إحياء الثورة . ولا شك بأن الجانب الأقل من الجماهير الذى يمكن أن يخرج فى مظاهرات احتجاجية سيتكون من الأقباط الذين مازال حتى الآن يتملكهم الذهول المشوب بالقلق وعدم الاطمئنان ؛ نتيجة حصول التيارات الإسلامية على الأغلبية البرلمانية ؛ ومن ثم سيمثل خروجهم رسالة ضاغطة تؤكد بأننا هنا ونرفض إعادة رسم وتلوين الهوية المصرية وفقاً لمراتب غير متساوية على سلم المواطنة . كا سيؤازر الاقباط فى توجههم الاحتجاجى كل التجمعات التى صوتت للأحزاب الداعمة للدولة المدنية لإحساسها بأن هناك من اختطف ثمار الثورة المصرية لكى يتراجع بمصر إلى الوراء بدلاً من أن تقفز للأمام . ولا شك بأن كل التجمعات الاحتجاجية ـ لو لم يتم قمعها ـ يمكن أن تساهم فى توهج زخم الثورة ومن ثم إعادة مظاهر إحيائها .
ولكن السؤال الموجع : ما هى الوسائل  التى يمكن أن يستخدمها المجلس العسكرى هو وحلفاؤه لكى يمنعوا إحياء الثورة ؟؟؟
فى تقديرى ؛ فإن تلك الوسائل لن تخرج عن الآتى :
ـ نتائج التحقيقات مع بعض الرموز المؤيدة للثورة فى تهمة التحريض على أحداث مجلس الوزراء ؛ والتى فى حالة صدور قرار باتهامهم وإحالتهم إلى المحاكمة قد تمثل محاولة لتشويه هذه الرموز وتدمير مصداقيتهم أمام الرأى العام ؛ بما يمثل رسالة معنوية سلبية بالغة التأثير يخصم من رصيد القوى الثورية فى الشارع .
ـ جلسة مجلس الشعب الأولى التى ستنعقد يوم 23 يناير فى خطوة استباقية للذكرى الأولى للثورة ؛ والتى ستتضمن الكثير من المعانى والدلالات والرسائل التطمينية والتخديرية التى ستحاول الأغلبية البرلمانية ذات التوجهات الدينية توصيلها لجماهير الشعب خلال الكلمات التى سيتم إلقائها بمعرفة رموزها فى تلك الجلسة لتفويت أى فرصة لإعادة إحياء الثورة .       
ـ نشوب مصادمات وحرائق واعتداءات على المنشآت أو المرافق العامة يوم 25 يناير ؛ بما يعطى المبرر لقوات الأمن والجيش بالتدخل لضرب كرسى فى الكلوب وتفريق أى مظاهرات وفض أى اعتصامات ؛ وبالطبع سيتوجه أصبع الاتهام فى تلك الأحداث إلى الطرف الثالث الذى أصبح جاهزاً دائماً للقتل والحرق والتدمير دون أى ملاحقة أو مساءلة ؛ اللهم إلا إذا تصاعد مخطط إلقاء تهمة تحريض وتمويل الطرف الثالث على الثوار ورموز الأحزاب المدنية ؛ وهى تهمة بدأت خلال الأسبوع الماضى أولى بشائر تلفيقها لبعض رموز الثورة ؛ بما يؤكد أن السيناريو سيتصاعد خلال الفترة المتبقية حتى يوم 25 وخلال فاعلياته !!!!
... إذن سيأتى يوم 25 يناير باعتباره الذكرى الأولى للثورة ؛ بينما تتنازعه اتجاهات وقوى أغلبها ليست منشغلة بأهداف أو أحلام تلك الثورة ؛ بما يجعل منه يوماً احتفالياً فى نصفه الاول يغلب على الحاضرين فيه وصف عواجيز الفرح ومحبى النأوزة والتأليس والتهييس لمحاولة التشويش على أى مظاهر احتجاجية . بينما قد يحمل نصفه الثانى أو الأخير فلول البلطجية لهدم الصوان على المعتصمين فيه ؛ لتظهر من خلفهم قوات الأمن والجيش لإخلاء الصوان أو بالأحرى الميدان ؛ وسط سرينات سيارات الإسعاف لرفع ونقل القتلى والمصابين ........
... وما بين المشهد الاحتفالى المشمول بالرعاية ؛ والمشهد الاحتجاجى المطلوب قمعه لوأد أى محاولة لإحياء الثورة ؛ تبدو مصر المستقبل وهى تتحسر على ثورة لم تكتمل ؛ وبدأ العد التنازلى لتصفية أو محاصرة كل رموزها ...........
  
*******

دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق