08 أغسطس 2014

30 يونيو .. تحطيم أصنام الإسلام السياسى

د. محمد محفوظ .. يكتب : 30 يونيو .. تحطيم أصنام الإسلام السياسى

تاريخ النشر : 1 يوليو 2013

فَكَأَيِن مِّن قرْيَةٍ أَهلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ
فهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئرٍ معَطَّلَةٍ وَقصرٍ مشِيدٍ
﴿سورة الحج ـ الآية ٤٥﴾

سيذكر التاريخ بأن يوم 30 / 6 / 2013 ؛ هو علامة فارقة على طريق التحول الديمقراطى فى الثقافة الإسلامية العربية . فبينما التقطت الشعوب الحاضنة لهذه الثقافة مع نهايات عام 2010 وبدايات عام 2011 طرف خيط ( إرادتها المسلوبة ) بعد ميراث طويل من القهر والاستبداد والاستعباد . إلا أنه على الجانب الآخر ؛ فقد كانت معركة هذه الشعوب لالتقاط طرف خيط ( وعيها المغيب ) مؤجلة إلى حين . فرغم انكشاف مدى قبح القوالب الفكرية التى استندت إليها الديكتاتوريات العسكرية بأركان دولتها البوليسية ؛ إلا أن تمترس الديكتاتوريات الدينية القديمة والمعاصرة خلف تهويمات متأسلمة خادعة تتستر بالمقدس الإلهى أوالنبوى لتمرر من خلالهما منتجها المحرف المناقض بفجاجة لصحيح الدين ؛ هذا التمترس كان يؤخر ويعطل ويكبح القدرة على ممارسة هذا الكشف والفضح لتلك الديكتاتوريات المتسربلة زوراً بالدين .
سيذكر التاريخ بأن بدء احتراق المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين فى الساعات الأخيرة من ليل 30 / 6 والساعات الأولى من 1 / 7 / 2013 ؛ هو قفزة كبيرة على طريق بناء الوعى بمدى خطورة التساهل مع الديكتاتوريات الدينية ؛ التى أفرز هياكلها وقواعدها الفكرية ما يسمى بتيار الإسلام السياسى الذى غزا الفكر الإسلامى ؛ وحرف الكثير من مضامين هذا الفكر لخدمة مشروعه الخاص فى الهيمنة على العالم باسم الإسلام .
لا يعتبر المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين بمصر الكائن بهضبة المقطم ؛ مجرد بناء أو عقار أو مكتب إدارى ؛ وإنما هو رمز لهذه الجماعة اليمينية المتطرفة التى استطاعت خلال ما يزيد على الـ 80 عاماً ؛ أن تقدم نفسها باعتبارها الحفيظة على مشروع الإسلام السياسى ليس فى مصر فقط وإنما فى العالم العربى والإسلامى ؛ وفى الدول الغربية بشقيها الأوربى والأمريكى ؛ بل وفى الدول الإفريقية والأسيوية ؛ وذلك من خلال ما يسمى بالتنظيم الدولى للإخوان المسلمين .
ولم تكن القاعدة الفكرية التى استندت لها تلك الجماعة ؛ هى وليدة لنشأتها عام 1928؛ بل استمدت جذورها من الصراع السياسى الذى بدأ فور وفاة الرسول من خلال الترويج لحديث منسوب للرسول عليه الصلاة والسلام بأن : الأئمة من قريش ؛ ثم استعرت نيران هذا الخلاف بين أبناء قريش أنفسهم فى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان والخليفة الرابع على بن أبى طالب والخليفة الخامس الحسن بن على ؛ الذى تنازل عن الخلافة للخليفة الأموى الأول معاوية بن أبى سفيان ؛ لتدخل الدولة العربية الإسلامية منذ ذلك الوقت مرحلة الملك الوراثى ؛ الذى كان هو الشكل الوحيد للحكم الشائع فى العالم أنذاك . بما يؤكد بأن الإمبراطوريات الإسلامية السياسية سواء أكانت الأموية أم العباسية أم العثمانية ؛ كانت بحكم الواقع بعيدة نهائياً عن أليات تداول الحكم غير الوراثية التى تم اعتناقها بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام .
ولكن تلك الامبراطوريات لم تكتف بذلك ؛ بل قامت بتحريف النصوص أو تأويلها بعيداً عن معناها ؛ بل وقامت بإنشاء نصوصها الخاصة ؛ التى عملت من خلالها على تصوير الرسول عليه الصلاة والسلام باعتباره حاكم وقائد وزعيم ؛ لكى تنقل الانطباع بأن القائمين على أمر هذه الإمبراطوريات هم خلفاء للرسول فى الحكم والقيادة والزعامة ؛ وذلك فى اعتداء صارخ ودنئ على مكانة الرسول الروحية التى تضعه فى موقع ( المُبلغ ) عن الله سبحانه وتعالى وهو موقع لا يدانيه أى موقع آخر ؛ لذلك وصفوا الرسول بالحاكم والقائد العسكرى والمؤسس لأول دستور ( دستور المدينة ) ؛ كما وصفوه بالمشرع الذى يمتلك سلطة التأسيس لنصوص شرعية تنسخ أحكام القرآن الكريم ذاته .
وبهذا صار الوجه السياسى للرسول منذ ذلك الحين ؛ له الريادة على وجهه الدعوى الشريف ؛ بحيث أصبح الإسلام من هذا المنظور بمثابة حركة سياسية تسعى لحكم العالم ؛ وليس دعوة روحية تسعى لإصلاح النفوس ومن ثم تؤدى للإصلاح فى الأرض .
وبالتالى ؛ يمثل الإسلام السياسى الوجه المحرف للدين الإسلامى ؛ والذى أدى إلى تغييب الوجه الروحى للدعوة الإلهية الفطرية الطاهرة ؛ لكى تحل محلها أيدلوجية سياسية يمينية عنصرية عنيفة متطرفة ؛ تنظر إلى العالم باعتباره كله مسرحاً لهيمنتها ؛ ولتصنيفه ما بين الكفر والإيمان ؛ وما بين دار للحرب ودار للسلام .
لهذا .. يمثل مشهد احتراق المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين ؛ ضربة الفأس الأولى الساحقة الماحقة لقواعد أصنام تيار الإسلام السياسى ؛ الذى أقام شرعيته منذ وفاة الرسول على التأويل القسرى المتعسف للنصوص المقدسة أو تحريفها أو اصطناعها ؛ من أجل خدمة الأغراض السياسية للأسر الحاكمة من ( بنى قريش ؛ أو بنى عثمان ؛ أو بنى الإمام الغائب ) .
ضربة الفأس الأولى لهذا المقر الرمز الأم ؛ الذى يمثل النواة المركزية لتنظيم الإخوان العالمى ؛ هى بداية النهاية لهذا التيار على المستوى الفكرى والعملى . فبينما ينضح هذا الفكر بعفن العنصرية وعطن الطغيان والاستبداد ؛ فإن ممارساته العملية تنز هى الأخرى بصديد الفشل وانعدام الكفاءة واحتكار السلطة وإنكار المسئولية . ولئن كانت سموم الفكر تغيب عن العامة من الناس ؛ فإن كوارث الممارسة تجفف أرزاقهم وتطحن أعمارهم وتسلبهم حرياتهم .
ولهذا ؛ سيدخل الناس أفواجاً فى مواكب الكفر بالإسلام السياسى ؛ متحصنين بإيمانهم الفطرى بصحيح الإسلام وجوهره النقى وقوامه الحنيف ومنبعه الإلهى العظيم  .
لا مكان للإسلام السياسى فى مستقبل الشعوب ذات الأغلبية الإسلامية ؛ وأى حديث من أتباع المثالية الليبرالية عن ضرورة الاعتراف بالإسلام السياسى باعتباره فصيل سياسى ينبغى أن يظل لاعباً داخل الملعب الديموقراطى ؛ هو حديث يتبناه أنصار الشيفونية الديمقراطية الليبرالية ؛ الذين يبالغون فى حب الليبرالية والديمقراطية إلى حد تسليمها كضحية لألد أعداءها .
أى حديث عن ضرورة السماح لتيار الإسلام السياسى بالعمل الحزبى هو خيانة للديموقراطية ؛ فالأحزاب والتيارات التى تتبنى أيدلوجيات قسرية لتغيير هوية المجتمعات أو تعتنق أفكاراً عابرة للقوميات والدول من أجل الهيمنة على العالم ؛ هى كيانات معادية للديموقراطية ولا يجوز السماح لها بأن تستفيد من أدواتها وآلياتها .
دستور مصر الثورة ؛ ينبغى أن يحظر إقامة أى أحزاب ذات مرجعية تنتمى لتيار الإسلام السياسى ؛ باعتباره أيدلوجية خارجة عن صحيح الدين ومحرفة لأصوله الإلهية ؛ وباعتباره منظومة فكرية تمجد العنف وتدعم العنصرية والطائفية ؛ وتؤدى إلى تشويه الدين وتدمير المجتمع .  
أسقط المصريون فى يوم 11 / 2 / 2011 ( الشاويش ) .
وهاهم يسقطون فى يوم 30 / 6 / 2013 ( الدرويش ) .

*****
            
 دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق