د. محمد محفوظ .. يكتب : 30 يونيو .. تحطيم أصنام الإسلام السياسى
تاريخ النشر : 1 يوليو 2013
فَكَأَيِن
مِّن قرْيَةٍ أَهلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ
فهِيَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئرٍ معَطَّلَةٍ وَقصرٍ مشِيدٍ
﴿سورة الحج
ـ الآية ٤٥﴾
سيذكر التاريخ بأن يوم 30 / 6 / 2013 ؛
هو علامة فارقة على طريق التحول الديمقراطى فى الثقافة الإسلامية العربية . فبينما
التقطت الشعوب الحاضنة لهذه الثقافة مع نهايات عام 2010 وبدايات عام 2011 طرف خيط (
إرادتها المسلوبة ) بعد ميراث طويل من القهر والاستبداد والاستعباد . إلا أنه على
الجانب الآخر ؛ فقد كانت معركة هذه الشعوب لالتقاط طرف خيط ( وعيها المغيب ) مؤجلة
إلى حين . فرغم انكشاف مدى قبح القوالب الفكرية التى استندت إليها الديكتاتوريات
العسكرية بأركان دولتها البوليسية ؛ إلا أن تمترس الديكتاتوريات الدينية القديمة
والمعاصرة خلف تهويمات متأسلمة خادعة تتستر بالمقدس الإلهى أوالنبوى لتمرر من
خلالهما منتجها المحرف المناقض بفجاجة لصحيح الدين ؛ هذا التمترس كان يؤخر ويعطل
ويكبح القدرة على ممارسة هذا الكشف والفضح لتلك الديكتاتوريات المتسربلة زوراً
بالدين .
سيذكر التاريخ بأن بدء احتراق المقر
العام لجماعة الإخوان المسلمين فى الساعات الأخيرة من ليل 30 / 6 والساعات الأولى
من 1 / 7 / 2013 ؛ هو قفزة كبيرة على طريق بناء الوعى بمدى خطورة التساهل مع
الديكتاتوريات الدينية ؛ التى أفرز هياكلها وقواعدها الفكرية ما يسمى بتيار
الإسلام السياسى الذى غزا الفكر الإسلامى ؛ وحرف الكثير من مضامين هذا الفكر لخدمة
مشروعه الخاص فى الهيمنة على العالم باسم الإسلام .
لا يعتبر المقر العام لجماعة الإخوان
المسلمين بمصر الكائن بهضبة المقطم ؛ مجرد بناء أو عقار أو مكتب إدارى ؛ وإنما هو
رمز لهذه الجماعة اليمينية المتطرفة التى استطاعت خلال ما يزيد على الـ 80 عاماً ؛
أن تقدم نفسها باعتبارها الحفيظة على مشروع الإسلام السياسى ليس فى مصر فقط وإنما
فى العالم العربى والإسلامى ؛ وفى الدول الغربية بشقيها الأوربى والأمريكى ؛ بل وفى
الدول الإفريقية والأسيوية ؛ وذلك من خلال ما يسمى بالتنظيم الدولى للإخوان
المسلمين .
ولم تكن القاعدة الفكرية التى استندت
لها تلك الجماعة ؛ هى وليدة لنشأتها عام 1928؛ بل استمدت جذورها من الصراع السياسى
الذى بدأ فور وفاة الرسول من خلال الترويج لحديث منسوب للرسول عليه الصلاة والسلام
بأن : الأئمة من قريش ؛ ثم استعرت نيران هذا الخلاف بين أبناء قريش أنفسهم فى عهد
الخليفة الثالث عثمان بن عفان والخليفة الرابع على بن أبى طالب والخليفة الخامس
الحسن بن على ؛ الذى تنازل عن الخلافة للخليفة الأموى الأول معاوية بن أبى سفيان ؛
لتدخل الدولة العربية الإسلامية منذ ذلك الوقت مرحلة الملك الوراثى ؛ الذى كان هو
الشكل الوحيد للحكم الشائع فى العالم أنذاك . بما يؤكد بأن الإمبراطوريات
الإسلامية السياسية سواء أكانت الأموية أم العباسية أم العثمانية ؛ كانت بحكم
الواقع بعيدة نهائياً عن أليات تداول الحكم غير الوراثية التى تم اعتناقها بعد
وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام .
ولكن تلك الامبراطوريات لم تكتف بذلك ؛
بل قامت بتحريف النصوص أو تأويلها بعيداً عن معناها ؛ بل وقامت بإنشاء نصوصها
الخاصة ؛ التى عملت من خلالها على تصوير الرسول عليه الصلاة والسلام باعتباره حاكم
وقائد وزعيم ؛ لكى تنقل الانطباع بأن القائمين على أمر هذه الإمبراطوريات هم خلفاء
للرسول فى الحكم والقيادة والزعامة ؛ وذلك فى اعتداء صارخ ودنئ على مكانة الرسول
الروحية التى تضعه فى موقع ( المُبلغ ) عن الله سبحانه وتعالى وهو موقع لا يدانيه
أى موقع آخر ؛ لذلك وصفوا الرسول بالحاكم والقائد العسكرى والمؤسس لأول دستور (
دستور المدينة ) ؛ كما وصفوه بالمشرع الذى يمتلك سلطة التأسيس لنصوص شرعية تنسخ
أحكام القرآن الكريم ذاته .
وبهذا صار الوجه السياسى للرسول منذ
ذلك الحين ؛ له الريادة على وجهه الدعوى الشريف ؛ بحيث أصبح الإسلام من هذا
المنظور بمثابة حركة سياسية تسعى لحكم العالم ؛ وليس دعوة روحية تسعى لإصلاح
النفوس ومن ثم تؤدى للإصلاح فى الأرض .
وبالتالى ؛ يمثل الإسلام السياسى الوجه
المحرف للدين الإسلامى ؛ والذى أدى إلى تغييب الوجه الروحى للدعوة الإلهية الفطرية
الطاهرة ؛ لكى تحل محلها أيدلوجية سياسية يمينية عنصرية عنيفة متطرفة ؛ تنظر إلى
العالم باعتباره كله مسرحاً لهيمنتها ؛ ولتصنيفه ما بين الكفر والإيمان ؛ وما بين
دار للحرب ودار للسلام .
لهذا .. يمثل مشهد احتراق المقر العام
لجماعة الإخوان المسلمين ؛ ضربة الفأس الأولى الساحقة الماحقة لقواعد أصنام تيار
الإسلام السياسى ؛ الذى أقام شرعيته منذ وفاة الرسول على التأويل القسرى المتعسف
للنصوص المقدسة أو تحريفها أو اصطناعها ؛ من أجل خدمة الأغراض السياسية للأسر
الحاكمة من ( بنى قريش ؛ أو بنى عثمان ؛ أو بنى الإمام الغائب ) .
ضربة الفأس الأولى لهذا المقر الرمز
الأم ؛ الذى يمثل النواة المركزية لتنظيم الإخوان العالمى ؛ هى بداية النهاية لهذا
التيار على المستوى الفكرى والعملى . فبينما ينضح هذا الفكر بعفن العنصرية وعطن
الطغيان والاستبداد ؛ فإن ممارساته العملية تنز هى الأخرى بصديد الفشل وانعدام
الكفاءة واحتكار السلطة وإنكار المسئولية . ولئن كانت سموم الفكر تغيب عن العامة
من الناس ؛ فإن كوارث الممارسة تجفف أرزاقهم وتطحن أعمارهم وتسلبهم حرياتهم .
ولهذا ؛ سيدخل الناس أفواجاً فى مواكب
الكفر بالإسلام السياسى ؛ متحصنين بإيمانهم الفطرى بصحيح الإسلام وجوهره النقى
وقوامه الحنيف ومنبعه الإلهى العظيم .
لا مكان للإسلام السياسى فى مستقبل
الشعوب ذات الأغلبية الإسلامية ؛ وأى حديث من أتباع المثالية الليبرالية عن ضرورة
الاعتراف بالإسلام السياسى باعتباره فصيل سياسى ينبغى أن يظل لاعباً داخل الملعب
الديموقراطى ؛ هو حديث يتبناه أنصار الشيفونية الديمقراطية الليبرالية ؛ الذين
يبالغون فى حب الليبرالية والديمقراطية إلى حد تسليمها كضحية لألد أعداءها .
أى حديث عن ضرورة السماح لتيار الإسلام
السياسى بالعمل الحزبى هو خيانة للديموقراطية ؛ فالأحزاب والتيارات التى تتبنى
أيدلوجيات قسرية لتغيير هوية المجتمعات أو تعتنق أفكاراً عابرة للقوميات والدول من
أجل الهيمنة على العالم ؛ هى كيانات معادية للديموقراطية ولا يجوز السماح لها بأن
تستفيد من أدواتها وآلياتها .
دستور مصر الثورة ؛ ينبغى أن يحظر
إقامة أى أحزاب ذات مرجعية تنتمى لتيار الإسلام السياسى ؛ باعتباره أيدلوجية خارجة
عن صحيح الدين ومحرفة لأصوله الإلهية ؛ وباعتباره منظومة فكرية تمجد العنف وتدعم
العنصرية والطائفية ؛ وتؤدى إلى تشويه الدين وتدمير المجتمع .
أسقط المصريون فى يوم 11 / 2 / 2011 ( الشاويش
) .
وهاهم يسقطون فى يوم 30 / 6 / 2013 ( الدرويش
) .
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق