07 أغسطس 2014

د. محمد محفوظ يكتب : ثورة 23 يوليو .. أخطاء أم خطايا ؟!!

تاريخ النشر : ٢٣ يوليه ٢٠١٢

د. محمد محفوظ : ثورة ٢٣ يوليو .. أخطاء أم خطايا ؟!!

من لم يتعلم من التاريخ تتعطل خطواته نحو المستقبل 
قول مأثور

عام ١٩٧٠ م عندما توفى جمال عبد الناصر ، كان عمري ٦ سنوات ، وجلست أبكي طوال مساء هذا اليوم خوفاً من دخول اليهود إلى مصر بعد موت عبد الناصر . 

كان هذا تفكيري وأنا طفل صغير وسط هذا الجو المشحون ، الذى توقفت فيه كل من برامج التلفزيون والإذاعة واقتصرت على آيات القرآن الكريم وأغنية " الوداع يا جمال يا حبيب الملايين" ؛ والذى ظهرت فيه عبارة تقول : ( أن القوالب نامت ، والنُصاص قامت ) ، وطبعاً كان المقصود بالقوالب : عبد الناصر، والمقصود بالنُصاص : السادات .

وعندما قامت حرب أكتوبر ؛ قمت بملء كراسات الرسم بمشاهد الدبابات التي تعبر على الكباري لتصل إلى الضفة الأخرى من القناة ، مخترقة خط بارليف والنقاط الحصينة . 

وعندما سافر السادات إلى القدس كنت يومها في بيت جدي بمنطقة الشاطبي بالإسكندرية ، وكانت الأسرة كلها مجتمعة أمام التلفزيون.  

وعندما تطرق السادات فى خطابه أمام الكنيست إلى تاريخ الأنبياء في المنطقة ، علق أحد أفراد الأسرة عل خطابه واصفاً إياه بأنه : غاوي حكايات . واستهواني هذا الوصف وبنيت عليه موقفي من السادات عندما أصبحت في سن المراهقة . 
وكنت أجادل المؤيدين لكامب ديفيد قائلاً : إن السادات أضاع نصر أكتوبر هباء ؛ لأن سيناء مازالت متدرجة نزع السلاح ، ولا سيادة كاملة للجيش المصري على كامل مساحتها ، وأن إسرائيل ضحكت على مصر لتخرجها من النزاع العربي الإسرائيلي وتستفرد هي بالعرب .

ومع دخولي إلى كلية الهندسة بجامعة الإسكندرية ، بدأت قراءة الكتب الماركسية واليسارية ، وكنت مبهوراً برجال وزعماء مثل ماركس وإنجلز ولينين وستالين . وقرأت كتاب كفاحي لهتلر ، وكنت أعتبره عنواناً على المسيرة العظيمة لقائد تاريخي ومفكر عملاق !! 

ولكنني لم أستمر بكلية الهندسة ، وقمت بتحويل مساري التعليمي إلى كلية الإعلام جامعة القاهرة عام ١٩٨٤م ؛ وسافرت فى نفس العام فى رحلة سياحية إلى إنجلترا والدنمارك واليونان ، وعرفت وقتها أن السفر إلى الغرب هو سفر  فى الزمان وليس فى المكان ، لأنه سفر إلى المستقبل الذى لم نصل إليه بعد فى المنطقة العربية ، وبدأت حيرتي العقلية منذ ذلك الحين ، وتمحورت حول عدة تساؤلات منها :

- كيف يكون الغرب الإمبريالي الاستعماري هو الذي يحترم حقوق مواطنيه ، ويحترم العلم والعقائد وحرية التعبير ، وكيف تكون كافة منجزات الحضارة العالمية الراهنة من إنتاجه ؟

- كيف يكون الإتحاد السوفيتي قبلة العدالة الاجتماعية ، وحصن الدفاع ضد الامبريالية ، وحامل لواء التقدمية هو الذى يقمع مواطنيه ويعصف بحقوق الإنسان ، وينشر الفقر والشقاء فى كل الدول التى تسير فى ظله ؟

واستمرت حيرتي العقلية حتى أتممت دراستي بكلية الإعلام ، ثم التحقت فى خضم هذه الحيرة بكلية الضباط المتخصصين بأكاديمية الشرطة ؛ لأتخرج ضابط شرطة ؛ وفي ظل مناخ العمل فى  وزارة الداخلية غير المتوائم مع خلفيتي العلمية والتعليمية ؛ ازدادت حيرتي العقلية ؛ مما دفعني إلى تطوير قراءاتي التي اتسعت كثيراً مع إعدادي للماجستير والدكتوراه . فتعرفت عن كثب على الفكر الديموقراطي وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية . وأيقنت وقتها بأن الديموقراطية هى الطريق السليم لكى تنهض مجتمعاتنا من تخلفها المذري .

وبمراجعتي لكل قناعاتي السابقة ؛ أيقنت بأن الزعماء الذين على شاكلة : جمال عبد الناصر ،  ليسوا إلا شخصيات تصادمية تكتسب حب الجماهير وتخلب عقولها باللعب على وتر الكراهية والتعصب ، من خلال تأليب الطبقات على بعضها البعض داخل المجتمع الواحد ، أو تأليب الشعب على شعوب الدول الأخرى التى تتصادم أيدلوجياً مع فكر الزعيم .

كما أيقنت ؛ نتيجة انخراطي داخل حصون الدولة البوليسية بوزارة الداخلية ؛ بأن حكم العسكر لا يمكن أن يقدم أية تنمية أو ديمقراطية أو احترام لحقوق الإنسان . وأن حكم بعض العسكر فى الدول الغربية ليس إلا استثناءً ، لأنها دول راسخة ديمقراطياً وتحكمها مؤسسات وليس أفراد ، و بالتالي لم يؤد حكم ديجول لفرنسا ؛ أو إيزنهاور لأمريكا إلى عسكرة الحكم . ولكن في الدول غير الراسخة ديمقراطياً يؤدي حكم العسكر إلى تحويل البلاد إلى معسكر كبير ، تحكمه قواعد السمع والطاعة والأحكام العسكرية والأوامر والتوجيهات التى لا تحتمل ولا تطيق المعارضة.

وراجعت إنجازات عهد جمال عبد الناصر فوجدتها وهماً كبيراً ، لأنها إنجازات أجهضت التعددية وخاصمت الديمقراطية وقيدت الحريات وأطلقت يد الأجهزة الأمنية . 

ووجدت أنه لا يمكن لأي إنسان يحترم إنسانيته وإنسانية الآخرين ، أن يدافع عن نظام حكم استبدادي يحتكر السلطات كلها بين يديه ، ويفتح المعتقلات لتعذيب معارضيه ، ويتعامل مع الجماهير بمنطق وزير الدعاية النازي جوبلز ، ويضحي بمصلحة بلاده من أجل شعارات قومية ورغبة مستميتة في الزعامة لتحقيق الوحدة العربية ، التي لم تصبح وحدة - بأي حال - طالما ارتهنت بزعيم أوحد وليس بزعماء متعددين . 
ولذلك فشلت الوحدة العربية بزعيمها الأوحد ، بينما نجح الاتحاد الأوربي بزعمائه المتعددين .

كما أن التصادم مع القوى الغربية المتقدمة لا يشير إلى حصافة سياسية أو ذكاء فطري ، وإنما يشير إلى رعونة واستهتار بمصالح الشعب والدولة ، من أجل أيدلوجيات لا تساهم فى إطعام الناس وكسوتهم وتعليم أبنائهم ورعايتهم اجتماعياً وصحياً . 

وبالتالي يظل هذا الموقف المبدئي قائماً فى مجال تقييم كل من : عهد السادات وعهد مبارك ، فاستمرار عدم التداول السلمي للسلطة والديمقراطية العرجاء وتزوير الانتخابات والفساد والدولة البوليسية ، كلها خطايا لا يمكن التغاضي عنها عند تقييم أي نظام حكم ، لأنها إهدار للقيم الإنسانية الفطرية التى فطر الله الناس عليها.

عندما وصلت لذلك الوعي الديموقراطى ، أيقنت إنني يجب أن أناصب كافة المستبدين العداء ، لأن الجبروت والاستبداد والظلم والطغيان ينبغي تقبيحهم فى وجدان الناس . وبالتالى لا مهادنة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكرامته وحريته التى منحها له الله تعالى . 

كما أيقنت بأن جهلي الطفولي هو الذى جعلني أبكي يوم وفاة : عبد الناصر ، لخوفي من دخول اليهود إلى مصر ، رغم  أن عبد الناصر كان هو السبب فى احتلال  إسرائيل لجزء من أرض مصر ، بينما كان موته وقدوم السادات هو الذى أخرجهم منها . 

كما أدركت أن سيناء المتدرجة نزع السلاح أفضل من سيناء المحتلة ، مثلها مثل اليابان العظيمة اقتصادياً المقيدة عسكرياً . وأن إسرائيل لم تضحك على مصر بدليل استعادتنا لطابا بالتحكيم ، والتزام إسرائيل حتى الآن بكافة بنود معاهدة السلام . وأن خروجنا من دائرة الصراع هو أمر بديهي ، فلا صراع أبدي ، ولا عداوات مستحكمة . وأن استعادتنا لأرضنا المحتلة لا يعني  تنازلنا عن دعم الأشقاء لاستعادة أراضيهم ؛ بشرط اعتناق أسلوب الواقعية السياسية ومفارقة منهج الشعارات الحنجورية .

كما أيقنت أن سذاجتي ومراهقتي الفكرية ، هي التي جعلتني أنبهر بالأيدلوجية الماركسية والفكر النازي والنظرية الاشتراكية غير الديموقراطية ، لأن انهيار الاتحاد السوفيتي كان أكبر دليل على فساد هذا الفكر وتصادمه مع الفطرة الحقيقية للإنسان .

أستعيد دائما هذه الذكريات فى كل عام عندا تحل ذكرى ثورة يوليو أو عندما تحل ذكرى وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ؛ ويزداد يقيني فى كل مرة بأن المصريين لن يستطيعوا الانطلاق نحو المستقبل لو ظلت أقدامهم مقيدة بأكاذيب الماضي الفاحشة . 

ولقد كنت أُصاب بالإحباط أثناء مشاركتي فى مظاهرات ٢٥ يناير ؛ عندما أرى بعض المتظاهرين يرفعون صور جمال عبد الناصر وشعاراته ؛ لإننى كنت أدرك بأن الشعب المصرى يستطيع أن يسقط النظام لو امتلك إرادته ؛ ولكنه لن يستطيع أن يبني نظاماً ديموقراطياً جديداً إلا لو امتلك وعيه . 

ولذلك ينبغي علينا جميعاً محاكمة ماضينا بكل جرأة وتجرد ؛ ليس من أجل الدخول فى صراعات عبثية لتمزيق ملابسنا ؛ وإنما من أجل عدم الاستسلام لخداع الذات ؛ ومن أجل امتلاك وعينا ومن أجل إحقاق الحق ؛ ومن أجل وصف كل شخص بما يستحق . فمن الخبل أن نمجد الطغاة ونحلم بالعدل ؛ ومن السخف أن نحترم  الفاشلين ونتوقع النجاح .

لذلك لن يمتلك المصريون وعيهم إلا عندما يوقنوا بأن جمال عبد الناصر وثورة يوليو قد أساءا إلى مصر وإلى الشعب المصري أكثر مما أحسنا إليها أو إليه . وعندما يعترفوا بأن جمال عبد الناصر وثورة يوليو لم يرتكبا أخطاء وانما ارتكبا خطايا ؛ دفع ثمنها أجيال وأجيال .

وبالتالى .. وحتى نمتلك وعينا .. تعالوا نتعرف معا على خطايا جمال عبد الناصر وثورة يوليو فى حق مصر والمصريين : 

أولاً : على المستوى السياسى .. ضرب جمال عبد الناصر وثورة يوليو ؛ الحياة السياسية فى مقتل ، وجمدا التطور السياسي الطبيعي للتجربة الحزبية فى مصر ، التى مهما ما كانت عليه من فساد وضعف ، فقد كان مآلها الطبيعى هو النمو والازدهار وليس التجميد و الانحسار . ولم يكن الاتحاد الاشتراكي بأى حال بديلاً طبيعياً للتجربة الحزبية ، بل كان تنظيماً شمولياً يقوم على مبادئ الانتهازية السياسية وتأليه الحاكم الفرد وتمرير السياسات الاستبدادية . ومازال الضعف الذى تعانى منه الحركة الحزبية فى مصر حتى الآن نابعاً من الخطوة الكارثية التى اتخذها جمال عبد الناصر وثورة يوليو عندما جمدا النشاط الحزبي فى مصر .

ثانيـاً : على المستوى الاقتصادي .. دمر عبد الناصر وثورة يوليو ؛ التجربة الرأسمالية الوليدة فى مصر والتى كانت تحتاج إلى المزيد من العدل الاجتماعي الذى كان سيتولد مع التطور السياسي للحركة الحزبية والعمالية والنقابية ، ولكن سياسات التأميم نصبت العسكر على مقاعد الإدارة فى المصانع وحلت عقلية الأوامر والتوجيهات الصارمة محل عقلية المرونة والتفكير العملي لدى رجال الأعمال ، ولم تصنع التجربة الناصرية لا الإبرة ولا الصاروخ ، وإنما فبركت سيارة مسخرة تسمى ( رمسيس ) كانت عنواناً على بؤس التجربة الصناعية لحكم العسكر .

ولعل الطفرة التى حدثت فى الخطة الخمسية الأولى لم تكن إلا من نتاج التراكمات المالية من تأميم الملكيات الصناعية ، وليس من نتاج قاعدة إنتاجية نشيطة تملك خلفية البحث العلمي  والعقليةالابتكارية .

بينما أدى قانون الإصلاح الزراعي إلى تخريب الاقتصاد الزراعي فى مصر عندما تم تفتيت الملكيات الزراعية وتوزيعها على الفلاحين بواقع خمسة أفدنة للفلاح ، ونسى جمال عبد الناصر بأن الشريعة الإسلامية من خلال نظام المواريث تؤدي إلى تفتيت الملكية . وبالتالى فإن الفلاح الذى حصل على ٥ أفدنة ستتفتت ملكيته الصغيرة لتتحول إلى بضعة قراريط يمتلكها أبناؤه ، وبالتالي انهار النشاط الزراعي الذي لا ينمو - وفقا لبديهيات الاقتصاد الزراعي - إلا في ظل الملكيات الكبيرة .

وكانت كارثة الكوارث فى تجربة الحكم الناصري وثورة يوليو ؛ تتمثل فى تخفيض إيجارات المساكن وتجريم خلو الرجل ، الأمر الذي أدى إلى هروب المستثمرين من بناء المساكن للإيجار والتحول إلى نظام التمليك ، وبدلاً من أن يدفع المواطن جزء من راتبه لكى يستأجر شقة ، أصبح مطلوباً منه أن يدفع ثروة لن يجمعها إلا بعد ٤٠ سنة لكي يحصل على مسكن . بينما تحولت العقارات القديمة التى أصابتها التخفيضات في القيمة الإيجارية إلى خرابات لا يمكن لملاكها صيانتها نتيجة الأجرة الزهيدة وامتداد عقود الإيجار للمستأجرين إلى ما لا نهاية .

وسيذكر التاريخ أن المناطق العشوائية وكل الضحايا الذين ماتوا تحت أنقاض العقارات القديمة المنهارة أو العقارات التمليك التى تم بناءها بعد ذلك فى عصر الانفتاح ، كلها معلقة فى رقبة عبد الناصر وثورة يوليو نتيجة السياسة الكارثية فى مجال الإسكان ، التي أدت إلى أزمة إسكان مستحكمة ليس لها مثيلاً فى أي مكان بالعالم ومازالت توابعها تتراكم يوماً بعد يوم . 

ثالثــاً : على المستوى العسكري .. تم استنزاف الجيش المصري من خلال تنصيب قيادة عشوائية على قمته تتمثل فى عبد الحكيم عامر وزير الدفاع ؛ و من خلال توريطه فى نزاعات خارجية مثل حرب اليمن ؛ ومن خلال بريق المناصب المدنية التى رأى العسكريون أن أقرانهم يغترفون فيها من ذهب السلطة وبريقها وهيلمانها بعيداً عن جفاء الحياة العسكرية وصرامتها .  وبالتالي أصبح الجيش المدخل للعمل السياسي أو الاقتصادي وليس العسكري ، مما أصاب المؤسسة العسكرية المصرية في مقتل تجلت أولى نذره فى يونيو ١٩٦٧م.

رابعاً : على المستوى الاجتماعي .. أسس عبد الناصر وثورة يوليو ؛ لفوضى طبقية كانت هى المسئولة عن تدمير الطبقة الوسطى فى مصر وليس كما يدعى غلاة الناصرية بأن سنوات الانفتاح هي المسئولة عن ذلك . فالطبقة ليست مجرد تراكم مالي وإنما هي تراكم فى العادات والتقاليد والقيم والأصول ، وبالتالي فإن تدمير طبقة ما يعني تدمير كل تلك الجوانب التى هي جزء من تراث أي أمة ، ويتعجب الإنسان من ارتباط الطبقة التى دمرها عبد الناصر وثورة يوليو بعدد كبير من الإنجازات العظيمة فى المجالات الفكرية والفنية والمعمارية والتعليمية والخيرية والسياسية والاقتصادية .

ولهذا كان تدمير الطبقة بمثابة تدمير لكافة منجزاتها ، وكأن علينا أن نبدأ دائماً من الصفر كلما جاء فرعون دمر آثار الفرعون السابق .

ولقد أدت الفوضى الطبقية إلى ترييف المدن فزحفت قيم القرية إلى المدينة ، رغم أن قيم القرية لا تصلح إلا للقرية وقيم المدينة لا تصلح إلا للمدينة . وتكفل من بعد ذلك عصر السادات بأن تزحف قيم المدينة إلى القرية ، وهكذا تم ترييف المدينة فتخربت المدن ؛ وتمدينت القرية ففسدت القرى ؛ ثم تكفل عهد مبارك بتدمير أى قيم باقية لتتساوى القرية والمدينة فى شيئين لا ثالث لهما هما : الفساد والعشوائية . 

خامساً : على مستوى العلاقات الدولية .. وهو الوهم الذى يوجع به أدمغتنا الناصريون والقوميون العرب ؛ بأن العرب كان لهم عزة وكرامة أمام باقي الأمم بفضل عبد الناصر وسياساته الخارجية . 

ولا أدري ما هو معنى العزة والكبرياء والكرامة فى العلاقات الدولية . فالسياسة هى : علم إدارة المصالح والأصول الوطنية وتنظيم المجتمعات الإنسانية . وفى الفقه السياسي المصلحة هي الإستراتيجية والولاء هو التكتيك ؛ فأينما وُجدت المصلحة اتجه مؤشر الولاء ؛ وبالتالي لا توجد فى السياسة صداقات دائمة أو عداوات مستحكمة وإنما صديق الأمس يمكن أن يكون عدو اليوم ؛ وعدو اليوم يمكن أن يكون صديق المستقبل . 

ولكن جبال الكبرياء مثل عبد الناصر يديرون العمل السياسى وكأنه قضية شخصية وكرامة ذاتية ؛ وبالتالي تندلع الحروب وتسيل دماء الشباب وتتخرب المدن ويتم تهجير سكانها ؛ وكل ذلك من أجل كبرياء وعناد رجل واحد . 

فأي كرامة تلك عندما يتحكم في أمة أو شعب كبرياء رجل واحد ، أي كرامة تلك عندما ترتهن مصائر الشعوب بالكرامة الشخصية لفرد يمكن أن يخطئ كما يمكن أن يصيب . 

وبالتالي كانت النتيجة الطبيعية لذلك الكبرياء الذى لا يسمع إلا صوت صاحبه أن يتم مسح الأرض بكرامتنا جميعا فى يونيو ٦٧ نتيجة عشوائية المشير وعناد جبل الكبرياء ، وباتت مصر دولة مهزومة معزولة على المستوى الغربي ، بل والعربي ، فقد خشى العرب على ممالكهم وجمهورياتهم وإماراتهم من تطلعات جبل الكبرياء الى الزعامة والتحكم والتسلط ....

من المفجع أن ترى الملك عارياً ؛ ولكن الفجيعة الأكبر أن يكون الملك عارياً والآخرين كلهم يرونه كذلك ماعدا أنت ؛ لأنه عندئذ عليك أن تتحمل سوء التفسير لوجودك منفرداً مع الملك وهو عاري . 

أقول ذلك ؛ لمن مازالوا بعد ثورة ٢٥ يناير يدافعون عن جمال عبد الناصر وثورته وزمانه ؛ وكنت أتمنى بدلاً من ان يكتب الأستاذ هيكل كتاباً عن : مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان ؛ أن يكتب كتاباً عن : عبد الناصر وثورة يوليو من حلم الحرية إلى كابوس الاستبداد .. 

لست من أبناء مبارك ولا من مريدي السادات ، فكلهم من معين واحد ؛ عسكر فى عسكر ، حكموا مصر بالحديد والنار ومكنوا الفاسدين والمستبدين والفاشلين من مقاعد السلطة ، فكانت النتيجة الخراب . 

كلهم سلسال واحد كان يسلم الراية لمن يليه ؛ والضحية هي مصر والشعب المصري .. 

لذلك إذا أراد الشعب المصري أن يمتلك مستقبله ؛ فعليه أن يحاكم ماضيه ليفضح المستبدين السابقين ؛ فيمتلك وعيه ؛ فينفضح المستبدون المعاصرون .......  

*****
دكتور / محمد محفوظ



هناك 4 تعليقات:

  1. رغم حبي لعبد الناصر ربما نتجة التربية لكن كلامك منطقي وعقلاني وموضوعي يجب الانسان ان يخضع ماضيه للنقد بعيد عن تقديس الاشخاص والافكار ولو تكتب مقال يتحدث عن خطايا السادات

    ردحذف
  2. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  3. يا أيها الناصريون
    لا أعبد ماتعبدون
    لكم ناصركم المهزوم
    ولي حريتي ليبراليتي
    وهكذا هم عبدة كل زعيم
    يلقي سيلا من القاذورات
    ويدخل في سجال شخصي
    ولا يرد على الموضوع
    يفصل الله بيننا يوم القيامة

    ردحذف