حساب ثروة
مبارك يجب أن يبدأ من الداخل
اقتصاد
النهب المنظم فى مصر غير المحروسة ( المنهوبة )
تاريخ النشر : 15 إبريل 2011
بقلم دكتور / محمد محفوظ
( الفساد شجرة ؛ يمكن أن
تكون ثمارها أجنبية ؛ ولكن دائماً تكون جذورها محلية )
[ قول مأثور ]
اقتصاد النهب المنظم ليس مجرد طرحٍ نظري لايجد صداه فى أرض
الواقع . وإنما هو يمثل القوة المحركة التى أدت إلى عدم زوال الدول الاستبدادية من
العالم ، وذلك لأنه ليس مجرد نهب عشوائى ؛ وإنما هو نهب منظم تمارسه الدولة من
خلال اضطلاعها بالحكم .
فلقد أدت الخبرة التاريخية إلى تراكم تجارب الدول الاستبدادية
فى مجال النهب ، ووجدت أن النهب العشوائى المكشوف يؤدى إلى وضع الدولة على حافة
هاوية الإفلاس ، بما يؤدى حتماً إلى سقوطها . ولذلك كان أسلوب النهب المنظم من
خلال الاضطلاع بمسئوليات الحكم ؛ هو خير السبل لتحقيق قدرٍ من التوازن يسمح
باستمرار الدولة والنهب معاً ؛ أو بالأحرى استمرار التنمية ( الشكلية ) والنهب
معاً.
ولقد كانت الدولة المصرية بمركزيتها المستمرة منذ فجر التاريخ ؛
صاحبة فضل وسبق فى تطوير هذا النظام الاقتصادى الذى يقوم على أسلوب " النهب
المنظم " ؛ وذلك من خلال إدارة الاقتصاد الوطنى بأسلوب ( الشركة ) التى تتكون
من شريكين : الشريك الأول هو الحكومة ؛ وتشارك فى الشركة برأس المال الذى يتكون من
كل أصول وموارد الدولة . والشريك الثانى هو الشعب ؛ ويشارك فى الشركة بالمجهود .
وبذلك يتم توزيع الجانب الأكبر من الأرباح على الحكومة صاحبة
رأس المال ، ويمثلها كل من الحاكم ( رئيس أو ملك أو سلطان أو فرعون ) بالإضافة إلى
كبار المسئولين الحكوميين ، بينما يحصل أفراد الشعب على رواتب شهرية مقابل جهودهم .
فمن خلال الاضطلاع بمسئوليات الإنفاق العام على كافة قطاعات
الدولة ومرافقها ومؤسساتها، يتقاضى كبار المسئولين الحكوميين بدءً من رئيس الجمهورية
؛ مروراً برئيس الوزراء ؛ ورئيس مجلس الشعب ؛ ورئيس مجلس الشورى ؛ والوزراء ؛ ورؤساء
الهيئات والمصالح ؛ ورؤساء مجالس الإدارة ؛ ووكلاء الوزارة ؛ ومساعدى الوزراء ؛ ومستشارى
الوزراء ؛ يتقاضى كل هذا الطابور بدلات إضافية
( دورية وشهرية وموسمية ) تساوى مئات أضعاف مرتباتهم . تتمثل فى مكافآت وحوافز ؛
وبدلات حضور اجتماعات ولجان ؛ وبدلات سفر ومأموريات ؛ وبدلات إشراف على مشروعات
وصناديق فئوية ومؤتمرات ومهرجانات .. إلى آخر قائمة طويلة من البدلات بمختلف
أنواعها وأشكالها ؛ التى تشبه قائمة نجيب الريحانى فى فيلم : أبو حلموس ؛ عندما
أثار إعجاب ناظر الوقف الضلالى بقدرته على فبركة مصروفات وهمية تتعلق بذبح خاروف (
جردل لزوم ذبح الخروف - حبل لزوم تكتيف الخروف - أجرة جزار لذبح الخروف - خرطوم
لتنظيف المكان بعد ذبح الخروف .. الخ ) .
وبهذا تحوَّل الإنفاق العام إلى المنجم الذى يُفجِّر ذهباً للمسئولين
بالدولة ، ويجنى من ورائه المسئولون الحكوميون ثروات طائلة بالمليارات ومئات
الملايين بشكل ( شبه رسمى ) لا تناهضه المؤسسات الرقابية ؛ ولكنه بالطبع يمثل
مخالفة جسيمة للدستور .
كان لابد من تلك المقدمة ؛ لكى نفهم كيف تم تكوين الجانب الأكبر
من ثروة مبارك بصورة شبه رسمية . فلقد أصيب الكثير من المصريين بالدهشة
عندما علموا أن ثروة مبارك طبقاً لما نشرته بعض وسائل الإعلام الأجنبية ؛ قد تصل إلى
70 مليار دولار . ولكن ربما يصاب المصريون بالصدمة وليس الدهشة ؛ عندما نثبت لهم أن
جانب لا بأس به من هذه الثروة تم استلامه في صورة ( بدلات ) بموجب استمارات رسمية
من كافة وزارات وهيئات الدولة . وكان يتم صرف هذه البدلات للرئيس كنقود سائلة أو
شيكات ؛ أو يتم تحويلها مباشرة إلى رصيده فى البنوك .
ولكن كيف يمكن حساب ثروة مبارك التى تم
تكوينها من تلك البدلات ؟
الإجابة بكل بساطة تتمثل فى ( النسبة والتناسب
) . فمن خلال بعض الأمثلة الصارخة التى أصبحت معلومة لنا جميعاً حول بعض البدلات
التى يحصل عليها كبار المسئولين بالدولة . ومن خلال حجم ثروات عدد كبير من
المسئولين في عهد مبارك الذين تمت إحالتهم إلى النيابة العامة وجهاز الكسب غير
المشروع . من خلال كل ذلك ؛ يمكن تكوين تصور تقديرى حول حجم البدلات التى تسلمها
مبارك من خزانة الدولة .
فمثلاً .. تناولت العديد من وسائل
الإعلام حجم البدلات التى كان يحصل عليها رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام ورئيس
تحرير جريدتها الأسبق ؛ والتى كانت تصل في مجموعها إلى 3 مليون جنيه شهرياً
تقريباًً .
كما أتيح لى شخصياً أثناء عملى بوزارة
الداخلية ؛ أن أعرف بأن من يتقلد منصب مدير الأمن - بأى محافظة - يتقاضى شهرياً من
بند الحوافز والبدلات على ما يتراوح من 50 ألف إلى 100 ألف جنيهاً ، وذلك طبقاً
لمدى اتساع دائرة محافظته وموقعها فى هرم الإنفاق الحكومى . كما ذهلت عندما علمت
أن بعض مساعدى وزير الداخلية يحصلون على بدلات تتجاوز الـ 250 ألف جنيهاً شهرياً
من مديريات الأمن والقطاعات الخاضعة لإشرافهم .
كما نشرت بعض وسائل الاعلام - خلال هذا
الأسبوع - خبر قرار وزير المالية بإقالة مساعدى ومستشارى وزير المالية السابق يوسف
بطرس غالى . وكانت من أبرزهم الدكتورة / منال حسين ؛ مديرة قطاع مكتب وزير المالية
؛ والتى نـُشر أنها كانت تتقاضى بدلات بإجمالى 500 ألف جنيه شهرياً ( نصف مليون
جنيه ) .
إذن – بالنسبة والتناسب – يمكن تقدير
قيمة البدلات التى يحصل عليها كل من يتولى منصب الوزير في مصر غير المحروسة (
المنهوبة ) ؛ والتى يمكن أن نقدر بأنها تتراوح من مليون جنيه شهرياً ؛ إلى 4 مليون
جنيه وفقاً للنشاط الذي تمارسه الوزارة . فوزارة البترول وهيئة قناة السويس ووزارة
المالية ( كمثال ) باعتبارها وزارات موارد ؛ سترتفع قيمة البدلات المنصرفة منها ؛ قياساً
بالبدلات المنصرفة من الوزارات الخدمية مثل وزارة التربية والتعليم أو وزارة الصحة
.. وهكذا .
وبالتالى – وبالنسبة والتناسب أيضاً –
واتساقاً مع منطق الأمور ؛ فإن البدلات التى سيحصل عليها رئيس الجمهورية من أى
وزارة أو هيئة ؛ لابد وأن تتناسب مع مقام منصبه الرفيع ودرجته الوظيفية السامية ؛ ومن
ثم ستساوى أضعاف ما يحصل عليه أى وزير من وزارئه . بما يجعل إجمالى البدلات التى
يحصل عليها رئيس الجمهورية من كافة الوزارات والهيئات بالدولة قد تصل إلى 100
مليون جنيه شهرياً . أى مليار و200 مليون جنيه سنويا . أى 36 مليار جنيه خلال فترة
الـ 30 عاماً التى قضاها مبارك في مقعد الرئاسة .
تصوروا ؛ مبلغ 36 مليار جنيه تم صرفه
بصورة شبه رسمية بموجب استمارات حكومية .
ربما يثير هذا الرقم ( 36 مليار جنيه )
ذهول البعض ؛ ولكن لو تساءلنا عن طرق التصرف في هذه الأموال طوال فترة تراكمها من
عام إلى آخر ؛ وهل كان يتم إيداعها فقط في البنوك كحسابات جارية بلا فائدة أم
كحسابات توفير أم كودائع بفائدة ؛ فإن هذه الأموال ستتضاعف بما لا يقل عن 3 أضعاف
؛ بما يجعل المبلغ يصل إلى 100 مليار جنيه تقريباً .
أما إذا كان يتم استثمار تلك الأموال
في البورصات العالمية من خلال صناديق استثمار ؛ فإنها قد تصل إلى 6 أضعاف ؛ بما
يجعل المبلغ يصل إلى 200 مليار جنيه .
أما إذا كان يتم استثمارها في عقارات
يتم شراءها وبيعها بعد فترة ؛ فإنها قد تتضاعف إلى 10 أضعاف ؛ بما يجعلها تصل إلى
360 مليار جنيه ؛ أى ما يقترب من 70 مليار دولار تقريباً .
إذن ؛ ثروة مبارك التى قد تصل إلى 70
مليار دولار ليست شيئاً خيالياً من الصعب تصوره ؛ بل هى أمر منطقى جداً يمكن حسابه
بالآلة الحاسبة ؛ وينبع من قواعد وأصول نظرية النهب المنظم ؛ القائمة على صرف
بدلات - تساوى مئات وآلاف أضعاف المرتبات - للمسئولين الحكوميين ؛ و( كل برغوت على
أد دمه ) .
وهنا نصل إلى المفيد ؛ وهو أن حساب ثروة
مبارك التى يمكن أن تكون تبددت وتحولت واختفت في الخارج ؛ بأسماء وهمية وشركات وهمية
وبنوك لغسيل الأموال في دول أفريقية أو عربية ؛ حساب هذه الثروة لا يمكن أن يبدأ
من الخارج مثلما تريد أن تفعل اللجنة التى قامت وزارة العدل بتشكيلها ؛ لإجراء استقصاء
وتحرى حول هذه الثروة تمهيداً للمطالبة باستردادها. بل إن حساب تلك الثروة لا يمكن
أن يتم إلا من الداخل ؛ من داخل مصر ؛ من خلال فحص ( استمارات البدلات ) المحفوظة
في أراشيف الوزارات والهيئات الحكومية ؛ لحصر إجمالى البدلات التى حصل عليها مبارك
. ثم البدء في استنطاق السكرتير الخاص لمبارك ؛ واستنطاق رئيس ديوانه زكريا عزمى
من خلال تحقيقات النيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع ؛ لمعرفة كي كان يتم
استلام تلك البدلات ( كاش أم شيكات أم يتم تحويلها مباشرة إلى حساب ما في أحد
البنوك أو بنوك متعددة ) . ثم استنطاقهما من خلال التحقيق لمعرفة كيف كان يتم
التصرف في تلك البدلات ؛ هل يتم تحويلها لبنوك في الخارج وبقاءها كودائع ؛ أم شراء
أسهم بها في البورصة من خلال صناديق استثمار ؛ أم شراء عقارات بها في الخارج ..
أم .. أم ؟؟؟؟؟؟؟
وفى تقديرى ؛ فإن الدكتور عصام شرف وكل
الوزراء الباقين في وزارته من الوزارة السابقة ؛ وكل الوزراء السابقين المحبوسين
على ذمة قضايا الفساد ؛ يمكن أن يمدوا لجنة التقصى عن ثروة مبارك بمعلومات هامة عن
تلك الثروة ؛ التى تم تكوينها من البدلات المنصرفة من وزارات وهيئات الدولة .
وحتى يمكن وضع أولى خطوات تلك اللجنة
على الطريق الصحيح ؛ فلا بد أن يبدأ الدكتور عصام شرف بوزارة النقل التى كان
يرأسها ؛ ويكشف لنا عن حجم البدلات التى كانت تلك الوزارة تصرفها لمبارك .
وبالتالى .. جاء الوقت لنوجه للمسئولين
في مصر السؤال الكبير .. وهو :
هل أنتم جادون بالفعل في البحث عن ثروة
مبارك ؛ إذا كنتم كذلك ؛ فان أول خيط يمكن الإمساك به لتتبع تلك الثروة يبدأ من
الداخل ؛ من داخل مصر ؛ من بطن وزاراتها وهيئاتها الحمضانة والمتعفنة والمتقيحة
بأطنان من الفساد وخراب الذمم ونهب المال العام ؛ بأساليب يعجز عنها إبليس ذاته.
أما إذا اكتفيتم بتشكيل لجان لكى تسافر
على حساب الشعب الغلبان ؛ وتطوف دول العالم لتنادى : ثروة شعب تايهة يا ولاد الحلال
.. مين يدلنا عليها يا ولاد الحلال .. باسم رئيس كان اسمه مبارك يا ولاد الحلال ..
!!!
إذا اكتفيتم بذلك .. فأنتم بذلك تطبقون
المثل القائل : ( ودنك منين يا جحا ) .. وهذا سيفتح أبواب الشكوك على مصراعيها ؛ تعلوها
لافتة كبيرة مكتوب عليها : مرحباً بكم في مصر غير المحروسة ( المنهوبة ) سابقاً ..
وحاضراً .. ومستقبلاًً .. و .. و .. و ......... .
أو ربما يُكتب على اللافتة : مصر غير
المحروسة ( المنهوبة ) .. ترحب بكم ..........
******
دكتور
/ محمد محفوظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق