د. محمد محفوظ .. يكتب : عمر النظام ما هيرجع تانى
تاريخ النشر : 19 فبراير 2014
الدبة اللى شافت دبانة واقفة على وش صاحبها ؛ فجابت قالب طوب ونزلت بيه على
الدبانة . طبعاً بنسبة 99,99999999999 % الدبانة هربت ؛ وبنسبة 99,999999999999 % صاحبها
مات أو جت له تربنة أوعاهة مستديمة .
المثال السابق ينطبق على التيار الثورى بناشطيه ومناصريه من المواطنين
العاديين . فخوفهم المبالغ فيه على الثورة ؛ يجعلهم يتقمصون دور الدبة ؛ فيضروا
الثورة من حيث يريدون الانتصار لها .
يخاف التيار الثورى بناشطيه ومناصريه من عودة النظام السابق الذى أصبح النظام
الأسبق بعد سقوط الإخوان. وبالطبع هناك إشارات وممارسات وحماقات كثيرة يرتكبها
القائمون على الحكم أو أنصار النظام الأسبق ؛ تعطى الانطباع بأن الأمور ما تطمنش ؛
خصوصاً فى ظل حبس نشطاء من التيار الثورى أو تسريب تسجيلات للبعض الآخر منهم ؛
بالتزاوج مع بروزة وجوه كريهة تنتمى للنظام الأسبق فى عدد من وسائل الإعلام ؛
ومحاولة هذه الوجوه تلبيس الشعب الطرطور أبو شخلول من خلال إيهامه بأن ثورة 25
يناير كانت مؤامرة إخوانية أمريكية إسرائيلية تركية قطرية ماسونية .... إلخ .
طبعاً ضرورى الثائر يكون حويط وينفخ فى الزبادى بعد ما اتلسع من الشوربة .
لكن مش ضرورى يكون مورستان ؛ ويضخم المخاوف الهزلية على الثورة لدرجة تخليه يغفل
وينام عن تحديات الثورة الحقيقية .
الدبة ليه نزلت بقالب الطوب فوق راس صاحبها ؟ لأن إدراكها للأمور غير سليم
؛ وبالتالى لم تدرك إنه كان كفاية تهش الدبانة أو تزغد صاحبها زغدة بسيطة عشان
يتحرك فتطير الدبانة .
وبالتالى ؛ لن يمكن تحديد الأخطار والتحديات الحقيقية التى تواجه الثورة ؛
إلا من خلال الإدراك السليم للحقائق على الأرض ؛ وليس من خلال السير وراء المخاوف الوهمية
الهزلية أو الأكليشيهات الحنجورية .
الحقائق الثورية على الأرض تقول بأن الموجة الثورية فى 25 يناير 2011م تختلف
عن الموجة الثورية فى 30 يونيو 2013م ؛ وهذا الاختلاف يكمن فى الشرائح أو الفئات
المشاركة فى الثورة ؛ كما يكمن فى شكل نظام الحكم بعد نجاح الثورة .
ففى 25 يناير شارك فى الثورة النشطاء الثوريون وأنصار الثورة من المواطنين
العاديين ؛ الذين كانت لهم أحلام عريضة فى بناء دولة ديمقراطية تحترم سيادة
القانون وحقوق الإنسان وتؤسس للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية . وهذه
الأحلام كانت تنطلق فى تصوراتها من النماذج الديمقراطية القائمة فى الدول المتقدمة
غربية كانت أم شرقية ؛ شمالية أو جنوبية . وللأسف قفز على هذه الموجة الثورية تيار
الإسلام السياسى بعد أن استشعر بأن التحركات الجماهيرية الحاشدة التى ملأت الشوارع
يمكن أن تُسقط النظام ؛ فسن أسنانه وفتح الخطوط الساخنة مع مموليه وداعميه الذين
لهم مصالح قد تختلف عن مصالح الشعب المصرى .
أما فى 30 يونيو ؛ فقد شارك فى الثورة أيضا النشطاء الثوريون وأنصار الثورة
من المواطنين العاديين ؛ ولكن زادت عليهم شرائح عريضة أخرى من المواطنين الذين لم
يشاركوا من قبل فى 25 يناير 2011م وكان يتم وصفهم بحزب الكنبة ؛ علاوة على شريحة (
غير كبيرة عددياً ) كانت تضم رموز وأنصار الحزب الوطنى المنحل . ولكن بالإضافة إلى
هذه الشرائح المجتمعية ؛ فإن عدد من مؤسسات الدولة أيضاً شاركت فى 30 يونيو وعلى
رأسها المؤسسة العسكرية ( القوات المسلحة ) ؛ والمؤسسة الأمنية ( وزارة الداخلية
والمخابرات العامة ) ؛ والمؤسسة القضائية ؛ ومعظم وسائل إعلام المؤسسة الإعلامية (
إعلام خاص وإعلام قومى ) .
علاوة على ذلك فإن ثمة اختلاف فى شكل نظام الحكم الذى أعقب الموجتين
الثوريتين ؛ تمثل فى الآتى :
ففى 25 يناير تخلى مبارك عن السلطة وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة
بإدارة البلاد ؛ ورغم كل الزخم الثورى وارتفاع صوت النشطاء الثوريين وقدرتهم على
حشد الجماهير المناصرة للثورة ؛ إلا أن المجلس العسكرى لم يتنازل عن انفراده
بإدارة الفترة الانتقالية ؛ وبادر سريعاً بالاقتراب من تيارالإسلام السياسى ومهد
الطريق لهذا التيار لكى يتسلم منه السلطة ؛ بينما ابتعد مادياً ومعنوياً عن التيار
الثورى .
أما فى 30 يونيو ؛ فإن المؤسسة العسكرية متمثلة فى وزير الدفاع عبد الفتاح
السيسى ؛ كانت منذ 23 يونيو 2013 م مشتبكة مع الواقع السياسى المحتقن ؛ وتحاول
القيام بدور الوسيط للخروج من الأزمة السياسية . ومع بدء التحركات الجماهيرية الحاشدة
يوم 30 يوينو وما بعده استجابة لحملة تمرد ؛ تدخلت المؤسسة العسكرية لعزل الرئيس
وإعلان خارطة المستقبل وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا كرئيس مؤقت للبلاد.
وهذا يوضح بأن المؤسسة العسكرية التى تم استدعاءها من مبارك لتحل محله فى 11
فبراير 2011م ؛ قد تولت الحكم وأدارت الفترة الانتقالية وتقاربت مع تيار الإسلام
السياسى وابتعدت عن التيار الثورى . بينما المؤسسة العسكرية التى تدخلت طواعية
لمساندة الموجة الثورية الحاشدة فى 3 يوليو 2013م من خلال عزل الرئيس المنتمى
لتيار الإسلام السياسى ؛ لم تتول الحكم أو تتصدى لإدارة الفترة الانتقالية وإنما
سلمت الحكم للمدنيين .
كل ما سبق توضيحه للفروق الواضحة بين 25 يناير 2011م و30 يونيو 2013م ؛
سواء على مستوى الفئات المشاركة فى الثورة أم على مستوى شكل نظام الحكم عقب نجاح
الثورة . كل ذلك يوضح بأن الموجة الثورية فى 30 يونيو ضمت شركاء جدد انحازوا
للتحركات الجماهيرية سواء من شرائح المواطنين أو من مؤسسات الدولة . كما أن تلك
الموجة الثورية أفرزت شكلاً لنظام الحكم رغم أنه نتج عن تدخل القوات المسلحة إلا
أنه سلم المدنيين سلطة ومسئولية إدراة الفترة الانتقالية .
وبالتالى ؛ هل يمكن فى ظل هذه الفروق المتعلقة بالموجة الثورية فى 30 يونيو
سواء على مستوى الشرائح والمؤسسات المشاركة فى الثورة أم على مستوى شكل نظام الحكم
؛ هل يمكن تجاهل حقيقة أن هؤلاء الشركاء وتلك المؤسسات أصبحوا جميعاً جزء لا يتجزأ
من معادلة أهداف الثورة ؛ بما يؤدى بالضرورة إلى حتمية القبول بإعادة صياغة هذه
الأهداف ؛ للتوفيق بين تصورات النشطاء الثوريين ومناصريهم عن الديمقراطية ؛ وبين
تصورات حزب الكنبة وأنصار الحزب الوطنى والمؤسستين العسكرية والأمنية عن هذه
الديمقراطية . لأن الواقع يؤكد بأن تلك التصورات تختلف فى أولوياتها ومداها
ومضمونها بين هذه الأطراف ؛ وقانون الشراكة يفرض ضرورة التوفيق بين هذه التصورات وليس
التصادم بينها .
ولكن ربما يجادل البعض بأنه مثلما قفز تيار الإسلام السياسى بقيادة الإخوان
وبمساعدة المجلس العسكرى على الثورة عقب 25 يناير 2011م ؛ فإن أنصار النظام الأسبق
يمكن بنفس المنطق أن يقفزوا هم الآخرون على الثورة عقب 30 يونيو 2013م بمساعدة
المؤسسة العسكرية .
والواقع أن هذا التصور لا يمتلك أى حقائق تسنده على أرض الواقع السياسى ؛
وذلك للأسباب الآتية :
1ـ إن المؤسسة العسكرية أصبحت تدرك بأن أى عودة لسياسات النظام الأسبق التى
أضرت بميزان العدالة الاجتماعية وجرفت الحياة السياسية فى الداخل ؛ وقزمت وضع مصر
الإقليمى فى الخارج ؛ ستؤدى بالضرورة إلى إعادة إشعال فتيل التحركات والاحتجاجات
الجماهيرية فى الشارع ؛ بما يهدد الاستقرار المجتمعى ويفتح الباب للفوضى ويورط
القوات المسلحة بالشأن الداخلى بدلا من انشغالها بدورها فى تأمين الحدود وتقدير
الأخطار الإقليمية والارتفاع بالقدرات القتالية ؛ الأمر الذى يوفر المبرر للفصائل
الداخلية المعادية والقوى الاقليمية والدولية المتربصة ؛ للتحرك والتدخل فى الشأن
المصرى ؛ ويهدد المؤسسة العسكرية ذاتها فى قوتها أو وجودها. وبالتالى لم يعد من
مصلحة المؤسسة العسكرية عودة النظام الأسبق برموزه وسياساته .
2ـ إنه ينبغى التعامل مع محاولات أنصار النظام الأسبق للنيل من رموز أو
أنصار أوأهداف الموجة الثورية فى 25 يناير ؛ باعتبارها محاولات لاستعادة السلطة
والنفوذ لا تمتلك الظهير الجماهيرى أو السند الأخلاقى على أرض الساحة السياسية
لتتحول إلى واقع ملموس . وبالتالى سرعان ما ستضع حقائق السياسة هؤلاء الرموز أو الأنصار
الموالين للنظام الأسبق فى حجمهم الطبيعى كأقلية هامشية تنتمى لنظام أصبح يمثل
الماضى الكريه.
3ـ إن التخوف من أن المشير السيسى هو أحد أعضاء المجلس العسكرى الذى عينه
مبارك ؛ ومن ثم فهو أميل إلى النظام الأسبق بحكم التكوين والانتماء . هذا التخوف لا
يشير إلى فهم سليم لشخصية السيسى ؛ الذى بالفعل تربى فى ظل النظام الأسبق كما تربى
الرئيس الراحل السادات فى ظل النظام الناصرى ؛ ولكن مثلما كشف الرئيس السادات
بسياساته عن مخالفة ومعاكسة واضحة للنهج الناصرى على مستوى السياسة الداخلية
والخارجية؛ فإن السيسى هو الآخر بخروجه عن المسار الأمريكى والتوجه نحو المسار
الروسى ؛ يشير هو الآخر إلى حالة مشابهة لحالة السادات وإن كانت معاكسة لها فى
التوجه . وهذا يوضح بأن النظام الأسبق الذى كان يتوجه غرباً ليست له القدرة على تقييد
بوصلة السيسى الذى يفضل التوجه شرقاً .
... إن كل تلك الحقائق النابعة من أى قراءة
متأنية وغير انفعالية لعناصر معادلة الثورة فى مصر ؛ توضح بأن مصر لا يمكن أن تعود
للمربع صفر بأى حال من الأحوال . ولكن يمكن القول بأن الزخم الثورى الذى كان يمكن
ان يقفز بمصر 10 خطوات بسرعة عالية إلى الأمام عقب 25 يناير 2011م ؛ ذلك الزخم
انضمت إليه أطراف آخرى فى 30 يونيو 2013م ؛ وهذه الأطراف بتصوراتها الخاصة الأقل
ثورية ستقلل من عزم هذا الزخم الثورى ؛ بما يقلص من سرعة القفز ومن عدد الخطوات
التى كان يمكن قطعها نحو الأمام .
وهذا يعنى بأن مصر ستخطو للأمام ؛ ولكن بخطوات بطيئة
ضيقة تثقلها تصورات أطراف شبه ثورية أو غير ثورية شاركت فى الموجة الثانية من
الثورة بمنطق الخوف من نظام قائم وليس بمنطق التطلع إلى نظام جديد. إلا أنه رغم
بطؤ التقدم إلى الأمام ؛ فإن مصر لن تعود للخلف أو تتقهقر إلى المربع صفر . يعنى
بالعربى كده : عمر النظام ما هيرجع تانى ؛
وهذا بالطبع بإرادة الثوار من أبناء مصر ؛ وقبل كل ذلك بمشيئة الله عز وجل .
*******
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق