د. محمد محفوظ .. يكتب : للمرة المليون .. أين قانون مكافحة الإرهاب ؟
تاريح النشر : 28 ديسمبر 2013
رغم أن القرار الذى أصدره مجلس الوزراء
بتاريخ 25 ديسمبر 2013م ؛ بإعلان جماعة الإخوان جماعة إرهابية هو قرار طال انتظاره
؛ ويدخل فى نطاق القرارات الجريئة من الناحية السياسية . إلا أنه من الناحية
القانونية بمثابة قرار بلا جدوى قانونية ؛ ويوضح المستوى الضحل للقدرات القانونية
لحكومة ـ وياللعجب ـ بها طائفة من المحسوبين كرموز فى الحقل القانونى المصرى .
فالقرار الذى أصدرته الحكومة ؛ لا يغنى
عن ضرورة صدور قانون لمكافحة الإرهاب ؛ إذ أن القرار بصيغته الطريفة قانونياً ؛ هو
قرار محكوم عليه بالإلغاء أمام القضاء الإدارى بمجلس الدولة ؛ لأنه لا يستند إلى
أى نص فى القانون المصرى .
ولنقرأ معاً القرار ....
(( ينص القرار حرفياً فى بنديه الأول
والثانى على الآتى :
إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتنظيمها تنظيماً
إرهابياً في مفهوم نص المادة 86 من قانون العقوبات بكل ما يترتب على ذلك من آثار
أهمها :-
1. توقيع العقوبات المقررة قانوناً لجريمة الإرهاب على كل من
يشترك في نشاط الجماعة أو التنظيم، أو يروج لها بالقول أو الكتابة أو بأي طريقة
أخرى، وكل من يمول أنشطتها .
2. توقيع العقوبات المقررة قانوناً على من ينضم إلى الجماعة أو
التنظيم واستمر عضواً في الجماعة أو التنظيم بعد صدور هذا البيان )) .
.. وللأسف ؛ فالرؤية القانونية التى تم بناء القرار عليها ؛ لا
علاقة لها بعلم القانون ؛ للأسباب الآتية :
1ـ لا يوجد فى القانون المصرى أى نص قانونى يتيح للحكومة تصنيف
أى منظمة بأنها إرهابية ؛ وإنما اكتفى القانون بتعريف الجريمة الإرهابية قى المادة
رقم 86 من قانون العقوبات ؛ وأفرد لها العقوبات المناسبة . وبالتالى فقرار إعلان منظمة
ما بأنها إرهابية هو أمر لا تتضمنه القوانين المصرية الحالية ؛ ومن ثم يصبح أمر إلغاء
قرار مجلس الوزراء أمام أى محكمة بالقضاء الإدارى بمجلس الدولة هو أمر مرجح الحدوث
. الأمر الذى يؤكد بأن قرار إعلان الجماعة كجماعة إرهابية هو مجرد حبر على ورق ولن
يكون له أى أثر قانونى .
2ـ إن العقوبات التى يشير اليها كل من البند الأول والبند
الثانى من قرار الحكومة ؛ هى عقوبات مقررة قانوناً فى المادة رقم 86 مكرر ؛ والمادة
86 مكرر أ ؛ والمادة 86 مكرر ب ؛ وبالتالى
ما الجديد الذى يضيفه قرار الحكومة ؛ فالمحاكم كانت ستحكم بتلك العقوبات سواء صدر قرار
مجلس الوزراء أم لم يصدر ؛ لأن هذه العقوبات التى نص عليها ذلك القرار هى موجودة
أصلا فى قانون العقوبات ؛ وكل من يرتكب الجرائم المرتبطة بها سينال العقوبة
المنصوص عليها بالقانون سواء أكانت جماعة الإخوان إرهابية أم ملائكية .
وبالتالى نحن أمام إجراء عبثى ؛ لا جدوى منه ولا طائل ؛ ولن
يضيف جديداً ؛ بل هو مجرد خبطة سياسية تعوض بها الحكومة خطواتها المرتعشة
والمرتبكة فى التعامل مع الجماعة . ففضلاً عن اعتصامى رابعة والنهضة اللذين تم
تركهما لمدة 48 يوماً دون حصار يمنع تسريب الأسلحة والمواد البترولية ومواد البناء
إليهما حتى تفاقمت خطورتهما ؛ الأمر الذى زاد من معدلات الخسائر البشرية أثناء
فضهما سواء من قوات الشرطة أو من المعتصمين .
فإن الحكومة تراخت أيضاً فى التعامل بقوة واحترافية مع
التظاهرات فى الجامعات ؛ ولا يوجد أى خطة علمية مدروسة لمواجهتها ؛ مما يؤدى الى
تفاقم الوضع الأمنى المتردى داخل عدد من الجامعات وبالأخص جامعة الازهر ومدينتها
الجامعية ؛ فى ظل بوابات لا توجد عليها رقابة إلكترونية لهويات المترددين على
الجامعة من الطلاب أو الزوار ؛ وفى ظل انعدام أو صورية التفتيش الإلكترونى على
السيارات والحقائب لضمان عدم تسريب أسلحة نارية أو بيضاء.
وهاهى الحكومة التى ناضلت من أجل قانون التظاهر الجديد ؛ رغم أنه
كان يوجد لديها قانون قائم لم تنفذه ؛ هاهى لا تستطيع تنفيذ الضوابط التى نص عليها
هذا القانون الجديد فى مواجهة استخفاف الإخوان ومناصريهم به .
ولا أحد يعلم ؛ لماذا كانت يد الحكومة مطلوقة فى إصدار قانون التظاهر
؟ بينما يدها مربوطة فى إصدار قانون مكافحة الإرهاب !!
وكيف وافق الببلاوى الذى سبق أن صرح بأنه لا يوجد فى القانون
المصرى ما يتيح له تصنيف منظمة ما بأنها إرهابية ؛ كيف وافق على صدور هذا القرار ؛
قبل أن يتم إصدار قانون لمكافحة الإرهاب يعطى الحكومة رخصة لتصنيف المنظمات الإرهابية
.
علماً بأن الببلاوى نفسه ؛ كان قد صرح فى غضون شهر أكتوبر 2013م
بأنه تم الانتهاء من إعداد قانون لمكافحة الإرهاب جارى اصداره قبل انتهاء حالة
الطوارئ فى 14 نوفمبر 2013م ؛ ولكن مرت الأيام ولم يصدر إلا قانون التظاهر !!!!
لماذا يد الحكومة مربوطة فيما يتعلق بقانون الإرهاب ؟ وخصوصاً
بعد أن ألغت المحكمة الدستورية العليا بحكمها فى 2 يونيو 2013م سلطة أجهزة الأمن
فى الاعتقال مطلقاً ؛ كما ألغت سلطتى القبض والتفتيش دون التقيد بضوابط قانون الإجراءات
الجنائية . الأمر الذى يضع أجهزة الأمن فى مأزق ؛ فكيف يمكنها مواجهة مجموعات إرهابية
تعتنق عقيدة انتحارية بدون أن يوجد قانون يوفر لها إجراءات استثنائية تتيح لها
القدرة على اتخاذ تدابير احترازية لمنع الجرائم الإرهابية قبل وقوعها . لاسيما وأن
هذا الأمر معمول به فى كل الدول الديمقراطية ؛ حيث تملك أمريكا وروسيا والدول
الاوربية وعدد كبير من دول العالم قوانين لمكافحة الإرهاب تتيح لأجهزة الأمن سلطات
استثنائية خارج الإطار العادى لقوانين الإجراءات الجنائية .
إذن للمرة المليون ؛ نحن فى حاجة إلى قانون لمكافحة الإرهاب ؛
يعطى أجهزة الأمن القدرة على اتخاذ تدابير احترازية فى مجالات الاعتقال والمراقبة
والتنصت والتفتيش دون التقيد بضوابط قانون الإجراءات الجنائية فى مواجهة الجرائم
الارهابية . كما ينظم هذا القانون كيفية إعلان الدولة لقوائم بالمنظمات الإرهابية
والمنظمات والدول والشخصيات الراعية للإرهاب . وبحيث ينص ذلك القانون على منع كل
المشتبه فيهم بالتورط فى الإرهاب من مباشرة الحقوق السياسية .
لقد تمكنت الولايات المتحدة الامريكية وهى دولة عملاقة من حيث
المساحة واتساع نطاق المصالح المستهدفة لها على مستوى الداخل والخارج ؛ من التصدى
بقوة للمخاطر الإرهابية المحتملة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م ؛ نتيجة إصدار الكونجرس
لقانون باتريوت لمكافحة الإرهاب ؛ ونتيجة إفتتاح معتقل أو معسكر احتجاز جوانتانامو
؛ ونتيجة الصلاحية التى يوفرها القانون لوزارة الخارجية فى إدراج المنظمات والدول
والأفراد المشتبه فى علاقتهم بالإرهاب على قوائم المنظمات الارهابية أو الراعية
للإرهاب لمدة سنتين قابلتين للتجديد ؛ على أن يقوم الكونجرس بمراجعة المبررات التى
استندت لها الوزارة فى ذلك ؛ كما تقوم المحاكم بالرقابة القضائية على تلك القرارات
لإلغائها أو إقرار نفاذها .
.. لا تنجح الدول فى مواجهة الارهاب بقرارت عشوائية ؛ وانما
بقرارات قوية ومدروسة ؛ لكى تصيب الهدف فى الصميم . والتردد والتلكؤ فى مواجهة
الارهاب أمر باهظ التكلفة فى مجال الأرواح والأموال والاستقرار ؛ ويعطى رسالة
خاطئة للجماعات الإرهابية بأنها يمكنها إسقاط الدولة طالما يحكمها مجموعة من
الفاشلين المرتعشين .
عدم صدور قانون لمكافحة الإرهاب ؛ ينذر بكارثة قد نرى أصداء
تفجيراتها فى أحد المناطق السياحية أو التجارية أو أحد السفارات أو المطارات او
الموانىء .
ولذلك ؛ نقولها للمرة المليون ؛ أين قانون مكافحة الارهاب ؟!!!!!!!!!!!
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق