د. محمد محفوظ .. يكتب : إلى الرئيس القادم .. الملف الأمنى ( التحديات ـ
الضمانات ـ الإجراءات ـ المعوقات )
تاريخ النشر : 17 مايو 2014
(( الذين يتنازلون عن
الكرامة من أجل الأمن ؛ لن ينالوا أبداً الأمن طالما فقدوا الكرامة ))
لا ينبغى التعامل مع جسور
الثقة التى تم استعادتها بين المجتمع وجهاز الشرطة عقب 30 يونيو 2013م ؛ باعتبارها
دعوة لإغلاق ملف إعادة تنظيم وهيكلة وزارة الداخلية ؛ أو مبرر لانفراد وزارة
الداخلية بتحمل مسئولية إصلاح الجهاز الأمنى دون أى مشاركة مجتمعية ؛ إذ أن ملف
إصلاح قطاع الأمن فى مصر أخطر من أن يُترك لرجال الأمن بمفردهم ؛ بل ينبغى أن
تساهم فيه كل الجهات المعنية فى المجتمع .
كما لا ينبغى أن تكون
التضحيات الغالية التى يبذلها ضباط وأفراد ومجندو الشرطة لمكافحة الأعمال الإرهابية
من خلال طابور ممتد من شهداء الشرف والواجب ؛ لا ينبغى أن تكون مبرراً لإرجاء فتح
ملف إعادة تنظيم وهيكلة وزارة الداخلية فى تلك المرحلة خوفاً من إعاقة ذلك لجهود
مواجهة الإرهاب ؛ إذ أن استراتيجية المحاور المتوازية التى تنطلق من مقولة :
" يد تبنى ويد تحمل السلاح " ؛ هى الأوفق للتعامل مع طموحات الشعب
المصرى التى طال انتظارها عبر عقود من الفساد والاستبداد .
وهذا يؤكد بأن أى تأخير فى إنجاز ملف إعادة بناء وتنظيم وهيكلة جهاز الشرطة
؛ سيؤدى إلى ترسيخ عدد من المظاهر السلبية التى مازالت تشوه وجه جهاز الشرطة ؛
ومازالت تتناقض مع الحالة الثورية التى يعيشها المجتمع المصرى ؛ وتتمثل فى
التجاوزات التى يعانى منها المواطنون عند التعامل مع أقسام الشرطة والإدارت
الأمنية المتعددة ؛ وحالات استعمال القسوة والتعذيب التى ترصدها تقارير المنظمات
الحقوقية ؛ كما تتمثل فى ارتفاع معدلات الجرائم الجنائية ؛ وغياب التواجد الأمنى
فى الغالبية من الأحياء بمحافظات الجمهورية ؛ بما ينذر بتصدع جسور الثقة التى
أفرزها التلاحم ما بين الشرطة و الشعب خلال 30 يوينو 2013م ؛ ويعيد انتاج معضلة
جهاز الأمن البعيد عن الشعب والأقرب إلى النظام .
ومن هنا فأن استمرار وزارة الداخلية بنفس تنظيمها الحالى
دون المبادرة بفتح ملف إعادة التنظيم والهيكلة ؛ يمكن أن يكون أحد معوقات التطور
الديمقراطى المنشود فى مصر . الأمر الذى
يؤكد بأنه لا مجال للتحدث عن إصلاحات محدودة فى وزارة الداخلية ، بل لا بد من
إعادة تنظيم تلك الوزارة وفقاً لتدخلات جريئة تغير من وجهها وأجهزتها وفلسفة عملها
فى مجتمع ديموقراطى .
لهذا على أى رئيس قادم لمصر أن يعلم
بأن الملف الأمنى تواجهه ( 4 ) تحديات على المستوى الإستراتيجى ؛ كما يتطلب ضرورة ضمان
( 3 ) مستويات من الرقابة ؛ من أجل تنفيذ ( 6 ) إجراءات على المستوى التكتيكى ؛ مع
عدم تجاهل ( 4 ) نوعيات من المعوقات التى قد تواجه ذلك الملف فتعطل أو تمنع خطوات
انطلاقه .
وتتمثل التحديات على المستوى الإستراتيجى
فى الآتى :
1ـ التحديات الوظيفية 2ـ التحديات الهيكلية 3ـ التحديات الإدارية 4ـ التحديات التشريعية
كما تتمثل الضمانات فى
عدد من مستويات الرقابة كالآتى :
1ـ الرقابة العامة 2ـ الرقابة المجتمعية 3ـ الرقابة الذاتية
بينما تتمثل الإجراءات على
المستوى التكتيكى فى الآتى :
1ـ التطهير والمحاسبة والمراقبة . 2ـ
التأكيد على الطابع المدنى . 3ـ التحول من الإدارة الأمنية إلى الإدارة السياسية
. 4ـ التحول من الإدارة المركزية إلى الإدارة
المحلية . 5ـ معالجة التضخم التنظيمى
. 6ـ تطوير الأحوال الوظيفية للعاملين
بجهاز الشرطة .
فى حين تتمثل المعوقات
فى الآتى :
1ـ ارتفاع درجة المقاومة الداخلية
للإصلاح المؤسسى . 2ـ تراجع الإرادة
المجتمعية نحو الإصلاح الأمنى نتيجة اليأس والإحباط . 3ـ
مأزق الإصلاح الأمنى فى ظل التضحيات الأمنية المبذولة لمكافحة الإرهاب . 4ـ إزدواجية الانحياز للجماهير والتعصب
للمؤسسة .
أولاً ـ التحديات على المستوى
الإستراتيجى :
1ـ التحديات الوظيفية :
وهى تشير إلى ضرورة التوصيف الوظيفي
الدقيق لدور جهاز الأمن في المجتمع فى مجال الأمن الوقائى ومجال الأمن الجنائى .
حيث تم تشويه الدور الوقائي لأجهزة الأمن فى المجتمع من خلال تضخم هاجس الأمن
الوقائي ؛ الأمر الذي يأتي بنتيجة عكسية تجعل من وجود قوات الشرطة في الشارع
مدعاة لترويع المواطنين بدلاً من أن يكون ذلك حافزاً لإحساسهم بالأمن . كما تم تشويه
الدور الجنائي ؛ من خلال اغتصاب جهاز الأمن لسلطة الإدعاء العام أو النيابة العامة
؛ حيث يتجاوز جهاز الأمن دوره في جمع الاستدلالات ليمتد إلى ممارسة سلطة التحقيق
مع المشتبه فيهم لاستنطاقهم من خلال الضغط عليهم نفسياً وجسدياً ؛ لإجبارهم
على الاعتراف .
وبالتالى لابد من ضرورة وضع الحدود
الفاصلة والخطوط الحمراء التي لا ينبغي لأجهزة الأمن تجاوزها أثناء ممارستها
لدورها فى المجتمع وقائياً أو جنائياً ؛ بما يرسخ من دعائم سيادة القانون واحترام حقوق
الإنسان .
2ـ التحديات الهيكلية :
تشير التحديات الهيكلية إلى ضرورة
إعادة هيكلة جهاز الأمن بما يغير من الهياكل المؤسسية القائمة به ؛ والتي تعكس الاعتماد
على بعض المؤسسات الأمنية لاستخدامها كأداة في يد أى نظام مستبد لضمان استمراره .
وبالتالى فإن قضايا مثل : معالجة التضخم التنظيمى ؛ ومراجعة مستويات
القيادة والسيطرة ؛ وتفكيك البنية المركزية لبعض الأجهزة ؛ وإخراج
بعض الأجهزة الأخرى من هيكل وزارات الداخلية ؛ كل تلك القضايا تصب فى مصلحة
الإصلاح المؤسسى الذى يعيد تنظيم أجهزة الأمن وفقا لهياكل تنحاز إلى الأمن العام
بمفهومه الاجتماعى والاقتصادى ؛ ولا تنجر للتورط فى مستنقعات الأمن السياسى وأمن
النظام .
3ـ التحديات الإدارية :
تشير التحديات الإدارية إلى الإجراءات التى ينبغى اتخاذها لاستبدال أساليب
الإدارة التي أنتجتها الدولة البوليسية بأساليب مناقضة تؤدى إلى إنتاج دولة سيادة
القانون واحترام حقوق الإنسان . ومن ثم فإن الانتقال بوزاراة الداخلية من
أساليب الإدارة الأمنية إلى أساليب الإدارة السياسية التنفيذية هو أمر حاسم
للنجاح فى بناء القدرات الأمنية على مستوى الدولة ككل . كما أن التحول من
الإدارة الأمنية المركزية المفرطة إلى الإدارة الأمنية المحلية ؛ هو عامل حيوى
لبناء القدرات الأمنية على مستوى كل محافظة على حدة ؛ الأمر الذى ينعكس على الأداء
الأمنى فى مجمله العام .
4ـ التحديات التشريعية :
تشير إلى ضرورة إجراء تعديلات تشريعية
لا تقتصر فقط على القوانين الذى تنظم عمل جهاز الشرطة ؛ وإنما تمتد إلى كافة
القوانين العامة أو الخاصة التى تنظم عمل " سلطات تنفيذ القانون "
بمفهومها الشامل ؛ بحيث يتم تنقية هذه القوانين من الصياغات القانونية المطاطة
والمصطلحات التجريمية المبهمة ؛ التى تؤدى إلى تكريس إطار عقابي واسع ؛ يسمح بخلق
مناخ من الترويع ؛ يتيح لأجهزة الأمن الاستقواء في مواجهة المواطنين وباقي سلطات
الدولة . وبالطبع ينبغى أن تستند تلك التحديات التشريعية إلى فلسفة تشريعية
مؤداها ؛ أن القانون هو القيود الحكيمة التى تجعل الناس أحراراً
؛ ومن ثم يتم الانسلاخ للأبد من الفلسفة التشريعية المقيتة التى تنظر إلى
القانون باعتباره القيود الطائشة الباطشة التى تروع الناس وتجعلهم عبيداً مماليك
مرتعشين فى مواجهة السلطة وأجهزة الدولة .
ثانياً ـ الضمانات ( مستويات الرقابة ) :
تحتاج التحديات على المستوى
الإستراتيجى إلى ضرورة ضمان مستويات متتابعة من الرقابة ؛ بما يوفر البيئة الضامنة
لإنجاز الإجراءات المطلوبة على المستوى التكتيكى .
وتتمثل هذه الضمانات الرقابية فى الاتى
:
1- ضمانة الرقابة العامة :
من خلال الضمان الدستوري الراسخ لمبدأ (
الفصل بين السلطات ) ؛ بما يجعل السلطة التشريعية المنتخبة تحتل موقع
المراقب الدائم لأعمال السلطة التنفيذية بجهازها الأمني . وبما يجعل السلطة
القضائية المستقلة تمارس كافة صلاحياتها دون وجل في مواجهة باقي سلطات وأجهزة
الدولة بما فيها الأمنية بدون أى استثناء .
2- ضمانة الرقابة المجتمعية :
من خلال تقنين دور منظمات المجتمع المدني الحقوقية لتفعيل
مبدأ الرقابة المجتمعية على أجهزة الأمن ؛ بما يؤدى إلى تكريس نوعية مستقلة من
الرقابة تتنافس وتتكامل مع الرقابة التي تمارسها كل من السلطة التشريعية والسلطة
القضائية.
3- ضمانة الرقابة الذاتية :
من خلال إقرار حق التنظيم الذاتى لرجال الأمن بما يسمح
بإنشاء كيان للدفاع عن حقوقهم وتنظيم واجباتهم ؛ الأمر الذي يساهم في تنمية الوعي
لدى كل العاملين بجهاز الأمن بأهمية وضع معايير للرقابة الذاتية تساعد على تدعيم
الإحساس بالمسئولية الأخلاقية تجاه المجتمع . بالإضافة إلى اعتماد تقنيات
المراقبة الحديثة ونشرها فى كل المقرات الأمنية ؛ بحيث تصبح عيناً تكنولجية مفتوحة
لرصد أى انتهاكات أو خروقات ؛ الأمر الذى يساهم فى ترشيد الممارسات الأمنية .
ثالثاً ـ الإجراءات على المستوى
التكتيكى :
1ـ التطهير والمحاسبة والمراقبة :
من خلال تطهير أجهزة الأمن من
القيادات والعناصر المتورطة فى جرائم ضد الشعب ومحاسبتهم قضائياً بما
يكفل القصاص للضحايا وتعويضهم لجبر الأضرار التى حاقت بهم أو بذويهم
؛ وإقرار آليات تكنولوجية وقضائية وبرلمانية وشعبية لمراقبة الأداء الأمنى ؛
وذلك عبر إنشاء نظام للعدالة الانتقالية ؛ وإنشاء هيئات رقابية دائمة . الأمر الذى
يقدم رسالة لكافة العاملين فى جهاز الأمن بأن لا أحد بمنأى عن المساءلة
والعقاب طالما لم يلتزم بضوابط القانون وقواعد حقوق الإنسان ؛ ويقدم رسالة
للشعب تؤكد على خضوع جهاز الشرطة للقانون وليس للأوامر والتعليمات ؛ كما يقدم رسالة
للحكومة توضح بأنه لا تعارض بين هيبة الدولة وبين خضوعها الكامل لسيادة
القانون واحترامها لحقوق الإنسان .
2ـ التأكيد على الطابع المدنى :
بما يعنى التأسيس لمجموعة من
الإجراءات الحاسمة التى تضمن الحفاظ على الطبيعة المدنية لأجهزة الأمن ؛
واستئصال أى صبغة عسكرية أو شبه عسكرية التصقت بهذه الأجهزة ؛ فأدت إلى انفصالها
عن المجتمع واستخدامها كأداة فى يد نظم فاسدة مستبدة لترويع المواطنين . وبالتالى
لابد من التعديل الجذرى لنظام الدراسة بكليات ومعاهد الشرطة ؛ بحيث تكون مدة
الدراسة عام دراسى واحد ؛ مع إلغاء أى تدريبات عسكرية داخل كليات الشرطة ؛ وإلغاء
نظام الإقامة الداخلية بتلك الكليات ؛ واقتصار الالتحاق بها على طلاب كليات الحقوق
؛ وإنشاء كليات شرطة متعددة على مستوى المحافظات أو الأقاليم . كما ينبغى لضمان التأكيد
على الطابع المدنى لجهاز الشرطة ؛ ضرورة الإلغاء النهائى لنظام ندب المجندين من
الجيش لأداء الخدمة العسكرية بأجهزة الأمن .
3- التحول من الإدارة الأمنية إلى الإدارة
السياسية :
فلقد درجت النظم المتعاقبة على إسناد منصب
وزير الداخلية لـ " كادر أمنى لتنفيذ أجندة سياسية " ؛ وبالتالى
حان الوقت للانقلاب على ذلك التقليد النابع من دهاليز الدولة البوليسية ؛ والمبادرة
نحو إسناد منصب وزير الداخلية لـ " كادر سياسى لتنفيذ أجندة أمنية "
. إذ أن استبعاد أسلوب الاعتماد على كادر أمنى لقيادة وزارة
الداخلية ؛ وإسناد
منصب وزير الداخلية إلى " وزير سياسى " من خارج الأجهزة الأمنية ، يعنى
التحول إلى النهج السياسى فى الإدارة التنفيذية ؛ الأمر الذى يوفر رؤية سياسية
عريضة لإدارة العمل الأمنى ؛ تخرج به من حيز الرؤية المهنية الضيقة المتحيزة
للمؤسسة الأمنية أكثر من انحيازها للمجتمع . كما يفتح الطريق للتعامل مع القضايا
الأمنية بمنظور مجتمعى وسياسى ، يقيد وزارة الداخلية بأجندة المجتمع وأولوياته
الأمنية ، بدلاً من أن تفرض الوزارة رؤيتها وأولوياتها الأمنية على المجتمع .
4- التحول من الإدارة المركزية إلى
الإدارة المحلية :
حيث تؤدى الادارة المركزية الشديدة
لأجهزة الأمن إلى تسخير أجهزة الأمن لخدمة النظام الحاكم ؛ وبالتالى فإن التحول
نحو الإدارة المحلية سيضمن تنظيم جهاز الشرطة وفقاً لنظام غير مركزى يأخذ بـ ( نظام
الشرطة المحلية ) ؛ بما يساعد على التصدى للمشكلات الأمنية التى تتمايز وتختلف
من محافظة إلى أخرى ؛ ويساهم فى تبنى مطالب الجماهير الأمنية المزمنة التى طال
إهمالها. ومؤدى ذلك أن يكون لكل محافظة جهاز شرطتها الخاص ، التابع لمحافظ
المحافظة تنفيذياً والتابع فقط لوزارة الداخلية فنياً وإدارياً ؛ مع تفعيل ذلك
بتبنى نظام إنتخاب المحافظين ، ليصبح مؤشر " الارتفاع بمستوى الخدمات الأمنية
" أحد عناصر البرنامج الانتخابى لتقييم المرشحين لمنصب المحافظ ، الأمر
الذى يساهم فى تحفيز أى محافظ نحو توجيه جهاز الأمن لخدمة المواطنين وليس خدمة
السلطة المركزية ، مع السماح بوجود جهاز مركزى له اختصاص عام على مستوى الدولة
؛ يتولى متابعة الظواهر الإجرامية التى تفوق قدرات أجهزة الشرطة المحلية .
5ـ معالجة التضخم التنظيمى :
حيث يعانى الهيكل التنظيمي لوزاراة
الداخلية من التضخم ؛ من خلال وضع ذراع أمنية داخل الكثير من المرافق المدنية فى
الدولة ؛ الأمر الذى يؤدى إلى استنزاف الموارد البشرية والمالية لأجهزة الأمن فى
مهام غير أمنية . وبالتالى فإن الإصلاح المؤسسى يقتضى ضرورة إخراج عدد من القطاعات
أو الإدارات العامة التى تمارس أعمال غير أمنية أو تمارس أعمال أمنية يمكن لإدارات الأمن
الداخلى بالمؤسسات المختلفة القيام بها ؛ ضرورة إخراجها من البناء التنظيمى لوزاراة
الداخلية وإلحاقها بوزارات أخرى أو جهات أخرى . كما يقتضى إخراج جهاز الأمن
الوطنى من تبعية وزاراة الداخلية وإلحاقه بمنظومة الأمن القومى ؛ حيث ثبت
بالممارسة العملية أن استمرار تبعية الجهاز للداخلية ينحرف بالعمل الأمنى بحيث يتم
تغليب أمن النظام والأمن السياسى على حساب الأمن العام بشقيه الاقتصادى والاجتماعى
. بالإضافة إلى ضرورة إعادة هيكلة قطاع الأمن المركزى ؛ وتنظيمه وفقا لوحدات تابعة محلياً لأقسام الشرطة
على مستوى الجمهورية وتغيير اسمه إلى : وحدات التدخل السريع ؛ لتكون مهمتها الانتقال
صحبة مأموريات القبض على الخطرين ومداهمة الأوكار الإجرامية ومناطق الاتجار فى
المخدرات وزراعتها وتصنيعها ؛ وفض المشاجرات الكبيرة ؛ بالإضافة إلى مواجهة أعمال
الشغب العام بأساليب احترافية غير قاتلة .
6ـ تطوير الأحوال الوظيفية للعاملين
بجهاز الشرطة :
من خلال تعديل وتوحيد هياكل الأجور
وفقا لمعايير التناسب والعدالة ؛ ودعم برامج الرعاية الصحية والاجتماعية
؛ وإقرار مبدأ التوطين الوظيفى فى دائرة محافظات الإقامة ؛ وتصميم برامج
علمية لتغيير الصورة الذهنية المتعلقة بالأجهزة الأمنية .
رابعاً ـ المعوقات :
وتتمثل هذه المعوقات فى الآتى :
1ـ ارتفاع درجة المقاومة الداخلية للإصلاح المؤسسى الكامنة فى
المؤسسة الأمنية نتيجة مخاوف التفكيك والخشية من الاختراق والتوظيف :
تعتبر المقاومة الداخلية الكامنة أحد أهم المظاهر التى تعترض أى
عملية للإصلاح المؤسسى ؛ ولقد ساهم فى زيادة درجة هذه المقاومة الداخلية ارتفاع
سقف المخاوف الناشئة عن محاولات نظام جماعة الإخوان ـ إبان سيطرته على السلطة ـ اختراق المؤسسات الأمنية لتوظيفها لخدمة الأغراض
السياسية للجماعة ؛ أو محاولات التيار السلفى اختراق ذات المؤسسات لتوظيفها
لأهدافه السياسية ؛ علاوة على محاولات تفكيك وهدم المؤسسات التى تضطلع بها
الجماعات الإرهابية المسلحة التى تمثل الذراع المسلح لتيار الإسلام السياسى .
وللأسف فإن قيادات أجهزة الأمن ـ درءً للمسئولية أو تعطيلاً
للإصلاح ـ تترجم تلك المخاوف المتصاعدة باستخدام لغة الهواجس المزمنة ؛ بما يدفع
فى اتجاه تعظيم درجة المقاومة الكامنة لدى المؤسسات الأمنية نحو أى تغيير ؛ حتى
وإن كان مطلوباً من المجتمع ؛ تحت مبرر فوبيا حماية الأمن القومى والمؤسسات
السيادية .
2ـ تراجع الإرادة المجتمعية نحو التغيير نتيجة اليأس والإحباط ؛
ومن ثم القبول بمنطق الأمن مصحوباً بالبطش والاهانة باعتباره أفضل من غياب الأمن
تماماً :
حيث أدت حالة الانفلات الأمنى عقب ثورة 25 يناير 2011م ؛ نتيجة
لتراخى القبضة الأمنية كرد فعل تلقائى على انهيار حاجز الخوف لدى الجماهير ؛
ونتيجة لأن أجهزة الأمن لم تعتد إلا العمل فى ظل مناخ لايحترم حقوق الإنسان وسيادة
القانون ؛ ونتيجة لاندلاع مواجهات مسلحة دامية فى دول مجاورة أسفرت عن تدفق كميات
كبيرة من السلاح إلى الشوارع ؛ كل هذه الأسباب أدت إلى حالة من التردى الأمنى
المخيف ؛ ووضع الجماهير الفاقدة للأمن أمام معادلة صعبة ؛ مفادها : إما القبول
بغياب الأمن لفترة طويلة ؛ أو القبول بعودته سريعاً حتى وإن كان مصحوباً بذات
انتهاكات الماضى من البطش والإهانة .
وهكذا يؤدى استمرار تردى الأوضاع الأمنية إلى تراجع الإرادة
المجتمعية المؤيدة للإصلاح الأمنى نتيجة تنامى مشاعر اليأس والإحباط ؛ التى تقود
إلى تغليب الحاجة الشديدة للأمن على حساب أسلوب الأداء الأمنى ومدى التزامه
بمعايير سيادة القانون وحقوق الإنسان .
3ـ مأزق إنجاز الإصلاح الأمنى فى ظل التضحيات الأمنية المبذولة
لمكافحة الإرهاب :
اعتمد تيار الاسلام السياسى إبان وصوله إلى السلطة ؛ على
المناورة بأجنحته المسلحة لممارسة الترويع ضد المجتمع ومؤسساته والفصائل السياسية
المعارضة له . مما أدى إلى نشوب موجة من الأعمال الإرهابية ؛ تصاعدت حدتها مع سقوط
مشروع الإسلام السياسى فى الشارع المصرى تحت زحف الجماهير . الأمر الذى وضع أجهزة
الأمن فى مواجهة ضارية وشرسة مع تلك المجموعات الإرهابية ؛ وفرض على تلك الأجهزة
بذل الكثير من التضحيات تتمثل فى طابور متنامى من الشهداء لا مجال حتى الآن لإدراك
نهايته. وللأسف فإن تلك المواجهة الضارية مع الإرهاب ؛ توفر الفرصة لكى تطفو على
السطح عدد من المبررات المغلوطة لإرجاء فتح ملف إعادة تنظيم وهيكلة أجهزة الأمن فى
تلك المرحلة ؛ حتى لا يعوق ذلك الجهود والتضحيات المتواصلة لمواجهة الجرائم
الإرهابية .
وفى ظل هذا المأزق الناشئ عن فداحة التضحيات الأمنية المبذولة
لمكافحة الإرهاب ؛ يصبح من الصعب الترويج لعدد من المبادئ الأساسية الحاكمة ؛
والتى تقرر بأن إعادة بناء أجهزة الأمن وفقاً لمعايير تلتزم بحقوق الانسان وسيادة
القانون ؛ هو أمر يمثل المدخل الأكثر تأثيراً للنجاح فى أى مواجهة راهنة أو
مستقبلية مع الإرهاب ؛ بحيث لا تحكم تلك المواجهة أى ممارسات أو إجراءات خارجة عن
القانون تؤدى إلى خلق خصومة ثأرية مزمنة بين جهاز الأمن وأى فصائل يتم اتهامها
بدعم الإرهاب ؛ الأمر الذى يسفر عن تفريخ أجيال من الإرهابيين . ولذلك يصبح من
الهام تقنين أى مواجهة مع الجماعات الإرهابية والدول والمنظمات الراعية للإرهاب ؛
من خلال إصدار قانون شامل لمكافحة الإرهاب ؛ يمثل الأداة الشرعية فى هذه المواجهة
.
4ـ إزدواجية الانحياز للجماهير والتعصب للمؤسسة :
تقدم تجربة الثورة المصرية نموذجاً واضحاً يمكن القياس عليه
لتوضيح هذه الإزدواجية . فبينما انحازت أجهزة الأمن لجماهير الشعب خلال الموجة التصحيحية
لثورة 25 يناير فى 30 يونية 2013م وأدارت ظهرها للنظام ؛ مما أدى إلى بناء جسور
جديدة من الثقة بين المجتمع وجهاز الأمن ؛ كان يمكن استثمارها للتقدم بقوة نحو
بناء شرطة عصرية مهنية محترفة تستجيب لقيم وتحديات العصر . إلا أن عقلية "
التعصب للمؤسسة " بمنظورها السلبى ؛ تعاملت مع هذه الثقة المكتسبة باعتبارها
إما دعوة لإغلاق ملف إعادة تنظيم وهيكلة أجهزة الأمن ؛ أو مبرر لانفراد المؤسسة
الأمنية بتحمل مسئولية إصلاح الجهاز الأمنى دون أى مشاركة مجتمعية .
وهكذا تؤدى آفة التعصب للمؤسسة إلى عدم القدرة على استثمار
الثقة التى اكتسبتها أجهزة الأمن نتيجة انحيازها للجماهير ؛ ومن ثم تفويت الفرصة
على عملية إصلاح الأجهزة الأمنية بأقل كلفة ممكنة . كما تؤدى إلى انغلاق المؤسسة
الأمنية على ذاتها ؛ وتعاملها مع المجتمع باعتبارها ( طائفة أو إقطاعية ) معنية
أساساً بالمحافظة على مصالحها ومصالح أفرادها ، الأمر الذى يؤدى إلى الانعزال عن
المجتمع ؛ ومن ثم خلق فجوة بين المطالب الأمنية للمجتمع ورغبة جهاز الأمن فى
الاستجابة لتلك المطالب .
..................
.. إذن ؛ الملف الأمنى فى مصر ؛ مرهون بمواجهة ( 4 ) تحديات على المستوى الإستراتيجى (
وظيفية ـ هيكلية ـ إدارية ـ تشريعية ) ؛ ويحتاج إلى ضمان ( 3 ) مستويات من الرقابة ( عامة
ـ مجتمعية ـ ذاتية ) ؛ من أجل تنفيذ عدد ( 6 ) من الإجراءات على المستوى التكتيكى ؛
مع عدم تجاهل ( 4 )
نوعيات من المعوقات التى قد تواجه ذلك الملف ؛ فتعطل أو تمنع خطوات انطلاقه .
ولذلك تبدو أى خطوات نحو إصلاح أجهزة الأمن فى ظل هذه المعوقات
بمثابة خطوات مؤجلة أو مكبلة بقيود الواقع . فاستبداد الإسلام السياسى وهو فى
أروقة السلطة ؛ كإرهاب الإسلام السياسى وهو خارج هذه السلطة ؛ كقيود ثقافة المؤسسة
الأمنية التى تتعامل مع المجتمع بمناظير الشك والريبة والتعصب ؛ كانهزام المجتمع
ذاته أمام ثنائية جائرة تطرح البطش الأمنى فى مقابل الانفلات الأمنى .
ولكن رغم كل ذلك ؛ علينا ألا نيأس من المجاهرة للرئيس القادم
وللحكومة والبرلمان القادمين ؛ بأهمية إصلاح الأجهزة الأمنية ؛ ليس لمصلحة الناس
فقط ؛ وإنما أيضاً لمصلحة هذه الأجهزة ذاتها وللعاملين بها من ضباط وأفراد ومجندين
.
*****
عقيد دكتور / محمد محفوظ
عضو المبادرة الوطنية
لإعادة بناء الشرطة
( شرطة لشعب مصر )
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق