مازالت هناك فى طرة
زنازين خالية
تاريخ النشر : 14 أكتوبر 2011
أرى
رؤوساً أينعت وحان قطافها
[ الحجاج
بن يوسف الثقفى ]
المشرحة مش ناقصة قـُـتـلة .. رغم أن
هذا المثل الشعبى معلوم لكافة المصريين ؛ خصوصاً وأن دماء من قـُـتلوا غدراً
وجبروتاً وظلماً طوال أيام الثورة لم تجف بعد ؛ ولم يصدر حتى الآن أى حكم قضائى
على قاتليهم ؛ اللهم إلا أحكام غيابية بالإعدام على فرد شرطة أو فردين مازالا
هاربين ؛ رغم هذا .. فإن بعض من يحكمونا ابتلاهم الشيطان ببطء الفهم أو ربما بعدم
الفهم على الاطلاق .
فالمشرحة التى سبق وأن امتلأت بشباب تم
اغتيالهم فى عمر الزهور ؛ لم تعد قادرة على أن تتقبل ذلك بعد اليوم . وكل مواطن
شريف فى هذا البلد لم يعد قادراً على لجم الغضب والسخط والانفجار فى مواجهة هذا
النوع المريع الشنيع من وجع القلب .
وتبدو المشاهد المروعة التى ملأت الشاشات
يوم 9 أكتوبر الأسود خلال مجزرة ماسبيرو ؛ وأدت إلى قتل 25 وإصابة 329مصرياً دهساً
بالمدرعات ورمياً بالرصاص ؛ تبدو إعادة متطابقة دموياً مع مشاهد يوم 28 يناير .
مما يؤكد الاقتناع بأنه رغم أن اليومين يفصل بينهما 8 شهور ؛ إلا أن الإجرام واحد
والاستهانة بأرواح الناس واحدة . وبالتالى ينبغى أن يكون القصاص هو الآخر واحداً .
فكما تتم محاكمة مبارك والعادلى وقيادات الداخلية وقيادات الوطنى بجناية قتل
المتظاهرين ؛ ينبغى محاكمة المسئولين عن مذبحة ماسبيرو بجناية قتل المتظاهرين.
ولأن أبسط قواعد العدالة تنص على أن الخصم لا يمكن أن يكون هو الحكم ؛ فإن إضطلاع
النيابة العسكرية بالتحقيق فى ملابسات الأحداث يمثل إهانة لدماء الشهداء والمصابين
وأهاليهم ؛ لأن القيادات العسكرية العليا والوسطى والميدانية المسئولة عن تأمين
مبنى ماسبيرو والمنطقة المحيطة به ؛ والمسئولة عن تحرك القوات العسكرية فى هذا
اليوم ؛ والمسئولة عن إصدار الأوامر بالتصدى للمتظاهرين بالدهس أو إطلاق النار ؛
أو المسئولة عن عدم التدخل لمنع ذلك ؛ ينبغى أن يتم إحالتهم جميعاً إلى التحقيق
أمام مدعى عام مستقل غير تابع للنائب العام وغير قابل للعزل طوال مراحل التحقيق . على
أن يصدر قرار تعيين هذا المدعى العام المستقل بموجب مرسوم خاص ينص على جواز محاكمة
العسكريين المتورطين فى تلك الجرائم أمام محاكم مدنية ؛ لأن أى حكم سيصدر من محكمة
عسكرية فى هذه المجزرة لن يتم التعامل معه باعتباره عنوان الحقيقة ؛ الأمر الذى
سيجعل النار المدفونة داخل الصدور تنتظر يوماً ما
ـ قريباً أو بعيداً ـ لكى تنفجر فيه .
المدعى العام المستقل سيمتلك السلطة
القانونية لإجراء تحقيق مستقل ؛ بدلاً من لجنة تقصى الحقائق التى لا تمتلك أى سلطات
فعلية ؛ وتحقيقاتها استشارية أمام جهة التحقيق الأصلية التى هى النيابة العسكرية .
فضلاً عن أن المدعى العام المستقل سيمنع تداخل المصالح بين القضاء العسكرى
والمتهمين من العسكريين قيادات كانوا أم ضباط ومجندين .
ويمكن لتحقيقات هذا المدعى المستقل أن
تطال رؤوس كبيرة ؛ أينعت وحان وقت قطافها من على كراسيها التى تربعت عليها لسنوات
وسنوات وسنوات .
والواقع أن المؤتمر الصحفى العالمى
الذى عقدته بعض قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ يجعلنا لا نطمئن لنتائج
التحقيقات التى ستجريها لجنة تقصى الحقائق أو النيابة العسكرية . لأن المجلس الأعلى
الذى يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية قد نفى قيام قواته بإطلاق النار على المتظاهرين
؛ بدعوى أن القوات المكلفة بتأمين ماسبيرو غير مجهزة بذخيرة . والسؤال : هل يمكن
لأى ساذج أن يتصور أن قوات عسكرية تتولى تأمين منشأة حيوية مستهدفة مثل مبنى
ماسبيرو ؛ لا تحمل أى دخيرة ؛ بحيث إذا قامت أى جماعة مسلحة بمحاولة اقتحام المبنى
واحتلاله لوقفت أمامها هذه القوات عاجزة ؛ مما يعنى أن هذه القوات مجرد منظر
وديكور ؟!!!!
كما حاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة
تبرير دهس بعض المتظاهرين بمشاعر الفزع التى تمكنت من الجنود خوفاً على حياتهم ؛
فدفعتهم للانطلاق بالمدرعات مما قد يكون تسبب عن طريق الخطأ فى الاصطدام بالضحايا
الذين تم دهسهم . والسؤال المطروح هنا : أليست هذه المدرعات معلومة الأرقام ومعلوم
من هم سائقيها ؛ ومن هم الضباط المسئولين عن توجيه الأمر لها بالتحرك ؛ ومن هو
القائد المسئول عن كل هذه القوات . وبالتالى لماذا يستبق المجلس التحقيقات ليبرر
جرائم قواته حتى لو كانت على سبيل الخطأ ؛ أليست التحقيقات هى المنوط بها ذلك ؛
وكان يجدر بالمجلس العسكرى فقط أن يقول بأن كافة الوقائع المتعلقة بأحداث ماسبيرو
ستخضع للتحقيق ولن يفلت كل من ارتكب جريمة من العقاب ؟!!!
علاوة على ذلك ؛ فأن المجلس فى مؤتمره
الصحفى لم ينف ولم يجزم بفكرة وجود طرف ثالث له يد فى الأحداث !!!!! نحن إذن أمام
مجلس يتولى رئاسة السلطة التنفيذية وصلاحيات السلطة التشريعية ؛ وخلال مدة توليه
لتلك السلطتين وقعت أحداث كنيسة صول بإطفيح ثم أحداث كنيستى إمبابة ثم أخيرا أحداث
كنيسة أسوان ؛ ورغم ذلك لم يتحرك ذلك المجلس لإصدار قانون لتنظيم بناء دور العبادة
أو لتنظيم حق الطلاق للمسيحيين . ثم يتحدث بعد ذلك عن نظرية المؤامرة . وكأن
المؤامرة نبت شيطانى يقوم بها مجموعة من العفاريت المفارقة لحدود الزمان والمكان .
وبالتالى فإن السؤال الجدير بالطرح هنا
هو : أليس ترك التربة خصبة بكل عوامل الاحتقان والاستقطاب والتوتر دون أى تدخل
تشريعى أو سياسى أو حتى دون استنفار أمنى ؛ هو أمر يشبه عدم منع التدخين داخل محطة
لوقود السيارات ؛ وعندما يشب حريق يؤدى إلى تفجير تلك المحطة يتم تفسير ذلك تحت
عنوان المؤامرة . رغم أن التفسير الصحيح يندرج تحت عنوان الاهمال والتباطؤ وعدم
الاكتراث واللامسئولية .. والغباء السياسى .
وفى تقديرى ؛ فإن مجزرة ماسبيرو ينبغى
أن تفتح الباب للتفكير جدياً فى ضرورة تغيير كافة المسئولين عن إدارة الفترة
الانتقالية ؛ بدءً من المجلس العسكرى بكامل هيئته مروراً بالحكومة ؛ وانتهاءً
بالقيادات الدينية .
فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك وبعد
مرور 8 شهور من الفترة الانتقالية ؛ أن كل هذه الأطراف لا يمكن لها أن تضطلع بحل أى
مشكلة فى مصر ما بعد الثورة ؛ لأن كل هؤلاء جزء من المشكلة ؛ بل ويمثلون أحد أضلاع
أى مشكلة حدثت أو تحدث أو ستحدث فى المستقبل .
لذلك ؛ ومن أجل مصر .. ينبغى تصعيد
قيادات عسكرية جديدة فى مختلف مناصب المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ قيادات تدين
بمناصبها للثورة وليس للرئيس المخلوع .
ينبغى تشكيل حكومة جديدة من بين أسماء
الذين أعلنوا ترشحهم لرئاسة الجمهورية ؛ حتى يصبح أداءهم الوزارى خلال الفترة
الانتقالية أكبر اختبار لمدى جدارتهم بهذا المنصب الرفيع . فالأدب واللطافة
والشياكة والظرافة والمعارضة كلها أمور ينبغى أن تخضع للاختبار الحقيقى ؛ فليس
هناك من هو أكثر أدباً من عصام شرف أو أكثر لطفاً من منير فخرى عبد النور أو أكثر
معارضة ـ فيما سبق ـ من جودة عبد الخالق أو أسامة هيكل ؛ ولكن كل هؤلاء بمجرد
جلوسهم على كرسى السلطة تم اختبارهم وفشلوا فى الاختبار تلو الآخر . وكنا ننتظر
منهم جميعاً أن يعلنوا استقالتهم الحاسمة غير القابلة للمراجعة عقب أحداث ماسبيرو
؛ لأنه حتى إذا تعلقت المسئولية الجنائية عن الدماء التى سالت برقاب غيرهم ؛ فإن
المسئولية السياسية عن تلك الدماء هى بكل التأكيد ملفوفة حول رقابهم ؛ وستطاردهم
الجثث المهروسة فى كوابيسهم ؛ لأن الله عزيز ذو انتقام .
وبنفس المنطق ؛ على القيادات الدينية
أن تتحمل قسطاً من هذه الدماء ؛ لأنها بتخاذلها من أجل التشبث بمواقعها ؛ تراخت فى
المطالبة بسن التشريعات التى تقطع الطريق على الفتن الطائفية ؛ كما تراخت فى تمهيد
الطريق للفكر الدينى المستنير لكى يسير على الأقل جنباً إلى جنب بجانب الفكر
المحافظ إن لم نقل المتشدد .
شيخ الأزهر يتحمل مسئولية استمرار عدم
تنقية مناهج الأزهر من المرويات وكتب التفاسير ومذاهب الفقه المتشددة التى ارتفعت
إلى مستوى النص المقدس والديانة الموازية ؛ مما يفتح الباب لاستمرار التربة
الفكرية التى ترعى التطرف والتزمت .
البابا شنودة أيضاً بخلطه بين السياسى
والدينى بما يجعله يلعب دور رئيس جمهورية الأقباط فى مصر ؛ يعزز بذلك من عزل
الأقباط داخل دائرة الأقلية ؛ وينمى من التيار المتشدد فى الفكر المسيحى الذى يرى
أن الاقباط تحميهم الكنيسة وليس الدولة المصرية ؛ بما يعنى أن تظل الكنيسة محتفظة
بكافة تقاليدها التى ـ حتى ـ تتصادم مع الواقع ؛ حتى لا ينفرط عقدها ومن ثم يفقد
الأقباط مرجعيتهم .
نحن إذن أمام رجال دين تربوا فى ظل نظم
حكم فاسدة ؛ فلونتهم بكل ممارساتها التى تستخدم الدين كأداة للتفرقة أو التغييب أو
التواكل أو تطليق الدنيا انتظاراً للآخرة ؛ ونعلم جميعاً ما هى نوعية الخطاب التى
كانت ستصدر عن هؤلاء لو فشلت الثورة .
وبالتالى ؛ ينبغى لكل هؤلاء .. فى
المجلس العسكرى ؛ أو الوزارة ؛ أو المؤسسات الدينية ؛ أن يقبلوا بأن يرحلوا أو يُحاكموا
.
وارحل بالعربى يعنى إمشى علشان أى حد
ما بيفهمشى .
وأما يُحاكموا بالعربى ؛ فهى تعنى : أن
فى طرة مازالت هناك زنازين خالية .
******
ـ فيديو مروع تم نشره بالبديل عن مشهد من مشاهد مذبحة ماسبيرو ؛ يمكنكم
مشاهدته على صفحتى بالفيسبوك
دكتور/
محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق