د. محمد محفوظ ..
يكتب : الرئيس والقصور الرئاسية
تاريخ النشر : 7 يونيو 2014
وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال
سورة
إبراهيم ـ الآية 45
على الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يبادر
إلى سرعة فتح ملف القصور والاستراحات الرئاسية .
ففى بلد يعانى من ضائقة اقتصادية ؛ ومن
ضعف الثقة فى المؤسسات الرسمية ؛ يجب على
مؤسسة الرئاسة أن تضرب المثل والقدوة ؛ فتتخفف من أحمالها وتقترب من شعبها .
وفى تقديرى فإن ملف القصور والاستراحات
الرئاسية ؛ ينبغى معالجته من خلال 3 محاور ؛ تتمثل فى : الجدوى .. والفجوة .. والتوثيق
.
أولاً ـ الجدوى :
فينبغى أن يتم تعظيم الجدوى الاقتصادية
والتاريخية والثقافية لسلسلة القصور والاستراحات التابعة لمؤسسة الرئاسة ؛ لأن
استمرار تلك القصور والاستراحات بوضعها الحالى الذى يجعل معظمها مغلقة على
مقتنايتها ؛ يمثل بالوعة لإهدار المال العام ؛ وإغراء للتعامل مع المال السايب
بمنطق النهب والسرقة ؛ كما يشكل نوع من الحجر على حق الشعب فى التعرف على جزء مهم
من تاريخه .
ولنا أن نتخيل كم الأموال المهدرة
للصرف على أعمال الصيانة والنظافة ؛ للأثاثات والحوائط والأرضيات ووصلات السباكة
والكهرباء والاتصالات ؛ والعناية بالحدائق ؛ بالإضافة إلى فواتير المياه والكهرباء
والتليفونات ؛ وأجور العمالة ؛ والخدمات الأمنية على مدار الساعة من ضباط وأفراد
الحرس الجمهورى والادارة العامة لشرطة رئاسة الجمهورية ؛ بتسليحهم ووسائل انتقالهم
ومخصصاتهم ... الخ .
وبالتالى فقد حان الوقت ؛ لوقف هذا
النزيف المالى المستمر ؛ من خلال التعامل مع تلك القصور والاستراحات بمنطق الجدوى
الاقتصادية والتاريخية والثقافية النابعة من قيمتها الحضارية الكبرى .
وفى تقديرى فإن هذا المنطق ينطلق من
بديهية عالمية تعتنقها معظم الدول المتحضرة ؛ وتتمثل فى تخصيص مقر دائم لرئاسة
الجمهورية سواء كان قصرا أم فيلا بمواصفات خاصة ؛ ونقل تبعية باقى القصور
والاستراحات إلى وزارة الآثار ووزارة الثقافة وفقا للغرض الذى سيتم من خلاله
التعامل مع تلك القصور أو الاستراحات .
فبعض تلك القصور هى متاحف عالمية
بامتياز نتيجة طرازاتها المعمارية الخلابة ومقتنياتها الحصرية الفريدة وقيمتها
التاريخية والأثرية ؛ ولا تحتاج إلا إلى تزويدها ببعض التجهيزات المتحفية لكى تنضم
إلى خريطة المتاحف المصرية وخريطة السياحة الداخلية والأجنبية .
وبعضها الآخر ؛ الذى يقل فى مرتبة
القيمة التاريخية أو الأثرية ؛ فيمكن تحويله إلى فنادق عالمية ذات طابع خاص مثل
فندق قصر السلاملك فى الإسكندرية بحدائق قصر المنتزه ؛ بحيث يتوجه إليها النزلاء
المصريين والأجانب ؛ الراغبين فى الإقامة فى أجواء تاريخية وبأسعار تزيد عن أسعار
الفنادق الاعتيادية .
بينما يمكن عرض بعضها الآخر ـ الذى لا يصلح
للإقامة الفندقية ـ للبيع فى مزادات ؛ بعد جرد مقتنياتها الفريدة وضمها للمتاحف
المتخصصة ؛ أو تحويلها إلى مراكز فنية وثقافية عامة .
.. وبالتالى فان تعظيم الجدوى
الاقتصادية والتاريخية والثقافية من القصور والاستراحات الرئاسية المغلقة ؛ لتحويلها
إلى متاحف أو فنادق أو مراكز ثقافية وفنية أو التصرف فيها بالبيع ؛ هو أمر لازم
لكى يتم سد حنفيات إهدار واستنزاف المال العام . كما إنه أمر حاسم لنقل الانطباع
لجموع الشعب المصرى ؛ بأن مؤسسة الرئاسة عندما تبادر وتنحو منحى الإدارة الرشيدة
لأصولها التى هى أصول الشعب ؛ بعيداً عن منطق التكويش والإهدار ؛ فإن ذلك بلا أدنى
شك ؛ سيرسم الطريق لكى يكون هذا هو منهجهها فى إدارة باقى أصول الدولة ومواردها ؛
وفى تقليص نفقاتها وتضييق دائرة مخصصاتها .
ثانياً ـ الفجوة :
تمثل القصور الرئاسية بخلفيتها
التاريخية الملكية ؛ ومظاهر البذخ والهيلمان والفخامة المتوطنة فيها ؛ أحد أهم
التقاليد التى كان ينبنى عليها نظام الحكم الملكى ؛ الذى كان يقوم على ضرورة أن
توجد فجوة مادية ومعنوية بين الأسرة الملكية الحاكمة وبين الشعب ؛ باعتبار أن ذلك
أمر لازم لخلق هالة من الجلال والتوقير والمهابة والعلو التى تحوط الذات الملكية ؛
فتغرس فى نفوس المحكومين نوع من الثقة العمياء والرضى والقبول بتوجهات مؤسسة الحكم
؛ بما يؤدى إلى كبح نوازع النقد أو المحاسبة والمراجعة أوالرغبة فى التغيير التى
تتناقض مع طبيعة الحكم الوراثى وقواعد استمراريته .
ورغم أن النظم الملكية أو الإمبراطورية
الحاكمة مازالت قائمة فى بعض الديمقراطيات الغربية وفى اليابان ؛ إلا أن القاعدة
الدستورية الضامنة لوضعية الملك أو الإمبراطور الذى يملك ولا يحكم ؛ قد جعلت
الفجوة المادية أو المعنوية التى تفصل الأسر الحاكمة عن الشعب ؛ غير ذات أثر على
طبيعة نظام الحكم الذى يخضع للانتخاب من الشعب والرقابة والمحاسبة من ممثليه .
ولكن ؛ يبدو بأن وراثة نظم الحكم الجمهورية
لقصور الأسر الملكية ؛ قد نقل العدوى إلى الرؤساء الذين لا يجرى فى عروقهم الدم
الملكى الأزرق ؛ فاقتبسوا مظاهر الجلال والتوقير والمهابة والعلو ؛ بما حافظ على استمرار
الفجوة المادية والمعنوية بين مؤسسة الرئاسة والشعب ؛ فأصبحت كل القصور الرئاسية (
الملكية سابقاً ) بأسوارها الشاهقة ؛ بمثابة عوازل مادية ومعنوية تعزل الرئيس عن
الجماهير ؛ وسرعان ما تتحول إلى دوائر للنفوذ يحافظ عليها الانتهازيون والمنتفعون
؛ ويدافعوا عن استمرارها لكى ينفردوا بالرئيس ويضمنوا دوام استمراره ومن ثم
استمرارهم معه فى دائرة الحكم والسلطة .
ومن ثم فإن الضامن الأكبر لعدم حدوث
فجوة بين الرئيس وبين الشعب ؛ لا يتوقف فقط على الشعبية الكبيرة والاختيار الحر من
الجماهير ؛ وإنما لابد لذلك من إجراءات على الأرض تمنع نمو تلك الفجوة ؛ ومن أهمها
تحديد مقر رئاسى واحد للرئيس ؛ يكون متاحاً للجماهير وفقا لترتيبات أمنية زيارته
والتجول ببعض أجنحته ؛ ويكون غير محاط بالأسوار العالية التى تحجبه عن الناس ؛
بالإضافة إلى عدم الاحتفاظ بأى قصور أو استراحات أو مقرات مغلقة فى حوزة مؤسسة
الرئاسة ؛ لأن استنزاف المال العام هو العامل الأكبر الذى يؤدى إلى تحويل الـ (
فجوة ) بين الرئيس والشعب إلى ( جفوة ) .
ثالثاً : التوثيق :
لا تكتسب مؤسسة الرئاسة احترامها لدى
الشعب من مجرد سهرها فقط على حماية حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والمدنية
والسياسية وحماية حدود الوطن وسواحله وأجوائه ؛ وإنما لابد من أن يترافق مع ذلك
القدرة على توثيق التسلسل التاريخى لحكام هذا الشعب وتلك الدولة ؛ بما يساهم فى تقديم
صورة مجسمة لتداول الحكم عبر العصور والتطور السياسى للنظم الحاكمة ؛ ويغرس فى
نفوس المواطنين قيمة الارتباط بالماضى البعيد والقريب اللذين لا غنى عنهما للانتماء
للحاضر المقيم والاستعداد للمستقبل المنشود .
وربما يبدو هذا الحديث للبعض بمثابة
فذلكة وتلاعب نظرى بالكلمات والعبارات ؛ إلا أنه فى الواقع يمثل حجر الزاوية
لتقديم مؤسسة الحكم باعتبارها مؤسسة لها تاريخ وجذور ؛ يمنحانها العراقة والخبرة
ويعكسان منها العبرة والعظة .
ولذلك أقترح على الرئيس عبد الفتاح
السيسى ؛ أن يخصص جناحاً فى القصر أو المقر الرئاسى ؛ لتحويله إلى : ( بانوراما
حكام مصر ) . بحيث تضم تلك البانوراما بين جنباتها توثيقاً تاريخياً متسلسلاً
لأسماء وصور حكام مصر عبر العصور ومنذ فجر التاريخ ؛ من الفراعين والأباطرة والقياصرة
والخلفاء والولاة والخديوية والسلاطين والملوك والرؤساء .
وذلك وفقاً للترتيب التالى :
1ـ حكام الدولة الفرعونية التي حكمت
مصر لمدة تزيد عن 3000سنة , من الأسرة الأولى وحتى الأسرة الثلاثين .
2ـ حكام دولة البطالمة .
3ـ حكام الدولة الرومانية .
4ـ حكام الدولة البيزنطية .
5ـ حكام دولة الخلافة الإسلامية
العربية ( الراشدة ) .
6ـ حكام الدولة الأموية .
7ـ حكام الدولة العباسية .
8ـ حكام الدولة الطولونية .
9ـ حكام الدولة الإخشيدية
10ـ حكام الدولة الفاطمية .
11ـ حكام الدولة الأيوبية .
12ـ حكام دولة المماليك ( البحرية , والبرجية
) .
13ـ حكام الدولة العثمانية .
14ـ حكام الدولة العلوية ( أسرة محمد
على ) .
15ـ حكام الدولة الجمهورية .
.. وفى تقديرى فإن وجود بانوراما حكام
مصر داخل مقر الرئاسة ؛ كمتحف توثيقى لتاريخ حكام مصر ؛ هو أمر يربط مؤسسة الرئاسة
بالشعب الذى سيتردد كباره وصغاره على البانوراما للتعرف على تاريخ الحكم فى مصر .
كما إنه سيوثق للتنوع الذى استندت إليه الحضارة المصرية فى تفاعلها رضاءً أم قسراً
مع الحضارات الأخرى خلال كل مراحل نموها ؛ وهو الأمر الذى سيوطد من دعائم الترابط
بين مصر والمترددين عليها من السائحين والزوار المنتمين لتلك الحضارات الأخرى التى
تواجدت على أرض مصر عبر التاريخ .
....................
ومن هنا .. فإن التعامل مع القصور
الرئاسية ( الملكية سابقاً ) بمنطق ؛ تعظيم الجدوى الاقتصادية والتاريخية
والثقافية ؛ وردم الفجوة المادية والمعنوية ؛ وتوثيق التسلسل التاريخى لحكام مصر ؛
هو أمر يضع أقدامنا على طريق الدولة التى هى ملك لشعبها بقصورها وأكواخها ؛ ومغرم
لا مغنم لحكامها بسلطاتها ومسئولياتها .
قال تعالى : فكأين من قرية أهلكناها
وهى ظالمة فهى خاوية على عروشها وبئرٍ معطلة وقصرٍ
مشيد
سورة
الحج ـ الآية 45
*****
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق