أحلام الثورة المُهدَّدة
( ريجيم المجلس العسكرى .. وثعالب الإخوان .. وذئاب الوطنى )
تاريخ النشر : 15 مارس 2011
بقلم
دكتور / محمد محفوظ
لم تقم الثورة من أجل الثورة لذاتها ؛
وإنما من اجل تحقيق مجموعة من الأحلام التى راودت معظمنا ؛ وهانحن الآن نراها على
مرمى حجر ؛ وقابلة للتحقق . ولكن بعض الأخطار مازالت قائمة ؛ تهدد تلك الأحلام ؛
وقد تجعلها لا تمتد لخارج رؤوسنا .
المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ يهوى
القرارات منزوعة الدسم ؛ ويفضل السياسات المسلوقة التى تناسب المرضى والمسنين
والمحبطين؛ ولا تلائم الشعوب التى تسير على درب الثورة ؛ فتحتاج للفيتامينات
والبروتينات والقرارات كاملة الدسم .
يُشاع أن المجلس العسكرى يتطلع بنفاذ
صبر إلى نهاية الفترة الانتقالية ( الـ 6 شهور ) ليتسلم منه السلطة رئيس وحكومة
جديدة وبرلمان ؛ ويعود إلى ثكناته , ولذلك يسرع في اتخاذ القرارات قصيرة النفس
التى تجعل تسليم السلطة لا يتجاوز تلك المدة .
كما يُشاع أن المجلس العسكرى يعلم بأن
البلد ستدخل في أزمة اقتصادية طاحنة بعد 4شهور ؛ وبالتالى يريد تسليم الجمل بما
حمل لرئيس جديد ليتحمل هو وحكومته وبرلمانه وزر تلك الأزمة ؛ ويتبرأ منها المجلس .
ولهذا يتم صياغة القرارات والسياسات بما يحقق ذلك الهدف ؛ وليس بما يحقق مصلحة
الأحلام الثورية .
نحن إذن أمام ( ريجيم إجبارى ) فرضه
المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أحلام الثورة ؛ بحيث تخرج نتائجها محدودة وقاصرة
عن تلبية متطلبات الحالة الراهنة .
وربما تكون التعديلات الدستورية
البائسة ؛ بصياغتها الركيكة وتوجهها العنصرى وطابعها السلطوى ؛ أفضل تفسير لذلك
الريجيم الاجبارى الذي يجبرك على زلط وجبة لا طعم لها ولا فائدة .
والسؤال : إذا كان المجلس العسكرى لا
يريد تحمل تبعات المرحلة الانتقالية ؛ فعليه أن لا ينفرد بالقرار فيها وحده ويُشرك
معه - من خلال مجلس انتقالى مؤقت - المدنيين ؛ أو يطلب من المدنيين تشكيل مجلس
مدنى انتقالى ويعود هو إلى مهامه العسكرية . ولكن سياسة ( لا أحبك ولا أقدر على
بعدك ) ؛ تبدو كسياسة قصيرة النظر ؛ تحتاج إلى نظارة معظمة لكى تجعلها ترى
المستقبل في منظوره البعيد ؛ وليس في منظوره المحدد فقط بـ 6 شهور .
ولكن ياليت الريجيم الإجبارى للمجلس
العسكرى تقتصر نتائجه على تقزيم نتائج الثورة ؛ ولكن الأخطر إنه قد ينحرف بها -
أصلاً - عن مسارها .
وما يؤكد ذلك هو تأييد فصيل الإخوان
المسلمين لقائمة الريجيم الإجبارى بكل حماس وقوة واندفاع .
وبالطبع نحن لا نشكك في الإخوان كتيار
سياسى له تاريخه النضالى ضد الفساد والاستبداد ؛ ولكن نتشكك فى هذا الانحراف عن
المسار الوطنى بما ينال من المكاسب التى يمكن أن تحققها الثورة . فالتعديلات
الدستورية العقيمة التى يدعمها الاخوان تكرس لانتخابات برلمانية سريعة تبدو من الناحية
الشكلية نزيهة ؛ ولكنها من الناحية الموضوعية أبعد ما تكون عن ذلك . لأن نزاهة
الانتخابات لا تتوقف فقط على عدم العبث بالصناديق ؛ ولكن - أيضاً - على تحقيق
تكافؤ الفرص لكافة القوى والتيارات السياسية المشاركة في تلك الانتخابات . وبالطبع
لن يتاح لأحزاب طال حصارها وقوى سياسية جديدة مفتتة لم تنل بعد حظها ؛ لن يتاح لكل
هؤلاء تحقيق التنافس الانتخابى على أرضية عادلة .
ومن هنا ؛ فإن اقتناص اللحظة لتحقيق أغلبية
برلمانية إخوانية غير مطابقة للواقع ؛ هو أمر يفتح الباب لمخاوف كبيرة . لأن وصول الإخوان
للسلطة دون اندماجهم وانغماسهم في واقع سياسى ديمقراطى تتوفر فيه الندية والمنافسة
الحقيقية ؛ سيؤدى إلى طفح النزعات الاستبدادية لدى بعضهم على السطح ؛ وإلى تعودهم
على الانفراد بالسلطة دون شريك .
لهذا ؛ نتوجه بالخطاب لعقلاء الإخوان ؛
وندعوهم ليتذكروا الثمن النضالى الذي دفعوه في السجون والمعتقلات ؛ ونسألهم : هل
دفعوا هذا الثمن لوجه الله ؛ أم دفعوه لوجه الوصول إلى سلطة دنيوية زائلة .
إذا اختار الإخوان الخروج عن صف
الجماعة الوطنية للفوز بأغلبية غير عادلة ؛ فإنهم بذلك سيقبضون الثمن من الدنيا
وليس من الله عز وجل .
على عقلاء الإخوان ؛ أن يردعوا ثعالبهم
الذين يمارسون السياسة بأسلوب مدرسة المكر والخبث ؛ ولم يتعظوا من ناظر المدرسة
السابق الذى كان اسمه : ( حسنى مبارك ) .
الثعالب لا مكان لهم في المجتمعات
الديمقراطية ؛ وإنما مرتعهم في مجتمعات الخوف الموحشة بأسوار القهر والطغيان .
ولكن اللافت في الأمر ؛ أن ذئاب اللاحزب
اللاوطنى اللاديمقراطى ؛ الرابضة في أوكارها تترقب وتتحسب للانقضاض في أى لحظة
مناسبة , هؤلاء يتفقون مع ثعالب الإخوان في تأييد التعديلات الدستورية . لأنهم بما
نهبوه من أموال وما أقاموه من مصالح - ربطت بينهم وبين قطاعات غير قليلة من الشعب
الغلبان - يعلمون بأن الانتخابات التشريعية القادمة سريعاً جداً ؛ هى فرصة سانحة
لحجز مساحة مناسبة في سفينة قيادة الوطن ؛ بما يضمن حماية المصالح واستعادة النفوذ
؛ ويمهد الطريق لإغراء القوى السياسية الجديدة بذهب المعز الذي يعرفون هم وحدهم
الطريق إلى مغاراته ودهاليزه.
أحلام الثورة إذن مُهدَّدة ؛ ولا يدرك ذلك
الذين بدأ ينفذ صبرهم ؛ والذين يسكنهم الخوف لأنهم لم يتدبروا قول الله تعالى : (
إن الله يدافع عن الذين آمنوا ) ؛ أو قوله تعالى : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً
ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ؛ أو قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا
ورابطوا ) .
نافذو الصبر والخائفون ؛ هم الأرضية
التى يتحرك عليها ثعالب الإخوان وذئاب الوطنى .
نافذو الصبر والخائفون ؛ هم من يبلعون
قرارات وسياسات المجلس العسكرى منزوعة الدسم السياسى والمسئولية الثورية .
أحلام الثورة المُهدَّدة مُعلقة في
رقبة كل من نزل الى الشارع يومى 25 و28 يناير ؛ ولن نخلعها من رقابنا نتيجة مكر
الثعالب ومؤامرات الذئاب وريجيم العسكر .
قولوا ( لا ) للتعديلات الدستورية ؛
تضمنوا توفير الحماية - من خلال ( دستور جديد ) - لأحلام الثورة المُهدَّدة .
دكتور
/ محمد محفوظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق