07 أغسطس 2014

حرية التعبير .. وإزدراء الأديان ( البديهيات المفقودة في الثقافة الإسلامية المعاصرة )

حرية التعبير .. وإزدراء الأديان
( البديهيات المفقودة في الثقافة الإسلامية المعاصرة )

تاريخ النشر : 28 إبريل 2012

لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون
( المحكمة الدستورية العليا برئاسة المرحوم المستشار دكتور / عوض المر )

بقلم دكتور / محمد محفوظ

يبدو التربص الذى يمارسه أتباع بعض الحركات الدينية بصفة عامة أو الإسلامية بصفة خاصة ؛ تجاه بعض الأعمال الدرامية أو الأدبية أو الفنية أو الإعلامية التى تتضمن إساءة حقيقية أو مزعومة للأديان والرموز الدينية . يبدو بمثابة نموذج مكرر للبديهيات المفقودة في ثقافتنا الإسلامية المعاصرة . تلك البديهيات التي يؤدى غيابها إلى حتمية الصدام المتكرر مع الممارسات التى صارت على المستوى العالمى بمثابة ممارسات اعتيادية يتم احتواءها ضمن مجال احترام حرية التعبير . إلا أن ميراث الاستبداد والاستعباد الذي تربت عليه شعوب المنطقتين العربية والإسلامية , أهدر الكثير من القدرة على استيعاب وفهم تلك الممارسات في إطارها الصحيح ومعناها الحقيقي ؛ وفتح الباب واسعاً لتكريس ممارسات التزمت والتشدد ومحاصرة الوعى .
ولا شك بأن الحكم القضائى الأخير الصادر بالحبس والغرامة ضد الفنان عادل إمام بتهمة إزدراء الأديان فى عدد من أعماله ؛ يمثل نموذج يمكن الانطلاق منه لإعادة التذكير بالمجال الذى ينبغى أن تتحرك خلاله حرية التعبير ؛ وهل هو مدى مقيد أم مطلق بدون حدود ؟    
وتوجه هذه القضية أنظارنا إلى أربعة تساؤلات ؛ ربما تؤدى الإجابة عليها إلى إزالة اللبس المطروح على الساحة ؛ نظراً لأن استمرار وجود هذه التساؤلات أصلاً فى ثقافتنا المعاصرة ؛ يمثل المقدمات التى يتم البناء عليها للوصول الى نتائج مغلوطة ؛ بينما تلك التساؤلات قد تم تجاوزها والإجابة عنها منذ زمن فى الدول الديمقراطية المتقدمة .
السؤال الأول : هل حرية التعبير تُمنح للتعبير الإنساني ذاته , أم إلى الأفراد ؟
ويثور هذا التساؤل لأن مصطلح حرية التعبير يفتقر إلى الدقة الإصطلاحية , نظراً لأن معناه المستقى من تركيبته اللغوية , يجعل الذهن ينصرف إلى أن الحرية هنا تتعلق بالتعبير ذاته , بينما هى تتعلق بالأفراد الذين يمارسون هذا التعبير . فالمادة التعبيرية تتكون من رموز تتشكل في صوت مسموع وصور مرئية أو مطبوعة , إلى آخر الأشكال المتعددة لصياغة الرموز التعبيرية للإنسان . وبالتالي فهى مجرد رموز فاقدة للحياة ولا يمكن أن تتمتع بأي حرية , وإنما تنصرف الحرية إلى الفرد ذاته , الذي يتولى توليد هذه الرموز وصياغتها و توصيلها للآخرين . وبالتالي يصبح التركيب اللغوي الصحيح للمصطلح هو : حرية الأفراد في التعبير . ونظراً لأن الأفراد مختلفين بحكم المنطق والواقع والضرورة , فإن المجادلة بأن حريتهم في التعبير مصونة في كافة المجالات , باستثناء الأمور الدينية , هى مجادلة غير صحيحة . لأنها تتناسى بأن هناك بعض الأفراد غير المؤمنين بالأديان بصفة عامة أو ببعض الأديان بصفة خاصة ؛ أو الذين تختلف درجة إيمانهم عن درجة إيمان أقرانهم فى نفس الدين ؛ أو الذين ينتمون لمذهب يتعارض مع مذهب آخر فى ذات الدين  , وبالتالي سيتم الحجر على حق كل هؤلاء في الجهر بآرائهم اللادينية , أو الدينية المعارضة ؛ لو تم استثناء القضايا الدينية من دائرة حرية الأفراد في التعبير .
ولعل هذا يزيل اللبس , ويوضح بأن عدم استبعاد الإساءة الفعلية أو المزعومة إلى الأديان أو إلى الرموز الدينية من دائرة حرية الأفراد فى التعبير , هو أمر ينطلق من مبدأ هام , مفاده ..أن كافة الأفراد متساوين أمام القانون والدستور , ولا يجوز حرمان أية طائفة من حق ممنوح بالضرورة لباقي الطوائف الأخرى , وبالتالي لا يمكن فتح الساحة للمؤمنين ـ أو لبعض المؤمنين ــ بمفردهم للتعبير عن توجهاتهم الدينية , وإغلاقها أمام غير المؤمنين بالديانات عموماً أو غير المؤمنين بدين معين أو مذهب معين ؛ للتعبير عن توجهاتهم غير الدينية أو الدينية المعارضة . ولعل هذه هى البديهية الأولى الغائبة عن الثقافة الإسلامية المعاصرة .
السؤال الثاني : هل حدود حرية الفرد في التعبير تتوقف عند حدود حرية الآخرين في التعبير ؟
يجادل الكثير من المتحدثين بأن حرية كل فرد تتوقف عند حدود حريات الآخرين . ولعل هذا صحيح , و لكن - فقط - في مجال الحريات المادية التي تدخل في نطاق الأفعال . أما حرية التعبير فهى حرية غير مادية ( رمزية ) لأن مادتها الوحيدة تتمثل في الرموز . وهذا يوضح بأنه بينما يستحيل على الحرية المادية للفرد أن تتقاطع مع حريات الآخرين , لأن هذا التقاطع سيؤدى بالضرورة إلى التصادم بحكم طبيعتها المادية ؛ إذ لا يمكن ــ مثلاً ــ الانطلاق بالسيارة في شارع مكتظ بالمشاة , لأن هذا يعنى بالضرورة الاصطدام بهم . بينما الحريات الرمزية يمكن أن تتقاطع ؛ حيث يمكن للفرد المجاهرة بآراء تتعارض تماماً مع آراء البشر جميعاً , وهذه الآراء لن تتصادم بحيث يدفع بعضها الآخر . فالنطاق الرمزي لحرية الأفراد في التعبير يجعل نطاقات ممارسة هذه الحرية لا تتدافع أو تتصادم , لأنها تتشكل في دوائر رمزية يمكنها أن تتداخل وتتقاطع مع بعضها البعض . وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بأن حرية الفرد في التعبير تقف عند حدود حرية الآخرين في التعبير, لأن نطاق هذه الحرية هو نطاق رمزي غير محدود .
ولهذا فإن عدم استبعاد الإساءة الحقيقية أو المزعومة إلى الأديان أو إلى الرموز الدينية من دائرة حرية الأفراد فى التعبير , هو أمر ينطلق من مبدأ هام , مفاده : أن الحريات الرمزية يمكنها أن تتقاطع وتتداخل ولا تتصادم مع بعضها البعض نظراً لطبيعتها الرمزية , بخلاف الحريات المادية التي لا يمكنها أن تتقاطع أو تتداخل وإنما تتصادم بحكم طبيعتها المادية . ولعل هذه هى البديهية الثانية الغائبة عن الثقافة الإسلامية المعاصرة .
السؤال الثالث : هل من المشروع استخدام الفعل المادي للرد على التعبير الإنساني ؟
يقرر المنطق الفطري والقانوني بأن قيام أحد الأفراد برش آخر بالماء , لا يبرر للآخر الرد عليه بإطلاق الرصاص , وذلك رغم وقوع الفعلين في دائرة الأفعال المادية . و لعل ذلك يتحدد وفقاً لقاعدة هامة مفادها : أن رد الفعل يجب أن يتناسب مع الفعل , وإلا أصبحت المبالغة في رد الفعل خروجاً عن المألوف . ولكن ما بالنا لو كان رد الفعل ( المادي ) بمثابة رد على التعبير ( الرمزي ) . لا شك بأن عدم التناسب يصبح صارخاً , نظراً لاختلاف المجال المادي لرد الفعل عن المجال الرمزي للتعبير الإنساني . ولنا في آيات القران أسوة حسنة , إذ يقول سبحانه وتعالى في قرآن يُتلى على أسماعنا صباح مساء ( .. فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .. ) ( البقرة / 194 ) . بما يعنى قياساً أنه إذا كان العدوان الواقع رمزياً ولا يدخل في دائرة الأفعال المادية , فإن الرد عليه ينبغي أن يظل محصوراً في دائرته الرمزية , ولا يتطور إلى الأفعال المادية . وإلا أصبح هذا العدوان غير مبرر , ولا يتناسب مع منطق الشرع والتوجيه الإلهي , الذي وإن أباح الرد على العدوان بما يتناسب معه ( .. والعين بالعين.. ) ( المائدة / 45 ) , فإنه أشار بالمثل إلى فضل العفو والغفران ( .. والكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين ) ( آل عمران / 134 ) , ( .. وليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم .. ) ( النور / 22 ) .
وهكذا تتضح عدم مشروعية استخدام الفعل المادي للرد على التعبير الإنساني سواء من ناحية المنطق أو القانون أو الدين . وسواء تمثل هذا الرد المادي في استخدام العنف أو حتى ( استخدام الحق فى التقاضى الذى تنتج عنه عقوبات بدنية أو مالية ) أو أى أساليب مادية أخرى . إذ لا يفقد التعبير الرمزى الحماية التى ينبغى أن تكون مقررة له ؛ إلا إذا ترتبت عليه آثار مادية مباشرة ضارة بالأشخاص أوالممتلكات ؛ الأمر الذى يبيح التعامل معه بأساليب مادية نظراً لفقدانه لصفته الرمزية . ولعل هذه هى البديهية الثالثة التي تغيب عن ثقافتنا الاسلامية المعاصرة , بما يجعلنا نخالف تعاليم ديننا من حيث ندعى الدفاع عنها .
السؤال الرابع : هل الاستناد الى حرفية النصوص القانونية ؛ دون ربطها بنصوص الدستور أو بأحكام المحاكم العليا ؛ يمكن أن يكون مبرراً لمحاصرة حرية الأفراد فى التعبير؟
والواقع أن الغابة التشريعية المصرية مسكونة بالعديد والعديد من الشراك والأفخاخ القانونية ؛ التى تجعل السجن أو الحبس هما العقوبة التلقائية فى مواجهة أى ممارسة لحرية التعبير تخرج عن نطاق العرف أو تتصادم مع المألوف أو تتعارض مع الفكر المحافظ أو تحمل أى نوع من التجديد . وللأسف فان هناك طائفة من رجال القضاء لا ينشغلون بالبحث القانونى ؛ ومتابعة أحكام المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الادارية العليا وقرارات النيابة العامة المصرية ؛ التى انتصرت فى دعاوى كثيرة لحرية الافراد فى التعبير . تلك الأحكام التى ينبغى التعامل معها باعتبارها مبادئ وتفسيرات دستورية وقواعد قانونية وسوابق قضائية ؛ ينبغى الاستناد إليها فى الانتصار لحرية الكلام والنقاش والإبداع والتفكير والاعتقاد ؛ وباعتبارها تمثل خلاصة تجربة مؤسسة العدالة فى مصر فى أزهى صورها .
واسمحوا لى أن أقدم لكم طائفة من نصوص أحكام المحكمة الدستورية العليا التى انتصرت لحرية التعبير ؛ والتى أعتقد بأن القضاة أمثال القاضى الذى أصدر الحكم على عادل إمام ؛ لم يقرأوها أو يعلموا أصلا عن وجودها . وبالتالى هم لا ينشغلون بالبحث عن الحكمة التى هى سند العدل عند التصدى للفصل فى النزاعات بين الأفراد . وفيما يلى جواهر منتقاة من أحكام المحكمة الدستورية العليا فى عهد المرحوم المستشار الدكتور / عوض المر .
1ــ حكم المحكمة الدستورية العليا: قضية رقم 37 لسنة 11 قضائية (دستورية) بتاريخ 6/2/1993
" إن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها، وإن الطريق إلى السلامة القومية إنما يكمن فى ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح .... إذ لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون . ولأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل، ولحرية الإبداع والأمل والخيال ، وهو فى كل حال يولّد رهبة تحول بين المواطن والتعبير عن آرائه بما يعزز الرغبة فى قمعها، ويكرس عدوان السلطة العامة المناوئة لها، مما يهدد فى النهاية أمن الوطن واستقراره ".
 2 ــ  حكم المحكمة الدستورية العليا: قضية رقم 77 لسنة 19 قضائية (دستورية) بتاريخ 7/2/1998)
" وحيث أن المشرع وكلما تدخل بلا ضرورة لتقييد عرض آراء بذواتها بقصد طمسها أو التجهيل بها بالنظر إلى مضمونها، كان ذلك إصماتاً مفروضاً بقوة القانون فى شأن موضوع محدد انتقاه المشرع انحيازاً، مائلاً بالقيم التى تحتضنها حرية التعبير عن متطلباتها التى تكفل تدفق الآراء وانسيابها بغض النظر عن مصدرها أو محتواها، ... وإن الحمل على اعتناق بعض الآراء أو إقماع غيرها، سوءتان تناقضان مفهوم حوار يقوم على عرض الأفكار وتبادلها والإقناع بها. كذلك فإن موضوعية الحوار شرطها شفافية العناصر التى يدور الجدل حولها، بما يحول دون حجبها أو تشويهها أو تزييفها ".
3 ــ  حكم المحكمة الدستورية العليا: القضية رقم 37 لسنة 11 قضائية (دستورية) بتاريخ 6/2/1993  
" إن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوماً رصد كل عبارة احتواها مطبوع وتقييمها – منفصلة عن سياقها – بمقاييس صارمة . ذلك أن ما قد يراه إنسان صواباً فى جزئية بذاتها ، قد يكون الخطأ بعينه عند آخرين ، ولا شبهة فى أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم كثيراً ما يلجأون إلى المغالاة ، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه ، فإن قدراً من التجاوز يتعين التسامح فيه ، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجباً إعاقة تداولها ".
والواقع أن مضمون هذه الأحكام يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ؛ بأن المحكمة الدستورية العليا تنظر إلى كافة القوانين التى تقيد حرية الأفراد فى التعبير باعتبارها قوانين غير دستورية ؛ ومن ثم كان ينبغى على أى قاضٍ يحترم مقعد العدالة الذى يجلس عليه ؛ أن يحيل أى دعوى تستند إلى نصوص قانونية تقيد حرية التعبير ؛ إلى المحكمة الدستورية العليا لإبداء الرأى فيها ؛ قبل أن يلوث يديه بإصدار حكم يصادر به حرية الأفراد فى التعبير . 
السؤال الخامس : وهو سؤال أتصور أن يُطرح في ظل مناخ ثقافة التعصب السائدة ؛ وهو :
هل كاتب المقال يؤيد إزدراء الأديان والرموز الدينية ؟
والإجابة قولاً واحداً ؛ هى : إن كاتب المقال لا يؤيد الإساءة للأديان والرموز الدينية.
ولكن .. ما أهون الإساءة الرمزية التي يُتَّهَم بها البعض , قياساً بالإساءة الفعلية والعملية التي يمارسها كل يوم أتباع الإسلام من المسلمين . ألا تتم الإساءة للإسلام بمظاهر الفوضى والإهمال والتسيب , ألا تتم الإساءة للإسلام بتدني أخلاقيات معاملات المسلمين مع بعضهم بعض التي يحكمها الجشع والطمع والاجتراء على الأموال والأعراض وانعدام الضمير , ألا تتم الإساءة للإسلام بمظاهر الخنوع وانعدام الكرامة والسلبية وخشية بأس السلطة أكثر من خشية الله تعالى , ألا تتم الإساءة للإسلام باحتقار العلم والإيمان بالخرافات , ألا تتم الإساءة للإسلام بتأييد القتل وسفك دماء الأبرياء تحت راية ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
لهذا .. على كل الغاضبين من الإساءة إلى الأديان والرموز الدينية بصفة عامة , أو  الإساءة للإسلام والرموز الإسلامية بصفة خاصة , أن يوجهوا غضبهم المادي إلى الإساءة المادية ؛ وليس الإساءة الرمزية الفعلية أو المزعومة , وليحاسبوا أنفسهم على ( أفعالهم ) المسيئة للإسلام قبل أن يحاسبوا الآخرين على ( أقوالهم ) . ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ( البقرة - 44 ) , ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) ( الكهف - 103 / 104)
و أخيراً , فإن عدم استبعاد الإساءة الفعلية أو المزعومة إلى الأديان أو إلى الرموز الدينية من دائرة حرية التعبير ؛ هو أمر نضطر للقبول به (على مضض) ؛ من أجل غاية سامية , وهى : حماية حرية الإنسان في التعبير , تلك الحرية التي يؤدى ترسخها في أي مجتمع إلى تداول الأفكار وتربية الناس على احترام قيم الاختيار والحوار والنقاش . ومن ثم تتقدم المجتمعات بأفكار كل أبناءها ؛ ويقوم الناس بدورهم في إصلاح الأرض وتعميرها .
أما الذين يمارسون الإساءة الفعلية والعملية إلى الأديان , من خلال عدم الالتزام بجوهر تعاليمها , فما هى الغاية السامية التي تقف وراء أفعالهم اللهم إلا غياب الإيمان ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم .. ) ( الحجرات - 14 ) .
وتأكيداً على ما سبق .. فإن كاتب المقال لا يؤيد الإساءة للأديان ورموزها بصفة عامة أو الإسلام ورموزه بصفة خاصة , ولكنه مضطر إلى التعايش معها على مضض , في سبيل احترام حرية الاعتقاد وحرية التعبير عن ذلك الاعتقاد ؛ التي نص عليها القرآن الكريم ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ( يونس - 99 ) . وهذا التعايش على مضض مع هذه الإساءة , لا يمنع من الرد عليها بنفس أدواتها الرمزية من خلال الحوار والنقاش والتفنيد , بحيث يظل الرد في نطاقه الرمزي , ولا يتطور إلى المجال المادي ( فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر ) ( الغاشية 21- 22 ) .
.. كانت هذه بعض من البديهيات المفقودة في ثقافتنا الإسلامية المعاصرة , التي أصبحت شعوبها تتغذى ليل نهار على ثقافة التعصب والكراهية والغل الأسود . وبالتالي يؤدى التعصب إلى عدم قدرة العقل على إدراك البديهيات , وتؤدى الكراهية إلى المبالغة في ردود الأفعال , ويؤدى الغل الأسود إلى عدم القدرة على العفو والصفح والتسامح والغفران .
*****
دكتور/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق