لو كنت هناك
.. ما سلمت عليه
تاريخ النشر : 2 أكتوبر 2011
بعض الأمور حين لا
نفهمها فإن العيب قد لا يكون فى عقولنا
[ قول مأثور ]
لم يفاجئنى فيديو ظهور المشير طنطاوى بالملابس
المدنية فى وسط القاهرة ؛ وهو يمشى وسط الناس فى الطريق
العام ويصافحهم بابتسامة وود وهدوء .
فقد كنت أتوقع وفقاً لفهمى المتواضع للنهج العسكرى
فى الفعل ورد الفعل ؛ بأنه لابد من تحرك ميدانى ما لامتصاص رد
الفعل السلبى ؛ المترتب على شهادة المشير التى صبت فى مصلحة مبارك
.
ونظراً لأنه وفقاً للمنطق العسكرى القائل : بأن
أفضل وسيلة للدفاع هى الهجوم ؛ فإن استخدام القوة الهجومية الناعمة ـ وخصوصاً
إذا كان الميدان هو قلوب المواطنين ـ يصبح هو الوسيلة المثلى
لإصابة الهدف بدلاً من العشرات من التصريحات والبيانات ؛ ودون أى خسائر تذكر
. وبالفعل فقد ظهر المشير مترجلاً يمشى بين الناس بكل تواضع ؛ ويبادلهم
المصافحة والابتسام .
ولكن بعض الخبثاء ؛ بالإضافة إلى بعض الموالين
لكراسى السلطة أياً كان من يجلس عليها ؛ فسروا جولة وسط المدينة ؛ بأنها
الخطوة الأولى فى تقديم المشير كرئيس مدنى محتمل لرئاسة الجمهورية .
ولكن سواء كانت الجولة لامتصاص رد الفعل السلبى
المترتب على الشهادة ؛ أو كانت للتمهيد للتقدم لمنصب الرئاسة ؛ فإن التفسيرين
يمكن أن يتكاملا ليصب كل منهما فى مصلحة الآخر .
ولكن السؤال الأولى بالطرح فى هذا المقام يدور
حول : مدى جدارة المشير بمنصب الرئاسة ؛ انطلاقاً من
تقييم أدائه فى العمل العام طوال 20 عاماً مضت ؛ وانطلاقاً من
تقييم أدائه على مدار الشهور التالية للثورة باعتباره رئيس
المجلس العسكرى المنفرد بالسلطتين التشريعية والتنفيذية طوال الفترة
الانتقالية .
والواقع أن المشير المولود فى 31 أكتوبر 1935م لأسرة نوبية ؛
قد تقلد - على مدى مشواره العسكرى - العديد من الأنواط والأوسمة
والميداليات والمناصب الرفيعة خارجياً وداخلياً . فبعد
حصوله على نوط الشجاعة العسكرى عقب حرب اكتوبر
1973م لقيادته الكتيبة 16 مشاة أثناء الحرب ؛ تم اختياره في
عام 1975 ليعمل ملحقاً عسكرياً لمصر في باكستان ثم في أفغانستان .
وترقى فى المناصب حتى تم اختياره رئيساً لهيئة أركان الجيش الثانى
الميدانى ؛ وفى عام 1987 أصبح قائداً للجيش الثانى الميدانى . وبعدها
فى عام 1988م تم اختياره قائداً لقوات الحرس الجمهورى
واستمر فى ذلك المنصب لمدة 3 سنوات حتى عام 1991م ؛ حيث تم
اختياره وزيراً للدفاع برتبة فريق ثم صدر قرار جمهورى
عقب ذلك بشهر بترقيته إلى رتبة فريق أول ؛ ثم إلى رتبة
المشير عام 1993م .
ومنذ عام 1991م حظى المشير بثقة الرئيس
المخلوع على مدى خمس حكومات ؛ شغل فيها منصب وزير الدفاع ؛ بدءً من
حكومة عاطف صدقى ثم كمال الجنزورى ثم عاطف عبيد ثم أحمد نظيف انتهاءاً بحكومة
أحمد شفيق .
وللوهلة الاولى ؛ فقد يبدو أن كل
تلك المناصب تشير إلى كفاءة قيادية وإدارية فى المجال
العسكرى ؛ فضلاً عن خبرة عميقة فى القدرة على اكتساب
ثقة القيادة السياسية . لاسيما وأن السمعة التى يحظى
بها الجيش المصرى لدى الرأى العام فيما يتعلق بالانضباط والقدرة على الانجاز
حتى فى المجالات المدنية ؛ فضلاً عن المظهر المشرف
لكافة منشآت القوات المسلحة بدءً من النوادى مرورا
بالعمارات السكنية وانتهاءا بالوحدات والمناطق العسكرية . لاشك بأن كل
ذلك يعزز من شأن السيرة الذاتية العسكرية والسياسية للمشير باعتباره
قائد ناجح عسكرياً وسياسياً .
ولكن التحليل المتعمق لمسيرة المشير
العسكرية السياسية ؛ قد يصل بنا إلى نتيجة أخرى ؛ ذلك أن
الكفاءة فى القيادة العسكرية ليست بالضرورة عنواناً على
توافر نفس القدر من الكفاءة فى القيادة السياسية . فضلا
ًعن أن انعدام أى معلومات موثقة عن التطور التكنولوجى والعملياتى والقتالى
والتدريبى والإدارى فى القوات المسلحة خلال الـ 20 عاماً الماضية ؛ نتيجة مناخ التعتيم
المترتب على النصوص القانونية السارية التى تمنع أى اقتراب من شئون
هذه القوات ؛ أو نتيجة غياب النصوص الدستورية والقانونية التى تسمح بمراقبة
ميزانيتها وأوجه انفاقها . كل ذلك يجعل معايير الكفاءة على ستوى القيادة
العسكرية تظل محل مراجعة نتيجة انعدام المعلومات.
أما فيما يتعلق بالكفاءة على مستوى القيادة السياسية ؛ فإن
القدرة على اكتساب ثقة ديكتاتور عنيد متشبث بالسلطة ؛ لأكثر من 20
عاماً هو أمر يخصم من رصيد أى رجل سياسة ولا يضيف إليه.
ورغم أن الكثير من القصص والحكايات بدأت
ترشح فى الفترة الأخيرة ـ على ألسنة بعض المخلصين أو المناوئين
للثورة - عن دور المشير فى منع بيع بنك القاهرة ؛ أو عن
معارضته لمشروع التوريث وفقاً لبعض تحليلات الدبلوماسية الأمريكية . إلا أن
عدم مبادرة المشير بالخروج - طوال 20 عاماً - من وسط صفوف سلطة
فاسدة مستبدة والتبرأ منها ؛ يجعل كل
تلك القصص غير قادرة هى أيضاً على الإضافة إلى ذلك الرصيد
.
ولكن ؛ نظراً لأن الأعمال بخواتيمها ؛ فقد يجادل البعض
بأن مساندة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ـ وعلى رأسه المشير ـ للثورة ؛ وعدم
الانصياع لرغبة مبارك فى إجهاضها ؛ تظل هى الإضافة الحاسمة لرصيد المشير .
ولكن الأمر الذى يتضح كلما مر الوقت ؛ أن مساندة
المجلس العسكرى والمشير للثورة ؛ كانت لأسباب مصلحية وليست ايماناً بمبادئ
هذه الثورة . ذلك أن أغلب ممارسات المجلس
العسكرى تندرج تحت عنوان تجاهل أو معارضة مطالب الثورة ؛
أو المماطلة والتسويف فى تلبيتها ؛ أو تنفيذها بصورة مشوهة تفرغها
من مضمونها . مما يرجح أن المجلس والمشير تماشوا فقط مع الثورة لأن حساباتهم
أكدت بأن الوقوف بجانب مبارك سيضعهم أمام طوفان شعبى سيطيح بكل من
يواجهه .
ولعل ما يعزز هذا ؛ هو أن تقييم الآداء العسكرى والسياسى
للمجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية ؛ يخصم كثيراً من رصيد المجلس ورصيد المشير
باعتباره رئيسه .
فعلى المستوى العسكرى ؛ تبدو
تفجيرات خطوط الغاز المتتالية دون أى رادع عسكرى أو أمنى ؛ أو الهجوم
على قسم شرطة ثان العريش ؛ أو عدم الإعلان عن أى معلومات عن
التحقيقات الجارية مع الجانب الاسرائيلى بشأن مقتل ضابط
وجنود مصريين على الحدود المصرية الاسرائيلية ؛ أو استمرار
الانتهاكات المتوالية لحقوق الانسان التى يرتكبها ضباط وأفراد الشرطة
العسكرية ؛ كل ذلك يشير إلى إدارة عسكرية اعتادت
منذ سنوات على عدم مواجهة أزمات حقيقية ولذلك يصبح
الارتباك وربما الذهول هما العنوان لمعظم ممارساتها .
أما على المستوى السياسى ؛ فإن الأداء
السياسى للمجلس العسكرى برئاسة المشير هو أداء يمكن وصفه بأنه لاسياسى
بامتياز . بمعنى أنه أداء ينتقل من فشل إلى آخر ؛ إلى الحد
الذى بات ينذر بتصفية أهداف الثورة . ذلك أن كم التخبط
والارتباك واللامنهجية واللامنطقية فى الإدارة السياسية للفترة
الانتقالية ؛ بدءً من مهزلة الانتخابات أولاً والدستور ثانياً والرئيس ثالثاً
؛ مروراً بالإصرار على بقاء مجلس الشورى ونسبة 50% عمال وفلاحين ؛
والاستمرار فى تعيين معظم الوزراء والمحافظين من رجال النظام السابق ؛
والعجز عن استعادة التواجد الامنى ؛ وصولاً إلى فضيحة مد وتوسيع
مدة ونطاق قانون الطوارئ ؛ والتحرش بالصحف والقنوات الفضائية ؛
وإصدار قانون قبيح للانتخابات ؛ وتعديل الإعلان الدستورى سراً ؛ وتوزيع الدوائر
الانتخابية بنظام سمك لبن تمر هندى .
وبالتالى ؛ فإن هذا الأداء اللاسياسى البائس المستمر
طوال الفترة الانتقالية ـ والذى قد يمتد بهذه الفترة إلى مدة العام أو العام
والنصف أى 18 شهراً بدلاً من 6 أشهر ـ يستهلك كل الرصيد الذى ظنه الناس يصب فى مصلحة
المشير والمجلس العسكرى .
وهنا نأتى إلى إجابة السؤال ؛ حول مدى جدارة المشير
بمنصب الرئاسة انطلاقاً من تقييم أدائه العسكرى والسياسى قبل الثورة أو بعدها .
وفى تقديرى ؛ فإنه ينبغى ترك الإجابة للمصريين ؛ ذلك ان
الثورة قامت ليتعلموا كيف يختاروا ؛ ثم عليهم بعد ذلك دفع ثمن هذا الاختيار .
ولكننى ؛ عن نفسى ؛ وعملاً بحقى فى حرية التعبير بموجب
المادة رقم 12 من الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس العسكرى ؛ أستطيع أن أقول
بأننى لن أعطى صوتى للمشير فى حال ترشحه لمنصب الرئاسة انطلاقاً من كل الأسباب
السابق ذكرها .
فضلاً عن إننى لو كنت موجوداً فى وسط البلد عندما فوجئ
الناس بالمشير مترجلاً ببدلته المدنية ؛ لو كنت موجوداً هناك ؛ ما سلمت عليه ……..
*******
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
هوامش :
ـ موقع ويكيبيديا
الموسوعة الحرة .. مختصر السيرة الذاتية للمشير
ـ المنشور بأحد االمواقع
الالكترونية عن نص شهادة المشير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق