د. محمد محفوظ .. يكتب :
خطة فض الاعتصام ما بين المواثيق الدولية والتشريعات المصرية
تاريخ النشر : 7 أغسطس 2013
الرقص مع الذئاب لا ينتهى بالنوم فى فراشها وإنما بالهضم داخل بطونها
قول مأثور
هناك عدد من المعايير
الدولية للتعامل مع أعمال الشغب العام أو العنف أو الاعتصامات التى تهدد الأمن
العام . وتستند هذه المعايير إلى وثيقتين دوليتين ؛ ووثيقتين وطنيتين .
أما الوثيقتان الدوليتان
فهما :
ـ مدونة قواعد السلوك
للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون التى أعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام
1979.
ـ المبادئ الأساسية
لاستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون ؛
والتى صدرت عام 1990.
وأهم المبادئ التى تدور حولها الوثيقتان تتمثل فى
الآتى :
ـ عدم استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى
وفى الحدود اللازمة لأداء الواجب .
ـ احترام مبدأ التناسبية بحيث يتم استعمال القوة بشكل
يتناسب مع الهدف المشروع المطلوب تحقيقه .
ـ اعتبار مرحلة استعمال الأسلحة النارية تدبيرا
أقصى ؛ لا يتم اللجوء إليه إلا إذا كانت الأساليب الأقل شدة غير كافية لكبح العنف
.
أما الوثيقتان الوطنيتان فهما :
ـ المادة رقم 102 من قانون الشرطة التى تحدد حالات
استخدام السلاح لرجل الشرطة ؛ ومن ضمنها فض التجمهر أو التظاهر الذي يحدث من خمسة
أشخاص على الأقل إذا عرض الأمن العام للخطر .
ـ قرار وزير الداخلية رقم ١٥٦ لسنة ١٩٦٤ وتعديلاته والكتب
الدورية الداخلية المتعلقة به ؛ بشأن استعمال الأسلحة النارية .
... وللأسف عند مقارنة الوثيقتين الوطنيتين
بالمبادئ الدولية ؛ سنجد أن هناك تفاوتاً كبيراً بين الاثنين ؛ بما يؤدى إلى غياب
عدد كبير من المعايير التى ينبغى أن تلتزم بها أجهزة الأمن المصرية عند التعامل مع
أعمال الشغب العام أو الاعتصامات والتظاهرات التى تهدد الأمن العام ؛ وهو أمر
يقتضى ضرورة إعداد تشريعات جديدة تتفق مع المعايير الدولية فى هذا الشأن ؛
بالإضافة إلى ضرورة تثقيف وتدريب أجهزة الأمن بما يجعلها مؤهلة للالتزام بتلك
المعايير .
وبصفة عامة يمكن القول بأن المعايير الدولية تضع
عدد من الخطوات المتتابعة التى ينبغى الالتزام بها عند التعامل مع التظاهرات أو
الاعتصامات التى تهدد الأمن العام أو أعمال الشغب العام ؛ وتتمثل هذه الخطوات فى
الآتى :
1ـ التفاوض للتعرف على مطالب المتظاهرين أو
المعتصمين .
2ـ استعراض القوة من خلال نشر القوات بأساليب معينة
أمام المعتصمين أو المتظاهرين .
3ـ استخدام مدافع المياه النقية .
4 ـ استخدام مدافع المياه المخلوطة بالصابون .
5 ـ استخدام مدافع المياه الملونة .
6ـ استخاد العصا والدرع .
7ـ استخدام الغاز المسيل للدموع من نوع CN وهو الأقل تأثيراً .
8ـ استخدام ىالغاز المسيل للدموع من نوع CS وهو الأشد تأثيراً .
9ـ استخدام الرصاص المطاطى
.
10 ـ استخدام الرش الخفيف
.
11 ـ استخدام الرش الثقيل
.
12ـ استخدام الرصاص من
أسلحة فردية الطلقات .
13ـ استخدام الرصاص من الأسلحة
سريعة الطلقات .
وفى كل هذه المراحل ينبغى
توجيه إنذار للمتظاهرين أو المعتصمين بنوع الإجراء الذى سيتم استخدامه ؛ والإعلان
عن منفذ يمكنهم التفرق من خلاله .
ولكن للأسف هذه الخطوات
المتتابعة تتهاوى كلها دفعة واحدة ؛ بمجرد مواجهة القوات لإطلاق نار صادر من
المتظاهرين أو المعتصمين ؛ حيث تبرز قاعدة الدفاع الشرعى عن النفس لتصبح هى
القاعدة الحاكمة المقررة لكل فرد من قوات
الأمن للدفاع عن نفسه أو الآخرين بموجب نصوص قانون العقوبات .
ولذلك يجب على القوات الأمنية
المحترفة أن تستعين بعدد من أفراد القناصة ووسائل الرؤية ووسائل التصوير الدقيقة ؛
التى يمكن من خلالها تحديد الأفراد المسلحين وسط الاعتصام للتعامل معهم فوراً من
خلال القناصة ؛ بحيث لا يؤدى استخدام القوات لحق الدفاع الشرعى إلى سقوط عدد كبير
من الأبرياء .
وفى كل الأحوال ينبغى على
أى قوات مدربة ومحترفة أن تمتلك مهارة إطلاق النار على المواضع غير القاتلة فى
الجسد ؛ بحيث يتم تقليل الخسائر البشرية إلى أقصى حد ممكن .
وإذا حاولنا استدعاء تلك
المعايير الدولية أو الوطنية للتعامل مع اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة ؛
فإنه ينبغى أن نؤكد بداية بأن تفاقم الأمور داخل الاعتصامين إلى حد التسلح والتحصن
والتمترس ؛ هو أمر ينبغى أن تتم محاسبة وزير الداخلية والقيادات الأمنية المعنية
عليه . لأن عدم وضع الكمائن الأمنية فى كل الطرق المؤدية للاعتصامين لمنع وصول
الأسلحة أو أكياس الرمال أو الأسمنت أو الأموال . كل ذلك يشير إلى قصور رهيب
وإهمال جسيم ينبغى أن تحاسب عليه كل القيادات الأمنية التى يقع الاعتصامان فى
دوائر اختصاصهما .
أما عن الأسلوب الأمنى
الأمثل للتعامل مع الاعتصامين بعد وصولهما إلى مستوى من التسليح سيؤدى إلى ضرورة
سقوط ضحايا . فإن الإجراء الأمثل وفقاً لما هو متاح لدينا من معلومات ؛ يتمثل فى
الخطوات الآتية :
ـ ضرورة البدء بفرض حصار
كثيف وكامل بعدد حاشد من قوات الشرطة المدنية والعسكرية وقوات وأليات القوات
المسلحة ؛ لسد كل المنافذ التى تؤدى إلى الاعتصامين ؛ بحيث لا يتم السماح لأى
أفراد جدد بالانضمام لذلك الاعتصام ؛ ولتجفيف منابع التسليح والتمويل .
ـ إصدار قرار من السلطة
المختصة بقطع الكهرباء وقطع الاتصالات عن منطقتى الاعتصامين بالكامل ؛ لمنع
التواصل بين الاعتصام وأى جهة أخرى أو أى وسيلة إعلام ؛ ولتصعيب التواصل بين
المنصة والمعتصمين .
ـ البدء فى تطهير كل أسطح
البنايات المواجهة للاعتصام من أى عناصر مسلحة ؛ ونشر أفراد من القناصة أعلى أسطح
تلك المبانى .
ـ بدء القوات فى مخاطبة
المعتصمين من خلال المنشورات والميكروفونات بأن الاعتصامين يضمان بداخلهما عناصر
مطلوب ضبطها واحضارها للعرض على النيابة العامة فى اتهامات محددة ؛ وأن استمرار
المعتصمين فى حماية هؤلاء المطلوبين يعرضهم للمسئولية القانونية ؛ وأنه يجب على
المعتصمين المبادرة بالقبض على هؤلاء المطلوبين وتسليمهم لقوات الأمن ؛ أو
المبادرة بالخروج من الاعتصام لإعفاء أنفسهم من المساءلة القانونية .
ـ وعقب مدة يتم تقديرها
للتأكد من فاعلية الحصار ؛ يتم إنذار المعتصمين بضرورة فض الاعتصام خلال أجل زمنى
محدد ؛ وإلا سيتم استخدام القوة .
ـ ثم يتم البدء فى استخدام
مدافع المياه بأنواعها المختلفة السابق الإشارة إليها وبكميات كثيفة وعلى فترات
متعاقبة على مدار اليوم ؛ مع التزام القوات بالتحصن خلف سواتر لعدم جرها لاطلاق
النار رداً على أى عمليات لاطلاق النار من
جانب المعتصمين . وبالتأكيد سيؤدى ذلك إلى بدء عدد من المعتصمين فى المبادرة بمحاولة
مغادرة الاعتصام .
ـ ثم يتلو ذلك مرحلة إطلاق
الغازات المسيلة للدموع بنوعيها ؛ بكميات كثيفة ؛ وعلى فترات متعاقبة على مدار
اليوم لإنهاك المعتصمين وقياداتهم .
ـ وخلال كل تلك المراحل
ينبغى الإعلان عن منفذ للخروج ؛ ليخرج منه الفارين من الاعتصام ؛ والإعلان عن
إشارة يتبعها الراغبون فى الخروج كرفع اليدين ورفع راية بيضاء مثلاً .
ـ وفى حالة تقلص الأعداد
داخل الاعتصام أو تواتر معلومات تؤكد احتجاز الراغبين فى مغادرة الاعتصام كرهائن ؛
فإنه يتم تحديد ساعة الصفر للاقتحام ؛ من خلال الدفع بمجموعات من قوات العمليات
الخاصة وقوات مكافحة الارهاب وقوات الصاعقة ؛ وفقاً لخطة سرية لا يمكن بالطبع
الافصاح عنها ؛ بحيث تكون مهمة هذه القوات الاقتحام المفاجئ والسريع للقبض على
قادة الاعتصام خلال دقائق معدودة ومداهمة مخازن الأسلحة والذخيرة ؛ بحيث يتم تجريد
الاعتصام من معظم قياداته ومعظم قدراته التسليحية .
ـ ثم يعقب ذلك الإعلان
للمعتصمين الباقين عن أسماء قيادات الاعتصام التى تمكنت القوات المقتحمة من القبض
عليهم ؛ ثم توجيه إنذار بأنه سيتم الاقتحام خلال دقائق معدودة لو لم يتم الاستسلام
وفض الاعتصام .
ـ ثم يعقب ذلك اقتحام
الاعتصام وفضه والقبض على باقى المعتصمين .
..... ومن الجدير بالذكر
أن كل تلك الخطوات ينبغى أن تتم بالتنسيق مع النيابة العامة لتقنين كافة الإجراءات
؛ كما ينبغى أن يتم توثيق كل تلك الإجراءات من خلال عمليات تصوير دقيقة ومفصلة ؛
لتوضيح مدى عدائية الاعتصام وعدم سلميته . بالإضافة إلى ضرورة السماح لبعض مصورى
وسائل الإعلام بالتصوير وفقاً لقواعد التعامل مع وسائل الإعلام فى مواقع العمليات
القتالية . مع ضرورة إصدار أمر من السلطة المختصة بقطع إشارة الأقمار الصناعية عن
القنوات الفضائية التى تثبت التحريات أنها تستخدم كذراع إعلامى للاعتصام ؛
باعتبارها قنوات يتم استخدامها للدعاية والتحريض على العنف وتأليب الرأى العام
العالمى ؛ بل وربما يتم استخدامها باعتبارها ظهير اتصالاتى لنشر تكليفات لعناصر
خارج الاعتصام . ويمكن التأكيد بكل موضوعية بأن هذا الإجراء لا يتناقض مع الحرية
المطلقة التى يجب أن تكون مكفولة لحرية التعبير ؛ ولكن هذا موضوع قد يقتضى شرحه
بالمزيد من التفصيل فى مقال آخر .
بسم الله الرحمن الرحيم ..
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا
شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ
لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .. صدق الله العظيم
﴿سورة البقرة : الآية ٢١٦﴾
*****
عقيد
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق