مَنْ يترأس مَنْ .. في مجلـــس الوزراء ؟!
( مستر إكس .. واحتكار السلطة )
تاريخ النشر : 5 إبريل 2011
( لا
يمكننا التنبؤ بالمستقبل ؛ ولكن يمكننا عدم تكرار أخطاء الماضى )
[
قول مأثور ]
لا أعرف كيف تتم إدارة جلسات مجلس الوزراء المصرى؛ فى ظل
تقلد أحد أعضائه لمنصبين . فسيادة المشير طنطاوى – فضلاً عن تقلده لمنصب وزير
الدفاع – فإنه أصبح منذ 11فبراير2011م يتقلد منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات
المسلحة . وبموجب الإعلان الدستورى فإن المجلس العسكرى هو الجهة التى تتولى إدارة
شئون البلاد ؛ وفقاً للسلطات والاختصاصات المقررة لرئيس الجمهورية فى القوانين
واللوائح .
لذلك من حق الرأى العام أن يعرف ؛ كيف تتم إدارة جلسات مجلس
الوزراء فى ظل هذه الازدواجية ؟ فطبقاً للمادة 142 من الدستور الذى تم إلغاءه ؛ فإن
رئيس الجمهورية كان يترأس جلسات مجلس الوزراء التى يحضرها , وهى مادة حتى لو انعدمت
بإلغاء الدستور ؛ إلا أنها كانت تقرر أمراً عرفياً مستقراً ؛ مفاده أن من يتولى
منصب الرئاسة تكون له رئاسة أى جلسة يكون مشاركاً فيها . ونظراً لأن المشير طنطاوى
بوصفه وزيراً للدفاع يكون حاضراً فى كل جلسات مجلس الوزراء ؛ فإن صفته كرئيس
للمجلس العسكرى تجعل له رئاسة مجلس الوزراء طالما كان حاضراً لجلساته .
ربما يرى البعض أن هذا أمراً شكلياً وفذلكة لا طائل منها , ولكن
واقع الأمر يقرر بأن تلك الصفة المزدوجة بما ترتبه من سلطات تثير العديد من الإشكاليات
؛ وهى :
أولاً - إن تجميع السلطات وتكديسها وتكريسها فى يد شخص واحد ؛ يمثل
أول الطريق دائماً لإساءة استعمال السلطة والافتتان بها ؛ والتشبث بها وعدم الرغبة
فى مفارقتها ؛ وذلك لأن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة .
وبالتالى ؛ فإن منصب رئيس المجلس العسكرى ؛ العضو - بحكم منصبه
كوزير للدفاع - فى مجلس الوزراء ؛ هو منصب يكرس عدد من السلطات فى يد شخص واحد ؛ بما
يفتح الباب لتكرار نفس المأساة التى ظننا أن قيام الثورة كفيلاً بإنهائها ؛ وهى
مأساة احتكار السلطة .
ثانياً - إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ لم يقدم للرأى
العام حتى الآن القرار الجمهورى أو قرار وزير الدفاع الذى يوضح كيف تتم إدارة
جلساته ؛ وكيف يتم صنع قراراته ؛ وكيف يتم التصويت عليها بالمجلس ؛ خصوصاً وأن
رئيس المجلس يتقلد منصب وزير الدفاع منذ عشرين عاماً . وبالتالى فإن كل أعضاء
المجلس باعتبارهم مرؤوسين لوزير الدفاع يدينون له بالولاء التام بحكم استمراره فى
الوزارة لهذه المدة الطويلة ؛ كما يدينون له بالطاعة التامة بحكم كونهم مرؤوسين
لسيادته . ولهذا فمن غير المتصور - بحكم المنطق - أن يخالف أحدهم رأى من يملك إعفائه
من منصبه ؛ بالإضافة إلى أن التقاليد العسكرية تحتم الانصياع لأوامر وتعليمات
القادة .
وهذا يوضح بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة - مع كل تقديرنا
واحترامنا لأعضائه – لا يملك امتياز مخالفة توجهات رئيسه ؛ على الأقل من الناحية الأدبية
.
ثالثاً - إن آخر ما كان يمكن تخيله لكل من شارك فى الثورة
المصرية ؛ هو أن تتمخض الثورة عن قيادة البلاد بقيادة عسكرية غير مدنية طوال الفترة
الانتقالية . وربما كان يمكن للأمر أن يكون مستساغاً ؛ لو كان مجلس الوزراء يمثل
الجهة المدنية المشاركة للمجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد . ولكن حتى هذا لم
يحدث ؛ لأن وجود رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة داخل مجلس الوزراء ؛ جعل
الوزارة المدنية تابعة للمجلس العسكرى وليست شريكاً مدنياً له فى الحكم .
رابعاً - لا أستطيع أن أتجاهل إننى أحمل - كما يحمل الكثيرون
غيرى - الكثير من التقدير للتاريخ العسكرى المشرف للمشير طنطاوى . ولكن هذا لا
يمنع من أن منصب وزير الدفاع الذى يتقلده المشير منذ 20 عاماً هو منصب سياسى لا
علاقة له بالتاريخ العسكرى ؛ ولنا فى الرئيس مبارك أسوة غير حسنة .
وبالتالى ؛ يحق للرأى العام بحكم الحق فى المساءلة السياسية ؛
أن يطالب المشير طنطاوى بأن يقدم لنا كل المعلومات التى استطاع الاطلاع عليها بحكم
منصبه خلال العشرين عاماً الماضية ؛ والتى قد تساعد كثيراً فى تتبع خيوط الفساد
المالى والسياسى فى عهد مبارك . ولا أظن أن السيد المشير سيجد أى حرج فى الإفصاح
عن تلك المعلومات ؛ لأنها بحكم المسئولية الوطنية معلومات ملك الشعب المصرى وجزء
من حقه الأصيل فى المعرفة . ولا شك بأن الملاحق العسكريين لمصر فى الدول الغربية
يملكون – هم أيضاً - معلومات هامة قد تفيد فى تتبع الأموال المنهوبة من مصر .
خامساً - إن المشير طنطاوى أصبح الآن - بحكم منصبه كرئيس للمجلس
الأعلى للقوات المسلحة المنوط به إدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية -
مطالباً بأن يكون تحت أضواء وسائل الإعلام ؛ ولعل غيابه عن الظهور الإعلامى ناتج
عن الاشتباك بين منصبه كوزير للدفاع ومنصبه كرئيس للمجلس العسكرى .
وبالتالى ؛ لا يمكن لمصر ما بعد الثورة ؛ أن تقبل بقيادات من
طراز ( مستر إكس ) الذى يختفى عن دائرة الأضواء الإعلامية ؛ بينما يتصدرها الناطقين
باسمه أو مساعديه . لأن من يقوم برئاسة المجلس الذى يتولى اختصاصات رئيس الجمهورية
؛ مطالب بأن يخرج للرأى العام ويواجهه بصفة دورية مستمرة منتظمة ؛ أسبوعية أو
شهرية ؛ لعرض السياسات ونتائجها والتعليق على الأحداث وآثارها .
القيادة المسئولة أمام الشعب التى تخرج للشعب أسبوعياً أو شهرياً
لكى تقدم كشف حساب عن قراراتها وسياساتها ؛ ينبغى أن تكون هى عنوان مصر ما بعد
الثورة . لأن منهج ( مستر إكس ) يؤدى إلى عزل القيادة عن الشعب ؛ ويضع حول القيادة
هالة ( ملكية ) لا تناسب طابع الدول الجمهورية .
وبناءً على كل ما سبق ؛ فما هى الصيغة التى يمكن للرأى العام من
خلالها ؛ فض الاشتباك بين الصفة المزدوجة للمشير طنطاوى التى تجعله رئيسا للسلطة
التنفيذية بكل قطاعاتها ( رئاسة الدولة ؛ والرئاسة الاعتبارية لمجلس الوزراء ؛
وقيادة وزارة الدفاع ) ؟؟؟؟؟؟؟
فى تقديرى ؛ أن هذا الاشتباك الذى يكرس السلطة فى يد العسكريين
ويحجبها عن المدنيين ؛ ثم يكرس تلك السلطة فى يد شخص واحد بما يتناقض مع ما قامت
من أجله الثورة ؛ هذا الاشتباك لن يمكن فضه إلا من خلال اكتفاء سيادة المشير
بمنصبه كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ وتعيين وزيراً ( جديداً ) للدفاع
يصبح عضواً فى الحكومة مثل باقى أعضائها ؛ وعضواً فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة
مثل باقى أعضائه . الأمر الذى يؤدى إلى توزيع السلطات بما يمنع احتكارها فى يد
واحدة أو شخص واحد ؛ باعتبار أن هذا - وبكل بساطة - هو الأسلم والأصلح والأفضل
للديمقراطية .
فك الاشتباك والتداخل بين مجلس الوزراء والمجلس العسكرى ؛
يتناسب مع جلال الثورة .
لأن الثورة ؛ هى التى تعيد توزيع السلطات ؛ ولا تعيد احتكارها .
الثورة ؛ هى التى تعيد لباقى مناصب الدولة سلطتها ومن ثم
مسئوليتها ؛ ولا تجعل باقى المناصب مجرد هياكل شكلية تدور فى فلك منصب الرجل الأول
الأوحد .
الثورة ؛ هى التى تتعلم من أخطاء الماضى ؛ ولا تعيد إدارة
الحاضر ورسم المستقبل بنفس مناهج وتوجهات ذلك الماضى .
الثورة ؛ هى إرادة الشعب التى خرجت من القمقم ؛ ومن المستحيل التحكم
فيها بمجرد نزع غطاء هذا القمقم .
*****
دكتور / محمد محفوظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق