06 أغسطس 2014

مَنْ يترأس مَنْ .. في مجلـــس الوزراء ؟!

مَنْ يترأس مَنْ .. في مجلـــس الوزراء ؟!
( مستر إكس .. واحتكار السلطة )

تاريخ النشر : 5 إبريل 2011

بقلم دكتور / محمد محفوظ

( لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل ؛ ولكن يمكننا عدم تكرار أخطاء الماضى )
[ قول مأثور ]

لا أعرف كيف تتم إدارة جلسات مجلس الوزراء المصرى؛ فى ظل تقلد أحد أعضائه لمنصبين . فسيادة المشير طنطاوى – فضلاً عن تقلده لمنصب وزير الدفاع – فإنه أصبح منذ 11فبراير2011م يتقلد منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة . وبموجب الإعلان الدستورى فإن المجلس العسكرى هو الجهة التى تتولى إدارة شئون البلاد ؛ وفقاً للسلطات والاختصاصات المقررة لرئيس الجمهورية فى القوانين واللوائح .
لذلك من حق الرأى العام أن يعرف ؛ كيف تتم إدارة جلسات مجلس الوزراء فى ظل هذه الازدواجية ؟ فطبقاً للمادة 142 من الدستور الذى تم إلغاءه ؛ فإن رئيس الجمهورية كان يترأس جلسات مجلس الوزراء التى يحضرها , وهى مادة حتى لو انعدمت بإلغاء الدستور ؛ إلا أنها كانت تقرر أمراً عرفياً مستقراً ؛ مفاده أن من يتولى منصب الرئاسة تكون له رئاسة أى جلسة يكون مشاركاً فيها . ونظراً لأن المشير طنطاوى بوصفه وزيراً للدفاع يكون حاضراً فى كل جلسات مجلس الوزراء ؛ فإن صفته كرئيس للمجلس العسكرى تجعل له رئاسة مجلس الوزراء طالما كان حاضراً لجلساته .
ربما يرى البعض أن هذا أمراً شكلياً وفذلكة لا طائل منها , ولكن واقع الأمر يقرر بأن تلك الصفة المزدوجة بما ترتبه من سلطات تثير العديد من الإشكاليات ؛ وهى :
أولاً - إن تجميع السلطات وتكديسها وتكريسها فى يد شخص واحد ؛ يمثل أول الطريق دائماً لإساءة استعمال السلطة والافتتان بها ؛ والتشبث بها وعدم الرغبة فى مفارقتها ؛ وذلك لأن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة .
وبالتالى ؛ فإن منصب رئيس المجلس العسكرى ؛ العضو - بحكم منصبه كوزير للدفاع - فى مجلس الوزراء ؛ هو منصب يكرس عدد من السلطات فى يد شخص واحد ؛ بما يفتح الباب لتكرار نفس المأساة التى ظننا أن قيام الثورة كفيلاً بإنهائها ؛ وهى مأساة احتكار السلطة .
ثانياً - إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ لم يقدم للرأى العام حتى الآن القرار الجمهورى أو قرار وزير الدفاع الذى يوضح كيف تتم إدارة جلساته ؛ وكيف يتم صنع قراراته ؛ وكيف يتم التصويت عليها بالمجلس ؛ خصوصاً وأن رئيس المجلس يتقلد منصب وزير الدفاع منذ عشرين عاماً . وبالتالى فإن كل أعضاء المجلس باعتبارهم مرؤوسين لوزير الدفاع يدينون له بالولاء التام بحكم استمراره فى الوزارة لهذه المدة الطويلة ؛ كما يدينون له بالطاعة التامة بحكم كونهم مرؤوسين لسيادته . ولهذا فمن غير المتصور - بحكم المنطق - أن يخالف أحدهم رأى من يملك إعفائه من منصبه ؛ بالإضافة إلى أن التقاليد العسكرية تحتم الانصياع لأوامر وتعليمات القادة .
وهذا يوضح بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة - مع كل تقديرنا واحترامنا لأعضائه – لا يملك امتياز مخالفة توجهات رئيسه ؛ على الأقل من الناحية الأدبية .
ثالثاً - إن آخر ما كان يمكن تخيله لكل من شارك فى الثورة المصرية ؛ هو أن تتمخض الثورة عن قيادة البلاد بقيادة عسكرية غير مدنية طوال الفترة الانتقالية . وربما كان يمكن للأمر أن يكون مستساغاً ؛ لو كان مجلس الوزراء يمثل الجهة المدنية المشاركة للمجلس العسكرى فى إدارة شئون البلاد . ولكن حتى هذا لم يحدث ؛ لأن وجود رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة داخل مجلس الوزراء ؛ جعل الوزارة المدنية تابعة للمجلس العسكرى وليست شريكاً مدنياً له فى الحكم .
رابعاً - لا أستطيع أن أتجاهل إننى أحمل - كما يحمل الكثيرون غيرى - الكثير من التقدير للتاريخ العسكرى المشرف للمشير طنطاوى . ولكن هذا لا يمنع من أن منصب وزير الدفاع الذى يتقلده المشير منذ 20 عاماً هو منصب سياسى لا علاقة له بالتاريخ العسكرى ؛ ولنا فى الرئيس مبارك أسوة غير حسنة .
وبالتالى ؛ يحق للرأى العام بحكم الحق فى المساءلة السياسية ؛ أن يطالب المشير طنطاوى بأن يقدم لنا كل المعلومات التى استطاع الاطلاع عليها بحكم منصبه خلال العشرين عاماً الماضية ؛ والتى قد تساعد كثيراً فى تتبع خيوط الفساد المالى والسياسى فى عهد مبارك . ولا أظن أن السيد المشير سيجد أى حرج فى الإفصاح عن تلك المعلومات ؛ لأنها بحكم المسئولية الوطنية معلومات ملك الشعب المصرى وجزء من حقه الأصيل فى المعرفة . ولا شك بأن الملاحق العسكريين لمصر فى الدول الغربية يملكون – هم أيضاً - معلومات هامة قد تفيد فى تتبع الأموال المنهوبة من مصر .
خامساً - إن المشير طنطاوى أصبح الآن - بحكم منصبه كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط به إدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية - مطالباً بأن يكون تحت أضواء وسائل الإعلام ؛ ولعل غيابه عن الظهور الإعلامى ناتج عن الاشتباك بين منصبه كوزير للدفاع ومنصبه كرئيس للمجلس العسكرى .
وبالتالى ؛ لا يمكن لمصر ما بعد الثورة ؛ أن تقبل بقيادات من طراز ( مستر إكس ) الذى يختفى عن دائرة الأضواء الإعلامية ؛ بينما يتصدرها الناطقين باسمه أو مساعديه . لأن من يقوم برئاسة المجلس الذى يتولى اختصاصات رئيس الجمهورية ؛ مطالب بأن يخرج للرأى العام ويواجهه بصفة دورية مستمرة منتظمة ؛ أسبوعية أو شهرية ؛ لعرض السياسات ونتائجها والتعليق على الأحداث وآثارها .
القيادة المسئولة أمام الشعب التى تخرج للشعب أسبوعياً أو شهرياً لكى تقدم كشف حساب عن قراراتها وسياساتها ؛ ينبغى أن تكون هى عنوان مصر ما بعد الثورة . لأن منهج ( مستر إكس ) يؤدى إلى عزل القيادة عن الشعب ؛ ويضع حول القيادة هالة ( ملكية ) لا تناسب طابع الدول الجمهورية . 
وبناءً على كل ما سبق ؛ فما هى الصيغة التى يمكن للرأى العام من خلالها ؛ فض الاشتباك بين الصفة المزدوجة للمشير طنطاوى التى تجعله رئيسا للسلطة التنفيذية بكل قطاعاتها ( رئاسة الدولة ؛ والرئاسة الاعتبارية لمجلس الوزراء ؛ وقيادة وزارة الدفاع ) ؟؟؟؟؟؟؟
فى تقديرى ؛ أن هذا الاشتباك الذى يكرس السلطة فى يد العسكريين ويحجبها عن المدنيين ؛ ثم يكرس تلك السلطة فى يد شخص واحد بما يتناقض مع ما قامت من أجله الثورة ؛ هذا الاشتباك لن يمكن فضه إلا من خلال اكتفاء سيادة المشير بمنصبه كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ وتعيين وزيراً ( جديداً ) للدفاع يصبح عضواً فى الحكومة مثل باقى أعضائها ؛ وعضواً فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مثل باقى أعضائه . الأمر الذى يؤدى إلى توزيع السلطات بما يمنع احتكارها فى يد واحدة أو شخص واحد ؛ باعتبار أن هذا - وبكل بساطة - هو الأسلم والأصلح والأفضل للديمقراطية .
فك الاشتباك والتداخل بين مجلس الوزراء والمجلس العسكرى ؛ يتناسب مع جلال الثورة .
لأن الثورة ؛ هى التى تعيد توزيع السلطات ؛ ولا تعيد احتكارها .
الثورة ؛ هى التى تعيد لباقى مناصب الدولة سلطتها ومن ثم مسئوليتها ؛ ولا تجعل باقى المناصب مجرد هياكل شكلية تدور فى فلك منصب الرجل الأول الأوحد .
الثورة ؛ هى التى تتعلم من أخطاء الماضى ؛ ولا تعيد إدارة الحاضر ورسم المستقبل بنفس مناهج وتوجهات ذلك الماضى .
الثورة ؛ هى إرادة الشعب التى خرجت من القمقم ؛ ومن المستحيل التحكم فيها بمجرد نزع غطاء هذا القمقم .
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق