د. محمد محفوظ .. يكتب : هم الخارجون
عن شرع الله
تاريخ النشر : 7 يناير 2013
قال تعالى : اتَّبِعُوا مَا
أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ
﴿ سورة الأعراف ـ الآية ٣ ﴾
بدخول الدستور المعجزة الجديد إلى حيز
التنفيذ منذ 26 / 12 / 2012م ؛ تسقط مصر ولأول مرة فى تاريخها الحديث والمعاصر فى
كبيرة الكبائر ( الشرك بالله ) من خلال نص دستورى مكتوب ؛ وافق عليه من وافق ؛
ورفضه من رفض ؛ وتكاسل عن مواجهته قبولاً أو رفضاً من تخاذل عن التصويت .
نعم .. كبيرة الكبائر ( الشرك بالله ) ؛
من خلال نص مكتوب ورد فى الدستور المعجزة بالمادة رقم ( 219 ) ؛ التى تنص على
الآتى : مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية،
ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة.
وبالطبع ؛ من المفارقة المثيرة للعجب
أن يتضمن الدستور المعجزة نصاً غامضاً ؛ كان الغرض الوحيد منه هو تفسير ما يعتقد
البعض بأنه غمض فى مصطلح مبادئ الشريعة ؛ فإذا بهذا النص ذاته نتيجة غموضه يحتاج
إلى تفسير وتفسير وتفسيييييير .
فلا أحد من العامة أو حتى المثقفين ؛
يعلم يقيناً ما هى الأدلة الكلية لمبادئ الشريعة الإسلامية ؛ ولا ما هى قواعدها
الأصولية أو الفقهية ؛ ولا ما هى مصادرها المعتبرة ؛ ولا ما المقصود أصلاً بمذاهب
أهل السنة والجماعة ؛ لأنه إذا كانت السنة هى المرجع وكان إجماع الجماعة هو
المترتب على الاحتكام لهذا المرجع ؛ فلماذا إذن كانت المذاهب متعددة ؛ بينما المرجع
واحد والجماعة غير متفرقة !!!!
والمثير للدهشة ؛ أن كل هذه المصطلحات
الغامضة ؛ هى مصطلحات غير قرآنية ؛ بل ومضادة لمقاصد القرآن وأوامره ونواهيه .
علاوة على ذلك ؛ فإن التسويق السياسى لمصطلح
الشريعة الإسلامية باعتباره المرادف لمصطلح شرع الله ؛ هو أمر لا يستقيم مع النصوص
القرآنية ذات المعانى الواضحة الجلية . بل إنه أمر يسئ إلى شرع الله ؛ لأن الشريعة
الإسلامية وفقاً لكل هذه المصطلحات البشرية غير الإلهية ؛ لا تعدو أن تكون نصوصاً
تشريعية وضعية سنها أفراد ( فقهاء كانوا أم علماء أم باحثون ) ؛ وبالتالى هى أهون
من أن تتبوأ مرتبة الندية مع شرع الله ؛ كما أنها أقل شأناً من النصوص القانونية
التى تسنها المجالس التشريعية ـ المنتخبة ـ بأغلبية أعضاءها !!!!!
وبالتالى ؛ لابد من التفرقة البينة
الواضحة بين مصطلح الشريعة الإسلامية ومصطلح شرع الله ؛ وإلا فإن خلط البشرى
بالإلهى ؛ والنسبى بالمطلق ؛ والظنى بالثابت ؛ هو أمر يقع بمعتنقيه فى كبيرة الشرك
بالله .
ويشير مصطلح شرع الله إلى مرجعية هذا
الشرع إلى الله تعالى وحده دون شريك ؛ ويشير إلى أوامر الله ونواهيه قطعية الثبوت قطعية
الدلالة ؛ الواردة بالقرآن الكريم ؛ أوالمقررة بموجب السنة النبوية المتواترة
فعلياً وعملياً من لدن الرسول مروراً بكل الأجيال اللاحقة له .
وهذا يقودنا إلى ضرورة التفرقة بين عدة
مستويات عند التعامل مع الأحكام الشرعية ؛ سواء أكانت فى القرآن الكريم أم السنة النبوية
. فتلك الأحكام تتدرج بين القطعى والظنى فى مرجع ثبوتها ؛ وبين القطعى والنسبى فى
مقصد دلالتها ؛ وذلك وفقا للترتيب الآتى :
ـ أحكام قطعية الثبوت ؛ قطعية الدلالة
.
ـ أحكام قطعية الثبوت ؛ نسبية الدلالة
.
ـ أحكام ظنية الثبوت ؛ قطعية الدلالة .
ـ أحكام ظنية الثبوت ؛ نسبية الدلالة .
ويقتصر شرع الله فقط على الطائفة
الأولى من هذه الأحكام ؛ التى توصف أحكامها بالقطعية من حيث الثبوت والدلالة .
بينما يخرج من دائرة شرع الله كل حكم شابته الظنية فى الثبوت أو النسبية فى
الدلالة ؛ ويدخل إلى دائرة شرع البشر .
لأنه حيثما يتدخل البشر بعلمهم المحدود
؛ ليقدموا الأسانيد على صحة الأحكام ظنية الثبوت الواردة بالروايات والأحاديث
المنقولة عن الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ فإن تلك الأسانيد تظل تنتمى إلى علم
البشر الذى قال الله تعالى عنه : .. وَمَا
أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿ سورة الإسراء ـ الآية ٨٥ ﴾ .
وبالتالى تظل تلك الروايات والأحاديث مشوبة بالظنية من حيث الثبوت ؛ مهما اجتهد
المجتهدون فى تأكيد ثبوتها ؛ ومهما أقاموا من علوم ـ مثل علم الجرح والتعديل ( علم
الرجال ) ـ لمنهجة هذا الثبوت . مصداقاً لقوله تعالى: ( إن الظن لا يغنى من الحق
شيئاً ) .
كما أنه ؛ حيثما يتدخل البشر بعلمهم
المحدود ليقدموا أدلتهم البشرية على صحة تأويلهم للأحكام نسبية الدلالة ؛ فإن هذه
التأويلات تظل محصورة فى إطارها النسبى المحكوم بسياق الزمان والمكان ؛ ودرجة
الرقى فى السلم العلمى والمعرفى والحضارى ؛ بل ومسكونة برغبات وأهواء ومصالح
وتفضيلات وهفوات وأخطاء من قام بتأويلها .
ولقد أشار الله سبحانه وتعالى لهذا فى
قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ
الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ
عِنْدِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿ سورة آلعمران ـ
الآية ٧﴾ .
فالآيات المحكمات هى التى تتضمن
الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة ؛ فهى ثابتة فى مرجعيتها إلى الله تعالى ؛
وثابتة فى وضوح وجلاء مقصد دلالتها .
أما الآيات المتشابهات فهى التى تتضمن
الأحكام قطعية الثبوت نسبية الدلالة ؛ الثابتة فى مرجعيتها إلى الله تعالى ؛
والنسبية فى دلالة معانيها لتعدد مقاصد تأويلها ؛ بما يعنى أنها حمالة أوجه .
وبالتالى ؛ إذا كان الذين فى قلوبهم
زيغ يقدمون تفسيرهم البشرى للمتشابهات لتأويل مجمل الكتاب ؛ بينما الراسخون فى
العلم يؤولون المتشابه فى ضوء المحكم وتحت رايته . فإن هذا يعنى أن تأويل الكتاب
لدى الذين فى قلوبهم زيغ يبدأ من المتشابه ليمتد إلى الكتاب ككل ؛ بينما الراسخون
فى العلم يقومون بالعكس ؛ يبدأ تأويلهم للكتاب انطلاقا من المحكم لفرض دلالاته على
المتشابه ؛ إلا أن هذا التأويل الملتزم يظل ـ هو الآخر ـ بشرياً ؛ لارتباطه بسياق
دنيا الناس التى تتغير فتتطور أو تنحط ؛ وتوجهات البشر التى تتنوع وتتعدد وتختلف .
وهذا يوضح بأن الذين يؤولون كتاب الله
انطلاقاً من تفسيرهم للمتشابهات ؛ متهمون بزيغ فى قلوبهم ؛ لأن تسليطهم للأحكام
النسبية من حيث الدلالة على مجمل الكتاب لتأويله ؛ هو خروج عن شرع الله ؛ الذى لا
ينبغى أن يتضمن إلا الأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة .
وبهذا ؛ تشير نسبية الدلالة إلى معنى هام جداً ؛ وهو أن الحكم
المستنبط من الآيات المتشابهة لا يمكن رده إلى الله ؛ وإنما ينبغى التعامل معه
باعتباره حكماً بشرياً ؛ لا يمكن القطع بأنه يدخل فى مراد الله ؛ وإنما ينتمى إلى
بواعث وتوجهات ومقاصد البشر .
فشبهة الظنية فى الثبوت أوالنسبية فى الدلالة ؛ تنزع عن الحكم
مرجعيته الإلهية ومقاصده الربانية ؛ وتحيله الى مرجعية البشر ومقاصدهم .
وبهذا ؛ فإن الأحكام النسبية الدلالة حتى
وإن تم تأويلها بطريق الاستنباط من الأحكام القطعية ؛ فإن تأويلها يظل ينتمى لعالم
البشر ولا ينبغى وصفه أو التعامل معه باعتباره شرع الله ؛ ومن يدعى ذلك يصبح هو
الخارج عن شرع الله .
ولكن الخروج عن شرع الله ؛ لا يقتصر فقط
على ما سبق ؛ وإنما يمتد إلى مظهر آخر ؛ يتمثل فى عدم الحكم بما أنزل الله من
أحكام قطعية الثبوت والدلالة .
ولقد حدد الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة 4 مستويات لوصف درجة الاقتراب من أو الابتعاد
عن الحكم بما أنزله جل وعلا .
1ـ فهناك من لم يحكم بما أنزل الله ( كفراً
) ؛ أى لا يؤمن بما أنزل الله ؛ إنكاراً له وكفراً به .
حيث يقول سبحانه وتعالى : وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ
وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن
بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَا أُولَٰئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * إِنَّا أَنزَلْنَا
التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ
أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا
اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا
تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( سورة
المائدة / الآيات 43 ـ 44 ) .
2ـ وهناك من لم يحكم بما أنزل الله ( ظلماً
) ؛ أى يؤمن بما أنزله الله ؛ ولكنه يُـلبس إيمانه بظلم عندما يخرج عن حدود ما
أنزله الله ؛ تجاوزاً أو تخفيفاً ؛ تشدداً أو تفريطاً . ويتم ذلك من خلال اتباع الأحكام
الظنية النسبية التى تتم نسبتها ظلماً إلى شرع الله ـ بينما ما هى إلا من شرع
البشر ـ سواء كان ذلك من خلال تأويل ما تشابه من آيات القرآن الكريم ؛ أو من خلال تقديس
الأحاديث والروايات المنسوبة ظناً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام .
حيث يقول سبحانه وتعالى
: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ
بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ
وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن
لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿سورة
المائدة ـ الآية 45﴾ .
3ـ وهناك من لم يحكم بما أنزل الله ( فسقاً
) ؛ أى لا يطبق ما أنزله الله معصية وخروجاً عن طاعته ؛ وليس كفراً ولا ظلماً .
حيث يقول سبحانه وتعالى : وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم
بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ ۖ
وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ
يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ
أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا
أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( سورة المائدة / الآيات 46
ـ 47 ) .
4ـ وهناك من يحكم بما أنزل الله ؛ ولا يتبع أهواء البشر ؛
التى تختلف وتتنوع من سياق لآخر .
حيث يقول سبحانه وتعالى : وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا
عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى
اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ *
وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ
فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ
يُوقِنُونَ ( سورة المائدة / الآيات 48 ـ 50 ) .
وبالتالى ؛ فإن هذا التوصيف الربانى المتدرج لحالات الابتعاد عن
أو الاقتراب من الحكم بما أنزل الله ؛ التى تشغل المسافة البادئة بالكفر مروراً
بالظلم انتهاءً بالفسق ؛ هذا التوصيف يوضح بأن عدم الحكم بما أنزل الله لا يقتصر
فقط على الالتفات عن أحكام الله التى أنزلها كفراً بها وإنكاراً لها ؛ أو إهمالها
فسقاً ومعصية ؛ وإنما يمتد إلى الخروج عن أحكام الله ؛ تجاوزاً أو تخفيفاً ؛
استناداً إلى التأويلات البشرية التى تنسِب إلى الله سبحانه ـ افتراءً واجتراءً ـ
أحكاما لم ينزلها من لدنه .
إذن ؛ الذين يزعمون بأنهم يريدون تطبيق شرع الله تحت عنوان :
الشريعة الإسلامية ؛ هم أول الخارجين عن هذا الشرع الإلهى ؛ لتحريفهم إياه بشرع
البشر ونسبته إلى الله تعالى . وهم بهذا يقعون فى هاوية الشرك بالله ؛ مصداقاً
لقوله تعالى : أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ
الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( سورة الشورى ـ الآية 21 ) .
وهذا يوضح ؛ بأن الخارجين عن شرع الله ؛ يدخل فى زمرتهم الذين
لا يحكمون بما أنزل الله ظلماً ؛ لأنهم جعلوا لله شركاء من الفقهاء أو العلماء أو
الباحثين ؛ وهؤلاء الشركاء شرعوا لهم ( من ) الدين ( أى فى بعض أمور الدين ) ؛ ما
لم يأذن به الله ( أى ما لم ينزله الله تعالى من عنده ؛ أو يمارسه رسوله فعلاً
وعملاً وينتقل تواتراً من جيل لآخر ) .
وبالتالى ؛ فإن الذين يزعمون بأن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل
كل من : القرآن الكريم ؛ والسنة النبوية ؛ والإجماع ؛ والقياس ؛ وقول
الصحابي ؛ وشرع من قبلنا ؛ والعرف ؛ والمصالح المرسلة ؛ وسد الذرائع ؛ والاستحسان
؛ والاستصحاب . ويزعمون بأن تلك الأدلة الشرعية تتدرج فى مدى حجيتها , حيث يتبوأ
مركز الصدارة فيها : القرآن والسنة ؛ باعتبارهما المصدر
الذي بُـني عليه الدين كله , وأي دليل يأتي بعدهما إنما هو كاشف عن دليل موجود
فيهما . بينما يأتى فى المركز الثانى ما اتفق عليه جمهور علماء المسلمين ؛ ويتمثل
فى كل من : الإجماع والقياس . ثم يأتى فى المركز الثالث ما اختلف عليه علماء
المسلمين ويتمثل فى : قول الصحابي ؛ وشرع من قبلنا ؛ والعرف ؛ والمصالح المرسلة ؛
وسد الذرائع ؛ والاستحسان ؛ والاستصحاب .
نقول لكل هؤلاء الذين يزعمون ما تقدم ؛
نقول لهم : أن الشعور بالهلع والصدمة ؛ يغلب على أى نفس ذكية ؛ عندما تعاين ذلك
الاجتراء على كلام الله سبحانه وتعالى ؛ ذلك الاجتراء الذى يحيل القرآن الكريم (
كلام الله عز وجل وعلا ) إلى مجرد فرع من مشتملات مبادئ الشريعة الإسلامية !!!
ثم يتم التمادى فى الاجتراء لكى يتساوى
كلام الله قطعى الثبوت مع السنة النبوية ظنية الثبوت ! بل ويتطرف البعض لكى يجعل
السنة النبوية ناسخة لبعض أحكام القران الكريم !!!!!
ناهيك عن ( الإجماع ) المزعوم الذى لا يمكن
القبول به إلا لو تمت الاجابة على السؤال الآتى : إجماع من ؟!! وهل إجماع من
سبقونا وإن كان حجة عليهم ؛ ينبغى أن يمتد فى الزمان والمكان لكى يكون حجة علينا
وعلى عصرنا ومجتمعنا وزماننا وعقولنا ؟!!
ثم نأتى إلى ( القياس ) ؛ الذى تترتب
على اتباعه نتائج عقلية ومنطقية ؛ ولكنه فى المحل الأخير استنباط البشر ؛ ومن ثم ينتمى
إلى دائرة شرع البشر وليس إلى شرع الله ؛ باعتبار أن النتائج العقلية قد تختلف
باختلاف مستوى المعرفة والثقافة والتحضر .. الخ ؛ بينما شرع الله لا يختلف باختلاف
الزمان والمكان ودرجة الرقى الحضارى والمعرفى والعلمى .
وبالطبع ؛ لا طائل من الخوض فيما تبقى
من أدلة : كقول الصحابي ؛ وشرع من قبلنا ؛ والعرف ؛ والمصالح المرسلة ؛ وسد
الذرائع ؛ والاستحسان ؛ والاستصحاب . فهى وإن كانت تمثل فى مجملها جهداً عقلياً
عظيماً ؛ وأثراً فكرياً ومعرفياً عريقاً ؛ إلا أنها تنتمى جميعاً إلى ( الفكر
الدينى ) ؛ وليس إلى ( الدين ) . فالله تعالى لم ينزل دينه ناقصاً ؛ مصداقاً لقوله
تعالى : .. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .. ( سورة المائدة ـ 3 ) .
إن كل ما سبق يوضح ؛ بأن الخلاف
والتفرق والتحزب والتشيع ؛ بمثابة النتيجة الطبيعية والمحتومة لوصف حال أولئك
الذين خرجوا عن شرع الله لأنهم أقحموا عليه ما ليس فيه . فهم ـ كما نشهد فى الواقع
ـ ليسوا فى حالة إجماع على شرع واحد ؛ بل تفرقت بهم السبل على طريق شريعتهم المزعومة
؛ وتنكبوا صراط الله المستقيم فلم يتبعوه . وهم فى ذلك يسيرون فى الطريق المؤدى
إلى هاوية الشرك بالله سبحانه وتعالى . حيث قال الله تعالى فيهم : .. وَلَا
تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ( سورة الروم / الآيات 31 ـ 32 )
.
فالذين فرقوا دينهم ؛ من خلال فرقهم
المتعارضة ومذاهبهم المتعددة ؛ أسبغ الله تعالى عليهم وصفه بأنهم : من المشركين .
إذن ؛ الذين يزعمون أنهم يريدون تطبيق
شرع الله تحت عنوان : الشريعة الإسلامية ؛ هم الخارجون عن هذا الشرع من خلال تحريفهم
إياه بشرع البشر ؛ وهم الذين اتخذوا شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله
؛ وهم الذين كانوا من المشركين عندما فرقوا دينهم وكانوا شيعاً .
والواقع ؛ أنه لا يمكن لعاقل أن يرفض
هذا التراث الضخم من الفقه وعلوم القرآن والحديث ؛ ومناهج الاستنباط والاستدلال ؛
واستخراج الأحكام . ولكن لا يمكن ـ أيضاً ـ لمؤمن أن يقبل بأن يختلط ما شرعه الله
؛ بما استنبطه البشر . فشرع الله سبحانه وتعالى يقتصر على أحكامه قطعية الثبوت
والدلالة ؛ الواردة بكلامه القرآن الكريم ؛ والمقررة بموجب سنة نبيه المتواترة
فعلياً وعملياً من لدن الرسول عليه الصلاة والسلام وعبر كل الأجيال اللاحقة له ؛
سلمها كل جيل إلى الآخر فعلاً وممارسة ؛ وليس قولاً ورواية ومحادثة .
وبالتالى ؛ فإن كل ما يحمل شبهة الظنية
أوالنسبية من أحكام لا يمكن بحال أن يطاول أحكام الله القطعية ثبوتاً ودلالة . وإلا
؛ فلماذا إذن ضل أصحاب الرسالات السابقة ؟ ولماذا تم تحريف كتبهم ؟ أليس لأنه تم
خلط الإلهى بالبشرى ؛ والقطعى بالظنى ؛ والمطلق بالنسبى .
يقول الله سبحانه وتعالى ؛ مبيناً
بساطة دينه وشرعه ؛ وموضحاً ابتناء الدين على الفطرة التى فطر الله تعالى الناس
عليها بلا فذلكة أو تعقيد؛ أو مذاهب وطرق وسبل وفرق وشيع وجماعات. يقول تعالى : فَأَقِمْ
وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ
عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
( سورة الروم / الآيات 30 ـ 32 ) .
.. فيامن تزعمون بأنكم تريدون تطبيق
شرع الله ؛ نقول لكم :
شرع الله ليس فى مذاهب الفقهاء ؛ ولا
فى مجامع الأحاديث ؛ وليس فى كتب السيرة ؛ ولا فى تاريخ الصحابة والخلفاء .
شرع الله ليس فى المادة ( 219 )
بأدلتها الكلية ؛ وقواعدها الأصولية والفقهية ؛ ومصادرها المعتبرة ؛ فى مذاهب أهل
السنة والجماعة .
شرع الله ليس فى ذلك أو ذاك ؛ لأن هذا
يعنى مسخ الدين إلى كهنوت ؛ بحيث يصبح عصياً على الفطرة الإنسانية السوية المنزهة
عن الفذلكة والجهبذة والتقعير .
شرع الله ؛ يتضمنه كتاب الله بأحكامه
قطعية الثبوت والدلالة ؛ وفى سنة نبيه المتواترة فعلياً ؛ فهذا هو الدين الحنيف
الفطرى القيم الذى لا يقبل التبديل ؛ وإلا تعرض للتحريف ؛ وانزلق من سكتوا عن تبديله
إلى هاوية الشرك والظلم والتحريف .
بسم الله الرحمن الرحيم .. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم
بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ .. صدق الله العظيم ﴿ سورة يوسف ـ الآية 106 ﴾
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق