07 أغسطس 2014

خطورة التقارب المصرى الإيرانى

د. محمد محفوظ يكتب : التقارب المصرى الإيرانى
وخطورة استنساخ نموذج الميليشيات وسباق التسلح النووى

تاريخ النشر : 7 فبراير 2013

يدل التقارب المصرى الإيرانى الذى تؤكده ـ يوما بعد الآخر ـ وقائع التوجه السياسى لجماعة الإخوان ؛ بأن الجماعة تريد استنساخ التجربة الدموية القمعية للثورة الإيرانية . فالثورة فى إيران لم يقم بها المتأسلمون بمفردهم ؛ ولكنهم أستأثروا بها ونكلوا بكل شركائهم من اليساريين والليبراليين المفجرين الحقيقيين للثورة ؛ وأنشأوا من خلال الدستور الإيرانى وضعاً دستورياً قانونياً يضمن بقاء حرس الثورة الإسلامية المسمى إعلامياً بـ ( الحرس الثورى ) الإيرانى ؛ والذى كان فى حقيقته مجموعة من الميليشيات المتأسلمة التى قام المتأسلمون بتشكيلها عام 1979 م لالتهام الثورة الإيرانية ؛ وذلك من خلال المادة رقم 150 فى الدستور الإيرانى التى تنص على الآتى :
( تبقي قوات حرس الثورة الاسلامية التي تأسست في الايام الأولى لانتصار هذه الثورة راسخة ثابتة من اجل أداء دورها في حراسة الثورة ومكاسبها. ويعين القانون حدود وظائف هذه القوات، ونطاق مسؤوليتها فيما يخص وظائف ونطاق مسؤولية القوات المسلحة الأخرى مع التأكيد علي التعاون والتنسيق الأخوي فيما بينها ) .
وكما هو واضح فإن الحرس الثورى الذى نشأ مع قفز المتأسلمين على الثورة ؛ ثم تكفل بمهمة قمع المعارضة وذبحها ؛ أصبح واقعاً دستورياً لحراسة جمهورية ولاية الفقيه وانفرادها بالسلطة !!
ولعل التقارب المصرى الإيرانى ؛ يوضح بأن جماعة الإخوان المتأسلمين فى مصر تريد استنساخ التجربة الإيرانية ؛ على مستويات متعددة .
أول هذه المستويات يتمثل فى : تشكيل ميليشيات متأسلمة مشابهة للحرس الثورى الإيرانى لحماية خطة الجماعة فى السيطرة على مفاصل الدولة المصرية .
ونظراً لأن الانفلات الأمنى الذى أعقب الثورة المصرية واستمر حتى أصبح بمثابة حالة مزمنة ؛ قد أدى إلى سهولة تهريب كميات كبيرة من الأسلحة إلى داخل مصر من خلال الحدود الليبية ؛ وبالتالى إذا استلهمنا القول المأثور الذى يقرر بأن : كل سلاح وُجد لُيستخدم ؛ فإننا يمكن أن نرجح بأن كميات السلاح التى دخلت إلى مصر سيتم استخدامها بلا شك ؛ وبالطبع يحتاج شراء السلاح إلى قدرات مالية عالية جداً ؛ لا تملكها إلا الجماعات المتأسلمة التى أنفقت المئات من الملايين فى الجولات الانتخابية المتعددة التى تمت خلال العامين التاليين للثورة المصرية .
وبالتالى تواجه مصر خطراً داهماً يتمثل فى شبح الميلشيات الذى يمكن أن يخرج من القمقم فى أى وقت ليدافع ـ وفقا لأفكار متطرفة دينياً ـ عما يعتقد أنه الجهاد من أجل نصرة الإسلام . وحينئذ ستسيل بحور من الدماء فى مصر لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى .
وينبغى التحذير من أن استخدام السلاح من خلال تلك الميليشيات لن يبدأ بصورة جماعية علنية ؛ وإنما سيتم كمرحلة أولى من خلال عمليات اغتيال انتقائية لرموز المعارضة . ولعل اغتيال المعارض التونسى / شكرى بالعيد فى تونس ؛ نموذج يمكن القياس عليه فى ذلك . ثم ستأتى المرحلة التالية التى ستسفر فيها هذه الميليشيات عن نفسها بصورة علنية مكشوفة تغتصب خلالها سلطة الأجهزة السيادية فى الدولة ؛ أو على الأقل تكون موازية لها .
إذن .. ميليشيات الجماعات المتأسلمة ليست أمراً متوهماً ؛ بل هى حقيقة تستمد عناصر وجودها من استعداد العناصر المهووسة دينياً المنضوية تحت لواء تلك الجماعات المتأسلمة لممارسة الجهاد فى سبيل الله بالنفس ؛ من خلال مجموعة من الأفكار المتشددة التى لا تمت بصلة إلى صحيح الدين .
على المستوى الثانى ؛ فإن جماعة الإخوان تريد استنساخ التجربة الإيرانية فى مجال التسلح النووى . فبينما يرى الرئيس الإيرانى نفسه باعتباره الممثل لمرشد وإمام أهل الشيعة الجعفرية الإثنا عشرية ؛ فإن الرئيس المصرى يرى نفسه الممثل لمرشد وإمام أهل السنة والجماعة . ولهذا فإن كل من المرشدين ينظر إلى جماعته باعتبارها النواة لبزوغ إمبراطورية إسلامية تحكم العالم . وبالطبع تحتاج هذه الإمبراطورية إلى سلاح رادع وساحق وماحق يحميها ؛ وهو بالضرورة السلاح النووى .
لذلك تريد مصر الإخوانية استنساخ التجربة الإيرانية النووية ؛ تمهيداً لخوض الحرب المقدسة ضد دولة إسرائيل واسترداد بيت المقدس ؛ ثم الالتفات إلى الخليج العربى لتطهيره من القوات الأمريكية .
وبحكم المنطق ؛ فإن حقيقة العدو المشترك المتمثل فى الغرب ؛ تجعل من نقاط الالتقاء والاتفاق والتحالف بين أهل الشيعة وأهل السنة ؛ لها الأولوية على نقاط الاختلاف والتنابذ ؛ ولو حتى مرحلياً وفقاً لمقتضيات اللحظة التاريخية .
وهذا يوضح بأن تخلى النظام الإيرانى الشيعى عن النظام السورى العلوى ؛ لم يعد أمراً مستحيلاً ؛ بل إن سوريا السنية الإخوانية المتآخية مع مصر السنية الإخوانية ؛ ستكون أكثر ضماناً لمصالح إيران فى المنطقة العربية وفقاً للأوضاع الجديدة التى أفرزها الربيع العربى المتأسلم . فسوريا المتأسلمة تمتلك العقيدة الدينية لقتال إسرائيل والقضاء عليها أكثر من سوريا البعثية . والمحور الإيرانى المصرى السورى القطرى التونسى ؛ أقوى من المحور الإيرانى السورى القطرى .
وبالتالى ؛ استنساخ التجربة النووية الإيرانية يمثل أحد العوامل الحاسمة فى تنفيذ رؤية حسن البنا للتمكين ؛ التى تستند إلى 6 مراحل متعاقبة ؛ تبدأ بـ : تربية الفرد المسلم ؛ ثم الأسرة المسلمة ؛ ثم المجتمع المسلم ؛ ثم الحكومة الإسلامية ؛ ثم دولة الخلافة الإسلامية ؛ ثم مرحلة أستاذية العالم .
وبالطبع ؛ نحن أمام ذهنية مهووسة دينياً على المستوى الشيعى أو السنى ؛ فبينما ينتظر الشيعة الإمام المهدى الغائب ؛ ينتظر السنة حكم العالم ؛ كل العالم . وبالتالى قد يستطيع المهووسون التلاقى مع بعضهم البعض فى أحد مراحل الطريق ؛ ولكنهم بالطبع سينقلبوا على بعضهم البعض فى مراحله الأخرى . ولكن خلال المرحلتين ؛ فإن رغبتهم فى السيطرة على العالم تنطلق بالضرورة من القبول بتدمير أكبر جزء من هذا العالم . فعالم يتم إحراقه نووياً من خلال حرب نووية كاسحة ؛ يموت فيها مئات الملايين من البشر ؛ هو أمر لا يتصادم مع العقيدة التى يرى المتأسلمون بأنها تفرض على الحاكم حراسة الدين لسياسة الدنيا ؛ وبالتالى قد لا تتوفر حراسة الدين إلا بتدمير نصف الدنيا ؛ ولكن لا بأس طالما ظل الدين قائماً ولو حتى على أنقاض هذه الدنيا !!!       
 إن كل ما سبق يوضح بأن التقارب المصرى الإيرانى ؛ هو مقدمة لاستنساخ التجربة الإيرانية على مستوى الميليشيات ؛ وعلى مستوى التسلح النووى . وهو أمر يؤكد بأن السياسة الداخلية الفاشلة للإخوان ـ فيما يتعلق بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنقدية ـ ستكون بالضرورة عامل إغراء لدفعهم نحو تبنى سياسات خارجية متطرفة ؛ تعيد صياغة المنطقة وفقاً لمنطق التشدد العقائدى والصدام العسكرى .  
وبالتالى .. مستقبل السلم الأهلى والسلام الاجتماعى فى مصر والمنطقة والعالم ؛ فى خطر .
فهل يدرك ذلك ضباط وأفراد الشرطة المصرية ؛ عندما يحاولون قمع الموجة الثالثة للثورة المصرية ؛ الأمر الذى يؤدى إلى سقوط مؤسسات الدولة المصرية فى قبضة جماعة الإخوان المتأسلمين ؟
وهل يدرك ذلك الشعب المصرى ؛ فلا يكرر خطيئته فى حق الثورة ؛ ولا ينخدع بهؤلاء المتأسلمين  مرة أخرى تحت زعم أنهم : بتوع ربنا !!!!
وهل تدرك القوات المسلحة المصرية بأن الجيوش الوطنية لا تحمى الحاضر فقط ولكنها أيضاً تحمى المستقبل ؛ ومستقبل مصر والمنطقة والعالم أصبح فى خطر داهم ؟
الثورة المصرية فى مأزق .. وهى تقف مترنحة على منحدر يشبه المنحدر الذى سقطت من فوقه الثورة الإيرانية إلى هاوية التشدد الدينى والدولة الدينية . ويبدو أن ضريبة الدم التى تم دفعها من خيرة أبناء مصر مازالت غير كافية لتطهير هذا المجتمع من عفن الديكتاتورية العسكرية أو الدينية وعطن الدولة البوليسية .. وبالتالى يبدو المستقبل مفتوحاً لكل الاحتمالات التى هى فى أغلب الأحوال ليست مبشرة ..
*****
دكتور / محمد محفوظ

dr.mmahfouz64@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق