08 أغسطس 2014

ارسم لى خط وأنا امشى عليه

د. محمد محفوظ .. يكتب : ارسم لى خط وأنا امشى عليه

تاريخ النشر : 1 إبريل 2014

الشعب هو المُعلم .. والدولة هى ناظر المدرسة
قول مأثور

بدأت تتردد فى الساحة السياسية على لسان المترشحين للانتخابات الرئاسية أو المهتمين بها ؛ عبارات مثل : الرئيس القادم لا يمتلك عصا سحرية .. الرئيس القادم لا يستطيع العمل بمفرده وإنما لابد من مشاركة الشعب وعلى كل مواطن أن يبدأ بنفسه .. على الشعب أن يعرف بأن المشكلات المزمنة لن يتم حلها فى يوم وليلة .. لا توجد موارد كافية لتحقيق كل المطالب فى نفس الوقت .. إلى آخر تلك العبارات التى هى لازمة بالطبع لتصدير صورة غير خيالية للناس ؛ عن الواقع على الأرض ؛ وعن حجم المشكلات والعقبات والمدى الزمنى المطلوب لحلها .
ولكن رغم أن هذه العبارات ظاهرها الصواب .. إلا أن باطنها قد يحوى الخطأ بل وربما الخطيئة .. مثلها مثل كلمة الحق التى يراد بها الباطل .. ومثل الطريق إلى جهنم المفروش بالنوايا الطيبة .
فبالطبع .. من الشجاعة بل ومن الأخلاق مواجهة الناس بالحقائق الواضحة .. ولكن ينبغى أيضاً مزاوجة ذلك بالحقائق الأكثر وضوحاً .. وهذه الحقائق الأكثر وضوحاً تتمثل فى الآتى :
ـ إن تاريخ البشرية يؤكد بأن التقدم والتغيير على مستوى الأمم أو الشعوب يأتى من القمة وليس من القاعدة .
ـ وأن مقولة : ( على كل فرد أن يبدأ بنفسه ) .. هى نصب ودجل سياسى ؛ لأن الواقع يثبت بأنه لو بدأ كل فرد بنفسه فلا تنتظر إلا الفوضى .
ـ وأن حكمة : ( قبل ما تقول آخد إسال إديت إيه ) .. هى نطاعة سياسية ؛ لأن أى مواطن يملك حصة فى هذا الوطن سواء أعطى أم لم يعط . وإنما المنطق السليم مفاده : أن من يعطى يأخذ أكثر ؛ ومن يتخاذل يكتفى بنصيبه المستحق الذى يكفل له حياة كريمة .
أقول ذلك .. لأن هناك التباس فى العقلية المصرية ؛ يؤدى إلى الخلط بين السبب والنتيجة ؛ وبالتالى يتم تسليم العربة للحصان مع نسيان من الذى سيقودها .
فالسبب فى أى تقدم لا يكمن إلا فى دور الدولة ؛ بينما النتيجة لا يحققها إلا الشعب . مثلما يقوم الحصان بجر العربة ولكن بتوجيه وتحكم ممن يقودها .
إنها ثنائية العقل والعضلات ؛ فالدولة هى العقل أو المخ ؛ والجماهير أو الشعب هم العضلات . وإن كان الجسد لا يتحرك بدون العضلات ؛ فإن العضلات لا تعمل بدون توجيه عالى الدقة من العقل .
فوظيفة العقل هى وضع الكتالوج أو الخطة أو النظام أو السيستم ؛ ومتابعة التنفيذ . بينما وظيفة العضلات هى الاستجابة لمتطلبات النظام وتوجيهاته ونواهيه .
ولهذا فإن الحديث الساذج الممل عن مشاركة الشعب للدولة التى لا تمتلك عصا سحرية ؛ مع التغافل عن الدور المنوط بهذه الدولة والذى يتمثل فى وضع النظام والسيستم الذى يسير عليه هذا الشعب ؛ هذا الحديث بمثابة تنصل للدولة من مسئولياتها وإلقائها على كاهل الشعب ؛ رغم أن الذى يمتلك السلطة والموازنة ويصدر التشريعات ويصيغ السياسات ويدير الأصول والموارد ؛ هى الدولة وحدها دون غيرها وليس الشعب .
وتعالوا نسأل أنفسنا سؤالاً : ما الذى يجعلنا نحن أبناء العالم الثالث نلتزم بالقواعد والقوانين والسلوكيات المتحضرة عندما نسافر إلى دول العالم المتقدم أو نقيم فيها ؟
الإجابة بكل اختصار وفى كلمة واحدة : النظام ؛ أو السيستم . وإذا تكلمنا عن النظام أو السيستم ؛ فإن الحديث ينصرف إلى الدولة التى تنشئ هذا النظام ليسير عليه الشعب .   
وبالطبع لا يعنى هذا الحديث أن الدولة تدير الوطن بمنطق رقعة الشطرنج ؛ وأن أفراد الشعب مجرد قطع مسلوبة الإرادة على هذه الرقعة . فلقد عفى الزمن على هذا المنطق ؛ لأن الدولة الديمقراطية الحديثة لا يصل فيها إلى موقع السلطة والمسئولية إلا حكاماً اختارتهم أغلبية الشعب وأيدت برامجهم الانتخابية . ومن ثم فإن اضطلاع الدولة بمسئوليتها فى وضع النظام أو السيستم الذى يسير عليه الناس ومتابعة تنفيذه ؛ ما هو فى حقيقته إلا التزام بتنفيذ البرنامج الذى وافقت عليه أغلبية الشعب فى الانتخابات .
ولهذا يجب على كل مسئول فى الدولة سواء كان مسئولاً تنفيذياً أم تشريعياً أم قضائياً ؛ عليه أن يعلم بأن الدولة هى التى تضع النظام وترسمه ؛ ليقوم الشعب بالالتزام به . وبالتالى إذا عمت الفوضى فى أى مجتمع ؛ فإن هذا لا يعنى إلا أمرين : إما أن الدولة لم تضع نظاماً وتنصلت من كل مسئولياتها ؛ وإما أنها وضعت نظاماً ولم يلتزم به أغلبية الناس ؛ بما يعنى بأن العيب ليس فى الناس وإنما فى النظام . فالنظام الفاشل لا يمكن أن يكون نظاماً وإنما هو فوضى أو عشوائية لا تحمل من النظام إلا الاسم .
ولنضرب مثالاً بطريق تحدد إدارة المرور السرعة القصوى عليه بـ 60 كيلومتر فى الساعة ؛ ورغم ذلك فإن معظم السيارات لا تلتزم بتلك السرعة لعدم وجود رقابة مرورية جادة ؛ وتنطلق بسرعات تصل إلى 80 أو 90 كيلومتر فى الساعة إن لم يكن أكثر . والسؤال : ماذا لو بدأ أحد المواطنين بنفسه طبقا للشعار الساذج السائد ؛ والتزم بالسرعة القانونية ؟ الإجابة واضحة وهى : أن هذا المواطن سيتسبب فى تعطيل الطريق بل وربما يتسبب فى وقوع حادث لأنه سيمثل بسيارته التى تسير بسرعة أقل من باقى السيارات عامل إعاقة للسيولة المرورية . وبالطبع ذلك ناجم عن أن الدولة قد تخلت عن مسئوليتها عندما أصدرت سلطتها التشريعية قانوناً بينما تخاذلت سلطتها التنفيذية عن وضع الآليات التى تراقب الالتزام بهذا القانون .
وهذا يوضح بأن الشعوب تفشل فى التقدم ؛ نتيجة فشل الدولة فى وضع نظام أو سيستم ؛ أو نتيجة تخاذلها فى تنفيذه ؛ فلا يلتزم به الناس .
الزبالة المنتشرة فى الشوارع لا يمكن أن تكون عنواناً على عدم نظافة هذا الشعب ؛ وإنما هى عنوان على فشل الدولة فى وضع نظام لجمع القمامة .
الفوضى المرورية , وحوادث الطرق , والفساد فى الجهاز الإدارى للدولة , وبناء المبانى دون ترخيص , وتوسع المناطق العشوائية , وبطؤ التقاضى , وعدم استغلال موارد البلد الطبيعية ( الزراعية والجيولوجية والبحرية والمائية والشمسية والجغرافية والتاريخية .. الخ ) ؛ كل هذه المنظومة من الفشل ليست مسئولية الشعب ؛ وإنما هى مسئولية الدولة التى فشلت فى إصدار تشريعات ترتبط بسياسات قابلة للتنفيذ , كما فشلت فى بناء نظام قضائى يكفل حماية هذه السياسات أو التشريعات .
الفشل يبدأ من القمة ؛ والشعوب فى الدول المتقدمة ليست من جنس الملائكة ؛ وإنما هى من بنى البشر ؛ إلا أنهم وجدوا نظاماً تشريعياً وتنفيذياً وقضائياً منضبطاً وصارم وواقعى ؛ فالتزم غالبيتهم به ؛ بينما من خالفه تعرض للجزاء القانونى .
وبالتالى ؛ ليس من المتوقع من الرئيس القادم أو الحكومة الحالية أو القادمة أو أى مسئول فى هذا البلد ؛ أن يمتلك عصا موسى أو مصباح علاء الدين . ولكن من الواجب بل ومن المحتم أن يلتزم كل هؤلاء بمسئولياتهم فى ان يضعوا سيستم أو نظام ليسير عليه الناس ؛ وأن يضطلعوا بسلطاتهم فى أن ينال كل من يخرج عن هذا النظام الجزاء المستحق .
وبصراحة كده .. وبالبلدى .. الشعب المصرى عمل اللى عليه .. وخرج فى الشارع بدل المرة عشرة وعشرين وتلاتين .. وأسقط نظامين .. ودفع التمن من رجالته وستاته وولاده وبناته شهداء ومصابين .. ومش باقى إلا إن الدولة يبقى عندها دم وتعمل هى كمان اللى عليها .. وتحط سيستم ما يخرش الميه .. على المستوى التشريعى أو التنفيذى أو القضائى ..
يعنى بالعربى كده .. الشعب محتاج خط عشان يمشى عليه .
فيارئيس مصر القادم ..
ويا كل مسئول تشريعى أو تنفيذى أو قضائى .. فى مصر ..
الشعب بيأمرك .. بصوت عالى .. وبغضب وقرف من الفشل والتخبط والعشوائية .. وبيقولك :
ارسم لى خط .. وأنا امشى عليه .
*****
    دكتور / محمد محفوظ

dr.mmahfouz64@gmail.com    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق