وزارة الداخلية .. ( سابقاً )
( لا مفر من .. إعادة التنظيم )
( أفكار للخروج من تحت جناح السلطة إلى حضن المجتمع )
تاريخ النشر : 2 مارس 2011
( إذا
رأيتم شرطياً نائماً عن صلاة ؛ فلا توقظوه لها ؛ فإنه يقوم ليؤذى الناس )
( سفيان الثورى - فقيه البصرة في عهد
الطاغية / الحجاج بن يوسف الثقفى )
في غضون 4 ساعات ؛ عقب صلاة الجمعة يوم 28 يناير 2011م ؛ انهارت وزارة
الداخلية ؛ وتم حرق 90 قسم شرطة على مستوى الجمهورية ؛ وعدد من مقار أمن الدولة
والمنشآت الشرطية ؛ ومئات من العربات المدرعة وناقلات الجنود وسيارات الشرطة ؛
واختفى ضباط وأفراد وجنود الشرطة من معظم شوارع مصر .
ولكن قبل انهيار وزارة الداخلية مادياً على الأرض ؛ فإنها كانت قد انهارت
معنوياً - على مدى سنوات طويلة - في قلوب 80 مليون مصرى ؛ امتلك كل منهم القناعة
المؤكدة ؛ بأن جهاز الأمن في مصر يعمل في خدمة النظام وليس في خدمة المجتمع
والمواطنين .
ولعل السبب في هذا الانهيار المادى والمعنوى ؛ يعود إلى خلل وظيفى في تنظيم
وزارة الداخلية ؛ أدى إلى ربطها بعلاقة غير حميدة مع السلطة ؛ في ظل دولة يتم
وصفها بـ ( الدولة البوليسية ) بامتياز .
وفى تقديرى ؛ فإنه لا مجال للتحدث عن أى تطور ديمقراطى في مصر ؛ طالما ظلت
وزارة الداخلية بنفس تنظيمها وهيكلها الحالى . فالنظم الديمقراطية تتأسس في ظل
مجتمعات تخضع لسيادة القانون بقواعده الآمرة العامة التى يتم تطبيقها على كل من
يخالفها بدون تمييز ؛ ويتولى تفعيل تلك النصوص القانونية ما يُسمى بسلطات تنفيذ
القانون ؛ التى تتكون من جهاز الأمن وجهاز النيابة العامة وجهاز القضاء . وتلك
المنظومة تختل باختلال أحد أو بعض أو كل أطرافها . وواقع الأمر أن هذه المنظومة
تعانى بالفعل من اختلال كافة أطرافها ؛ ولكننا سنركز في هذا المقام على طرف واحد
من هذه المنظومة ؛ وهو جهاز الأمن ؛ لأنه ربما يكون أشدها اختلالاً بحكم الظروف
التاريخية والأحداث المعاصرة ؛ بما يجعله يمثل المعوق -
الأكبر من غيره - الكابح والمُعطـِّل للتطور الديمقراطى فى مصر .
والواقع ؛ أنه لا مجال
للتحدث عن إصلاحات محدودة فى وزارة الداخلية ؛ بل لابد من إعادة تنظيم تلك الوزارة
وفقـاً لتدخلات جراحية ؛ تغيِّر من وجهها وأجهزتها وفلسفة عملها فى المجتمع . لأن
الميراث التاريخى الأسود لجهاز الأمن فى مصر ؛ يجعل من العلاج الدوائى أمر غير ذى
جدوى ؛ لأنه قد يخدر المرض ولكنه لن يشفيه .
وترتكز عملية أعادة تنظيم وزارة
الداخلية على المحاور الآتية :
أولاً : إجراءات إعادة التواجد الأمنى :
وتتمثل إجراءات إعادة
التواجد الأمنى فى عدد من التدخلات الفورية لتحقيق ذلك التواجد فى الشارع المصرى ؛
ولكن بوجه جديد يستطيع كسب ثقة المواطنين فى جهاز الأمن ؛ وذلك كالتالى :
1- وقف جميع قيادات المجلس
الأعلى للشرطة عن العمل ؛ وإحالتهم إلى مجلس التأديب الأعلى بقرار من وزير
الداخلية؛ للتحقيق معهم بشأن مسئوليتهم التضامنية مع كل من وزير الداخلية الأسبق
ووزير الداخلية السابق عن جرائم القتل والإصابات ؛ وعن الاستخدام المفرط للقنابل
المسيلة للدموع ومدافع المياه والرصاص المطاطى والذخيرة الحية فى مواجهة المظاهرات
فى الفترة من 25 إلى 28 يناير 2011م ؛ ومسئوليتهم التضامنية عن الأحداث يوم 2
فبراير بميدان التحرير ( موقعة الجمل ) ؛ ومسئوليتهم التضامنية عن التعليمات التى
صدرت لكافة مقرات مباحث أمن الدولة بإعدام المستندات والملفات المخالفة للقانون .
وذلك تطبيقاً لنص المادة رقم ( 5 ) من قانون هيئة الشرطة التى تنص على الآتى: (
يعاون المجلس الأعلى للشرطة وزير الداخلية فى رسم السياسة العامة للوزارة ووضع
خططها .. ) ؛ وتطبيقاً لنص المادتين رقم ( 62 ) و (63 ) من قانون هيئة الشرطة بشأن
محاكمة الضباط من رتبة اللواء أمام مجلس التأديب الأعلى . على أن يتم إحالة التهم
التى يتم إثباتها من خلال المحاكمات التأديبية إلى النيابة العامة للتحقيق فيها
وإحالتها إلى المحاكم الجنائية .
2- إحالة جميع مديرى الأمن
ونوابهم ومديرى إدارات البحث الجنائى بالمديريات ومديرى إدارات الأمن المركزى ؛
التى شهدت سقوط قتلى ومصابين خلال الأحداث ؛ إلى النيابة العسكرية للتحقيق معهم
بشأن تلك الجرائم ؛ بموجب نص المادة رقم ( 99 ) من قانون الشرطة التى تنص على
الآتى : ( يخضع الضباط بالنسبة إلى الأعمال المتعلقة بقيادة قوة نظامية لقانون
الأحكام العسكرية .... ) .
3- رفع جميع ضباط وأفراد
إدارات البحث الجنائى على مستوى الجمهورية من أعمال البحث الجنائى , ونقلهم إلى
أعمال الشرطة النظامية ؛ واستبدالهم بعدد من الضباط والأفراد المشهود لهم بحسن
السيرة والسلوك .
4- إجراء حركة تنقلات عامة
واسعة على مستوى الجمهورية ؛ وحركة تنقلات داخلية على مستوى كل محافظة ؛ لتغيير
الوجوه مما يساهم فى كسب ثقة المواطنين . مع اعتماد مبدأ تعيين الضباط والأفراد فى
معظم الأحوال داخل محافظاتهم على مستوى الجمهورية ؛ وداخل دوائر الأقسام التابع
لها سكنهم على مستوى كل محافظة ؛ بما يساهم فى التقريب بين المواطنين وعناصر جهاز
الأمن .
5- تخصيص نسبة الثلثين من
المجندين بقوات الأمن المركزى لأعمال الأمن العام بصفة مؤقتة ؛ من خلال توزيعهم
على أقسام الشرطة بكل محافظة للقيام بدوريات أمنية عل مدار اليوم ؛ تحت رئاسة
الضباط والأفراد العاملين بإدارات الأمن المركزى وإشراف مأمورى الأقسام . على أن
تكون هذه القوات تابعة لمدير أمن المحافظة بصفة مؤقتة من الناحية التنفيذية
والإدارية والفنية .
ثانياً : إجراءات إعادة الهيكلة :
وتتمثل إجراءات إعادة
الهيكلة فى عدد من التدخلات الآجلة ؛ التى ينبغى اعتمادها كسياسة لوزارة الداخلية فى
ظل حكومة جديدة ؛ عقب انتهاء فترة حكومة تسيير الأعمال ؛ وذلك كالتالى :
1- مراجعة التوصيف الوظيفى :
تتلخص وظيفة جهاز الأمن فى
أى مجتمع فى الدورين الآتيين :
- دور وقائى يتمثل فى منع الجرائم قبل وقوعها .
- دور جنائى يتمثل فى ضبط الجرائم بعد وقوعها .
و يشير ( الدور الوقائى
) إلى أعمال الحراسة والتأمين التى يقوم بها ضباط وأفراد الشرطة ؛ من خلال
الدوريات التى تنتشر فى الشوارع والطرقات ؛ أو أعمال حراسة وتأمين المنشآت التى
يقوم بها أفراد الأمن الخاص التابعين لشركات الأمن .
ولعل المشكلة الكبرى تتمثل
فى تضخم هاجس الأمن الوقائى لدى أجهزة الأمن ؛ بما يسفر عن ممارسة إجراءات تتجاوز
أعمال الأمن والحراسة ؛ وتمتد إلى توسيع دائرة الاشتباه لتضم عدداً كبيراً من
الناس بدون أى مبررات أمنية منطقية . ويعلم عدد كبير من سكان المناطق الشعبية
بمحافظات مصر المختلفة ما نقصده بتضخم هاجس الأمن الوقائى ؛ الذى يتمثل فى الممارسات
الآتية : قيام ضباط المباحث والمخبرين بالقبض على المواطنين للاشتباه لمجرد عدم
حملهم لبطاقات تحقيق شخصية - أو لتواجدهم فى أوقات متأخرة من الليل بالطريق العام
- أو لسابق اتهامهم فى قضايا رغم عدم إدانتهم فيها .
كما يعلم كل المعارضين
السياسيين ؛ مدى تغول هاجس الامن الوقائى السياسى ؛ إلى حد المراقبة غير القانونية
للتليفونات والتحركات والاجتماعات .. الخ .
ولعل تضخم هاجس الأمن
الوقائى يمثل أحد الوجوه القبيحة لجهاز الأمن ؛ لكونه يؤدى إلى ترويع المواطنين
دون مقتضى ؛ وإلى تنمية الإحساس لدى الناس بالخوف – وليس الاطمئنان - لدى تواجد
أجهزة الأمن فى الشارع ؛ بدلاً من الشعور الطبيعى الذى يفترض الإحساس بالخوف عند غياب
هذه الأجهزة .
أما ( الدور الجنائى
) فيشير فى أحد جانبيه إلى القبض على المحكوم عليهم الهاربين ؛ وفى الجانب الآخر
إلى جمع الاستدلالات المتعلقة بالجرائم
وضبط المشتبه فيهم بارتكابها . ولقد تراجع الأداء الأمنى فى الجانب الأول
بحيث أصبحت الأحكام تصدر بينما المحكوم عليهم طلقاء أمام أعين الجميع ؛ بينما تشوه
الجانب الثانى نتيجة خلط أجهزة الأمن بين دورها وبين دور النيابة العامة . فدور
أجهزة الأمن يقتصر فقط على جمع الاستدلالات ( أى المعلومات والأدوات والآثار
المرتبطة بالجريمة ) وتحديد المشتبه فيهم بارتكابها وضبطهم ؛ وتقديم كل ذلك إلى
النيابة العامة لكى تقوم هى بالتحقيق.
وبالتالى ؛ فإن قيام أجهزة
الأمن بالضغط على المشتبه فيهم لاستنطاقهم ؛ أو القيام بضبط عدد كبير من الأشخاص
عند وقوع جريمة سرقة كبرى أو جريمة قتل والضغط على المضبوطين جسدياً ونفسياً لانتزاع
أى معلومة ؛ هو أمر يخرج عن نطاق دورها ؛ لأنها بنص القانون ليست سلطة تحقيق ؛
وإنما سلطة جمع استدلالات تتعامل مع مشتبه فيهم وليس متهمون , بينما النيابة
العامة هى سلطة التحقيق وسلطة الاتهام ؛ التى تقوم بتوجيه التهمة للمشتبه فيه
وإحالته بوصفه متهماً إلى القضاء .
فالشرطة تجمع الاستدلالات
وتضبط المشتبه فيهم ؛ بينما النيابة العامة تحقق مع المشتبه فيهم وتوجه لهم الاتهام
أو تفرج عنهم .
إذن ؛ ثمة اختلال واضح فى
التوصيف الوظيفى للدور ( الوقائى ) أو ( الجنائى ) لأجهزة الأمن فى المجتمع ؛ مما
يوضح بأنه لا يمكن مواجهة ذلك إلا من خلال تعديلات تشريعية ؛ تؤكد بجلاء ووضوح
حدود تلك الأدوار وترسم الخطوط الحمراء التى لا ينبغى لها تجاوزها ؛ وتضع عقوبات
رادعة لمن يتجاوز دوره من رجال الأمن سواء فى مجال الأمن الوقائى أو الجنائى .
2- منصب وزير الداخلية :
يبدو بأنه حان الوقت بدون
أى تسويف أو تردد ؛ للتفكير فى ضرورة أن يتولى وزارة الداخلية ( وزير سياسى ) من
خارج هيئة الشرطة , وذلك لكى يتم التعامل مع القضايا الأمنية بمنظور مجتمعى وسياسى
, يقيد وزارة الداخلية بأجندة المجتمع وأولوياته الأمنية , بدلاً من أن تفرض
الوزارة أولوياتها الأمنية على المجتمع .
ولعل وجود وزير سياسى من
غير رجال الأمن على قمة وزارة الداخلية ؛ سيساهم فى تحسين العلاقة المتوترة فى مصر
بين الشرطة والشعب . لأن الوزير السياسى سيتعامل مع الشعب بمنطق المواطن وليس منطق
رجل الأمن . فالوزير المُسيس سينظر لجهاز الأمن من الخارج ؛ بما يجعله يراه بعين
المواطنين فيكتشف عيوبه وسلبياته ويعتمد الحلول الكفيلة بإصلاحها ؛ بعكس الوزير
الأمنى الذى بحكم وجوده داخل جهاز الأمن ؛ فإن الكثير من السلبيات قد لا تثير
انتباهه؛ لكونها أصبحت جزء مألوف من روتين العمل الأمنى .
وما نقوله ليس بدعة ؛
فتاريخ مصر قبل ثورة يوليو يحفل بالعديد من الوزراء السياسيين من غير رجال الأمن (
مثل : فؤاد باشا سراج الدين ) . كما يجلس على مقعد وزارات الأمن أو الداخلية فى
معظم الدول الديمقراطية وزراء سياسيين من غير رجال الأمن .
3- نظام الشرطة المحلية :
ربما تكون المركزية
الشديدة أحد العيوب الجسيمة التى يعانى منها
جهاز الأمن فى مصر . وإذا نظرنا إلى نظام أجهزة الشرطة فى الولايات المتحدة
الأمريكية ( كمثال ) باعتبارها دولة فيدرالية , سنجد الشرطة فيها محلية بمعنى أن
كل ولاية لها جهاز شرطتها المحلى الذى يخضع لحاكم الولاية ؛ بينما يوجد جهاز واحد
له سلطة مركزية فيدرالية على كل الأراضي الأمريكية ؛ يتمثل فى جهاز الـمباحث
الفيدرالية(
FBI ) الذى يمارس سلطاته فيما يتعلق بالجرائم ذات
الطبيعة الفيدرالية .
وفى اعتقادنا ؛ فإن التحول
بجهاز الأمن فى مصر من المركزية الشديدة إلى المحلية , سيؤدى إلى تفرغ أجهزة الأمن
للمشاكل الأمنية المحلية ؛ بحيث تفرض كل محافظة أجندتها الأمنية من واقع المشكلات
الأمنية القائمة بها , بدلاً من أن تفرض وزارة الداخلية أجندتها الأمنية على عموم
الجمهورية ؛ رغم تمايز المشكلات الأمنية من منطقة إلى أخرى . مع السماح بوجود جهاز واحد فقط له اختصاص عام على
عموم الجمهورية ؛ يشبه المباحث الفيدرالية الأمريكية , يتولى متابعة الظواهر الإجرامية
التى تفوق قدرات أجهزة الشرطة المحلية .
وليس ما نطرحه فذلكة نظرية
, باعتبار أن البعض سيرد بأن مصر ليست دولة فيدرالية . ولكن الفرع الثالث من الفصل
الثالث من الدستور المصرى عنوانه : الإدارة المحلية , وتنص المادة رقم 161 من
الدستور على الآتى : ( يكفل القانون دعم اللامركزية .. ). وبالتالى ؛ لا يمكننا
تجاهل الشكوى العامة القائمة فى جميع المحافظات المصرية من تراجع التواجد الأمنى
فى الشارع , وذلك لعدة أسباب: أولها , أن هناك عجز مستمر فى عدد أفراد الشرطة نتيجة انخفاض عدد
المتطوعين من الأفراد للعمل بجهاز الشرطة , بسبب ضعف المرتبات وعدم الاستقرار
المكانى ( نتيجة النقل من محافظة لأخرى ) . وثانيها, أن الضباط أو الأفراد الذين
يتم نقلهم إلى محافظات لا يقيمون فيها , يمارسون عملهم الأمنى باعتبارهم طارئين
على هذه المحافظات وليس لهم مصلحة فى استتباب الأمن بها.
لهذا ؛ فإن نظام الشرطة
المحلية التى تتبع محافظ المحافظة تنفيذياً ؛ وتتبع وزارة الداخلية إدارياً وفنياً
؛ هو نظام يضمن تعيين ضباط وأفراد شرطة فى ذات المحافظات المقيمين بها, بما يكفل
تحقيق استقرار مكانى وتكوين مصلحة لدى رجال الأمن ؛ تحفزهم على تحقيق الأمن فى موطنهم
الأصلى الذى يضم عائلاتهم وأصدقائهم و مصالحهم .. إلخ .
ولكن من الجدير بالذكر ؛
أن نظام الشرطة المحلية لا يمكن أن يكون ذا جدوى ؛ إلا فى ظل الأخذ بنظام الانتخاب
للمحافظين بالمحافظات المختلفة ؛ بحيث يصبح ( الارتفاع بمؤشرات الخدمات الأمنية )
أحد عناصر البرنامج الانتخابى الذى يقدمه المحافظ لناخبيه ؛ بما يساهم فى توجيه
جهاز الأمن بالمحافظة لخدمة المواطنين وليس خدمة السلطة المحلية بالمحافظة .
4- كليات الشرطة :
لم يعد مقبولاً الاقتصار
على وجود كلية واحدة للشرطة يلتحق بها الطلاب القادمين من كل محافظات مصر , بل
أصبح من الضرورى إنشاء عدد من كليات الشرطة على مستوى المناطق الإقليمية ؛ أو على
مستوى كل محافظة ؛ بحيث تتولى تلك الكليات - بما تضمه من معاهد - تخريج العاملين
بجهاز الأمن من ضباط وأفراد .
كما لم يعد مستساغاً أن
يكون نظام الدراسة بكليات الشرطة لمدة 4 سنوات لمنح طلابها ليسانس الحقوق ؛ رغم
وجود عشرات كليات الحقوق فى ربوع الجمهورية . وبالتالى ؛ يصبح من الأفضل تعديل
نظام الدراسة بكليات الشرطة بحيث تقبل خريجى كليات الحقوق - وليس خريجى الثانوية
العامة - ويتم تأهيلهم للعمل الشرطى خلال ( عام دراسى واحد ) ؛ من خلال دراسة
العلوم والتدريبات والمهارات الأمنية والشرطية . كما يتم تقسيم التخصصات بداخل تلك
الكليات ؛ لكى يتخرج منها الضباط كل في مجال تخصص يظل يعمل به طوال مدة خدمته (
مرور – شرطة سرية – شرطة نظامية – دفاع مدنى
.. الخ ) ؛ الأمر الذى يساهم فى بناء خبرة تراكمية فى التخصصات الأمنية
المتعددة .
ومن الضرورى للحفاظ على
الطبيعة المدنية لجهاز الشرطة ؛ إلغاء نظام الإقامة الداخلية في كليات الشرطة ؛ بحيث
تصبح مثل باقى الكليات العادية ؛ يتوجه إليها الطلاب لتلقى الدراسة ويقيمون فى
منازلهم أو فى المدن الجامعية مع باقى طلاب الكليات الأخرى . الأمر الذى سيؤدى إلى
عدم فصل الطلاب عن المجتمع ؛ انطلاقاً من أن كلية الشرطة هيئة مدنية ؛ وينبغى أن
يكون طلابها على اتصال دائم بالمجتمع الذي هو مجال عملهم الرئيسى .
والواقع أن عسكرة كلية
الشرطة ؛ بحيث يتم التعامل معها باعتبارها إحدى الكليات العسكرية مثل الكلية
الحربية وغيرها ؛ كان له أكبر الأثر فى فصل جهاز الشرطة عن المجتمع . لأنه إذا كان
مطلوباً أن يتم إعداد طلاب الكليات العسكرية التابعة للقوات المسلحة بما يعزلهم عن
المجتمع المدنى ؛ لأن طبيعة عملهم بالمعسكرات وجبهات القتال تقتضى ذلك . فإن طبيعة
العمل بجهاز الأمن تقتضى عكس ذلك ؛ لأن مجال عمل رجل الأمن هو المجتمع وليس جبهات
القتال .
5- التضخم التنظيمى :
من منطلق الدولة البوليسية
؛ يتم تكليف وزارة الداخلية بأعباء غير أمنية , تؤدى إلى التأثير بالسلب على
مهامها الأمنية الأساسية , مثل :
- إشراف وزارة الداخلية على التنظيم الكامل لحج القرعة , رغم وجود
وزارة كاملة للأوقاف ورغم وجود مشيخة الأزهر , وهما الجهتان الأحق للقيام
بأعباء هذا الشأن الدينى.
- إشراف وزارة الداخلية على مصلحة الأحوال المدنية , رغم وجود وزارة
للتنمية الإدارية هى الأحق بأن تتولى شأن استخراج كافة الوثائق المدنية
للأفراد.
- إشراف وزارة الداخلية على استخراج تصاريح العمل رغم وجود وزارة
للقوى العاملة .
- إشراف وزارة الداخلية على مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية , التى
تتولى استخراج جوازات السفر وشئون الهجرة والجنسية , رغم وجود وزارة الخارجية
التى يدخل هذا الأمر ضمن دائرة نشاطها الأصيل .
- إشراف وزارة الداخلية على الحرس الجامعى , رغم وجود وزارة للتعليم
العالى يمكنها الإشراف على ذلك من خلال شركات أمن خاصة.
أيضاً ؛ ينبغى إلغاء الإدارات
العامة التى تتولى عدد من المهام الأمنية التى تندرج فى صلب بنيان وزارة الداخلية
؛ رغم إمكانية قيام شركات الأمن الخاص بتلك المهام من خلال أفراد الأمن الخاص
المدربين . وذلك مثل : الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات - الإدارة العامة
لشرطة الكهرباء - الإدارة العامة لشرطة السياحة والآثار - الإدارة العامة لشرطة
رئاسة الجمهورية - الإدارة العامة لشرطة مجلسى الشعب والشورى - الإدارة العامة
لشرطة الحراسات الخاصة – الإدارة العامة لشرطة التموين والتجارة الداخلية –
الإدارة العامة لمباحث التهرب الضريبى – مصلحة أمن الموانى ( المطارات والموانئ )
........ .
فكل تلك الجهات تمثل عبئاً
بشرياً ومالياً يختصر من المهمة الأساسية لجهاز الأمن ؛ ولا توجد أى ضرورة لكى
تتولاها وزارة الداخلية ؛ بل يمكن الاستعاضة عنها بشركات الأمن الخاصة ؛ التى
ستوفر خدمات تأمينية أفضل فى ظل التنافس ما بين تلك الشركات لاجتذاب العملاء .
وبالتالى ؛ فإن إلغاء كافة المهام الأمنية التى يمكن لشركات الأمن الخاص
القيام بها ؛ هو أمر يصب في مصلحة المجتمع ؛ ويوفر الميزانية والجهود الأمنية
لخدمة أمن المواطنين وليس أمن المؤسسات والمرافق . ففى حين يمكن لكل مؤسسة أن تقوم
بتعيين أفراد أمن خاص ؛ إلا أنه ليس متاحاً لكل مواطن القيام بذلك .
علاوة على ذلك ؛ فثمة وجه آخر للتضخم التنظيمى يتمثل في : العدد المهول
لقوات الأمن المركزى ؛ التى تفوق بعددها المعدلات العالمية لعدد قوات جهاز الأمن
بالنسبة لعدد السكان بالمجتمع . ونعتقد بان النسبة المقبولة لمجمل عدد قوات أجهزة
الأمن في أى مجتمع ؛ ينبغى أن لا تزيد عن ( واحد / ألف ) ؛ أى ألف رجل أمن لكل
مليون مواطن .
ولهذا ؛ لابد من إلغاء جهاز الأمن المركزى الذي يعتمد على ( المجندين )
بالقوات المسلحة ؛ وإنشاء تشكيلات محلية من ( أفراد الأمن ) في كل محافظة ؛ يتم
توزيعها على أقسام الشرطة ؛ تكون مهمتها مرافقة المأموريات الأمنية عند القيام
بعمليات القبض على المتهمين ؛ أو اقتحام بعض الأوكار الإجرامية . كما تتولى تلك
التشكيلات القيام بمهام ( تأمين التظاهرات ) وليس فضها ؛ ومواجهة أعمال الشغب في
حال حدوثها ؛ والتى تتمثل – فقط - في الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات ؛ وليس
تعطيل حركة المرور أو مخالفة تعليمات الأمن .
6- إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة :
لم يعد هناك مفر من إلغاء
جهاز مباحث أمن الدولة ؛ ونقل اختصاصاته المتعلقة بالجرائم السياسية إلى أقسام
ملحقة بأجهزة الشرطة المحلية بكل محافظة . بينما يتولى الجرائم السياسية - التى
تخرج عن إمكانيات أجهزة الشرطة المحلية - جهاز جديد له صفة الضبطية القضائية
العامة على مستوى الجمهورية . بحيث يتصدى هذا الجهاز للجرائم الجنائية والسياسية
التى تخرج عن نطاق إمكانيات أجهزة الشرطة المحلية ؛ وهو الجهاز الذى يشبه المباحث الفيدرالية
الذى أشرنا له من قبل .
فالجريمة السياسية فى
تعريفها الدقيق تشير إلى : ( استخدام العنف أو الدعوة إلى ذلك لتحقيق أغراض سياسية
) . وبالتالى ؛ فإن الأمن السياسى فى معناه الضيق لا يخرج عن هذا التعريف , ولا
يمكن أن يتسع بأى حال من الأحوال ليمتد إلى كافة الأنشطة الأمنية السياسية ( الوقائية
) غير القانونية ؛ التى كانت ملحقة بجهاز مباحث أمن الدولة ؛ مثل : رقابة التجمعات
العمالية ؛ والطلابية ؛ والنقابية ؛ والمؤسسات الدينية ؛ ومنظمات المجتمع المدنى ؛
والأحزاب السياسية ؛ والنشطاء السياسيين . ومثل الربط بين موافقة الجهات الأمنية (
أمن الدولة ) وبين الترقى والترشح للمناصب الهامة فى الدولة بكافة مرافقها
القضائية والتعليمية والاقتصادية .. الخ .. الخ .
إن جهاز مباحث أمن الدولة
بسمعته السيئة ونشاطاته الدنيئة للتجسس على المواطنين ؛ يمثل الوجه الأقبح للنظام
؛ ولا يمكن بأى حال من الأحوال قبول استمراره أو إجراء إصلاحات شكلية عليه ؛ لكونه
جهاز يتصادم بممارساته مع الحقوق القانونية للمواطنين ؛ ومع الضمانات الدستورية
المقررة للحقوق والحريات العامة .
حل جهاز مباحث أمن الدولة
مطلب شعبى ؛ يكفل لهذا الوطن نسيان كل الكوابيس المفزعة التى كانت تطارد الشرفاء
من أبنائه . ولا مجال للالتفاف حول هذا المطلب من خلال تغيير اسم الجهاز من قطاع
أمن الدولة إلى قطاع الأمن الوطنى . لأن حل الجهاز مادياً وليس ورقياً هو الذى
سيمثل قطيعة بين الماضى والمستقبل . وبالتالى ؛ فإما أن تحله الدولة ( نهائياً )
بمعرفتها ؛ وإلا فإن الجماهير التى خرجت فى كل شوارع مصر كفيلة بذلك .
7- نقابة وصوت انتخابى لضباط وأفراد الشرطة :
يكفل الدستور حق التنظيم
لأي فئة مهنية فى المجتمع ؛ بموجب نص المادة رقم ( 56 ) التى تنص على أن : ( إنشاء
النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطى حق يكفله القانون ) . ولاشك بأنه آن الأوان
لكى يكون لضباط وأفراد الشرطة فى مصر نقابتهم . فقانون الشرطة يعانى من عدم
التوازن بشكل كبير بين الواجبات الملقاة على عاتق الضباط والأفراد , وبين الحقوق
المكفولة لهم . وللأسف لن تتاح القدرة على إدخال تعديلات متتالية ومرحلية على هذا
القانون بصورة تلبى متطلبات رجال الشرطة , إلا إذا تم ذلك من خلال نقابة تدافع عن
حقوقهم وتنظم واجباتهم .
ولقد أدى غياب وجود نقابة
للشرطة إلى الافتئات الواضح على حقوق الضباط والأفراد .
فقانون الشرطة فى مادته
رقم ( 71 ) يتعامل مع ضابط الشرطة من بعد رتبة ( العقيد ) , وكأنه يعمل بعقد يمكن
إنهاءه أو تجديده كل عامين , ثم تتقلص المدة من بعد رتبة ( العميد) لكى تصبح كل
عام , بحيث يتم تقييم الضباط من بعد رتبة العميد ورتبة اللواء سنوياً , لكى يتم مد
خدمتهم لمدة عام آخر , أو إنهاء خدمتهم بنظام المعاش المبكر .
وبالتالى ؛ أصبح هذا
النظام بمثابة سيف مسلط على رقبة الضباط ؛ لكى يرضخوا للتعليمات أو نظم التشغيل
مهما كانت تعسفية أو تخالف القانون , خوفاً من الخروج إلى المعاش المبكر , الأمر
الذى يجعل ضابط الشرطة - وهو فى منتصف الأربعينات من عمره - مطالب بأن يبدأ حياة
وظيفية جديدة.
بالإضافة إلى ذلك ؛ فإن
قانون الشرطة يتعامل مع أفراد الشرطة - وليس الضباط - معاملة غير منصفة على
الإطلاق , لأن المادة رقم ( 99 ) من قانون الشرطة تجعل أفراد الشرطة يخضعون فى كل
ما يتعلق بأعمال خدمتهم بالشرطة إلى قانون الأحكام العسكرية . ويمكن من خلال هذه
المحاكمات العسكرية حبس أفراد الشرطة عند تقصيرهم فى واجبات وظيفتهم بدلاً من
مجازاتهم إدارياً . وبالتالى أصبح هذا النظام بمثابة سيف مسلط على رقبة أفراد
الشرطة ؛ لكى يرضخوا لنظم التشغيل التعسفية أو التعليمات المخالفة للقانون .
وللأسف ؛ فإن محاكمة أفراد
الشرطة وفقاً لقانون الأحكام العسكرية يخالف الدستور مخالفة جسيمة , باعتبار أن
الدستور ينص على أن الشرطة هيئة مدنية , ومن ثم لا يجوز محاكمة أفرادها إلا أمام
القاضى الطبيعى طبقاً لنص المادة رقم ( 68 ) من الدستور ؛ التى تنص على أن : ( لكل
مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى ) , وبالتأكيد فإن القاضى الطبيعى هو مجالس
التأديب ؛ أو المحاكم المدنية وليس العسكرية.
لهذا ؛ فإن إنشاء نقابة
تدافع عن حقوق ضباط وأفراد الشرطة , سيؤدى إلى وجود جهة تدافع عن حقوق ضباط وأفراد
الشرطة فى مواجهة وزارة الداخلية ؛ الأمر الذى يصب فى مصلحة العملية الأمنية ككل .
لأن ضابط وفرد الشرطة الذى تسانده نقابة للدفاع عن حقوقه ؛ لن يجد نفسه مرغماً على
تنفيذ أية تعليمات تخالف الدستور والقانون ؛ لأنه يعلم بأنه لن يقف منفرداً فى
مواجهة وزارة الداخلية فى حال مساءلته أو محاولة التضييق عليه .
وبالتالى ؛ فقد آن الأوان
لمطالبة كل القوى الحقوقية والأحزاب بإنشاء نقابة لضباط وأفراد الشرطة . وأيضاً
المطالبة بضمان حق التصويت الانتخابى للشرطة ؛ الذى تم منعه بموجب الفقرة الأخيرة
من المادة الأولى من قانون مباشرة الحقوق السياسية ؛ التى تنص على إعفاء ضباط
وأفراد الشرطة طوال مدة خدمتهم من التصويت الانتخابى ؛ بالمخالفة للمادة رقم 40 من
الدستور التى تقرر بأن : ( المواطنون لدى القانون سواء ؛ وهم متساوون فى الحقوق
والواجبات العامة ... ) . والمادة رقم 62 من الدستور التى تنص على أنه : ( للمواطن
حق الانتخاب وإبداء الرأى فى الاستفتاء ..) . السماح بالتصويت الانتخابى للشرطة ؛
يجعل ضباط وأفراد الشرطة غير منعزلين عن آمال وتطلعات باقى فئات المجتمع المتطلعة
إلى التغيير . ومن ثم يعود بالشرطة إلى المجتمع ويخرجها من تحت جناح السلطة إلى
الأبد .
-----------------------------
إن تفعيل تلك الإجراءات
السابق ذكرها ؛ بحيث تكون بمثابة القواعد التى يرتفع فوقها البنيان الجديد لوزارة
الداخلية ؛ سيمثل الضمان الأكبر لكى لا تصبح وزارة الداخلية أحد العوائق فى طريق
بناء المجتمع الديمقراطى فى مصر . والضمان الأكبر لكى تخرج تلك الوزارة من تحت
جناح السلطة إلى حضن المجتمع .
*****
مقدم دكتور/ محمد
محفوظ
ضابط شرطة
سابق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق