06 أغسطس 2014

وزير الداخلية الجديد الذى ينتمى للعهد القديم

وزير الداخلية الجديد الذى ينتمى للعهد القديم
( الشعب مازال يريد التغيير )

تاريخ النشر : 31 مارس 2011

دكتور / محمد محفوظ

طالعت حوار اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية ؛ مع جريدة المصرى اليوم ؛ بتاريخ 29 مارس 2011م ؛ واستفزتنى فيه ثلاثة مقاطع :
المقطع الأول :
( الجهاز ينفذ سياسة الدولة، وأخطاء الداخلية كانت ضمن نظام مؤسسى لارتباط الشرطة بسياسة الدولة، فلا يمكن محاسبة الداخلية دون غيرها على هذا الخطأ المؤسسى، ومن غير المعقول أن يقوم جهاز الشرطة بتزوير الانتخابات منفرداً بعيداً عن القيادة السياسية، وهذه القيادة هى التى تحدد دور كل الأجهزة فى الدولة ).
المقطع الثانى :
( الشرطة توغلت فى أشياء كثيرة جدا، والذى يحكم جهاز الداخلية هو «الدستور» ولا أريد أن أخرج على الدستور. كل الجهات التى لها صفة الضبطية القضائية عليها التعامل وفقا للقانون والدستور ).
المقطع الثالث :
( أكبر لواء شرطة يتقاضى ما بين ٣٠٠٠ و٣٥٠٠ جنيه بينما «فراش» فى البنك المركزى يتقاضى مثل هذا الراتب، ولهذا فإن كثيراً من ضباط الشرطة رواتبهم ضعيفة ولا تكفى للاحتياجات الأساسية، والدنيا تغيرت كثيراً، لأننى عندما تخرجت فى ١٩٥٩ كنت أتقاضى ٢٣ جنيهاً ونصفاً، وكان خريج الجامعة يتقاضى ١٥ جنيهاً، كنت أشعر بالفخر، وعندما كنت مديراً لأمن الجيزة أعلى مرتب وقتها كان ٥٠٠٠ جنيه بكل المزايا ).
----------------------------------------------
ما استفزنى فى المقطع الأول من حديث اللواء منصور عيسوى وزير الداخلية ؛ هو محاولة تبريره لدور جهاز الشرطة فى ظل نظام مبارك؛ وهى رؤية تتطابق مع رؤية المدرسة الأمنية التى أدت إلى انهيار وزارة الداخلية. فالوزير يقول بدون مواربة بأن ( الجهاز ينفذ سياسة الدولة ) ؛ كما يقول أن ( القيادة السياسية هى التى تحدد دور كل الأجهزة فى الدولة ) .
وبالفعل جهاز الشرطة ينفذ سياسة الدولة ؛ ولكن فى إطار القانون والدستور . ولو خرجت تلك السياسة عن الدستور والقانون ؛ فإنها تصبح بلطجة سياسية ينبغى عدم تنفيذها .
ولذلك أرفض تماماً منطق الوزير ؛ بأن القيادة السياسية هى التى تحدد دور كل الأجهزة فى الدولة ؛ وذلك لأن الذى يحدد دور تلك الأجهزة هو الدستور والقانون ؛ وليس أية قيادة سياسية مهما كانت .
وبالتالى ؛ ما يقلقنى فى كلام الوزير - الذى قد يراه معظم البعيدين عن جهاز الأمن بأنه كلام مطمئن ومشجع - هو أنه يشير إلى المنهج اللاسياسى الذى ينطلق منه الوزير فى التفكير ؛ بحيث يرى بأنه رجل أمن محترف يتولى منصباً أمنياً ؛ وليس رجل يتولى منصباً سياسياً ؛ وذلك المنصب يستمد سلطاته ومسئولياته من الدستور والقانون وليس من القيادة السياسية ولا من سياسة الدولة .
فسياسة الدولة لا تعطل الدستور ولا القانون ؛ والقيادة السياسية لا يحق لها تجاوز الدستور والقانون . وبالتالى ؛ فإن ذلك المنهج فى التفكير الأمنى ( اللاسياسى ) يؤدى إلى تحويل وزارة الداخلية إلى أداة فى يد النظام لتحقيق سياساته ؛ حتى لو أدت هذه السياسات إلى الاجتراء على الدستور والقانون.
ولهذا لم أستطع الاطمئنان لكلام الوزير الوارد فى ( المقطع الثانى ) من الحوار ؛ عندما يؤكد بأنه لا يريد الخروج على الدستور . لأن الوزير كان - بكل بساطة - من ضمن قيادات الداخلية عندما كان مديراً لأمن الجيزة ثم مديراً لأمن القاهرة ؛ ثم من ضمن قيادات النظام عندما كان محافظاً للمنيا ؛ وبالتالى قام سيادته شخصياً بتنفيذ سياسة الدولة ؛ وقام بالدور الذى حدده له النظام ؛ ولم يقم بتزوير الانتخابات منفرداً وإنما بتوجيه القيادة السياسية .
ولذلك ؛ فإن ما أفهمه من حديث الوزير فى المقطع الثانى – اتساقاً مع ما ورد منه فى المقطع الأول - أنه سيكون مع الدستور طالما سمح له النظام السياسى بذلك ؛ وأنه سيكون مع سياسة الدولة – حتى لو تناقضت مع الدستور – طالما كان هذا هو توجه النظام ؛ لأنه - وبكل بساطة - سبق لسيادته فعل ذلك فى المناصب التى تولاها ؛ لأنه يطيع النظام من حيث هو شخص ؛ وليس من حيث هو دستور وقانون .
وفى تقديرى ؛ فإن هذا المنهج هو الذى جعل الناس تتعامل مع وزارة الداخلية بعد ثورة 25 يناير بكل هذا الكم من الكراهية . لأن الجهاز الذى يقبل أن يكون أداة فى يد الجالسين على مقاعد الحكم ؛ عليه أن يدفع الثمن عند سقوط هذا الحكم . والجهاز الذى يقبل أن يكون فى خدمة النظام وليس الشعب ؛ عليه أن يتعرض للمحاسبة والاحتقار - من الشعب - عند سقوط هذا النظام .
نريد دولة مؤسسات ؛ يحكمها الدستور والقانون . ولا يستمد فيها أى مسئول شرعية جلوسه على مقعده إلا من الدستور والقانون ؛ وليس من سياسة الدولة أو تعليمات القيادة السياسية أو توجهات النظام .
نريد رجال سياسة أنداد لبعضهم  البعض ؛ يستمدون شرعية جلوسهم على الكرسى من الشعب ؛ ويستمروا فى مناصبهم بقوة الدستور والقانون وليس برضى النظام .
هل لاحظتم كم كررت كلمتى الدستور والقانون . وذلك لأن الدولة - بكل بساطة - بناء دستورى قانونى , وعملية إقامة أى نظام سياسى ديمقراطى تعتمد فى المقام الأول على البناء الدستورى الذى يقوم بالفصل التام ما بين السلطات ؛ وليس التواطؤ ما بين هذه السلطات . كما أن عملية إقامة أى نظام سياسى ديمقراطى تعتمد على مبدأ سيادة القانون فى المجتمع ؛ باعتبار أن القانون هو تعبير عن إرادة الأغلبية وتوجهها .
دولة الدستور والقانون هى الدولة التى تكون السيادة فيها للشعب ؛ أما دولة : سياسة الدولة وتوجهات النظام وتعليمات القيادة السياسية ؛ فهى دولة خدم السلطان وزبانية السلطة ومصاصى دماء الشعوب .
أما ( المقطع الثالث ) فى حديث اللواء منصور عيسوى ؛ عن رواتب اللواءات فى الداخلية ؛ وعن راتب سيادته عندما كان مديراً لأمن الجيزة . فإننى شخصياً لا أبلعه ؛ وهو كلام عسر الهضم ؛ ويرفضه كل ضابط شرطة يعرف بطن وزارة الداخلية ( الحمضانة ) .
فقيادات الداخلية من فئة مساعدى الوزير ؛ ومديرى الأمن ؛ ومديرى المصالح والإدارات العامة ؛ ومديرى إدارات المرور وإدارات الحماية المدنية ؛ يتقاضون بدلات إضافية تساوى مئات أو عشرات أضعاف مرتباتهم . وبالتالى ؛ فقد أصابنى الكرب والضجر من هذا الكلام البائس والمكرر عن المرتبات ؛ لأن المرتبات معروفة ولها جداول ثابتة معلومة للجميع . ولكن البدلات الإضافية التى تأتى من كل حدب وصوب هى غير المعلومة ؛ وهى التى كانت تجعل قيادات الداخلية يلتصقون بالنظام ويدافعون عن وجوده ويزورون له الانتخابات ليستمر فى اغتصابه لكرسى الحكم .
لذلك ؛ عندما تخاطبون الشعب عن القيادات ؛ فلا تتحدثوا عن المرتبات ؛ بل تحدثوا عن البدلات . فلقد سئمنا من استغفال الناس والضحك على ذقونهم .
فليصارح اللواء منصور عيسوى الشعب بالبدلات التى يحصل عليها قيادات الداخلية ؛ وليأمر بإحالتهم جميعاً إلى جهاز الكسب غير المشروع ؛ لأنها بدلات كانت تحتقر نص المادة رقم 23 من الدستور التى كانت تنص على : ( وضع حد أعلى للأجور يكفل تقريب الفرق بين الدخول ) .
... للأسف ؛ لن يمكننا التقدم إلى الأمام وتحقيق مكاسب الثورة ؛ لو ظل أشخاص النظام السابق هم الذين يتصدرون المشهد ؛ وظلت نفس الأفكار العقيمة هى التى تمثل الخلفية لهذا المشهد .
مطلوب كرسى فى الكلوب القديم .
مطلوب فتح النوافذ لنور الشمس .
مطلوب ترك المقدمة لأشخاص جدد ليقودوا المسيرة .
مطلوب فتح القبور لدفن الأفكار القديمة .
مطلوب استخراج الأفكار الجديدة من وهج البريق الساطع فى عيون الباحثين عن التغيير .. التغييييير ....
الشعب .. مازال .. يريد .. التغيير ..................................
ربما يكون هذا هتافنا يوم .. الجمعة ...
*****
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com      


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق