الأشرعة المهلهلة ورياح التغيير
العنف الدينى وبقايا الدولة البوليسية
تاريخ النشر : 10 مايو 2011
( لن تستطيع تنظيف بيتك بأيدي قذرة )
[ قول مأثور ]
رغم أن أشياء كثيرة
تغيرت في مصر منذ قيام الثورة ؛ إلا أن مصر مازالت كما هى لم تتغير . ليست هذه
فزورة أو لغز من الألغاز ؛ ولكنها الحقيقة المحزنة التى تشبه قصور الرمال التى تمحوها
الأمواج ؛ وتشبه إحباطات الحرث في الماء .
مازالت مصر كما هى
لم تتغير .
وليس هذا من باب
التجنى أو الافتراء ؛ فمن يتابع أسلوب تعامل الدولة - بحكومتها ومجلسها العسكرى -
مع الأحداث الطائفية الدامية في إمبابة ؛ سيعرف بأن سياسة ترك المشكلات بدون حل -
إلى أن تتحول إلى كارثة أمنية - مازالت قائمة .
وأن تنفيذ القانون
في مصر يرتبط بالتعليمات الفوقية التى تسمح بتنفيذه ؛ ولا يرتبط بقوة القانون
الذاتية المجردة .
ورغم أن الشرطة انهارت في مصر ؛ إلا أن بقايا الدولة البوليسية مازالت
قائمة .
فالدولة البوليسية – في جزء من تعريفها – هى : الدولة التى لا يوجد فيها ما يميز بين القانون وممارسة السلطة السياسية من جانب
السلطة التنفيذية .
لذلك تتسم الدولة
البوليسية - عل سبيل المثال وليس الحصر - ببعض المظاهر والممارسات الآتية :
- ترك معظم المشكلات
سواء أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو
سياسية ؛ لكى تتفاقم حتى تتحول إلى مشكلات أمنية , ثم يتم استدعاء الأمن
للتدخل ومواجهتها بحلول أمنية ؛ تغلب عليها الصرامة والقمعية .
- ربط الترشح
للمناصب الهامة ؛ بموافقة الجهات الأمنية , حتى لو لم يتم النص فى القوانين على
ذلك .
- تخصيص نسبة كبيرة
من المناصب الحكومية والسياسية لرجال الأمن .
وبالطبع كل هذه
المظاهر مازالت قائمة في مصر ؛ وذلك للأسباب التالية :
أولاً : لم تمارس الدولة بحكومتها ومجلسها العسكرى ؛ أى سياسة
رشيدة للتعامل القانونى المجرد مع قضية الادعاء بوجود مسلمات محتجزات في الأديرة .
وظل الأمر متروكاً إلى أن ظهرت أخيراً كاميليا شحاتة - إحدى المُدعى احتجازهن - في
قناة الحياة المسيحية التى تبث من أمريكا ؛ لتعلن - في حوار مع المذيع عبر
الإنترنت - تكذيبها لكل الادعاءات حول إسلامها أو زواجها من مسلم أو خطفها
واحتجازها بمعرفة الكنيسة .
وبالطبع فإن عدم
مثول كاميليا شحاتة أمام النيابة العامة لكى تقر بذلك رداً على البلاغات المقدمة
للنيابة بشأن خطفها ؛ وعدم ظهورها بشخصها في برنامج توك شو بإحدى قنوات التلفزيون
الحكومى أو أى من الفضائيات الخاصة التى تبث من داخل مصر ؛ كل ذلك أدى إلى ترك
القضية معلقة ؛ لكى تتكرر مرة أخرى في إمبابة ؛ ولكن بدماء وحرائق وتخريب أدى إلى
مقتل 12 شخص ( مسلم ومسيحى ) وإصابة 340 آخرين ؛ وإحراق الكنيسة ؛ وتحطيم ما حولها
؛ وإلقاء القبض على 190 مشتبه به وإحالتهم إلى القضاء العسكرى .
هى إذن نفس سياسة
النظام السابق يمارسها النظام الجديد بحكومته ومجلسه العسكرى ؛ والتى تتمثل في ترك
المشكلات لتتفاقم حتى تتحول إلى كارثة أمنية ؛ ثم يتم مواجهتها بإجراءات استثنائية
مرحلية .
والسؤال هنا : ألا
ينبغى إحالة كل من تسبب بتخاذله في عدم المواجهة القانونية لقضية كاميليا ( وأخواتها
) إلى المحاكمة ؛ نظرا لما أدى إليه ذلك من فتح الطريق لتلك القضايا لكى تتكرر
بصور أكثر عنفاً ودموية ؛ وتعطى الفرصة لفلول النظام البائد من الحزب الوطنى وأمن
الدولة ؛ لكى ينفخوا في النيران المختبئة تحت الرماد ؟!!!
ثانياً : لم تضطلع الدولة ( بحكومتها ومجلسها العسكرى )
بمسئوليتها الثورية ؛ المتمثلة في تغيير الوجوه الدينية التى حظيت بثقة النظام
السابق ؛ وأدت بخطابها الدينى المدهون بسموم السياسة والتبعية للسلطة ؛ إلى ارتفاع
النبرة الطائفية في المجتمع لتحقيق سياسة ( فرق تسد ) ؛ وإلى توليد الانطباع لدى الأقباط
بأنهم أقلية مستهدفة يسهر النظام السابق على أمنها ؛ وتأكيد الانطباع لدى المسلمين
بأنهم أغلبية مهضوم حقها في مواجهة أقلية تستقوى بالخارج . وبالتالى ؛ ما كان
للثورة أن تتقدم للأمام بينما يتصدر المشهد الدينى وجوهاً لم تتبوأ مناصبها
الدينية إلا بموافقة أمن الدولة .
ولهذا نقولها صريحة
لوجه الله والوطن والثورة ؛ لا يمكن أن يتم تغليب المواطنة فى مصر على الطائفية ؛
لو بقى رموز الفتنة ورعاتها في مواقعهم الدينية الحصينة .
لذلك فإن تغيير شيخ
الأزهر ومفتى الجمهورية وبطريرك الكرازة المرقصية ( البابا ) ؛ واختيار رموز دينية
أخرى بنظام الانتخاب غير الموجه من الدولة بأجهزتها الأمنية ؛ هو أمر لازم لقطف
ثمار الثورة .
ولنسأل أنفسنا عن
الفتاوى والتصريحات التى كان سيعلنها هذا الثالوث لو تم قمع الثورة !!!!
فشل هذا الثالوث ( غير
المقدس ) في نزع فتيل الفتنة بعد الأخرى ؛
دليل على أنه أحد أسبابها ؛ إما بالتواطؤ أو الإهمال أو انعدام الكفاءة .
لهذا ؛ فإن الإبقاء
على الوجوه الدينية التى حظيت بمواقعها في ظل النظام السابق ؛ نتيجة ثقة الأجهزة
الأمنية وترشيحها وموافقتها ؛ هو إقرار بأن منهج موافقة الأجهزة الأمنية على شاغلى
المناصب العليا أمر غير مستهجن ولا يخالف منطق الثورة ؛ بما يجعلنا نظل ندور في
دائرة جهنمية ؛ نطفأ فيها حريق هنا ليشتعل حريق آخر هناك .. ولكن ما أهون الحرائق
التى تشتعل في المبانى ؛ قياساً بتلك التى تستعر- يوما بعد آخر - داخل الصدور !!!!
ثالثاً : لم تختلف الدولة بحكومتها ومجلسها العسكرى عن النظام
السابق ؛ في تخصيصها نصف مناصب المحافظين على مستوى الجمهورية لقيادات أمنية
وعسكرية . رغم أنه من المعلوم للكافة أن تلك القيادات لم تصل إلى مناصبها الأمنية
أو العسكرية ؛ إلا لأنها حظيت بثقة النظام السابق وموافقة أجهزته الأمنية .
والسؤال ؛ ما الذي
يمكن انتظاره من تلك القيادات إلا تنفيذ التعليمات لا القانون ؛ ومن ثم تضيع هيبة
القانون ويفقد الناس الثقة في الدولة ومؤسساتها !!!
والعجيب في الأمر أن
تلك القيادات كانت شاهدة بحكم الموقع والمنصب - في ظل النظام السابق - على ممارسات
الفساد والاستبداد والتخاذل في مواجهة الفتن الطائفية والعنف الدينى . ولكن لم
نسمع أن واحداً منهم تقدم باستقالته أو كشف عن أى معلومات تتعلق بأى انحراف . ورغم
ذلك يتم مكافأتهم على إخلاصهم في خدمة النظام السابق ؛ بأن يصبحوا هم رجال النظام
الجديد ( مسخرة ) .
فما الذي يمكن أن
نتوقعه من زبانية السلطة ( أى سلطة ) إلا الطرمخة على المشكلات وتركها تتضخم حتى
تتحول إلى كوارث أمنية . ماذا يمكن أن نتوقع من منفذى التعليمات مهما تنكرت
للدستور وخالفت القانون ؟!!
-----------------------------------------------------------------------
لن نؤسس لمبدأ
المواطنة ونستأصل روح الطائفية ؛ إلا إذا وضعنا أسس ثابتة لدور رجال الدين في المجتمع
؛ تؤكد على الآتى :
- مبدأ انتخاب جميع القيادات
الدينية من دوائرهم الدينية لفترات محددة لا يجوز تمديدها .
- حظر وتجريم إبداء
القيادات الدينية ومرؤوسيهم لأى أراء أو ضغوط سياسية .
- إخضاع دور العبادة
الدينية بكافة أشكالها لشروط تجديد ترخيص دورى ؛ يتم إلغاؤه في حال خروج دار
العبادة عن دورها الدينى .
- مراجعة النصوص
التشريعية الواردة بالباب الثانى والباب الحادى عشر ؛ من الكتاب الثانى من قانون
العقوبات بشأن الجرائم ذات الأبعاد الدينية ؛ وتنقيتها من الألفاظ المطاطة ؛
وصياغتها بما يضمن تحديدها تحديدا دقيقاً ؛ لا يتناقض مع حقوق الإنسان ؛ ولا
يتهاون في ذات الوقت لمغازلة أى ديانة من الديانات .
- تجريم استخدام أى
مسئول حكومى أو ناشط سياسى ؛ لمؤثرات دينية في المنافسات الانتخابية أو الأنشطة
السياسية .
- تأكيد مبدأ سيادة
القانون بكل حسم ؛ من خلال تطبيقه بكل تجرد ودون تردد على كل مواطن وكل بقعة وكل واقعة
في أرض مصر ؛ لأن مناخ التخاذل فى تنفيذ القانون يخلق حلقات ضعيفة فى جسد الدولة
والمجتمع المصرى ؛ بما يغرى أى متربص لكى يستثمر تلك الحلقات الضعيفة لتحقيق مآربه
الخاصة . ولهذا ؛ فإن مؤامرات فلول النظام السابق ؛ لا ينبغى أن تأخذ مكانها فى
هذا المشهد إلا من خلال التعامل معها باعتبارها نتيجة وليست سبباً ؛ فهى نتيجة
أفرزها تخاذل الدولة ( بحكومتها ومجلسها العسكرى ) فى تطبيق القانون ؛ ذلك التخاذل
الذى يتساوى بدون مبالغة مع المؤامرة .
- تجريم الاستعانة
برجال الدين والجلسات العرفية في القضايا الجنائية ذات الأبعاد الدينية .
-------------------------------------------------------------
البيت لا يمكن
تنظيفه بأيدى قذرة .
وإدارة الدولة في
مصر مازالت تعتمد على منطق وسياسات وأساليب ومناهج ورجال ورموز ووجوه بقايا
وزبانية الدولة البوليسية .
ولن يمكن لسفينة
الثورة أن تبحر في محيطات المستقبل بأشرعة مهلهلة تخترقها رياح التغيير.
*****
دكتور / محمد محفوظ
ت : 0127508604
* بيان ببعض المواقع
على شبكة الإنترنت لمتابعة القضايا المطروحة في المقال :
- البديل : مفاجأتان
في قضية عبير
- البديل في قرية
السيدة التى فجرت أزمة إمبابة
- كاميليا شحاتة
تظهر في قناة الحياة المسيحية
- الرد على ظهور
كاميليا على قناة الحياة ( الدقيقة 4،56 من الفيديو )
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق