07 أغسطس 2014

كسر الأقلام وقطع الألسنة .. دراسة عن حرية التعبير ما بين القيود المسبقة والحرية المطلقة

كسر الأقلام وقطع الألسنة
دراسة عن حرية التعبير ما بين القيود المسبقة والحرية المطلقة

تاريخ النشر : 6 إبريل 2013

دكتور / محمد محفوظ (*)

( لأن الحقيقة نسبية ؛ فإن حرية التعبير ينبغى أن تكون مطلقة ؛ فلا أحد يمتلك الحقيقة حتى يصادر حق الآخرين فى محاولة الاقتراب من حدودها ) . دكتور / محمد محفوظ

فى ظل المناخ المعادى لحرية التعبير أو المتوجس منها أو المتحرج من آثارها ؛ تبدو الحاجة إلى اجترار البديهيات فريضة ثورية ؛ كما تبدو الحاجة إلى فهم الأسس والقواعد ضرورة مجتمعية ؛ تفرضها الرغبة الحثيثة فى وضع هذا الشعب على خط البداية ؛ بحيث يبدأ من حيث انتهى المعاصرون ؛ وليس كما يريد له البعض بأن يبدأ من حيث بدأ الأقدمون من عشرات القرون !!
لذلك ؛ أستأذن القارئ فى أن يتحمل الدعوة التى ستتضمنها هذه الدراسة ؛ والتى لا تطالب فقط بضمان أوسع مدى لحرية التعبير ؛ وإنما تتجاوز ذلك لتطالب بضمان الحرية المطلقة للتعبير . وقد يعتقد البعض بأن هذا شطط أو خبل أو مراهقة فكرية ؛ ولكن لا سبيل إلى التأكد من صحة ذلك من عدمه ؛ إلا بعد مقارعة الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق ؛ انطلاقاً من أن هناك قاعدة فكرية بسيطة جداً اضمحلت فى وعينا المعاصر ؛ تقرر بأنه : لا يمكن الوصول إلى النتائج إلا من خلال المقدمات المنطقية .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
أولا : الحرية المطلقة للتعبير ( الأسس والمحددات ) :
يمكن فهم الأسس التى ترتكز عليها الدعوة إلى ضرورة كفالة الحرية المطلقة للتعبير ؛ من خلال دراسة أربعة محددات وهى:
ـ نوع الإطار الذى تنتمى إليه حرية التعبير .
ـ المدى الذى ينبغى أن يمتد إليه هذا الإطار خلال ممارسة حرية التعبير لفاعلياتها .
ـ توصيف المحتوى المعرفى الناشئ عن هذه الممارسة ضمن ذلك الإطار . 
ـ دراسة التأثير الناتج عن انتشار هذا المحتوى المعرفى فى المجتمع .
ولعل دراسة تلك المحددات الأربعة ( النوع ـ المدى ـ المحتوى ـ التأثير ) ؛ ستساهم فى توضيح مبررات الطرح الفكرى الذى يدعو إلى ضرورة ضمان الحرية المطلقة للتعبير ؛ وذلك على النحو التالى:
1 ـ نوع الإطار اللازم لحرية التعبير:
تعنى حرية التعبير - فى المعنى العام - المعاكس الموضوعى لحرية الفعل، حيث إن التعبير الإنسانى يتجسد فى الدلالات والرموز، بينما الفعل الإنسانى يتجسد فى الإرادة المادية والأنشطة العملية. فالإطار المميز للتعبير الإنسانى هو إطار رمزى، والإطار المميز للفعل الإنسانى هو إطار عملى مادى . ومن هنا كانت أدوات التعبير الإنسانى هى الحروف والألفاظ والإشارات والرموز والصور والحركات والانفعالات، ويتجلى ذلك فى تعبيرات مكتوبة أو منطوقة أو مرئية. بينما أدوات الفعل الإنسانى هى القوة العضلية فى مجال تأثيرها المادى والآلات والأجهزة والمعدات، ويتجلى ذلك فى السيطرة على والتحكم فى مكونات البيئة الطبيعية من جماد ونبات وحيوان وإنسان. وبالتالى فإن الإطار الذى يضم التعبير الإنسـانى باعتباره يتشــكل فى ( عالم  الرموز والمعانى ) هو إطار رمزى . بخلاف الإطار الذى يضم الفعل الإنسانى الذى يتشكل فى (عالم الوقائع والأحداث )، ومن ثم فهو إطار مادى.
الأمر الذى يكشف عن أن التعامل مع التعبير الإنسانى يجب أن يتم فى إطار طبيعته الرمزية التى تميزه عن الفعل الإنسانى. بما يعنى أن النصوص القانونية المسبقة المقـيِّدة لمجال حرية الفعل الإنسانى حتى لا تمتد آثاره إلى الآخرين بالضرر، لا تنطبق بالضرورة على مجال حرية التعبير الإنسانى لكونه مجالاً رمزياً يحتاج إلى نصوص قانونية تصلح للتعامل مع الآثار الضارة التى قد تترتب على بعض ممارسات الحق فى حرية التعبير ؛ وليس مع تلك الممارسات ذاتها .
وانطلاقاً مما سبق، يمكن أن نقرر بكل موضوعية ؛ بأن الإطار اللازم لحرية التعبير هو إطار رمزى من حيث النوع أو التوصيف أو النوعية، وذلك لكونه يتعامل مع الرموز والمعانى ومع الأفكار والدلالات.

2 ـ مدى الإطار اللازم لحرية التعبير:
تأسيساً على رمزية الإطار الذى يميز التعبير الإنسانى ؛ فإن مدى ذلك التعبير يصبح تبعاً لذلك حراً بطبيعته، لأن الإطار الذى يميزه هو إطار رمزى لا يعرف الحدود المادية
أو الحواجز الواقعية. يُضاف إلى ذلك أن مدى ذلك التعبير الإنسانى يصبح حراً نظراً لوظيفته، ذلك أن مضمون هذا التعبير هو نقل الأفكار؛ والأفكار لا يمكن تبين صحتها من خطأها إلا من خلال مناقشتها، ومناقشتها تستتبع بالضرورة إعلانها حتى يمكن جذب أكبر عدد من المناقشين لهذه الأفكار ، وإعلانها يستتبع بالضرورة كفالة الحرية التامة لذلك الإعلان وذاك النقاش حتى يمكن للمناقشة أن تلم بأطراف وجوهر تلك الأفكار وتحليل كافة جوانبها .. وهكذا.
ولذلك يكتسب التعبير الإنسانى - نظراً لرمزيته - مدى غير محدود لنطاق حريته، بخلاف الفعل الإنسانى الذى يتقيد دائماً بمدى محدد لنطاق حريته نظراً لماديته.
وانطلاقاً من تلك الرؤية، فإن حرية التعبير - نظراً لرمزية إطارها ومداها غير المحدود - ما هى إلا حرية مطلقة غير مقيدة بحدود أو حواجز، حيث إن المدى المطلق هو المدى الوحيد الذى يوفر لها التوافق مع إطارها الرمزى القائم على الرموز والأفكار والمعانى.
وهذا يوضح بأنه بينما يستحيل على الحرية المادية للفرد أن تتقاطع مع حريات الآخرين , لأن هذا التقاطع سيؤدى بالضرورة إلى التصادم بحكم طبيعتها المادية ؛ إذ لا يمكن ــ مثلاً ــ الانطلاق بالسيارة في شارع مكتظ بالمشاة , لأن هذا يعنى بالضرورة الاصطدام بهم . بينما ـ على الجانب الآخر ـ فإن الحريات الرمزية يمكن أن تتقاطع ؛ حيث يمكن للفرد المجاهرة بآراء تتعارض تماماً مع آراء البشر جميعاً , دون أن تتصادم هذه الآراء مع بعضها البعض .
فالنطاق الرمزي لحرية الأفراد في التعبير يجعل نطاقات ممارسة هذه الحرية تخلو من التدافع أو التصادم , لأنها تتشكل في دوائر رمزية يمكنها أن تتداخل وتتقاطع مع بعضها البعض .
وبالتالي ؛ يصبح من الخطأ الاحتجاج بأن حرية الفرد في التعبير تقف عند حدود حرية الآخرين في التعبير, لأن نطاق هذه الحرية هو نطاق رمزي غير محدود .
وهذا يوضح بأنه إذا أصبحت حرية التعبير غير مطلقة، فإن ذلك يعطى سلطة ما لشخص ما ؛ لكى يقرر أين يوضع الخط الذى ينبغى عدم تجاوزه  ([1]). وكما قال « جون ستيوارت مل »  فلقد مُنح الإنسان العقل لكى يستخدمه , فهل يمكن أن نقول للناس: إن عليهم ألا يستخدموا العقل إطلاقاً لأنهم قد يخطئون فى استخدامه ([2]).
إن الواقع يقرر أنه ما دام مجال المناقشة والبحث مفتوحاً فإننا نأمل أن نهتدى إلى الرأى الأقرب إلى الصواب.. ولا مجال للاعتراض على التمادى فى المناقشة إلى أقصى الحدود .. لأن البرهان إذا لم يصدق على أقصى حالة فإنه لن يصدق على أية حالة أخرى... لإننا إذا ادعينا اليقين فى أمر ما مع أن هناك ولو فرد واحد ينكر ثبوته.. فإننا بذلك ندعى أننا .. أصحاب الحق دون غيرنا فى إصدار الحكم بثبوت ذلك الأمر دون أن نسمع لدفاع الفريق الآخر ([3]).
ولا يُعتبر من قبيل المبالغة القول بأن الضرر الذى يترتب على كبت حرية التعبير عن الرأى يتمثل فى سلب الجنس البشرى بأكمله من الأسلاف حتى الجيل الحاضر تلك الحرية .. لإنه إذا كان ذلك الرأى صائباً فهم قد حُـرِموا من فرصة يستبدلون فيها الباطل بالحق. وإذا كان خاطئاً فإن الناس سيُحْــَرمون من فرصة - لا تقل عن سابقتها قيمة - هى فرصة الازدياد من التعرف على الحق بشكل واضح حيوى، نتج عن مقارنته بالخطأ ([4]).
وفى ظل مجتمع المعلومات الذى نعيشه الآن ؛ فإنه ينبغى للمعلومات أن تكون متاحة للتداول ؛ ذلك أن مجتمع المعلومات يمكن أن يوجد فقط لو لم تكن هناك عقبات تحول دون هذا التداول ، فهو بالتعريف مجتمع لا يتوافق مع الحظر والسرية أو عدم المساواة فى الوصول للمعلومات ([5]). ولعل السماح بعدم إطلاق حرية التعبير ؛ ســيؤدى إلى أن يتحول مجـتمع المعلومات إلى مجتمع (بعض المعلـومات ) وليــس ( كل المعلومات ) ؛ نظراً لما ستسفر عنه تلك الحدود والحواجز من إعاقة حركة بعض المعلومات والسماح ببعضها الآخر.
إن الواقع التكنولوجى يقرر - مثلما تقرر فلسفة حرية التعبير - أن المدى الذى يتحرك فى إطاره التعبير الإنسانى ينبغى أن يكون مدى مطلقاً، بحيث تتمتع حرية التعبير فى ظله بالحرية المطلقة غير المحدودة .

3 ـ محتوى الإطار اللازم لحرية التعبير:
يترتب على المدى المطلق لحرية التعبير نتيجة هامة ؛ تتمثل فى تعدد الآراء وتنوع المعلومات والأفكار والمعانى المتاحة فى المجتمع. وبالتالى فإن سيادة أحد الأفكار أو الآراء لن تكون ناشئة عن احتكار مسبق لساحة الأفكار، ولكن ناشئة عن مناقشة حرة بين كافة الآراء تتيح للرأى السائد أن يتبوأ مكانته بناءً على اختيار الأغلبية ( الجماهير ) .
علاوة على ذلك ؛ فإن تعدد الأفكار والآراء يؤدى إلى وفرتها، وفى أغلب الأحوال  ”الوفرة على كل حال تطرح تحدياً أقل من الندرة ([6]). حيث تؤدى وفرة الآراء والأفكار إلى اشتعال جذوة النقد فى المجتمعات. وكما قرر الفيلسوف « كانط » فإن النقد هو أفضل أداة بناء عرفها العقل البشــرى ([7]).
وتتمثل فائدة النقد الناشئ عن تعدد الآراء والأفكار فى المجتمع فى حقيقة أن الرأى السائد - فى أى مجتمع - إما أن يكون خطأ وبالتالى فلابد أن يكون هناك رأى آخر هو الصواب، وإما أن يكون صوابا، مما يحبذ ضرورة معارضة هذا الصواب بما يناقضه من الخطأ حتى يتمكن الذهن من الإحاطة بالحق إحاطة تامة.. وإما قد يكون لكل من الرأيين نصيب من الحقيقة.. ولابد حينئذ من تكميل الرأى المقبول بالرأى المرفوض حتى يأتلف شمل الحقيقة ([8]).
ولقد أثبتت العديد من التجارب البشرية أن الاهتداء إلى الحقيقة فى جميع المسائل الحيوية إنما يكون بالتوفيق بين آراء متناقضة ([9])   وما دام الناس يضطرون إلى سماع كلا الطرفين والموازنة بين أقوالهما، فسوف يَسهُل التوصل إلى الحقيقة. ولكنهم إذا اقتصروا على سماع أحد الطرفين دون الآخر، فهنا يظهر الخطأ وينحرف الصواب عن حقيقته  “([10]).
ولعل مفهوم الوفرة والتعدد الذى يتسم به محتوى التعبير الإنسانى ؛ هو المفهوم الذى يتوافق بشكل كبير مع وسائل الإعلام الجديدة المتمثلة فى شبكات المعلومات. حيث تبدو « الإنترنت » الوسيلة الإعلامية الأولى التى يتزاوج فيها نطاق البث العريض مع نطاق البث الضيق. لأن سعتها اللامحدودة تؤدى إلى إمكانية استخدامها للإعلام الجماهيرى، بالإضافة إلى إمكانية استخدامها للاتصال الجمعى أو الشخصى . حيث يمكن لكل مستخدم للإنترنت أن يلعب دور المتلقى والقائم بالاتصال ضمن ملايين جماهير المتلقين والقائمين بالاتصال أيضاً، أو دور المتلقى والقائم بالاتصال ضمن جماعة اتصالية صغيرة.
وبهذا فإن مفهوم التعدد الذى يتسم به محتوى التعبير الإنسانى ؛ هو المفهوم الذى يتوافق مع التطور التكنولوجى الراهن فى وسائل الإعلام الحديثة.

4 ـ التأثير الناتج عن الحرية المطلقة للتعبير:
يمثل التأثير الناتج عن كفالة الحرية المطلقة للتعبير ؛ الهدف والغاية من الإيمان بهذا المفهوم. فحرية التعبير المطلقة ليست غاية فى حد ذاتها، ولكنها الوسيلة المثلى لضمان السريان الحر للأفكار والمعلومات والمعرفة فى المجتمع. وكما أكد « جان جاك روسو » فإن الحكم السليم يستند دائماً.. على الإرادة العامة التى لا تقوم إلا على الصالح العام.. وتربية الأفراد كفيلة بتكوين إرادات عامة لا يمكن التغرير بها أو إيقاعها فى الغش ([11]).
ولا شك أن تعدد الآراء وتنوع المعلومات والأفكار نتيجة إطلاق حرية التعبير يؤدى إلى تربية الأفراد على خبرة الاختيار والانتقاء من جملة الآراء والأفكار المعروضة، الأمر الذى يؤدى إلى تكوين الإرادة العامة التى تحقق الصالح العام .
وبهذا فإن ضمان إيجابية تأثير الأفكار والآراء ينشأ عن ضمان تعددها الذى ينشأ بدوره عن ضمان حريتها المطلقة .
وكما أوضح « جون ستيورات مل »، فإنه حيث يسود الاتفاق على عدم المجادلة فى المبادئ والعقائد والمسائل الكبرى التى تهم الإنسانية، نجد النشاط العقلى خاملاً ([12]). فتقييد حرية التعبير يؤدى إلى عدم وفرة الآراء والأفكار، وبالتالى إلى اعتياد العقل البشرى على الخمول الناتج عن عدم مكابدة عناء الاختيار، بل ويُضاف إلى ذلك تحويل الأفكار الكبرى المتفق عليها فى حياة الأفراد إلى أطر خاوية بلا مضامين، لأن عدم المناقشة لا يؤدى إلى نسيان الأسباب التى بُنيت عليها الآراء فحسب. بل يفضى غالباً إلى نسيان معانى الأراء حتى تعجز الألفاظ التى تعبـِّر عنها عن توصيلها للذهن. وبدلاً من أن يصبح الرأى فى الذهن فكرة واضحة وعقيدة مؤثرة. لا تبقى هناك إلا بضع كلمات جوفاء ترددها الذاكرة عن ظهر قلب ([13]).
إن إيجابية التأثير هى الهدف من حرية التعبير المطلقة التى تؤدى إلى تعدد الآراء والأفكار، وإلى إقامة المجتمع الديمقراطى الذى تتحقق فى ظله المصلحة العامة. وكما أكد
« جون ديوى »، فإن
الديمقراطية ليست غاية بحد ذاتها، ولكنها وسيلة يكتشف الناس ويوسعون ويُظهرون بواسطتها طبيعتهم الإنسانية الأصلية. فالديمقراطية تُنتج أناساً أحراراً، ذلك هو الهدف النهائى للمجتمع الديمقراطى, ليس إنتاج البضائع، ولكن إنتاج كائنات بشرية حرة يرتبط الواحد منها بالآخر بشروط المساواة ([14]).
ولكن السؤال المؤرق والجدير بالطرح ؛ هو : هل تضمن دائماً حرية التعبير المطلقة إيجابية التأثير ؟؟
وذلك فى ظل بروز إشكالية كبرى تطل بوجهها تتمثل فى : أن الأفعال تنشأ عن الأقوال والأفكار والمعلومات والأراء ، وأن بعض الأقوال والأفكار والمعلومات والآراء قد تقود إلى أفعال ضارة بالمجتمع؛ مما يؤدى إلى سلبية التأثير الناتج عن الحرية المطلقة للتعبير وعدم إيجابيته.
والواقع أن الارتباط بين الأقوال والأفكار والمعلومات والآراء وبين الأفعال حقيقة لا يمكن إنكارها. فعلى الرغم من اختلاف الإطار الرمزى للتعبير الإنسانى عن الإطار المادى للفعل الإنسانى، إلا أن الروابط بينهما شديدة التلازم فى ظل علاقة دائرية، بحيث يفضى كل منهما إلى الآخر. فالتعبير الإنسانى تصاحبه أو تنشأ عنه أفعال، والفعل الإنسانى تصاحبه أو تنشأ عنه تعبيرات رمزية. وبالطبع لا تؤرقنا الآثار المادية الإيجابية الناتجة عن التعبير الإنسانى، ولكن الذى يثير القلق بل وربما الفزع يتمثل فى الآثار الضارة المترتبة على ذلك التعبير.
وبالتالى، فإن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المجال هو:
هل نقلص إذن من المدى المطلق لحرية التعبير من أجل تلافى الآثار الضارة الناشئة عن نشر بعض الأقوال أو الآراء أو الأفكار أو المعلومات؟
ولعل الإجابة على هذا السؤال تتمثل فى :
أن النصوص القانونية المُقـيِّدة مسبقاً لمجال حرية الفعل الإنسانى - حتى لا تمتد آثاره الضارة إلى الآخرين - لا تنطبق بالضرورة على مجال حرية التعبير الإنسانى الذى هو رمزى بطبيعته، فحرية التعبير بمجالها الرمزى لا يجوز تقييدها بأية قيود قانونية مسبقة ، وإلا تم تفريغها بذلك من مضمونها ؛ وإنما الذى ينبغى مواجهته بالقانون هو الآثار الضارة المترتبة على التعبير الإنسانى . انطلاقاً من أنه إذا ما وقع الضرر بالفعل وخرج من دائرة الاحتمال إلى أرض الواقع ؛ فإن التعبير الإنسانى حينئذ يفقد طبيعته الرمزية ويكتسب طبيعة مادية تجعله خاضعاً للقانون .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن ما سبق يوضح .. أن السمات المميزة للإطار اللازم لحرية التعبير الإنسانى تؤدى إلى إيجابية التأثير الناشـئ عن حرية هذا التعبير ، باعتبار أن « رمزية » التعبير الإنســـــانى هى التى تجعله « مطلق » الحرية، وحريته المطلقة هى التى تكسبه « التعدد والتنوع »، وتعدده وتنوعه هما اللذان يضمنان « إيجابية تأثيره ».
ولكن رغم كل ما فندناه سابقاً ؛ فإن قدراً هائلاً من التخوف سيظل قائماً ومشهراً لدى أنصار الوصاية على حرية التعبير ؛ أو لدى المشفقين من التوابع المقلقة لهذه الحرية المطلقة ؛ باعتبار أنه رغم ترسانة القوانين الهائلة المُقـيِّدة لحرية التعبير فى واقعنا المصرى ؛ فإن قدراً من الانفلات الإعلامى يطل برأسه من حين لآخر . وبالتالى فإنه فى حال تبنى مبدأ الحرية المطلقة للتعبير ؛ فإن الأمر قد ينذر بحالة من التسيب الإعلامى المفرط ويؤدى إلى خلق ديكتاتورية إعلامية قد تغرى ضعاف النفوس أو الفاسدين أو المغرضين أو حتى المغمورين مهنياً على الخوض فى أعراض الناس والمشاهير والمسئولين الحكوميين دون حسيب أو رقيب .
وفى تقديرى ؛ فإن هذا التخوف رغم امتلاكه للكثير من مظاهر الوجاهة التى تجعله بمثابة كرسى فى الكلوب ؛ وضربة فى القلب لمبدأ الحرية المطلقة للتعبير . إلا أن التحليل العلمى والموضوعى يقودان إلى نتيجة معاكسة لذلك تماماً !!! وهذا هو ما سنفنده فى المحور التالى .

ثانياً : الحرية المطلقة للتعبير وديكتاتورية وسائل الإعلام :

( القانون هو القيود الحكيمة التى تجعل الناس أحراراً )
قول مأثور

( لا يجوز لأحد أن يفرض على غيره صمتاً ولو كان معززاً بالقانون )
المرحوم المستشار / عوض المر ـ رئيس المحكمة الدستورية الأسبق

ليست الحرية المطلقة للتعبير مجرد دعوة طوباوية يتطلع إليها بعض المثاليين المؤمنين بحرية الإنسان إلى أبعد مدى ؛ وإنما هى بالفعل واقع معاش تؤكده بعض التجارب الدستورية المرموقة والناجحة ؛ وتؤكده التطبيقات التكنولوجية المعاشة التى أفرزت البث التلفزيونى الفضائى المباشر وأفرزت شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى . الأمر الذى أدى إلى تسهيل مهمة المطالبين بكفالة الحرية المطلقة للتعبير ؛ وتصعيب مهمة المصرين على كبتها ومحاصرتها .
وعلى مستوى التجربة الدستورية المرموقة والناجحة ؛ يبرز التعديل الأول فى الدستور الأمريكى باعتباره التجربة العملية الرائدة فى العالم لإقرار مبدأ الحرية المطلقة للتعبير . حيث ينص التعديل الأول فى الدستور الأمريكى الذى تم العمل به اعتبارا من عام 1791م على الآتى :
" لا يجوز للكونجرس أن يصدر أى قانون ... يحد من حرية التعبير أو الصحافة ... " .
 " Congress shall make no law abridging the freedom of speech or of  the press "
ويضع الدستور الأمريكى بهذا القيد الملزم للسلطة التشريعية ؛ النموذج الدستورى الأمثل لضمان الحرية المطلقة للتعبير ؛ بحيث يمتنع على السلطة التشريعية إصدار أية تشريعات تحد من حرية التعبير . وإن حدث وتورطت السلطة التشريعية فى ذلك ؛ فإن مآل ذلك التشريع يكون الإلغاء أمام " المحكمة العليا " لمخالفته للتعديل الدستورى الأول .
وهذا الضمان الدستورى لعدم تقييد الحق فى حرية التعبير أو الصحافة بتدخلات تشريعية مسبقة ؛ لا يمنع الأفراد أو السلطات من الادعاء أمام المحاكم ضد ما يعتقدون إنه إساءة لاستخدام هذا الحق. ولكنه يضع على كاهل السلطات المتضررة أو أى متضرر آخر عبء إثبات الضرر الناتج عن ممارسة الحق فى حرية التعبير والصحافة ؛ ولا يضع هذا العبء على كاهل الشخص أو الجهة التى مارست ذلك الحق .
الأمر الذى يوضح أن الدستور الأمريكى يتعامل مع حرية التعبير باعتبارها حق من الحقوق الطبيعية التى يولد بها الإنسان ؛ ولا يتم منحها له من أى سلطة مهما كانت ؛ ومن ثم فهى حقوق غير قابلة للتقييد أو الالغاء .
وتوضح " نظرية الحقوق والحريات العامة " الفروق الحاسمة بين مفهوم الحقوق ومفهوم الحريات العامة . حيث يعنى مفهوم الحقوق أن للإنسان حقوق أساسية يستمدها من طبيعته البشرية ؛ وبذلك فهى تفرض نفسها على قوانين الدولة لأنها تستند إلى شرعية أعلى ؛ ولا حاجة لها باعتراف أو تكريس من قبل القانون الوضعى . بينما يشير مفهوم الحريات العامة إلى مجموعة الحقوق التى تكفلها وتعترف بها السلطة العمومية وهى بذلك تندرج فى دائرة القانون الوضعى (15) . 
وهذا يؤكد بأن الحق فى حرية التعبير ـ باعتباره حق من الحقوق الطبيعية للإنسان ـ لا يجوز تقييده بأى تشريع ؛ بما يغل يد السلطة التشريعية عن محاصرة أو تقييد أى ممارسة من ممارسات هذا الحق بقيد تشريعى مسبق . وإنما ينعقد الأمر حصراً للسلطة القضائية لكى تفصل فى المنازعات المتعلقة بإساءة ممارسة هذا الحق ؛ بحيث لا يجوز لها تجريم هذه الممارسة إلا لو فقد التعبير الإنسانى طابعه الرمزى وأسفر عن آثار مادية أو أدبية ضارة بالأشخاص أو الممتلكات أو البيئة الطبيعية .
وفى الواقع فإن استئصال أى تشريعات مقيدة لحرية التعبير بصورة مسبقة فى أى مجتمع ؛ لا يؤدى إلى خلق حالة من الفراغ التشريعى التى تقود إلى ديكتاتورية وسائل الإعلام وتدميرها لهذا المجتمع . والدليل ؛ أن 222 عاماً هى عمر التعديل الأول فى الدستور الأمريكى لم تؤدِ إلى ذلك . حيث تظل " النصوص العامة فى القانون العام " كافية وحدها ومستوفية لمواجهة أى حالات تتضمن إساءة لاستخدام الحق فى حرية التعبير ؛ وذلك دون أن تحتوى تلك  النصوص العامة على أى عبارة تشير من قريب أو من بعيد الى تقييد حق الناس فى الكلام والمعرفة بصورة مسبقة ؛ الأمر الذى يحتفظ للقضاء بقدرته على مواجهة أى آثار ضارة ناشئة عن إساءة ممارسة أى إنسان أو جهة للحق فى حرية التعبير .
 ولنضرب الأمثلة على ذلك ؛ من واقع نصوص ( القانون المصرى العام ) التى تتضمن 3 مواد قانونية عامة تكفى تماما لكى يتصدى القضاء لمواجهة أى إساءة لاستخدام الحق فى حرية التعبير ؛ دون الحاجة إلى عشرات المواد القانونية الخاصة الأخرى داخل القانون العام ذاته ؛ أو داخل القوانين الخاصة .
مثال ذلك ؛ ما تنص عليه المادة رقم (50) من القانون المدنى المصرى من أن :
" لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع فى حق من الحقوق الملازمة لشخصيته ، أن يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر ".
وما تنص عليه المادة رقم (163) من القانون المدنى من أن :
" كل خطأ سبب ضرراً للغير يُلزم من ارتكبه بالتعويض ".
وما تنص عليه المادة رقم (40) من قانون العقوبات من أنه :
" يُعد شريكاً فى الجريمة ( أولاً ) كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض ".  
وتوفر هذه المواد الثلاث حماية متكاملة لأى متضرر من إساءة استخدام أى شخص أو جهة للحق فى حرية التعبير .
فالمادة رقم 50 من القانون المدنى ؛ تكفل الحماية من أى اعتداء على أى حق من الحقوق الملازمة لشخصية الإنسان . فالترويع بالقتل أو التحريض عليه أو تعمد نشر معلومات غير صحيحة أو التحقير الموجه ضد طائفة أو ديانة .. إلخ ؛ كل ذلك يمثل اعتداء على حق الانسان فى الأمن والحياة والكرامة الإنسانية والاعتقاد ؛ وللمتضرر حق اللجوء للقضاء ليفصل فى مدى جدية هذا التهديد ؛ وإلزام مرتكبه بالتراجع عن هذا الاعتداء ؛ والتعهد بعدم التعرض والتعويض عن الأضرار .
والمادة رقم 163 من القانون المدنى ؛ تكفل الحماية من الخطأ ـ وليس التعمد ـ الناشئ عن إساءة ممارسة الحق فى حرية التعبير ؛ وبالتالى فإن نشر معلومات خاطئة دون تعمد بما أدى لحدوث ضرر ؛ هو أمر يمكن إدراجه ضمن نطاق هذه المادة ؛ بما يعطى القضاء الحق فى تعويض المتضرر .
أما المادة رقم 40 من قانون العقوبات ؛ فإنها تواجه التحريض الذى تحقق أثره ؛ وتعتبر المحرض شريكاً فى الجريمة التى حرض عليها .
وكما هو واضح ؛ فإن المواد الثلاث توفر حماية متكاملة ضد إساءة ممارسة الحق فى حرية التعبير ؛ انطلاقا من أن التعبير الإنسانى فى هذه الحالة يفقد إطاره وطابعه الرمزيين نظرا لما نتج عنه من آثار مادية أو أدبية ضارة بالأشخاص أو الممتلكات أو البيئة الطبيعية ؛ ومن ثم تسقط عن التعبير الإنسانى فى هذه الحالة حريته المطلقة ؛ لارتباطه بآثار مادية ضارة على أرض الواقع .
إذن نحن أمام نصوص قانونية عامة واضحة لا لبس فيها ؛ تنبع من نصوص القانون العام ؛ ولا يوجد بها كلمة واحدة تتعرض بالتقييد للحق فى حرية التعبير . الأمر الذى يوضح بأن ترسانة النصوص القانونية سيئة السمعة المقيدة لحرية التعبير التى تزخر بها الغابة التشريعية المصرية ؛ لا تشير إلا إلى حجم الكراهية التى يضمرها البعض لحرية الانسان فى الكلام والتفكير وحقه فى حرية المعلومات والمعرفة .
ومن ثم ؛ لا يجوز للسلطة التشريعية فى أى مجتمع ديموقراطى ؛ أن تصدر أى قوانين مسبقة تتولى استبعاد أى طائفة من التعبيرات الإنسانية من حيز التداول الإعلامى ومن حيز العلانية ؛ لمجرد احتمالية إنتاجها لآثار ضارة ؛ وإنما يتم ترك الأمر للقضاء ليقدر كل حالة وفقا لسياقها وفى ضوء النصوص القانونية العامة فى القانون العام .
وبذلك ؛ فإن الدعوة إلى الحرية المطلقة للتعبير رغم أنها تعنى عملياً إلغاء كافة القوانين المقيدة لحرية التعبير ؛ إلا أنها لا تؤدى إلى إفلات الإعلاميين أو القائمين بالاتصال من المثول أمام القضاء ؛ لمساءلتهم عن الأضرار الأدبية أو المادية التى ألحقوها بالآخرين نتيجة إساءة ممارسة الحق فى حرية التعبير ؛ وذلك بموجب النصوص العامة بالقانون العام السائدة فى كل النظم القانونية على مستوى العالم ؛ وليس بموجب مجموعة من القوانين الخاصة الكريهة التى تضع قيوداً مسبقة على هذا الحق .
ولكن الإشكالية التى تطل بوجهها فى هذا الأمر ؛ تتمثل فى أن الفكر السائد لدى أغلب الاعلاميين أنفسهم أو لدى العامة من الناس ؛ يميل إلى التعامل مع الحرية المطلقة للتعبير باعتبارها أمر غير مُبرر عملياً ؛ بل وإلى التسليم بأن تقييد هذه الحرية يكون أوفق وأكثر إفادة للمجتمع ؛ وذلك لوجود مخاطر حقيقية ينبغى مواجهتها بتشريعات مسبقة تحظر نشر طائفة من المعلومات والأفكار والآراء.
ولعل انخفاض سقف المطالبات المزمنة الصادرة من أغلب الحقوقيين والإعلاميين ؛ بما يجعل هذا السقف لا يتجاوز المطالبة بإلغاء عقوبة الحبس فى جرائم النشر واستبدالها بالغرامة ؛ هو أمر يوضح وللأسف ؛ بأن البعض لا يجد حرجاً فى وجود تشريعات مسبقة تقيد حرية التعبير ؛ وإنما الخلاف يتمحور فقط حول مدى شدة وجسامة العقوبة !!!!
والواقع أن هذا الفكر السائد هو الهاجس الذى يتولى أنصار الوصاية على حرية التعبير تضخيمه واستغلاله لزرع المخاوف من الحرية المطلقة للتعبير . وذلك رغم أن هذه المخاوف ليس لها أى وجود ؛ ولا تستند إلى أى مبررات منطقية ؛ إذا ما تم مناقشتها باستفاضة ووضعها تحت مجهر البحث والتحليل . وهذا ما سنناقشه فى المحور التالى .

ثالثاً : فوبيا الحرية المطلقة للتعبير ( مخاوف بلا مبررات ) :

( إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس فى المجال الذى لا يمكن أن تحيا بدونه ، فإن قدراً من التجاوز يتعين التسامح فيه ، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط فى بعض الآراء مستوجباً إعاقة تداولها ) . المرحوم الدكتور / عوض المُر ـ رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق

هل المخاوف التى يتم تسويقها لتبرير تقييد حرية التعبير بصورة مسبقة باستخدام ترسانة من القوانين سيئة السمعة ؛ هل هذه المخاوف تمتلك بالفعل مبررات وجودها ؛ أم أن وضع تلك المخاوف تحت مجهر التحليل والبحث ينسفها من أساسها ؟؟
فى الواقع ؛ فإن أنصار الوصاية على حرية التعبير يصنفون مجموعة من المواد الإعلامية باعتبارها غير قابلة للتداول الاعلامى ؛ وبالتالى يتم إخراجها من دائرة الحرية المكفولة للتعبير .  
ويمكن تصنيف هذه المواد الإعلامية التى تحظرها ترسانة القوانين سيئة السمعة ؛ وفقاً للآتى:
ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالأمن القومى والأسرار العامة
ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالإساءة للأديان وطوائف المجتمع
ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالسمعة والاعتبار وانتهاك الخصوصية والأسرار الخاصة
ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالإساءة لمبادئ المجتمع ورموزه وسلطاته
ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالتعليق على المحاكمات القضائية وانتهاك حظر نشرها
وقد يبدو للوهلة الأولى أن تلك المواد الإعلامية ينبغى بالفعل أن تخرج من دائرة حرية التعبير لحساسيتها ؛ وجسامة الأضرار المترتبة على الاقتراب منها . ولكن وضع تلك المواد تحت مجهر التحليل يوضح بأن العكس هو الصحيح ؛ وأن الأضرار التى تصيب المجتمع من جراء التعتيم عليها وتجريم الاقتراب منها ؛ أكبر من الأضرار التى قد تترتب على السماح بحرية التناول الإعلامى لها .
وسنتناول بالتحليل فى السطور القادمة المبررات المتهافتة التى يروج لها أنصار الوصاية على حرية التعبير ؛ لحظر بعض المواد الإعلامية ؛ كالآتى :

1ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالأمن القومى والأسرار العامة :
ن تخرج من دائرة حرية التعلبير ؛ أناا

يرىير يرى معارضو الحرية المطلقة للتعبير ؛ أنه لا يوجد أى مبرر يبيح نشر المواد الإعلامية التى تحمل صفة السرية أو تتعلق بالأمن القومى ، باعتبار أن النشر سيضر بالأمن القومى دون أدنى فائدة تعود على المجتمع . والواقع أن هذا المنطق يفتقر كثيراً إلى الدقة ، إذ أن تجريم نشر المعلومات السرية أو المتعلقة بالأمن القومى لا ينفى بالضرورة إمكانية الوصول إليها ؛ بما يعنى أن قدرة المؤسسات الإعلامية أو أى شخص آخر فى الوصول إلى المعلومات السرية تظل دائماً قائمة وممكنة ؛ ومن ثم فأن تلك القدرة تظل أيضا متوفرة بنفس الدرجة لأى عدو محتمل .
وبالتالى ؛ فإن عدم القدرة على نشر تلك المعلومات فى حال الحصول عليها بسبب تجريم نشرها ؛ رغم الإمكانية غير المستحيلة للوصول إليها ؛ سيؤدى إلى التعتيم على أى خلل أمنى قد أدى إلى تسربها ؛ وقد تغرى عدم القدرة على الإعلان عن هذا التسرب على احتمال إساءة استخدام هذه المعلومات . وهذا يوضح بأن عدم النشر أو عدم الإعلان عن الوصول إلى المعلومات السرية أو المتعلقة بالأمن القومى هو الذى  يضر بأمن المجتمع ؛ بينما النشر والإعلان هو الذى سيجنب المجتمع هذا الضرر ؛ لأنه سيكشف عن أوجه القصور فى الأداء فى مجالات حماية الأسرار المتعلقة بالأمن القومى؛ ويتيح للسلطات تدارك هذا القصور.
وهذا يوضح بأن النص فى القوانين التى تقيد حرية التعبيرعلى حظر نشر المعلومات السرية المتعلقة بالأمن القومى فى حال وصول وسائل الإعلام إليها ؛ هو أمر يبرر لوسائل الإعلام التعتيم على هذا التسرب المعلوماتى ؛ بما يغرى على إفساد أصحاب النفوس الضعيفة فى المؤسسات الإعلامية ؛ ويفتح الباب لبيع تلك المعلومات أو المتاجرة بها لأى عدو محتمل ؛ كما يساعد على توطن الفساد داخل أروقة مؤسسات الأمن القومى ؛ طالما ظلت كل المعلومات المتعلقة بها محصنة من النشر الإعلامى .
بينما فى ظل مناخ يكفل الحرية المطلقة للتعبير ؛ فإن المؤسسات الإعلامية ـ درءً للمسئولية القانونية فى القانون العام ـ ستلتزم بإعلانها الحصول على معلومات سرية مع إرجاء نشرها لفترة مناسبة ، بحيث تتوفر مهلة زمنية للجهات المسئولة لتتدارك الخلل فى نظامها الأمنى ؛ الأمر الذى يعود بالفائدة على المؤسسات الأمنية نتيجة النشر ؛ ويمنع من إمكانية اتهام المؤسسات الاعلامية أمام القضاء بنشر معلومات أدت إلى آثار مادية ضارة بالأمن القومى .

2ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالإساءة للأديان وطوائف المجتمع :
يتساءل معارضو الحرية المطلقة للتعبير عن الفائدة التى ستعود على المجتمع من السماح بنشر المواد الإعلامية الإلحادية أو المسيئة للأديان . انطلاقاً من انعدام أى فائدة ستعود على المجتمع من إباحة الهجوم على الحقائق الدينية المطلقة ، أو السماح بالتجريح فيها . باعتبار أن تلك الإباحة لن تساهم إلا فى زرع الشك أو إثارة الغضب فى نفوس المؤمنين ، نتيجة تعرضهم لرسائل إعلامية تحقر من إيمانهم أو تسئ لدينهم .
ولعل الرد على هذه الدعاوى يتمثل فى أن السماح بنشر الآراء المناهضة للأديان أو الآراء الإلحادية أفضل من حظرها وكبتها ، انطلاقاً من أن نشر تلك الآراء سيفتح الباب للرد عليها ؛ مما يوفر فرصة كبيرة لإمكانية إقناع بعض معتنقى تلك الآراء اللادينية بعدم صحتها ؛ أو على الأقل سيوفر الفرصة للمخالفين لتلك الآراء لكى يزدادوا إيماناً بمعتقداتهم الدينية نتيجة إشمئزازهم من الآراء المناهضة للعقائد .
وبالتالى ؛ فإن الفائدة التى ستعود على العقيدة الدينية ستكون متوفرة من كافة الجوانب فى حالة النشر . بينما سيؤدى الحظر إلى فتح الباب لتداول الآراء المعارضة للعقائد الدينية فى الخفاء ، وتوفير الفرصة لإيمان البعض بها دون تمحيص ، نتيجة عدم مواجهتها الجدلية مع الآراء الدينية.
علاوة على ذلك ؛ فإن اعتياد المجتمع على حظر الآراء المعارضة للعقائد الدينية سيؤدى إلى وهن إيمان المؤمنين بإيمانهم ، وذلك لاستبعاد إعمال العقل فيما يتعلق بتلك الأمور . مما يؤدى إلى التعامل معها فى إطار التواتر والاعتياد ، وليس العقلانية والاقتناع . ولعل هذا هو أخطر منزلق يمكن أن تنزلق إليه كافة العقائد الدينية ، لما سيؤدى إليه ذلك من فقدان للجوهر الأصيل الذى يميز كافة الرسالات السماوية ، والذى يتمثل فى الدعوة إلى إعمال العقل والتفكير والتدبر .
إن كفالة حرية التعبير للآراء التى تنال من العقائد الدينية ، تعد بمثابة أكبر دعم يمكن تقديمه لتلك العقائد ؛ لأنه بدون الحفاظ على جذوة النقاش والجدل مشتعلة حول هذه الحقائق ، فإن مآلها سيكون عندئذ إلى الجمود والتحجر والتكلس ؛ ومن ثم النسيان .
ولكن إذا ما أفترضنا جدلاً إمكانية تجاوز أنصار الوصاية على حرية التعبير عن الإساءة للعقائد الدينية ؛ فإنه من غير المحتمل أن يتجاوزوا عن الإساءة للقيم والأخلاقيات الدينية ؛ وخصوصاً ما يتعلق منها بالمشاهد والإيحاءات الجنسية أو المثيرة ؛ فى السينما أو التلفزيون أو الصحافة أو حتى فى الأعمال الإبداعية الأخرى . وذلك استناداً لمبرر واضح ؛ مفاده أنه لا فائدة على الإطلاق تعود على المجتمع من السماح بمشاهد العرى والإيحاءات الجنسية .
والواقع أن تحديد الأثر النافع أو الضار الذى قد يترتب على الحرية المطلقة للتعبير فيما يتعلق بالقيم والأخلاقيات الدينية ؛ هو أمر لا تختص به القوانين وإنما يختص به القضاء وفقاً للسياق الخاص بكل واقعة . وبالفعل فقد يجد الإنسان السوى أنه من غير المُبرر هذا الكم من العرى أو المشاهد والإيحاءات الجنسية التى يتم الإصرار عليها داخل بعض الأعمال التلفزيونية أو السينمائية أو الأدبية أو الإبداعية دون ضرورة فنية . ولكن ـ وبنفس المنطق ـ فإن إصدار قانون يحدد معايير أخلاقية معينة لتلك الأعمال هو أمر أيضاً غير مبرر . لأن محاولة إنشاء مجتمعات معقمة هى محاولة مكتوب عليها بالفشل وتتناقض مع الطبيعة الإنسانية المفطورة على الحرية . ولعل الفضائح التى يتم تداولها فى الإعلام حول الانتهاكات الجنسية التى يقوم بها بعض رجال الدين أنفسهم سواء فى المجتمعات الغربية أو الشرقية ؛ توضح بأن المجتمعات المعقمة مستحيلة الوجود على الأرض التى يسكنها البشر وليس الملائكة .
ولهذا فإن السماح ـ على مضض ـ بمشاهد العرى والايحاءات الجنسية وترك أمر الفصل فيها للقضاء وفقا للنصوص العامة بالقانون العام ؛ هو أمر يتفق مع جوهر الدين ولا يخالفه ؛ لأن الله سبحانه الذى خلق الإنسان على الأرض ؛ شاء بحكمته أيضاً أن تسكن تلك الأرض مليارات المليارات من الميكروبات الضارة بالإنسان ؛ وآلاف الآلاف من فصائل الحشرات الضارة والحيوانات المفترسة والنباتات السامة ؛ ورغم ذلك لم تنقرض الجماعة البشرية بل واصلت تقدمها وتطورها واستمراريتها .
وبنفس المنطق فإن عدم تقييد حرية الإنسان فى الإعلام والإبداع بقوانين استثنائية مسبقة ؛ وترك ذلك لكل متضرر وفقا للنصوص العامة بالقانون العام ؛ هو الأوفق والأكثر ملائمة لاحترام الطبيعة الإنسانية فى الاختيار بين الخير والشر . وعلى وسائل الإعلام فى مناخ يكفل الحرية المطلقة للتعبير أن تتخذ الإجراءات الكفيلة  باحترام حق الإنسان فى الاختيار ؛ من خلال التنويه عن المدى العمرى المناسب لمتابعة أعمالها ؛ أو التنويه عن الأعمال التى تتضمن مشاهد مثيرة ؛ بحيث يصبح الأمر متروكا لخيار الإنسان دون وصاية من أية قوانين استثنائية .
أما ما يتعلق بالإساءة إلى الطوائف التى يتكون منها المجتمع ؛ فإن الحجة التى يقدمها أنصار الوصاية على حرية التعبير واضحة ؛ وتتمثل فى أن السماح بالتنابذ الطائفى يفتح الباب للفتنة الطائفية التى قد تقود إلى حرب أهلية واقتتال داخلى يؤدى إلى تقسيم الأمة .
والواقع أن العكس فى هذا الأمر هو الصحيح ؛ لأن التعتيم على المشاكل أو المطالب الطائفية لنقل صورة كاذبة عن المجتمع تشي بوجود حالة من السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية الزائفة ؛ هو بمثابة تغذية للنار تحت الرماد إلى أن تندلع فجأة فى وجه كل الأطراف .
ولعل التنابذ الطائفى وفتح كافة الأبواب والنوافذ لكى يتم الاطلاع على كل ما هو مكنون فى الصدور ؛ لعل هذا هو الطريق الأوفق للسلام الاجتماعى الحقيقى القائم على المكاشفة . إذ أن كثيراً من الأفكار والتصورات المغلوطة  يتم إسباغها على الآخر المختلف فى العقيدة أو العرق فى ظل مناخ التعتيم ؛ بينما يؤدى مناخ الشفافية إلى تربية الناس على عدم التوجس من هذا الآخر المختلف ؛ وتكوين صورة حقيقية عنه ؛ ناتجة عن الوقائع المعاشة وليس التصورات المتخيلة .
ويمكن القول أن مناخ التعتيم هو الذى تعلو بداخله أصوات المتشددين والمتطرفين والعنصريين ؛ بينما فى ظل مناخ العلانية تنطلق أصوات المعتدلين الوسطيين المنفتحين .
ولعل تجربة الولايات المتحدة الأمريكية بتعدد أعراق مواطنيها وألوانهم ودياناتهم ؛ توضح بأن مناخ الحرية المطلقة للتعبير المكفول بموجب التعديل الدستورى الأول كان هو حصن الأمان لصهر ذلك التنوع فى بوتقة واحدة مع الحفاظ على هوية كل طرف . حيث استطاع الشعب الأمريكى فى ظل الحرية المطلقة للتعبير تجاوز حالة التميييز العنصرى أو أى مشاكل طائفية أخرى .
ولعلنا نتندر جميعا فى مصر على اللقاءات الرسمية التى يتبادل فيها كبار القيادات الدينية الأحضان ؛ بينما الخلافات الطائفية مطمورة داخل الصدور ؛ وعندما تنفجر لا يخجل الجميع من الاندهاش لوقوعها !!!
إذا كانت الحرية المطلقة للتعبير قد تفتح الباب للتنابذ الطائفى بين بعض المتشددين من كل طرف ؛ فإن فضح التشدد خير من التعتيم عليه ؛ والتنابذ الطائفى العلنى خير من الغل الطائفى المدفون فى الصدور . وتجارب الحياة تقرر بأن التربة التى لا تضربها الشمس تتكاثر بداخلها الآفات والكائنات الضارة ...... والشمس هنا هى : حرية التعبير .
  
3ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالإساءة لمبادئ المجتمع ورموزه وسلطاته :
يستميت أنصار الوصاية على حرية التعبير المحسوبين على جناح السلطة ؛ فى التحذير من النتائج الفادحة التى تترتب على فتح الباب للإساءة إلى « مبادئ ورموز وسلطات المجتمع ». ذلك أن مبادئ الدولة المستمدة من أيدلوجيتها ونظامها السياسي ، أو رموزها المادية (العَلَم الوطنى كمثال ) أو رموزها الدلالية ( النشيد الوطنى كمثال ) أو رموزها الإنسانية ( الشخصيات القيادية والقومية والتاريخية ) ، أو منظومة سلطاتها الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ؛ كل هذه الكيانات سواء أكانت : مبادئ ؛ أو رموز ؛ أو سلطات للمجتمع ؛ من الخطر المساس بها أو الاقتراب منها ؛ لأنها تمثل هيبة الدولة وسيادتها وقوتها .
والواقع أن إسباغ الحماية على تلك الكيانات ؛ من خلال حزمة كريهة من النصوص القانونية سيئة السمعة التى تتضمن مصطلحات مبهمة مثل : إهانة الرئيس ؛ أو العيب فى حق ملك أو رئيس دولة أو ممثل لدولة أجنبية ؛ أو المساس بأمن الحكومة أو كراهية نظام الحكم أو إزدرائه ؛ الواقع أن المبالغة فى توفير تلك الحماية ما هو إلا تعبير عن رغبة مريضة فى إضفاء التقديس على عدد من الأصنام الحكومية ، التى تطلب الحكومات المستبدة من رعاياها عبادتها ، بغرض فبركة شكل من أشكال الإجماع الشعبى المصطنع الذى يتم استثماره للترويج لشرعية الحكم واستقرار قواعده .
ولعل مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة يتناقض تماماً مع إسباغ القداسة على أى مبادئ أو رموز أو سلطات ، أيا كانت . انطلاقاً من أن الديمقراطية تحترم التعددية والتنوع وتؤمن بضرورة التغيير وأهميته ؛ وتتعامل مع المبادئ والسلطات والرموز فى المجتمع باعتبارها انعكاس لاجتهادات بشرية ؛ وتمثيل لكوادر إنسانية قد تخطئ أو تصيب ؛ وبالتالى ينبغى أن تنال حظها الدائم من النقد والمراجعة لضمان مسايرتها لواقع الحياة المتغير دائماً .
وتوضح تجارب المجتمعات الديمقراطية ؛ أن ترسيخ ممارسات النقد الدائم لمبادئها ورموزها وسلطاتها ؛ أو حتى السخرية منها ؛ لم تؤدِ إلى تدمير تلك المجتمعات ؛ بل كانت هى الضمان لتعظيم إحساس الدولة بمسئوليتها أمام مواطنيها ؛ الأمر الذى كفل التقدم والتطور نتيجة الجاهزية المجتمعية الدائمة للتعامل مع تلك الدولة باعتبارها وكيل لدى الشعب لممارسة جزء من سيادته ؛ وليست هى المظهر الأوحد لهذه السيادة.
  
4ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالإساءة للسمعة والاعتبار وانتهاك الخصوصية والأسرار الخاصة :
يرى معارضو الحرية المطلقة للتعبير أن الحفاظ على القوانين التى تجرم الإساءة للسمعة والاعتبار وانتهاك الخصوصية والأسرار الخاصة ؛ هو أمر يضمن عدم تحول المجتمع إلى غابة تقوم فيها وسائل الإعلام بدور الوحوش الكاسرة التى تمزق سمعة الناس وأعراضهم دون رقيب أو حسيب .
وكما أوضحنا من قبل ؛ فإن النصوص العامة بالقانون العام ؛ تكفى وحدها لكى يستعين بها أى متضرر فى مواجهة أى ممارسة تتضمن إساءة للسمعة أو الاعتبار أو انتهاك للخصوصية .
ولكن رغم ذلك ؛ فقد يتساءل البعض عن الفائدة التى ستعود على المجتمع من نشر وقائع حول شخصيات خاصة ( غير عامة ) تتعلق بحياتهم الخاصة وتتضمن انحرافاتهم الخاصة التى لا تتعلق بأى عمل عام .
ويتمثل الرد على ذلك ؛ فى أن الفائدة التى ستتحقق من النشر ستعود على بعض الأشخاص المرتبطين بالأطراف موضوع تلك المعلومات المنشورة ، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لهم للتعرف على بعض الحقائق المخفية بشأن ذويهم ، والتى ما كان سيتاح لهم معرفتها إلا من خلال النشر .
أما البعض الآخر من الأشخاص المرتبطين بالأطراف موضوع المعلومات المنشورة ؛ والذين قد يتضررون من النشر ، على اعتبار إنه يسئ إلى سمعتهم ومركزهم الأدبى فى المجتمع . فإن الرد عليهم يتمثل فى أن فشل أى فرد فى اتخاذ التدابير اللازمة لإخفاء انحرافاته الخاصة ، ينزع عن تلك الانحرافات صفة الحماية على الرغم من خصوصيتها وعدم تعلقها بنشاط عام أو بشخص عام . وطالما تم تداول هذه الانحرافات فى المجتمع بأى صورة ؛ بما أدى إلى وصولها لوسائل الإعلام دون اى ممارسات اقتحامية ؛ فإنه يحق للمؤسسات الإعلامية عندئذ التعامل مع هذه الانحرافات باعتبارها معلومات قابلة للنشر ؛ مع ممارسة التدخل الإعلامى المناسب من خلال استبعاد نشر الأسماء الكاملة للإشخاص موضوع المعلومات المنشورة والاكتفاء بنشر الحروف الأولى .
أما المواد الإعلامية التى تتعلق بسمعة واعتبار وخصوصية الشخصيات العامة والمسئولين الحكوميين ، والتى لا تتعلق بأى عمل عام وإنما تتضمن انحرافاًتهم الخاصة ؛ فإن ضريبة العمل العام هى التى تمنح المؤسسات الإعلامية الحق فى نشرها ؛ وذلك باعتبار أن مسئوليات العمل العام تفرض على القائم به أن ينأى بنفسه عن الانحراف ، حتى لا يتم استثمار ذلك الانحراف من أيه جهة لممارسة الضغط عليه .
وبالتالى ؛ فطالما لم يلتزم الشخص العام باتخاذ التدابير اللازمة لممارسة انحرافاته الخاصة فى الخفاء ، فإن المؤسسات الإعلامية عندئذ لن تكون أكثر حرصاً منه على إخفاء تلك الانحرافات ، بل يصبح من حقها نشرها كاملة ؛ وذلك باعتبار أن تلك الانحرافات تدخل بكل وضوح فى دائرة الصالح العام .
فالشخص العام لا يتمتع بأية حماية لحياته الخاصة ، وذلك لإمكانية تأثير حياته الخاصة على مسئولياته العامة . وبالتالى فإن أدق خصوصياته طالما فشل فى ممارستها فى إطار من السرية ، وطالما تم التوصل إليها بأساليب غير اقتحامية ومشروعة ، فإنها تصبح حينئذ متاحة للنشر .

5ـ المواد الإعلامية المتعلقة بالتعليق على المحاكمات القضائية وانتهاك حظر نشرها :
يرى أنصار الوصاية على حرية التعبير ؛ أن السماح للمؤسسات الإعلامية بالتعليق على المحاكمات القضائية يقود غالباً إلى نشر معلومات غير محايدة وغير متوازنة عن أطراف المحاكمات القضائية ؛ بما يؤدى إلى التأثير على القضاة والابتعاد بهم عن الحكم العادل الصحيح ؛ وينال من حق الأفراد فى المحاكمات العادلة ؛ الأمر الذى يبرر تجريم التعليق على المحاكمات القضائية ؛ بل والتوسع فى منح رجال القضاء صلاحية إصدار أوامر بحظر النشر أثناء النظر فى المحاكمات كلما كان ذلك يصب فى صالح المحاكمة .
والواقع أن الترويج لإمكانية تأثير ما تنشره وسائل الإعلام على القضاة ؛ ما هو إلا أسطورة تسوق لها دوائر الحكم الاستبدادية ؛ التى تريد للقضاء أن يكون بعيداً عن أعين الرأى العام ؛ حتى يتيسر لها الضغط على قضاته وتوجيه أحكامهم .
ولنستدعى إلى الذاكرة واقعة الحكم على الرئيس المخلوع مبارك ؛ وسندرك تماماً بأن وسائل الإعلام رغم كل ما كتبته وما عرضته من رغبة الشارع فى إعدام الرئيس ووزير داخليته وقيادات الشرطة ؛ إلا أن المحكمة  لم تتأثر ؛ وكان حكمها بتبرئة قيادات الشرطة والاكتفاء بالمؤبد للمخلوع والعادلى صادماً للرأى العام .
وبنفس الوتيرة جرت محاكمات ضباط وأفراد الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين ؛ وكانت الأحكام فى معظم تلك القضايا محبطة كذلك للرأى العام .
والواقع أن التجارب المتراكمة تؤكد أن القضاة لا يتأثرون بما تنشره وسائل الإعلام ؛ ولكنهم ـ وبكل الأسف ـ قد يرضخون ويستسلمون لضغوط السلطة الغاشمة المستبدة التى تستهين بكافة القوانين . فأى سلطة مستبدة تريد أن تتم المحاكمات القضائية فى الظلام بعيداً عن أعين الشعب صاحب السيادة ؛ لكى يتيح لها ذلك الانفراد بالقضاة وإغراءهم بذهب المعز أو ترهيبهم بسيفه .
إن سلامة الأحكام القضائية وتجردها كما تنبع من اعتمادها على ما بداخل الأوراق ؛ فإنها تنبع أيضاً من شفافيتها ؛ وتحصنها بمراقبة الرأى العام . وبالتالى ؛ علينا أن ننشغل بحماية القضاء من تغول السلطة التنفيذية ؛ ونسلم بأن هذه الحماية لن تتوفر إلا فى ظل رقابة الرأى العام المستمرة على كل ما يدور داخل قاعات المحاكم ؛ وداخل مكاتب وأروقة السلطة القضائية .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ
إن كل ما سبق يوضح أن المبررات التى يسوقها أنصار الوصاية على حرية التعبير لتكميم الأفواه وحظر المعلومات وكبت الآراء ؛ ما هى إلا مبررات واهية لا تصمد أمام التحليل العلمى ؛ ولا تتماسك أمام التجارب المجتمعية الواقعية التى مورست فيها الحرية المطلقة للتعبير ؛ ورغم ذلك لم تسفر عن انهيار المجتمع أو تقود إلى ديكتاتورية وسائل الإعلام .
ولكن ثمة تساؤلات جديرة بالطرح فى هذا المقام وهى :
هل تعتبر الدعوة إلى الحرية المطلقة للتعبير من الأولويات فى هذه المرحلة من واقعنا المعاصر؟
وألا تتناقض هذه الدعوة مع المبادئ الدينية ؟
وبالفعل لابد من الإجابة على هذه التساؤلات .. وهذا هو موضوع المحور التالى . 

رابعاً : الحرية المطلقة للتعبير فى ميزان الأولويات والمبادئ الدينية :

( النقد امتداد للنبوة .. ولولا النقاد لهلك الناس ؛ ولطغى الباطل على الحق ؛ ولامتطى الأرذال ظهور الأفاضل .. وبقدر ما يخفت صوت الناقد ؛ يرتفع صوت الدجال ) . بيرم التونسى

ـ هل تعتبر الدعوة إلى الحرية المطلقة للتعبير ـ إذا سلمنا بها جدلاً ـ من الأولويات فى هذه المرحلة من واقعنا المعاصر؟
ـ وألا تتناقض الدعوة إلى الحرية المطلقة للتعبير مع المبادئ الدينية ؟

من المتوقع ان يتبرم عدد ليس بالقليل من قراء هذه الدراسة التى دارت حول الدعوة الى الحرية المطلقة للتعبير ؛ ويتساءلون فى غضب : أين الأولويات ياحضرة المثقف النخبوى ؛ الذى يجلس فى برجه العاجى ويحلق فى أجواء الخيال ؛ ولا تلمس قدماه الواقع المؤسف المؤلم الذى يكتوى به الناس ؟!!
أى حرية تعبير مطلقة تلك التى تتحدث عنها ؛ والناس لا يجدون قوت يومهم ولا يشربون ولا يتنفسون إلا المياه والهواء الملوثين .
أى حرية تعبير مطلقة ؛ فى ظل المنازل التى تنهار على قاطنيها ؛ والكهرباء التى تنقطع ؛ والمياه التى صارت عزيزة ؛ والسولار الذى صار شحيحاً .
أى حرية تعبير مطلقة ؛ فى مواجهة غلاء الأسعار ؛ ومصاريف الدروس الخصوصية ؛ وكسوة المدارس ؛ وفواتير التليفونات وكروت المحمول .
أى حرية تعبير مطلقة ؛ تشفى من فيروس سى والفشل الكبدى والفشل الكلوى .
أى حرية تعبير مطلقة ؛ والأمن غائب عن الشوارع والأحياء والمصانع والشركات والمستشفيات.
و .... و ...... و .........
كثيرة بالفعل هى أوجاع وفواجع المصريين التى صارت مزمنة ؛ وراكمت الغبار الكثيف على العيون والعقول ؛ فصارت ـ ولها كل العذر ـ لا ترى ولا تدرك إلا صورة مضببة مغبشة للحياة وأولوياتها . بما يؤدى إلى أن يصبح هذا السؤال المتبرم الغاضب يمتلك وجاهته :
أى حرية مطلقة للتعبير توجع بها أدمغتنا فى ظل هذا الواقع الأليم ؟؟؟!!
ولكن وجاهة السؤال ما هى فى الواقع إلا وجاهة عصبية ومعكوسة ؛ وجاهة تم تضليلها وتشويهها نتيجة استمرار الضغط على أعصاب أصحابها .
وبالطبع يقرر منطق ( الأزمة ) ؛ أن الخبز له الأولوية عن الحرية ؛ وأن ( توفير الأكل ) ينبغى أن يتم بالضرورة قبل ( تحرير الكلام ) .
ولكن منطق ( البحث عن حل ) يؤكد ؛ بأن الخبز لن تحميه إلا الحرية ؛ وأن الأكل لن يتوفر إلا بتوفير الفرصة كاملة للكلام .
وهذا المنطق يستمد مبرراته من حقيقة بسيطة مفادها : أن مناخ القهر والتعتيم لا يصنع ـ فى معظم الأحوال ـ تنمية حقيقية توفر للناس الخبز . ولكنه حتى إذا صنع ؛ فإن مردود تلك التنمية لا يتوزع على كل الناس ؛ وإنما يذهب معظمه إلى الملتفين حول دوائر الحكم والسلطة ؛ فيعم الرخاء على فئة محدودة ؛ بينما الطبقة العريضة من الناس لا تجد الخبز .. ولا تجد الحرية .
وبالتالى فإن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المقام ؛ هو : أين ذهبت موارد مصر الغزيرة على مر السنين والعصور ؟ ولماذا كانت دائما لا تجد طريقها إلى بطون الناس وجيوبهم ؛ وإنما تختبئ وتتراكم دائما داخل بطون وجيوب الحكام والملتفين حولهم ؟
والاجابة ببساطة تتلخص فى الآتى : لأن الرقابة كانت دوماً غائبة ؛ ولأن الحرية كانت دوماً محاصرة أو مصادرة .
وبالتالى ؛ على كل من يجادل فى تحديد الأولويات بين الخبز والحرية ؛ أن يعرف حقيقة بسيطة أثبتتها تجارب الشعوب ؛ وهى : أن الخبز تحرسه الحرية . وأن الرقابة على المال العام والفساد الحكومى وجشع رأس المال ؛ لا تنمو إلا فى ظل مناخ يعترف بالحرية. مناخ  ينبذ القيود ويحتقر التعتيم ولا يحتكر الحقيقة .
وعلى كل من يجادل فى تحديد الأولويات بين الخبز وحق الناس فى المعرفة . أن يتذكر أن أول ما نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام من كلام الله تعالى ؛ لم يكن إزرع أو إصنع أو كُل واشرب ؛ وإنما كان : إقرأ ... إقرأ لتحصد نصيبك من المعرفة فتصنع الحضارة . وبالطبع المعرفة التى تقود إلى بناء الحضارة لا تنمو فى ظل قيود الحظر والتعتيم ؛ وإنما تبزغ فى ظل الآفاق المفتوحة والعقول الحرة .
وقد يجادل البعض بأن المعرفة المسموح بها هى التى تدور فقط فى إطار المبادئ الدينية ؛ وكل ما يتجاوز هذه المبادئ يخرج من الحيز المباح لحرية الإنسان فى التعبير ؛ ومن ثم فإن حرية التعبير فى ظل مجتمع متدين لا يمكن ولا ينبغى أن تكون مطلقة لأنها ستحلل ما حرمه الله .
والواقع أن هذه النظرة التبسيطية المخلة للمبادئ الدينية ؛ هى التى تخرج عن مراد الله الذى خلق الناس أحراراً ؛ عباداً فى طاعته ؛ ولكنهم أحرار فى التزام تلك الطاعة .
ولنقرأ معاً قول الله تعالى : ( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) سورة النساء ـ الآية 148 .
وقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) سورة إبراهيم / الآيات 24 ـ 27 .
وقوله تعالى : ( .. كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) سورة الرعد ـ الأية 17 .
وتوضح الآيات عدداً من القوانيـن الآلهيـة التى شـاء سـبحانه بحكمته ؛ أن تكون هادية لتفاعل الناس مع بعضهم البعض فى أمور دنياهم .
فرغم أن الجهر بالسوء من القول مكروه عند الله تعالى ؛ إلا أنه سبحانه أباحه لمن تعرض للظلم ؛ وهذا يوضح بأنه لا يجوز حظر السوء من القول بصورة مسبقة ؛ طالما كان كل سوء فى القول سيخضع للتمحيص إذا تضرر منه شخص ما أو جهة ما ؛ فإذا كان قائله تعرض للظلم أصبح قوله مباحاً ومستحقاً للجهر به ؛ وإذا كان قائله لم يتعرض لظلم صار قوله تشهيراً وتعريضاً وظلماً يستوجب توقيع العقاب عليه.
ونظراً لأن ( الإعلام ) بكل أنواعه ؛ يلعب فى المجتمع المعاصر دور المرآة التى تنعكس عليها قضايا الناس ومصالحهم ومظالمهم ؛ فإنه ينبغى تمكينه من الجهر بالسوء من القول دون محظورات مسبقة ؛ حتى يمكن تبين الظلم من العدل فى أى مجتمع .
ولا خوف من احتكار ( السوء من القول ) للساحة ؛ طالما كانت حرية التعبير مطلقة ؛ لأنه ثمة قوانين إلهية حاكمة تعمل فى الخفاء لتنضبط هذه الساحة ؛ فيذهب الزبد جفاءً ويمكث ما ينفع الناس فى الأرض ؛ انطلاقاً من أن الكلمة الطيبة أصلها ثابت والكلمة الخبيثة ما لها فى الأرض من قرار .
لا تتناقض الحرية المطلقة للتعبير إذن مع المبادئ الدينية ؛ ولا تتنازع مع الأولويات التى تقوم عليها حياة الناس ؛ وإنما هى جزء من هذه المبادئ الدينية التى منحها الله لعباده عندما خلقهم أحراراُ ؛ وأولوية من أولويات التقدم فى أى مجتمع لتأصيلها لنظام للرقابة المجتمعية المستمرة والفعالة .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( .. وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) سورة الإسراء ـ الآية 85 .
وهذا العلم القليل يوضح بأن قدرتنا على إدراك الحقيقة هى قدرة نسبية ؛ ومحدودة دائماً بحدود علمنا القليل المحدود . لذلك ليس مكتوباً للإنسان بعلمه المحدود أن يصل للحقيقة ؛ ولكنه مطالب فقط ببذل أقصى الجهد للاقتراب من حدودها . والسياق الوحيد الذى يكفل ذلك ؛ هو السياق الذى يعترف بالحرية المطلقة للتعبير ؛ بما يؤدى إلى تراكم أكبر قدر ممكن من هذا العلم المحدود ؛ ويقود للوصول إلى أقرب نقطة من حدود هذه الحقيقة ؛ التى لا سبيل فى هذه الحياة الدنيا للوصول إلى مركزها وقلبها .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
لأن الحقيقة نسبية ..
فإن حرية التعبير ينبغى أن تكون مطلقة ..
فلا أحد يمتلك الحقيقة ..
حتى يصادر حق الآخرين ..
فى محاولة الاقتراب من حدودها .. 
 ¶¶¶¶¶
دكتور / محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

الهوامش :




(*)    باحث متخصص فى علوم الإعلام والاتصال ؛ وفى قضايا الإصلاح الأمنى والشرطى .

([1])
Collins, Richard & Murroni, Cristina, New Media – New Policies. Cambridge: Polity Press, p. 95.

([2])    جون ستيوارت مل، عن الحرية. ترجمة عبد الكريم أحمد، سلسلة أمهات الكتب ( مهرجان القراءة للجميع - مكتبة الأسرة)، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. ص 86.

([3])    المرجع السابق، ص 92 - 93.

([4])    نفس المرجع ، ص 84.

([5])
Mattelart, Armand & Mattelart, Michele, Theories of Communication (a short Introduction). Translated by susan Gruenheck Taponier & James A. Cohen, London: SAGE Publications Ltd, p. 50.

([6])    و. رسل نيومان، مستقبل الجمهور المتلقى. ترجمة محمد جمول، سلسلة دراسات فلسفية وفكرية - عدد (22)، دمشق: وزارة الثقافة السورية. ص 119.

([7])    طارق حجى، نقد العقل العربى ( من عيوب تفكيرنا المعاصر ). سلسلة اقرأ عدد رقم (633)، القاهرة: دار المعارف.ص 83.

([8])     جون ستيوارت مل، مرجع سابق. ص 132.

([9])     نفس المرجع ، ص 135.

([10])   جون ستيوارت مل، المرجع السابق. ص 142.

([11])   جان جاك روسو، المختار من العقد الاجتماعى. ترجمة عبد الكريم أحمد، سلسلة أمهات الكتب ( مهرجان القراءة للجميع - مكتبة الأسرة)، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب. ص 50 - 51.

([12])   جون ستيورات مل، مرجع سابق. ص 114.

([13])   نفس المرجع , ص 122. 
     
([14])   نعوم تشومسكى، ضبط الرعاع ( حوارات أجراها معه: ديفيد بارساميان ). ترجمة هيثم على حجازى، ط 1، عمان: الأهلية للنشر والتوزيع. ص 231.

(15)   عبد الكريم جيزاوى : حق الاتصال وارتباطه بمفهوم الحرية والديموقراطية ؛ فى راسم الجمال وآخرين , المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم , إدارة الثقافة ـ تونس , المنظمة , ص 96 .

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق