07 أغسطس 2014

طاحونة الصراع على السلطة فى مصر

طاحونة الصراع على السلطة فى مصر

تاريخ النشر : 9 مايو 2012

دكتور / محمد محفوظ

عليك الاختيار ؛ بين الصعود إلى نخيل جوز الهند العالي ؛
أو قذف القرود بالطوب فتبادلك القذف بالثمار !!
( قول مأثور )

تنظر القوى اللاعبة على الساحة السياسية المصرية ؛ إلى اللحظة الراهنة باعتبارها لحظة جمع الثمار ؛ ولحظة الاستحقاقات الحقيقية ؛ ولحظة الجلوس على المقاعد فى لعبة كراسى السلطة الموسيقية ؛ كرسى الرئيس وكراسى كتابة الدستور وكراسى التشكيل الوزارى .
لذلك ؛ نحن أمام لحظة الذروة الدرامية فى التراجيديا المصرية ما بعد الثورية ؛ التى يتكثف فيها الصراع بين الشخصيات الرئيسية ؛ لينتصر الخير كما يحدث فى الواقع الدرامى الافتراضى ؛ أو ينهزم الشر على يد شرٍ أعتى منه كما يحدث غالباً فى الواقع الحياتى الحقيقى .
وبالتالى لم يعد هناك مجال لتزويق الألفاظ ؛ لأنه وبكل فجاجة : ما يحدث فى مصر الآن هو صراع مكشوف وسافر على السلطة بين مجموعة من اللاعبين ؛ يتفقون جميعاً فى الوسيلة ويتفقون أيضاً على النتيجة النهائية ؛ ولكنهم يختلفون فى النتائج الأولية ؛ ويختلفون أيضاً حول من الأحق منهم بهذه السلطة ؛ فكل منهم يراها كاملة له ؛ أو يريد بقبضته شطرها الأعظم ؛ أو يتطلع للسيطرة على نقاطها الحساسة والحيوية .
ولكن من هم هؤلاء اللاعبين ؛ وما هى وسيلتهم للوصول إلى النتائج الأولية التى ستصل بهم إلى النتيجة النهائية وهى : مقاعد السلطة ؟
يمكن التقرير بأن ملعب الصراع على السلطة يضم 3 أطراف رئيسية ؛ وسيلتهم المعتمدة جميعاً للسيطرة على الملعب ؛ هى : ( إشعال فتيل الفوضى فى مصر ) ؛ نعم ؛ الوسيلة هى ( الفوضى ) ؛ انطلاقاً من استدعاء أجواء إستراتيجية حافة الهاوية ؛ باعتبارها الإستراتيجية التى تصل بالأحداث إلى مداها ؛ فيفرض كل فصيل قوته على الأرض ؛ ليعزز بذلك من مركزه على مائدة المفاوضات السرية .. وهذه الأطراف هى :

1ـ المجلس العسكرى : ويرى المجلس العسكرى أن إشعال فتيل الفوضى سيؤدى إلى تحقيق النتيجة الأولية التى يسعى إليها ؛ وهى :
ـ إما إطالة الفترة الانتقالية وتأجيل الانتخابات الرئاسية ؛ بما يؤدى إلى كتابة الدستور فى ظل إدارة المجلس العسكرى للفترة الانتقالية ؛ الأمر الذى يعزز من قدرته على التفاوض مع جماعة الإخوان لفرض نصوص دستورية تحافظ على مكانة المؤسسة العسكرية ؛ ونصوص أخرى تؤدى إلى تقاسم السلطة بين برلمان إسلامى وحكومة إخوانية ؛ وبين رئيس ينتمى للعسكر أو يستمد قوته من دعمهم له .
ـ وإما تعزيز الانطباع لدى جمهور الناخبين ؛ فى حال إجراء الانتخابات الرئاسية فى موعدها ؛ بأن الأوضاع الملتهبة فى مصر نتيجة حالة الفوضى تحتاج من أجل السيطرة عليها ؛ إلى رئيس ينتمى للمؤسسة العسكرية أو على الأقل يحظى بتأييدها ودعمها ومساندتها ؛ وإلى دستور يؤكد على مكانة المؤسسة العسكرية باعتبارها رمانة الميزان .

2ـ جماعة الإخوان : وترى الجماعة بأن إشعال فتيل الفوضى سيقود إلى النتيجة الأولية التى تسعى إليها ؛ وهى :
ـ إما إجبار المجلس العسكرى على إقالة الحكومة وتكليف حكومة إخوانية ؛ يمكن من خلالها ضمان تحويل التشريعات إلى إجراءات تنفيذية على الأرض ؛ لمغازلة الجماهير العريضة بمجموعة من المكاسب السريعة الوقتية ؛ وبحيث يتزامن ذلك مع كتابة الدستور وإجراء انتخابات الرئاسة فى موعدها أو بعد حين ؛ ومن ثم تنساق الجماهير لتوجهات الإخوان الدستورية ؛ كا تنساق لللتصويت لمرشحهم الرئاسى ؛ بما يحقق سيطرة الإخوان على السلطات الثلاث فى مصر  .
ـ وإما تعزيز الانطباع لدى المجلس العسكرى ؛ بأن جرأة الإخوان على الحشد تتجاوز ميدان التحرير ويمكن أن تصل إلى وزارة الدفاع ؛ وبالتالى تصبح مائدة المفاوضات هى الخيار الأنسب للعسكر رغم التنازلات الكبيرة ؛ إذ ستوفر لهم مخرج أو نصيب ولو محدود فى السلطة ؛ بدلاً من المستقبل المجهول وغير الآمن .

3ـ التيار السلفي :  ويرى السلفيون بقيادة حزب النور وجماعة الدعوة السلفية ومرشحهم المستبعد حازم أبواسماعيل ؛ بأن إشعال فتيل الفوضى سيقود إلى النتيجة الأولية التى يسعون إليها ؛ وهى :
ـ إما إسقاط أو إضعاف المجلس العسكرى من خلال محاصرة وزارة الدفاع ؛ بما يؤدى إلى حتمية تأجيل أو إلغاء انتخابات الرئاسة ؛ وإعادتها وفقاً لترتيبات جديدة تضمن عودة مرشحهم حازم أبو إسماعيل إلى قائمة المرشحين فى ظل توقعاتهم بفوزه الساحق فى تلك الانتخابات .
ـ وإما نقل الانطباع للمجلس العسكرى والإخوان معاً ؛ بأن التيار السلفى قوة لا ينبغى الاستهانة بها ؛ وأن أى مفاوضات بين العسكر والإخوان ينبغى أن يتوفر فيها مقعد ثالث للسلفيين ؛ الأمر الذى يوفر للتيار السلفى مكسباً مضموناً ؛ سواء من ناحية العسكر الذين فى محاولة منهم لاستمالة السلفيين فقد يضغطون على الإخوان للتخلى عن بعض المقاعد الوزارية لحزب النور ؛ أو سواء من ناحية الإخوان الذين يضغط السلفيون عليهم بورقة دعم المرشح الرئاسى عبد المنعم أبو الفتوح لمساومتهم على بعض المقاعد الوزارية ؛ فإذا تم الاتفاق فإن الدعم سيتحول إلى مرشح الإخوان دكتور محمد مرسى .

... إذن نحن أمام ثلاثة أطراف من مصلحتها جميعاً إشعال فتيل الفوضى فى مصر من خلال إستراتيجية حافة الهاوية ؛ بما يسمح إما بخلق أوضاع تتيح القفز على السلطة والتكويش عليها ؛ أو يسمح بتقوية المراكز على الأرض وترجمتها إلى مكاسب سياسية على موائد المفاوضات السرية .
والواقع ؛ إنه ربما تكون تلك المفاوضات قد بدأت بالفعل عقب أحداث وزارة الدفاع ؛ أو أن الأمر مازال فى حاجة الى جولات أخرى لإشعال فتيل الفوضى للاقتراب من الهاوية أكثر فأكثر .
وهذا يوضح ؛ بأن طاحونة الصراع على السلطة فى مصر ما بعد الثورة ؛ تستمد وقودها من تكسير العظام وإسالة الدماء وإزهاق الأرواح .
الأمر الذى يدفع إلى التساؤل : إذا كان إسقاط رأس النظام احتاج إلى ألف شهيد وآلاف المصابين ؛ فما هو العدد المطوب من الشهداء والمصابين لقطف ثمار السلطة وتنصيب رأس جديد لذات النظام أو لنظام لا يختلف عنه إلا قليلاً ؟؟؟؟؟؟
الإجابة بالطبع ليست عند الثوار الذين مازالوا يبحثون عن وسيلة للصعود إلى النخلة ؛ وإنما الإجابة عند الجالسين أعلى النخلة وعند جامعي الطوب تحتها .
وفى حالتنا المصرية ؛ سواء من هم أعلى النخلة أو من هم يجمعون الطوب تحتها ... فكلهم قرود !!!!
     *****
دكتور/ محمد محفوظ
dr.mmahfouz64@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق